الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان بين التوكل و المسؤولية /2

احمد الحمد المندلاوي

2021 / 4 / 5
مقابلات و حوارات


# نواصل:{ولا تقولنَّ لشيءٍ إني فاعلٌ ذلكَ غداً* إلا أنْ يشاءَ الله واذكرْ ربَّكَ إذا نسيتَ وقُلْ عسى أنْ يهدينِ ربي لأقربَ منْ هذا رشَداً} "الكهف/23 ـ24".
{وَما تشاؤونَ إلا انْ يشاءَ الله إنَّ الله كانَ عليماً حكيماً} "الانسان/30"
وقد جاء الحديث الشريف عن الامام جعفر بن محمد الصادق "ع" أنواراً كاشفة، واداة فكرية معبرة عن تفسير الاسلام للعلاقة بين الحوادث وبين الله سبحانه.
((لا يكون شيء في السماوات ولا في الارض الا بسبع: بقضاء وقدر وارادة ومشيئة وكتاب واجل وإذن، فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله، او ردّ على الله عزّ وجلّ)) .
وبذا كشف الحديث عن ان المشيئة الانسانية ليست الا تقديراً فكرياً للاشياء، ورغبة داخلية في تحصيل الاحداث، والنتائج التي يتصورها الإنسان ويظن انها تحقق خيره، وتنسجم مع مسيرة الوجود، ووحدة نظامه وهدفه، ولذا فان هذا التصور ليس ضرورياً ان يتطابق مع ما يجب ان يكون ويحدث في الوجود، لذلك نهى القرآن الكريم النبي العظيم "ص" عن الجزم بحدوث شيء وحصوله اعتماداً على تقديره الانساني الخاص ما زال هذا الشيء مطوياً في ضمير الوجود وغيباً لم يتحقق بعد، ووجه نظره الى ان المشيئة الالهية التي سبقت مشيئة الإنسان هي القوة الماضية في التقدير والايجاد: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلكَ غداً * إلا ان يشاءَ الله..} "الكهف/ 23 ـ 24".
{وما تشاؤونَ إلا أنْ يشاءَ الله ربُّ العالمينَ} "التكوير/29".
فليس للانسان مشيئة تستطيع الشذوذ او الاستقلال عن مشيئة الله إلا بعد ان يأذن الله بذلك.
وقد جاء هذا المعنى واضحاً بقوله تعالى : {وما هُمْ بضارينَ بهِ منْ أحدٍ إلا باذنِ الله} "البقرة/102".
فكل شيء منطوٍ تحت مشيئته، ومتوقف على اذنه، ولولا تلك الاحاطة والهيمنة لتعرض الكون والحياة الى العبث والفوضى بعد فقد التقدير المتقن، والحساب الموزون: {وان منْ شيءٍ إلا عندنا خزائنُهُ وما ننزّلُهُ إلا بقدرٍ معلومٍ} "الحجر / 21".
{إنا كلَّ شيءٍ خلقْناهُ بقدرٍ} "القمر/49".
فلو كانت الارادة الانسانية تتصرف بلا حدود، والاسباب الطبيعية تنتج وتولد بلا تخطيط وتدبير وتقدير مسبق لما امكن ضبط الوجود، ولما كان هناك نظام في الطبيعة ولا في المجتمع.
ونحن نشاهد في الحياة اليومية الاعتيادية امثلة كثيرة تؤيد عدم قدرة الاسباب الطبيعية على الاستقلالية والتحكم الذاتي في الوجود. ومثال ذلك ان الاسباب المنتجة للمطر قائمة ومتوفرة في الوجود، وفي الطبيعة بمختلف العصور والازمان، وامكان توالدبعضها من بعض حسب منطق القانون الطبيعي امر ممكن، ومع هذا فان هذه الامكانية السببية لا تستطيع ان تؤدي دورها دائماً، ولا ان تعطي نتائجها بطريقة ميكانيكية محضة، لذا نشاهد الجفاف واحتباس المطر محنة يعاني منها الإنسان ، فنشاهد اختلاف مقاديره من عام الى عام، ومن فترة الى فترة، ولو كان الامر طبيعياً صرفاً لكان انتاجه واحداً، ومقداره ثابتاً في امكنة وازمنة محددة: {وانزلْنا مِنَ السماءِ ماءً بقدرٍ فأسكنَّاهُ في الأرضِ} "المؤمنون/18".
وفي الحياة الانسانية نشاهد ان نسبة الذكور الى الاناث ثابتة تقريباً، وهي زيادة عدد الاناث على عدد الذكور في المجموعة البشرية، وان هذه العلاقة لا تتغير على الرغم من ان الاسباب الطبيعية للايجاد الذكري والانثوي متوفرة بدرجة واحدة، ولكن ميلان معادلة الايجاد الى جانب عدد الاناث هو الساري في الوجود، مما يعبر عن حكمة وتخطيط الهي مسبق. وسبحان الله القائل: {للهِ مُلكُ السماواتِ والأرضِ يخلُقُ ما يشاءُ يهَبِ لمن يشاءُ إناثاً ويهبُ لمنْ يشاءُ الذّكور* أو يزوِّجهُمْ ذُكراناً وإناثاً ويجعلُ منْ يشاءُ عقيماً إنهُ عليمٌ قديرٌ}"الشورى/ 49/50".
ولو قدر للانسان ان يغير في نوعية المواليد عن طريق التأثير على الحيامن او البيوضات، فانه سيعرض وجود الانسان الى كارثة فادحة تؤدي الى اختلال النظام العددي والاجتماعي في تركيب الحياة.
ويجب ان نلتفت الى ان هذا الذي سيحدثه الإنسان ـ لو قدر له الحدوث ـ ليس بغالب لمشيئة الله وتقديره، فالعملية بكامل وجودها لم تخرج على قوانين الطبيعة والتكوين التي قدر الله سبحانه لها النتائج المتباينة في الظروف المتباينة، وانما يحدث من محاولات لتغيير النوع، وحرف لنظام الطبيعة، انما يعبر عن النتيجة التي ينتهي اليها تفكير الإنسان الذي لا يؤمن بعدل الله وحكمته: {ولو شاءَ الله ما فعلوهُ فذَرْهمْ وما يفترونَ} " الانعام/ 137".
وفي الحديث الشريف القدسي المروي عن الامام الصادق "ع" نقرأ: ((يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعاً بصيراً، قوياً، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذاك أني اولى بحسناتك منك، وأنت اولى بسيئاتك مني، وذاك إنني لا أسأل عما أفعل وهم يُسألون))
وهكذا يشهد كل شيء في الوجود على ان الله سبحانه بحكمته ومشيئته جعل الاسباب والعلل قادرة على التأثير والايجاد، وهو الذي مكن الانسان من ايقاع كل افعاله ومقرراته وفق قانون السببية، لذا كان هو المسؤول عنها والمحاسب عليها. ولذا كان التوكل لا يتعارض مع دور السبب المؤثر في الوجود.
فالدواء سبب للشفاء.
وطلب العلم سبب للمعرفة.
والقوة سبب للنصر في القتال.
والعمل سبب لتحصيل المعاش.
والجاذبية سبب لتنظيم العلاقة بين الكواكب.
والحركة سبب للتغير.
والظلم سبب لشقاء الإنسان واختلال نظام المجتمع .. الخ.
وعند تحليل دراستنا التي عرضناها آنفاً، وتركيز الافكار الرئيسة فيها، نصل الى نتيجة نهائية في مفهوم التوكل وهي ان التوكل هو الاعتماد المطلق على الله سبحانه وتفويض الامر اليه، والاعتقاد بانه هو المؤثر، والفاعل، والمقدر للامور، وان الاسباب التي نشاهدها في الحياة، ماهي الا شروط جعلها الله سبحانه لتنفيذ ارادته ومشيئته، وما هي الا اسباب جعلها الله بحكمته اساساً لتسيير الوجود ـ حسب طبيعته وتكوينه ـ ولا يمكن للانسان ان يهتدي اليها، او تأخذ تلك الاسباب دورها الطبيعي في سلسلة الاحداث الا بارادة وعلم من الله سبحانه .
{وسِعَ ربنا كلَّ شيءٍ علماً على الله توكلْنا} "الاعراف:89" ،يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال