الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استعمار متجدد

ساطع هاشم

2021 / 4 / 6
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


انتشرت فكرة في معتقدات الانسانيين الاوربيين منذ عصر التنوير والى الان، تقول ان التربية والتعليم يمكن ان تؤدي الى خلق الانسان (الشامل) العالمي الذي يجمع بين التفوق الفكري والجسدي والاخلاقي، وهذه الفكرة قادت الامراء واصحاب المال الأوروبيين ومنذ القرن السادس عشر الى الاحتفاظ بالأثار من مختلف انحاء العالم في مجموعات خاصة كوسيلة وغاية لاكتساب العلوم والمعارف, ورمزت الى سعة المعارف والجاه التي امتلكها صاحب هذه المجموعة او تلك, وهذه الممارسات (الثقافية) هي التي شكلت لاحقا الاسس الفكرية والايديلوجية في بناء وانشاء المتاحف العالمية كما نعرفها اليوم والمنتشرة حول العالم, كتطبيق عملي (تجريبي) للمبدأ الذي مازال قائما في فلسفة المتاحف والقائل بان كل المعرفة البشرية يمكن دراستها بما يمثلها بالأثار والاشياء واللقى المجمعة في مكان واحد.
بمعنى ان الفن ومخلفات الحضارات تهذب المشاعر وترفع من قيمة الانسان الفكرية والاخلاقية، لهذا فعلينا جمعها والاهتمام بها ودراستها واقتفاء اثارها وتطويرها وان هذه المتاحف تقدم نموذجًا اجتماعيًا مثاليًا عالميا منفصلا عن تجربة الحياة اليومية، كما قالت فلسفات التنوير، قابلة للدرس بتروٍ ولاستخلاص العبر.
وهنا لا يمكن للمرء ان يكون نصف واقعي عندما يقرأ عن هذا التاريخ، حيث لا يرى سوى جانب واحد من حركة الحياة الا وهو تقدميتها وثوريتها، ويترك الباقي تعتني بنفسها الى ان تنهار القيم على رأس الجميع، فالأوروبيون الذين اخترعوا الحرية و(الثقافة المعاصرة) وثقافة المتاحف والتعليم الحديث وما رسوها على انفسهم، قد مارسوا الاستبداد العالمي والاستعمار والقهر وسرقة ثروات الشعوب وكل أنواع النذالات على الشعوب الأخرى التي تغلبوا عليها ومنها بلداننا في الشرق، ومازالوا يمارسون الاستعباد حتى الان وبأشكال شيطانية دنيئة جديدة تبرئهم من المسؤولية المباشرة، وذلك عن طريق تعليم وتربية وتجنيد الاف العملاء حول العالم وفقاً لأيديولوجيا الاستغلال، وتنصيبهم لاحقاً كقادة سياسيين ورؤساء على المجتمعات الضعيفة التطور، ونشر الفساد والفاسدين في اساس البناء الاقتصادي والاجتماعي لتلك الدولة وإشاعة الحروب المحلية.

وهذا يشبه الى حد كبير ما نعرفه من كتب التاريخ عن اليونان القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد حيث اقتصرت ما يسمى الان (الحقوق المتساوية) والديمقراطية على المواطنين الاحرار واصحاب العبيد، ولم تمنح للعبيد اية مزايا او حقوق انسانية، والعبودية نفسها نمت مع التجارة وصناعات التعدين البدائية في تلك المجتمعات الزراعية القديمة.

اما الان فان هذه الحقوق المتساوية والديمقراطية فهي تمنح بكافة مزاياها الايجابية للشعوب في أوروبا، ولا تمنح لبقية الشعوب المبتلية بأثار الاستعمار الجديد ودناءة السياسة المحلية وتبعتها الكاملة للغرب الا كوسيلة من وسائل تخدير الشعوب لترويضها على الخنوع والقبول بالأمر الواقع من الجهات المستعمرة.

يضاف إلى هذه الحجة حقيقة أنه في المئة عام الماضية، كان تمثيل العالم بكل تفاصيله في الشرق الاوسط، قد قام على اساس انكار الحقائق الاجتماعية والفظائع التي اقترفتها الجيوش والشرطة المحلية السرية والعلنية بحق شعوبنا، بحيث كان نشر الوهم وتجميل الواقع باستعمال مختلف وسائل الاعلام والفنون المرئية هو الوسيلة التي من خلالها تم جذب الجمهور لقبول الأكاذيب والاوهام والخدع السياسية المنوعة

هناك الان حاجة ماسة الى حقائق توسع آفاقنا المعرفية مثل تلك التي تكشف كيف تعيش جماهير الناس في العالم، وتكشف عن الشبكة التي تربط الناس ببعضهم البعض في بنية المجتمع، والانقسامات داخل هذا البناء السياسي او الثقافي او ذاك، وعملية الصراع والحل التي تشكل حركة التاريخ، وبالتالي تساعد على تدمير الاوهام المنتشرة عن العالم والتي ابتلى بها الكثير من الناس ومن مختلف الطبقات, لان جميع هذه الحقائق مغيبة عن الوعي العام في بلداننا ولا توجد قوة سياسية او اجتماعية واحدة حالياً منظمة جيدا قادرة على اختراق وفضح هذه المخازي وتحقيق التغيير الوطني التحرري المطلوب.

ومنذ ان تم فرض الاوباش الاسلاميين ليحكمون بلادنا, والمجوهرات تزين صدورهم الغبراء، واقراط ذهبية تتدلى من آذانهم الطرشاء، وخواتم تتجمع على اصابعهم، والجميع يتسامرون بمواضيع المال والسرقة وابتزاز الدولة، وتمجيد المراجع الدينية المزيفة التافهة، وعلم الأرواح، والعالم الاخر، والفسق والفجور، ظاهرهم وباطنهم النفاق والرياء والدجل، اختلفت مقاييس الأشياء على شعوبنا، حجمها ووزنها والوانها وكل شيء، وصارت وكأنها مرآة ترسل انعكاسات ضارة أفقية وعمودية على بني البشر، وهي عبارة عن تراكمات مفبركة من أوهام ماضٍ مات منذ قرون وحاضرٍ يحتضر، ومعارك بلا ابطال لم يتحقق منها شيء

وها هو الجزاء، عطل كامل بالمجتمع وبالدماغ البشري وعدم قدرة على الحركة والتفكير السليم والعمل، واكتم غيضي وفيضي واعود واسأل عقلي:
اداءٌ حديثٌ قد أصاب الناس ام داءٌ قديمُ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر