الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيزيس

اخلاص موسى فرنسيس
(Eklas Francis)

2021 / 4 / 5
الادب والفن


شهيّ أنت كالحياةِ
تعربدُ الأشواق، تسكرني
تطوي يوماً آخر، ودمعة تسري
خنجر ينهش لحمي غيابه
أردتك فجراً، عشقتك نوراً
عجباً، كيف لوجعكَ أن يغريني
أغنّيهِ لعلّ الصبر يأتيني
فقد أضنى قلبي السهادُ
صقل روحي ألمٌ أكابده
حتى وإن دنا بعاده

تحسّست منى طريقها في عتمة الفجر، وهي ترتدي ثوبها القصير ذات الأكمام القصيرة، المشجّر بكلّ أنواع الورود، كانت قد اشترتها مع أوائل الربيع لشدّة إعجابها بالورود المنقوشة عليه، وراحت تفتّش عن القبعة ترتديها، وهي في طريقها إلى نزهتها الصباحية المعتادة على شاطئ البحر.
كان الحرّ قد بدأ يرتفع تدريجيّاً مع اقتراب الصيف، والملاذ الوحيد للأحلام، ولطلب العزلة البحر والشاطئ.
الإسكندرية مدينة المقدوني العابقة بتاريخها مثل باقي الأماكن في مصر، القلعة التي تنتصب عن بعد، والموج يطرب أساساتها، كانت منى حريصة في حركتها على ألّا تحدث جلبة لئلّا توقظ الأب الشيخ الذي عاد لتوه من رحلة الصيد، وارتمى على سريره منهكاً، لكن عبثاً، وباءت محاولتها بالفشل، فتح عينيه وبصوته الأجشّ قال:
إلى الشاطئ كما كلّ يوم
ابتسمت
"متى تكبرين يا طفلتي، خلي بالك، الموج النهار ده عالي".
راحت تجدل شعرها الأسود الطويل إلى جانب وجهها الأيسر مما جعل بياض وجهها يبدو أنصع، العيون البنية والفم الصغير. كان شعاع الفجر بدأ يتسرّب من بين الستائر، حملت كوب قهوتها، وقبّلت الأب الشيخ على جبينه، وخرجت من الباب نحو البحر الذي يبعد مسافة خمس دقائق سيراً على الأقدام.
إنّه يوم الأحد، كلّ الأيام على البحر متشابهة، ولكن الأحلام تختلف، لكلّ يوم حلمه، الريح الخفيفة أنعشت ذاكرتها، لآخر كلمات قرأتها في كتابها الصغير الذي يحكي عن تاريخ مصر والفراعنة وسلالتهم التاريخ يستهويها مثله مثل الشعر.

وصلت إلى الشاطئ، وصدرها مترع بالأحلام، بعض الصيادين ما زالوا يشدّون الشباك، أنهكم البحر، ولوح جباههم. الشمس بدأت تتسرّب على صفحة الموج، أشعّتها تتراقص، بعض من محبّي الفجر ينتشرون على طول الشاطئ، اعتادت على رؤيتهم يوميّاً، البعض يمارس رياضته الصباحية، والبعض الآخر يحتسي القهوة، ومنهم من يرمي الخبز لطيور النورس، ويتمتعون بالمشاهدة. سارت بمحاذاة الشاطئ إلى صخرتها المفضّلة البعيدة عن العيون الفضولية، ولكن هذا الصباح كان هناك من يشغلها. امتعضت منى، وقرّرت أن تقف على هوية هذا الذي اقتحم صخرتها.
اقتربت منه يقرأ في كتاب، ويتأمّل البحر بين الفينة والأخرى، ولانشغاله لم يلاحظها.
صباح الخير
صباح الخير بلكنته الغريبة أجابها، وقد بدت المفاجأة على وجهه.
لأول مرة أراك هنا، هل أنت غريب؟
نعم أجاب.
وهل تعرفين كلّ من يؤمّ الشاطئ؟
هذه الصخرة نعم أعرف كلّ من يجلس عليها كلّ صباح.
أجاب:
أنا، هذه صخرتي، وابتسمت في خجل
ابتسم، آسف لأنّي شغلت صخرتك،
لا بأس،
لأول مرة لم ترغب في البقاء وحيدة.
ماذا تقرأ؟
الشعر،
أنا أعشق الشعر،
ابتسم مجيباً بإيماءة من رأسه
لست مصريّاً، لك لهجة غريبة؟
صدقت، لست مصريّاً.
سوري؟
سوري كردي؟
وماذا تفعل هنا؟ هل أنت ممن أصابتهم الحرب، وهجرتهم من قراهم؟
لم يرد أن يجيب بل أشاح بنظره إلى البحر، ولكن لا بدّ أن يجيب، اقتحم صخرتها، وها هي تقتحم خلوة روحه وأوجاعه.
نعم ولا، أنا هنا في مهمّة بحث عن تاريخنا، فهناك ما يربطنا نحن الأكراد بمصر.
يربطكم؟ سألت باستهجان كيف؟

إنّ ذلك الارتباط يعود إلى نفرتيتي بنت مليكة الحثي، وابنة بلدتي "واشو كاني"، رأس العين حاليّاً، نفرتيتي تلك الأميرة الكردية التي تزوجها تحتموس الرابع، وأتت بعبادة الشمس إلى هذه الأصقاع عبر الإله رع، إله الشمس المعروف.
رع تعني بالفرعونية شمس، وجذرها كردي من روني أو رو ممّا يعني الشمس، وروز باش المقطع الأول، رو يعني نهار أو شمس، و روز باش تعني نهاركم سعيد، شامبليون من هذه الكلمة استطاع فكّ شيفرة حجر الرشيد، وفكّ سرّ الأبجدية الفرعونية في أثناء حملة نابليون بونابرت على مصر
1897

كانت تصغي إليه باهتمام وبإعجاب عميق.
ما هذا الكتاب الذي تقرأ؟
إنّه آخر ديوان شعر أصدرته.
هل تسمح أن أقرأ؟
ناولها الكتاب دون أيّ كلمة
راحت تتصفحه بسرعة، تسير بين صفحاته، تحاول أن تقرأ، وما إن تبدأ بقصيدة حتى يكملها غيباً، شدّها سحر الكلام والخصلات البيضاء المتدلية من رأسه، لم يكن صغيراً، لكنّه كان يتمتّع برجولة وجاذبية غريبة.
راحت تستفسر عن سكنه وحياته.
لننزل الماء، قالت
ترك كتابه على الصخرة، ونزلا معاً إلى المياه الباردة قليلاً، وافترشا الرمل،
يعانق زبد البحر قدميهما، ويسيران في رحلة أسطورية.
الشاعر الكردي سليل نفرتيتي والأميرة إيزيس الفرعونية الخارجة من التاريخ القديم، ليدخلا معاً متحف الفراعنة، من معبد الكرنك، في مركبها الملكي تعبر النيل نحو الشمس، معاً يصغيان لموسيقا الأمواج. بدأت الشمس ترتفع أكثر، وحرارتها تلفح الأجساد الممتدّة على الشاطئ في عناق. دعته إلى معبد الكرنك لتستظلّ بين جدرانه قليلاً بعيداً عن العيون الفضولية.
سمعت من بعيد صوت أبيها يقول:
إن أردت أن تكوني سعيدة فاتحي أبواب الحلم، واغرفي من معرفة تاريخك، من هناك سيخرج أمير الحياة.
تطلّعت إلى الرجل الممدّد إلى جانبها على الرمل، ومدّت يدها، ومسحت شفتيه بقبلة فرعونية شغفة
اتسع الحلم وبدا حقيقة.
هل يستسلم لعذوبة الشفاه، أم يعود أدراجه إلى تلك الجدران، كأنّه في غيبوبة عن نفسه، وبدت له وكأنها تقتنص الحياة قبل أن تسحقها.
لملمت أشياءها، وقالت:
سأعود، أحزم حقيبة سفري، وأعود مساء، لآخذك في رحلة استكشافية عن قرب، ندخل الأهرام خوفو وخفرع، ونسجل هناك تاريخاً جديداً من تاريخك الهارب، ومنها إلى الأقصر، إلى مقابر الملوك، تبحث عن رفات الأجداد، نركب الجندول، ونزور المقاهي القديمة في القاهرة.
ثمّ أردفت قائلة: يقول أبي دائماً إن أردت أن تكوني سعيدة فابحثي عن شخص غريب.
هل أنت غريب؟
مرّر يده فوق جبينها وشفتيها مرتين، لم يجب.
رفعت رأسها، وعندئذ اعتراها إحساس مختلف،
استكملت هي رحلة التخطيط، وقالت: ماذا يهمّك فأنت غريب؟
أخذ دفتره، وراح يدوّن بعض الكلمات.
ماذا جرى قالت؟
لم يجب بل استمرّ في الكتابة
لقد جننت
واستمرّ بالكتابة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق