الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الفوضى العارمة إلى شيء من النظام..! العلاقات الدولية في مفترق الطرق

محمد عبد الشفيع عيسى

2021 / 4 / 6
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لقد كانت "مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية" حقبة زاهية حقّاً فى التاريخ الإنساني. تلك المرحلة كانت شهدت تدشين ما ظلت البشرية المعذّبة تحلم به منذ ظهر "الإنسان العاقل" على سطح الكرة الأرضية قبل خمسين ألف عام تقريباً. إنه "القانون الدولى العام والشامل" و "التنظيم الدولى على المستويين العالمى والإقليمي" ، اللذين شرعا في التشكل على مهل خلال العصر الحديث، اعتباراً من القرن السادس عشر .. قبل ذلك كان قد ساد "العنف الاعتباطى" المتقطع زماناً ومكاناً فى مسار العلاقات بين الجماعات البشرية خلال " ما قبل التاريخ" ثم خلال "التاريخ " فى العصور القديمة قبل وبعد ميلاد المسيح، و في العصور الوسطى، متأرجحاً بين الالتزام النسبي بشرائع الدين والعرف والفطرة لدى البعض حيناً، وبين ممارسة العنف " الظالم" لدى بعض آخر حيناً ثانياً. ومن أسف أن العصر الحديث (بدءً من القرن السادس عشر) الذى شهد ظهور بشائر القانون والنظام ، كان هو الذى شهد ظاهرة "الاستعمار" من جانب أوربا تجاه سائر العالم "ما وراء البحار" ، فكان ظهور القانون والنظام ظهوراً جزئياً ومتقطعاً ، وظلّ طيف العنف والحرب مهيمناً على العلاقات بين الجماعات البشرية ليبلغ ذلك أوْجَهُ فى القرن العشرين ، عبْر حربين عالميتين طاحنتين. و بعد الحرب العالمية الثانية بدا وكأن السّنن الحاكمة لتطور "العلاقات الدولية" خلال الخمسين ألف عام، قد بدأت فى التغير جذرياً ، لتبرز منظومة القانون الدولى من جهة أولى (بالمعاهدات الشارعة فى كل مجال) والتنظيم الدولى من جهة ثانية (الأمم المتحدة والتنظيمات الإقليمية) .

مُذْ ذاك ، سيطر علينا "الوهم اللذيذ" وظننّا أن تلك هى القاعدة الحاكمة لتطور علاقات الشعوب منذ الأزل و إلى الأبد . وكان لدينا ما يغذّى الوهم بحقائق قوية فى واقع العالم فعلاً. فبرغم ظهور الأسلحة النووية وعموم أسلحة الدمار الشامل منذ 1945، إلا أن ذلك جرى التحكم فيه إلى حد كبير، وأخذ "ميثاق الأمم المتحدة" يجد طريقة إلى التطبيق -و لو الجزئي- وكأن سلطة عالمية قد أخذت فى التشكل تقريباً .

و كانت الحقائق القوية التى غذّت الوهم فى "عالم ما بعد الحرب" قائمة من ناحيتين :
أ – تطور وتبلور القانون والنظام على المستوى العالمى العام ، إلى حد غير مسبوق.
ب- التعادل الثنائى المميّز للنظام الدولى بين قوتين متنافستين سلمياً هما الغرب بقيادة الولايات المتحدة و "الشرق" بقيادة الاتحاد السوفيتى وبينهما مجموعة دولية عظيمة في القارات الثلاثة لآسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية : مجموعة العالم الثالث على الصعيد الاقتصادي و حركة عدم الانحياز على الصعيد السياسي، بدفع في الحالتيْن من حركة التحرر الوطني العالمية.
وقد بلغ الزهو بالعالم في مطلع السبعينات أن دعت الأمم المتحدة -بقيادة أخلاقية و سياسية من حركة العالم الثالث و عدم الانحياز والتحرر الوطني- من خلال الجمعية العامة في 1974 إلى التحرك من أجل إقامة "نظام اقتصادي عالمي جديد". و ما هو إلا عام واحد، حتى أصدرت "الجمعية العامة" في دورتها الخاصة السادسة عام 1975 ما سُمّي بالإعلان و برنامج العمل من أجل إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد, وما لبثت أن أصدرت في دورتها الخاصة السابعة عام 1976 إلى إصدار قرار متكامل وملزم سياسيا بهذا الشأن. و دارت "ماكينة النظام العالمي" في كل الاتجاهات موسعة من دائرة اهتمامها الأثير فبرزت الدعوة أيضا إلى "نظام إعلامي عالمي جديد" بقيادة من "منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم" –يونسكو. ورافق ذك عمل دائب في السبعينات والثمانينات من أجل تجديد نماذج التنمية، مع نشاط ملحوظ للمنتديات الفكرية والثقافية وخاصة في شمال أوربا ( خاصة السويد) وبعض من غربها (فرنسا و ألمانيا وحتى إيطاليا) وفي أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا ( معهد الأمم المتحدة للتخطيط في العاصمة السنغالية داكار ، و رابطة مراكز البحوث حول التنمية في إفريقيا –كوديسريا) وفي الوطن العربي كذلك : و انظر نشاط مركز دراسات الوحدة العربية" ببيروت مثلا ضمن المشروع البحثي " استشراف المستقبل العربي" ، و فرع "منتدى العالم الثالث" بالقاهرة و "مركز البحوث العربية بالقاهرة أيضا. و برز رجال مثل إبراهيم حلمي عبد الرحمن –رائد التخطيط في مصر والمنطقة العربية- و إسماعيل صبري عبد الله، و كذلك لخضر الإبراهيمي من الجزائر و مصطفى المصمودي من تونس، بحيث ارتفع نداء التغيير ليملأ الدنيا ويشغل الناس. و ما لبثت دائرة التحول ان انعطفت لتنتقل بمحركات التغيير إلى دائرة البيئة بالذات (مؤتمر "ريو دي جانيرو" بالبرازيل أو "قمة الأرض" عام 1992 ومن بعدها الكثير) و إلى الدائرة الاجتماعية (المؤتمر العالمي الثاني للمرأة في كوبنهاجن عام 1980 بعد المؤتمر الأول بالمكسيك 1975) و المؤتمر العالمي للسكان والتنمية بالقاهرة (5-13 سبتمبر 1994) ..إلخ. كما نشطت حركة البدائل التنموية وخاصة في أمريكا اللاتينية؛ وكذا حركة (جنوب-جنوب) و "حركة مناهضة العولمة" من خلال "المنتدى الاجتماعي العالمي" واجتماعاته السنوية في مدينة "برتو ألليجري" بالبرازيل منذ 2001.
ولكن في قلب هذه الموجات المتدافعة في بحر لُجّيٍّ متلاطم، وكأنه "بحر الظلمات" الأسطوري، كانت تعتمل التناقضات المثيرة من خلال ضعف أخذت علاماته تشي بانهيار وشيك في جبهة العالم الثالث غير المنحاز و حركة التحرر الوطني وفي داخل الاتحاد السوفيتي مع قدر من الجمود الفكري والركود السياسي و عدم التجديد التكنولوجي، و أنين سباق التسلح مع الولايات المتحدة، حتى وصل الأمر إلى النخاع القيادي ببروز القيادة الانهزامية (ميخائيل جورباتشوف) التي وصلت بالأمور إلى حد "الانهيار الكبير" خلال خمس سنوات (1985-1990). و كان ما كان.
و مع انهيار الاتحاد السوفيتى فى مطلع 1990 بعد خمسة وأربعين عاماً منذ (الحلم اللذيذ) انهار نظام التعادل القطبى، ليقوم نظام "القوة العظمى الوحيدة" وأخذت منظومة "القانون والنظام" فى التفكك التدريجى على نحو متسارع .

ولما تبيّن أن "القوة الوحيدة" لن تستطيع الحلول محل القطبية الثنائية وقوة القارات الثلاثة ، أخذت (الطبيعة التى تأبى الفراغ) فى إفراز نويات قوى متطلعة لمقاسمة القوة والنفوذـ على المستويين العالمى والإقليمى . هذه هى المرحلة التى نعيشها الآن ، لم يعد التعادل والتوازن الدولى قائماً ، ولم يواصل القانون الدولى والتنظيم الدولى الجماعى والإقليمى سيرهما المنتظم ، فظهرت حالة "الفوضى" الراهنة ، وعادت البشرية سيرتها الأولى كما كانت تقريباً عبر العصور ، مع تغيرات ضرورية فى كل آن .

فى ظل هذه الفوضى أخذت تعمّ سياسات "الأنانية القومية" المفرطة ، وحالة "اللانظام" و "اللاقانون" إلى حد كبير، وبدا وكأن البشرية تسير على غير هدى، حتى صارت فيما يبدو نهباً لفيروسات البشر والطبيعة معاً .

فى منطقتنا العربية – الإفريقية مثلاً – تبدّت حالة "الفوضى والفيروسية" بوضوح ، كاشفة عن معدنها "الخسيس" – إنْ حتمت العبارة – خلال أحداث متلاحقة ، ولكن مترابطة ، عبر ساحات أبرزها فلسطين والعراق ولبنان وسوريا وليبيا، وفى البحرين الأبيض والأحمر، وعلى امتداد أنهار دجلة والفرات والنسل (سدّ النهضة نموذجاً ..!) . وأخذت الدول ، مثل الدولة الوطنية المصرية تبحث عن مخارج لها محقّة فى سياق حالة اللاقانون واللانظام عالمياً وإقليمياً فى ظل ما يمكن أن يسمى (نظام التفاهة العالمى) ، وسابقاً رفع الفيلسوف الألمانى نيتشه شعار (الطبيعة الحمراء بين الناب والمخلب) ، فهل تعود البشرية إلى سردية عصر الغاب المزعوم ؟ أم تنهض البشرية ويأتى من بين ركام الفوضى من أجل أن تبنى قدراً من النظام على أساس القانون .. ؟ هذا هو السؤال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط