الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفرة العباسية ومغالطات جماعات الأصولية

عبدالله محمد ابو شحاتة

2021 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من التناقضات المثيرة للسخرية التي يعاني منها المسلم الأصولي هو استشهاده بطفرة حضارية هو أصلاً ينكرها ويتبع من كفروا أعلامها ورموزها. فتجده يتباها بالفرابي و ابن سينا و ابن رشد وابن حيان وغيرهم أحياناً، و في أحيان أخرى يُكفرهم أو على الأقل يتبع من كفّروهم وهاجموهم، كابو حامد الغزالي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أعلام اللاعقلانية المتصوفة أو الأصولية المتشددة.

كما تجده يهاجم الطرق والمناهج التي على أساسها نشأت تلك الطفرة الحضارية وسار وفقاً لها أعلامها. فهو يعارض الاختلاط بالحضارات الأخرى والأخذ من ثقافتها وعلومها بالرغم من أن تلك الطفرة الحضارية التي يتباها بها لم تنشأ إلا كنتيجة لترجمة فلسفة وعلوم اليونان. فقد انحصرت معظم كتابات فلاسفة الشرق في شروح أفلاطون وأرسطوا في الفلسفة وأبوقراط وجيلين في الطب بالإضافة إلى كتابات محدودة عن فلاسفة ما قبل سقراط كبارمنيدس و هيرقليطيس، مستندين إلى تلك الترجمات التي لم تكن لتتم سوى بإرادة سياسية خالصة. أما على الصعيد الشعبي وعند رجال الدين فقد وجدت أشد المعارضة، و سنجد بملاحظة بسيطة أن معظم تلك الترجمات التي بنيت عليها تلك الطفرة الحضارية العباسية لم يقم بها سوى غير المسلمين.
جرجيوس بن بختيشوع...مسيحي
حنين بن إسحاق العبادي...مسيحي من الحيرة لقب بشيخ المترجمين
قسطا بن لوقا البعلبكي...مسيحي من الشام
آل ماسرجوية...يهود سريان
وغيرهم الكثير كأبو بشر متى و يحيى بن عدي و اسطفان بن باسيلي...وغيرهم [ محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الاسلام، ص 16 ]

وكما أوضحنا فإن تلك الترجمات التي لم يقم بمعظمها سوى غير المسلمين قد لقيت معارضة كبيرة من رجال الدين قائلين أنهم لا حاجة لهم بها وأنهم يكفيهم الكتاب والسنة. وهي نفس وجهة النظر التي يؤيدها اليوم المسلم الأصولي وجماعات الاسلام السياسي على اختلافها؛ فجميعهم يعادون الآن الحضارة الغربية يرفضون أي محاولة لدمج النسق الحضاري الغربي بأي شكل داخل المجتمعات الشرقية.

فالواقع أن تلك الجماعات تنتمي فكرياً للعهد العثماني من حيث العداء للحضارات الأخرى ورفض أي تعايش أو تلاقي وحوار مع الآخر. ولا علاقة لهم مطلقاً بتلك الفترة من الحكم العباسي، بل إن أيدولوجيتهم لتتعارض تماماً مع مبادئها وواقعها الاجتماعي والسياسي. فلا يمكن أن يكون استشهادهم بها سوى شكل من أشكال التدليس والتبجح الذي اعتدنا عليه من تلك الجماعات التي تعاني من فصام عقلي. فصام يجعلها لا تجد حرجاً في أن تستشهد بما تستنكر، وأن تبني حجتها على ما يعارض ايدلوجيتها.

أما الإشكالية الأخرى والمثيرة للسخرية في تلك القضية هي محاولة استخدام تلك الطفرة الحضارية في العهد العباسي كمسوغ للعودة لأنظمة الماضي وقوانينه، وكأن الواقع الاجتماعي الذي أنتج طفرة في الماضي قادر على إنتاجها أيضاً في كل زمان. فيجب عليك وفقاً لتلك الجماعات أن تنسخ الماضي كما هو في الحاضر. وهو بالطبع خلل فكري في تلك العقول، فلا يعني على سبيل المثال إقرارنا بأهمية حضارة اليونان أن ندعوا لتطبيق أنساقها ونُظمها في الحاضر، فالحضارة تظل حضارة بالنسبة لعصرها فقط، فبناء الحضارة تراكمي بحيث أن الفترات اللاحقة تستفيد من السابقة لتحقيق واقع جديد بشكل يجعل من الجديد بالضرورة أفضل وأكثر تحضراً، لا الاعتقاد بأن القديم كان أفضل من الجديد وأنه هو النموذج الذي يجب أن ننسخه كما هو لنطبقه في الحاضر كما تحاول أن تفعل تلك الجماعات، فهذا الأمر هو في جوهره معارض لفهوم التقدمية والحضارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا


.. #shorts -21- Baqarah




.. #shorts - 22- Baqarah