الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (266) مرجعية الجهد الاستخباري

بشير الوندي

2021 / 4 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (266)
مرجعية الجهد الاستخباري
-----------
مدخل
-----------
يقول المثل الشهير "ان الهزيمة يتيمة وللنصر ألفُ أبٍ" , وهو امر لطالما كانت له مصاديق حين تعم الفوضى وتختلط المسؤوليات , اما في الدول التي تتحدد فيه المسؤوليات بشكل دقيق في كل المجالات ويجري فيه توزيع المهام والملفات , فحينها يسهل اكتشاف الحلقة الضعيفة والمتكاسلة والتي تقاعست عن اداء عملها فيتم تحميلها مسؤولية الهزيمة ويجري ابعاد ومحاسبة قادتها , ولعل الامر اكثر وضوحاً في الجيوش والقطعات ففي فوضى توزيع المهام يهرب الجميع من طائلة المسؤولية في الهزيمة , وحين الانتصار يدعي كل طرف ان تضحياته هي التي حققت الانتصار .
ومن انصح الامثلة المؤلمة هو ماحصل في سقوط ثلث الاراضي العراقية الذي توج بسقوط الموصل واعلان دولة داعش المزعومة قبل سبعة اعوام , ففوضى توزيع المهام جعل العراقيين عاجزين - الى الان - عن تحديد المسؤولية عن الانهيار سواء كانت سياسية او عسكرية او امنية او استخبارية والسبب الذي جعل قوات يزيد تعدادها عن قوات انزال النورماندي تندحر وتسير هائمة كجسد بلا رأس , ومن هنا , لابد ان تكون هنالك عناية مشددة ومركزة حول مرجعية الجهد الاستخباري لتكون بمثابة الاساس المتين للدروس المستفادة من اخطر اختبار مرت به بلادنا واجهزتنا الاستخبارية والامنية وكانت ستودي ببلادنا الى وادٍ سحيق لولا همة الشعب العراقي والتفافهم حول فتوى الجهاد التي حولت الهزيمة الى نصر مشرق لايجب ان ينسينا السبب الرئيسي للفوضى والمتمثل بضبابية مهام اجهزتنا الاستخبارية وتداخل واجباتها وصلاحياتها واهدافها , وسنتناول في هذا المبحث اهمية تحديد مرجعية محكمة للجهد الاستخباري تتيح دق جرس الانذار وتحديد نقاط الضعف والقوة وتزل اية ادغال يختبيء خلفها الكسالى والمتقاعسون في الاجهزة الاستخبارية .
--------------------------------
كلمة السر "تقسيم المهام"
--------------------------------
لا يمكن تقييم الاداء في اي مجال اداري او علمي او اجتماعي او سياسي دون توزيع مهام وتحديد المرجعيات ودون تحديد اهداف لخطة سنوية تتم المحاسبة وفق المنجز منها (انظر مباحث في الاستخبارات 14 تقييم الاداء) , وقد ذكرنا في مباحث سابقة عن انواع اجهزة الاستخبارات وتناولنا الادارة المعنية بتوزيع المهام بين مختلف الاجهزة وانها هي من توجه اجهزة الاستخبارات كلٌّ له مهام وواجبات ويطارد هدف معين , فهناك مرجعية محدده لكل جهد استخباري وضرورة وجودها لتوزيع المهام والمتابعة والتطوير , هو امر استدركته الكثير من الاجهزة الاستخبارية مبكراً فيما دفعت ثمن اغفاله اعتى واكبر الدول العظمى , فبعد احداث سبتمبر 2001 احست امريكا بوجود خلل عدم التنسيق بين اجهزتها الاستخبارية السبعة عشر , لذا ذهبت الى انتاج منصب مدير الاستخبارات الوطنية المشابهة لادارة المجتمع الاستخباري , وليست لديه واجبات ميدانية بل تخطيط و توزيع ومراقبة وتقييم (انظر مبحث 5,6,7,8 ,9,11,12 من سلسلة المباحث ) , ومن ثمَّ لابد ان يكون لكل صنف من الخدمات مرجعية حتى في الدائرة الواحدة كما هو الحال في كل الوزارات والدوائر (انظر مباحث في الاستخبارات 14 تقييم الاداء ).
------------------------
الادارة او الفوضى
------------------------
ان تحديد قاطع المسؤولية الادارية في كل الدوائر يكون اما وفق الجغرافيا , فبعض المسؤوليات تكون ضمن نطاق مدرسة او مدينة او شركة او دائرة او ولاية , وحتى ضمن الوزارة الواحدة او المؤسسة الواحدة هنالك توزيع للمهام ضمن نطاقات جغرافية معينة , كما ان هنالك نطاقات للمسؤولية لايقصد منه التوزيع الجغرافي وانما طبيعة الهدف , فلو ان هنالك حزب ما , فإن قاطع مسؤولية التنظيم النسوي معني بكسب النساء وتنظيمهن , وفي بعض الاحيان يتداخل المعنيان معاً , فتكون مديرية الموانيء مسؤولة على الموانيء كمهام , ومحددة في السواحل البحرية كموقع جغرافي .
ولايختلف الامر في الاجهزة الاستخبارية , فالاستخبارات الجنائية على سبيل المثال لها قاطع مسؤولية من النوعين , فمن ناحية الرقعة الجغرافية هي تلتزم بحدود البلاد ولاتتخطاها , ومن ناحية طبيعة المستهدف فهي تتابع نوعاً محدداً من الجرائم , فهي ليست معنية بمكافحة التجسس , فسواء كان المقصود بقاطع المسؤولية , الرقعة الجغرافية او طبيعة الهدف (اي الاختصاص) , فكلاهما ينطبقان على الاجهزة الاستخبارية .
ومن هنا كان لابد من وجود ادارة مرجعية لعموم الجهد الاستخباري تكون من اولى واهم واجباتها ادارة المجتمع الاستخباري وتوزيع المهام بين مختلف الاجهزة والمصادقة على خطط للخرق والتجسس وجمع المعلومات وفق جداول زمنية محددة وتتولى تخصيص الاموال لكل جهاز وفق اهدافه التي تم تحديدها ووفق الخطط الطموحة التي يتعهد بها , كما تتولى ادارة المجتمع الاستخباري تهيئة كافة المستلزمات التدريبية وكل احتياجات اجهزة الاستخبارية .
كما ان من مهمات ادارة المجتمع الاستخباري الهامة هو التنسيق بين الاجهزة الاستخبارية في مجال تبادل واستكمال المعلومات وتوحيد الجهد الاستخباري وهو عمل حيوي يبرز ويسهل تحديد نقاط الضعف والقوة في كل جهاز , كما ان تقسيم المهام وتحديد مرجعية الجهد الاستخباري تتيح بدورها الاحاطة بكافة التهديدات وتكثيف الجهود في حصرها والتمكن منها , فان كانت في البلاد عشرة تهديدات رئيسية فإنه يتم وضعها حسب الاولوية , ثم تسند التهديدات الى جهاز استخباري كل حسب تخصصه , فتكون داعش مثلاً من حصة جهاز استخباري معين والمخدرات من اختصاص جهاز آخر والفساد المالي من اختصاص استخبارات معينة وغسيل الاموال لها جهاز ..وهكذا الامر مع باقي التحديات , فحين تقسم الواجبات وتحدد الاهداف وترسم الخطط السنوية , حينها يمكن ان يتم ارساء مبدأ الثواب والعقاب , والواقع ان بعض القيادات الاستخبارية والامنية في الدول الناشئة تجنح الى ترسيخ الفوضى ليسهل افلاتها من المسؤولية في حال الفشل , كما تتحين الفرص للبروز والتشدق في حال تحقيق اي نصر.
-------------------
طرق للتقسيم
-------------------
ان اجهزة الاستخبارات تبنى على اساس الجريمة او على اساس العدو المحدد , فمرة تكون هنالك استخبارات جنائية على اساس الجرائم الجنائية واستخبارات خارجية ضد العدو الخارجي واستخبارات عسكرية وغير ذلك , وهو الامر المتعارف عليه , واحياناً تقسم الاستخبارات وفق عدو محدد كاستخبارات لمطاردة العدو المحدد من قبيل مكافحة الارهاب التي تكون مسؤولة عن عدو محدد لكون العدو متفرع ومتسلح وخطر وكبير كداعش مثلاً الذي يقتل ويخطف ويهرّب ويعمل غسيل اموال وبيع آثار ويهرب نفط ويتاجر بالمخدرات وله حواضن وعمليات عسكرية واخرى سرية , لذا يتم تأسيس جهاز او تكليف جهاز استخباري ليكون مرجعاً لهذا الجهد (انظر مباحث في الاستخبارات 193 قاطع المسؤولية ).
واحيانا يتم تقسيم العدو تكتيكياً , فيتم تشكيل فريق عمل وتوزيع المهام بين الاجهزة الاستخبارية وذلك لاسناد دور واضح وصريح يمكن المحاسبة عليه , ومع ذلك يجب ان تحدد جهة مرجعيه لهذا العدو او التهديد , ومثال ذلك ان تكون الاستخبارات الخارجية مكلفة بخطوط العدو الخارجية والعناصر الاجنبية والتمويل الخارجي له , والاستخبارات العسكرية تأخذ واجب القوة القتالية للتنظيم وعمل استخبارات الميدان , فيما تتولى الاستخبارات الفنية مهام التجسس الالكتروني , وتتولى الاستخبارات الداخلية واجب مكافحة الحواضن , وتتولى الاستخبارات الجنائية المناطق المستهدفه من قبل التنظيم , وتتخصص الاستخبارات المالية بمطاردة اموال وتمويل التنظيم , ولكن لابد ان يتم تحديد جهاز مرجعي للجهد الاستخباري , فمثلا جهاز مكافحة الارهاب - لكونه مختص - فيجب ان تكون استخباراته هي الجهة المرجعية المعنية بالعدو داعش , وعند حصول اي جهاز استخباري على معلومات حول داعش يتم التوزيع المرجعي المباشر الى الجهة المعنية بالأمر .
كما ان النقطة الاهم في مرجعية الجهد الاستخباري هو التفريق مابين الاستخبارات والمكافحة بشكل كبير , رغم انه في بعض الاحيان تعطي الدول واجب الاستخبار والمكافحة لجهاز واحد بحكم الاهمية , ولكن السائد هو ان يكون هنالك فصل بين الاستخبار والمكافحة وهو الاغلب في هياكل الدول , فمثلاً في امريكا 17 جهاز استخباري يقابلها جهاز مكافح واحد هو الشرطة الفدرالية FBI .
----------------------------------------------
المرجعية في الارهاب السري والعلني
----------------------------------------------
إن العمل الاستخباري على الإرهاب السري صعب جداً ويحتاج إلى منظومة استخبارية واعية ومدربة وذكية ومنضبطة بشكل كبير وتتمتع بقدر كبير من السرية والمهارة , وان يتم التعامل مع الارهاب السري بمركزية جهاز مكافح واحد يختص بالتنظيم الارهابي ليكون مرجعية واحدة لمكافحة الإرهاب ويكون مستودع كل النشاط الاستخباري.
ففي حالة الارهاب الصامت أو السري تكون المرجعية للاستخبارات الداخلية , وعلى جميع أجهزة الاستخبارات أن ترسل معلوماتها إلى تلك الاستخبارات , اما في حالة الارهاب الصارخ والعلني كمسك الارض , كما حصل مع داعش في 2014 مثلاً , فيجب ان يتم تفعيل الجهد الاستخباري في الجانب العسكري وتعطى الادوار والمرجعية الاستخبارية للاستخبارات العسكرية لكونها مهيئة للمعالجة السريعة من خلال الطيران والمدفعية وصنوف القوات المسلحة المتنوعة , وتتولى جميع أجهزة الاستخبارات أن ترسل كل معلوماتها إلى الاستخبارات العسكرية.
ان فتره انهيار دولة داعش المزعومة , كانت الفترة الافضل والمثلى لكي تقوم الاستخبارات العراقية بنشر نفوذها ضمن فلول وعناصر الارهاب المنتشرة , وان تتبنى الاستخبارات عملية خرق واسعة النطاق في كل مفاصل الارهاب وكل مستوياته , من خلال العناصر التي اصيبت بالخوف والاحباط والانهزام , حيث يتم ملء جميع الفراغات بدقة وكثافة , وزج اكبر عدد ممكن من العناصر الذكية وتجنيد اكبر عدد اخر من عناصر الارهاب والتهيؤ للمرحلة التي سوف تلي انهيار دولة داعش, حتى تكون للاستخبارات اليد الطولى لاحقا لتفتيت البقايا الباقية من هذا المرض , فالجهد الحقيقي للاستخبارات يكون من لحظة سكوت المدافع والبنادق لبناء استراتيجيه تدميرية لاجتثاث البقايا والخلايا , فبعد انهيار الارهاب العلني احتاج تنظيم داعش الارهابي الى فترة اعادة تنظيم , الا ان انشغال وإشغال الحكومة واجهزتها الامنية والاستخبارية بالتظاهرات والاعتصامات تسببا في تقليل الضغط على التنظيم الامر الذي جعل اعادة التنظيم اسرع لعدم شعورهم بالتهديد والملاحقة (انظر مبحث 72 الارهاب العلني).
----------------------------
العراق ..اخطار مركبة
----------------------------
مما لاشك فيه ان اخطر التهديدات في العراق يتمثل في خطر الارهاب , الا ان الخطر المتداخل مع الارهاب يتمثل في فوضى تقسيم المهام وضبابية المرجعية الاستخبارية , ففي العراق فوضى ملفتة في مكافحة الارهاب , فلاتعرف من هو المسؤول عن مكافحته وفي الاستخبار عنه , فالكل يعمل على الارهاب , والكل يخلط بين المكافحة والاستخبار وهذا هو الخطأ القاتل , فمقاتلة الارهاب ليس كمكافحته , فلنفترض ان مؤسسة ما تتعرض لهجوم ارهابي فترى ان الجميع يدافع ولكن من يستخبر ويجمع معلومات عن الارهاب وعن التمويل والتدريب والتجهيز والاستعداد والتنظيم والعمليات والتنفيذ والامتدادات الخارجية ؟؟؟ فترى كل التشكيلات الامنية والاستخبارية والعسكرية تردد نفس العبارات ( اعتقلنا ..قتلنا ..كشفنا ...ضربنا ..طهرنا ..اخترقنا ) في غياب مفهوم اسمه توحيد الجهد الاستخباري وتنسيق وتحديد المرجعيات.
لابد من ان تكون المهام واضحة والاهداف مبينة وعدم الخلط والفوضى , فمشكله العراق ان الجميع يقول انه يجمع معلومات عن داعش سواء كان امن وطني او مخابرات او داخلية او وزارة دفاع او حشد شعبي او بيشمركة , وهنالك ضبابية كاملة في تحديد الجهة المسوولة عن الجهد الاستخباري ضد داعش والجهة المسوولة عن مكافحة داعش امنياً , وهو سؤال معلق بلا اجابة , بل ان الضبابية تشمل حتى جهاز مكافحة الارهاب وتوصيفه الوظيفي , فهل هو جهاز امني مكافح ؟ او جهاز استخباري مكافح ؟ ام انه قوات خاصة ؟ ومن هنا فان الفرصة لاتزال سانحة ولايجب ان نفلتها في ان تكون لدينا ادارة فاعلة للمجتمع الاستخباري وان يتم من خلالها فك اشتباك الاجهزة الاستخبارية والامنية وان يعرف كل جهاز مهامه بدقة وطبيعة اهدافه وان يتم التنسيق بسلاسة بين مختالف الاجهزة الاستخبارية وان يعرف كل جهاز حدود عمله , ثم تكون الخطوة التالية في تقييم عمل الاجهزة الاستخبارية وتحديد نواقصها ومتطلباتها وان يطرح كل جهاز خططه الواضحة المرتبطة بتوقيتات وان يتم عمل تقييمات دورية وفصلية وسنوية لما حققه كل جهاز ضمن اهدافه المحددة التي قدمها , وحينها تتحدد المسؤوليات ويصبح للنصر آباء وللهزيمة لاسامح الله آباء واضحون بلا تخبط , وحينها يصح الثواب والعقاب , ولايكون حينها الابعاد والتنصيب على اساس حادثة ارهابية هنا وهناك وانما على اساس المسؤولية وعلى اساس المنجز .
--------------
الخلاصة
--------------
لايمكن ان يتطور اي بلد الا بالادارة في كل المجالات , وعمود الادارة هو تقسيم المهام وتحديد المرجعيات التي يتم وفقها تحديد نقاط الضعف والقوة , وحين انطلقت الثورة الصناعية وانطلاق الصناعة في العالم فانها اعتمدت على تجزئة الاعمال الى ادق التفاصيل فكان العامل على خط الانتاج يعرف مهمته المحددة التي قد لاتتجاوز شد صامولة على الماكنة لينقلها الى زميله الذي يشد جزءاً آخر في الماكنة وهكذا الى نهاية الخط الذي يظهر فيه منتج نهائي متجانس , والاستخبارات لاتشذ عن تلك القاعدة في الادارة وفي تقسيم المهام , وهو أمر لاغنى عنه في عصر لاتمشي فيه الامور بعشوائية وانما بالتخطيط وبالجداول وتحديد الاهداف والمهام , وهو امر نفتقده للاسف في اجهزتنا الاستخبارية التي تحتاج الى ان تكون لها هرمية تتمثل بادارة المجتمع الاستخباري , والى هيكلية واضحة تمنع التداخل وخلط المهام , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا