الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المظاهرة الجريئة - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991

دلشاد خدر

2021 / 4 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



الجزء السادس

هناك حقيقة يجب أن أذكرها، صحيح بأننا في لجنتنا كنا لوحدنا واتخذنا قراراً جدياً للقيام بالتظاهرة لكن الأغلبية العظمى في الخطوط الحزبية الأخرى قد تم ابلاغها مسبقاً من قبل الحزب للمشاركة في هذا اليوم.. عدا الخطوط الحزبية في مدينة أربيل التي بقيت متحفظة ولم يكن حضورها واضحاً، حتى الرفاق في عينكاوة وشقلاوة تم إخبارهم وهم أيضاً كانوا على استعداد للمشاركة الفاعلة، الوقت كان يمشي ببطء شديد ونحن بدورنا نواصل مراقبة المكان عن كثب.
قبل بلوغ العاشرة صباحاً لاحظنا وجود عدد من مسلحي المفرزة الخاصة لـ (عمر صوفي) واقفين أمام مقهى العمال وفيما بعد مضوا وتركوا المكان، مع مرور الوقت كان ظهور الرفاق أكثر وضوحاً صلاح يومها كان بنظارة بنية، وبكر بنظارة سوداء، ومعهم ظهر الرفيق سرود وأيضاً الرفاق ماموستا هوگر وشهيد سعدون حيث كانوا واقفين في الجهة الأخرى من الشارع.. كانوا يعطون توجيهاتهم وتعليماتهم ويوجهون الرفاق.
في البداية جاءني الرفيق سرود وسألني:
ـ إن كنت قد أخبرت المجموعة وهل جاءوا وحضروا؟
قلت:
ـ نعم عدد كبير منهم موجودون هنا.. وهم على أهبة الاستعداد.. هيا لنبدأ لنريهم سواعدنا. في تلك اللحظة جاء الرفيق صلاح ووقف بجانبي.. أدرت نفسي اليه.. وقلت له إذا وصلت المعلومات الى الأجهزة الأمنية، اليوم سوف يتمكنون من قتل أغلبية الشيوعيين في المدينة.
أجابني بثقة أنه لا يعتقد أن المعلومات قد وصلتهم.. لأنهم غير موجودين وليس لهم أثر ولا نراهم حولنا، ما قاله صلاح كان دقيقاً وسليماً.. المعلومات بشأن هذه التظاهرة لم تصلهم بعد، في الحقيقة هذه كانت دلالة واضحة على نقاء تنظيمات حزبنا وأيضاً نقاء هؤلاء الذين سبق وأن أحيطوا علماً بتفاصيلها ممن أخبرناهم مسبقاً، لأن مدينة أربيل حينها كانت محشوة بالأجهزة الأمنية.. ومرة أخرى ومع وجود كل هذه الأجهزة القمعية.. لم يستطيعوا أن يصلوا الى أية معلومة عن التظاهرة.. التي قررنا أن نحققها وبالأخص في ذلك اليوم.. حيث لم يكن وجود لأي عنصر من عناصر تلك الأجهزة القمعية على اختلاف انواعها في المكان المحدد لإعلان التظاهرة..
الساعة تجاوزت العاشرة والنصف ما زلنا نتهيأ لإطلاق الشرارة المرتقبة، الأغلبية من الرفاق يسيرون ويتحركون ببطء كأنهم يراوحون في المكان.. منهم من يسأل:
متى سوف تعلن؟.
ومن سيبدأ ؟
وماذا ننتظر؟
بعد التأكد من العدد المناسب للمشاركين.. قررنا لحظتها بالإجماع أن تبدأ المظاهرة.
بداية توجهنا الى جهة بائعي التبغ المحاذية لحائط (باغى شار).. موقع باغى شار يقع جزء منه مقابل مخفر شرطة خانقا.. والجهة الأخرى منه تقع مقابل مقهى العمال. العديد من بائعي التبغ ممن ليس لديهم محلات ودكاكين كانوا يجلسون بحوار حائط الحديقة ويبيعون ما في حوزتهم مباشرة للزبائن..
في نهاية الحائط لوحظ وقوف عربة بيك اب بجوار الرفيقة (أوميد ملا حسن) بنت المناضل العروف ملا حسن كانت عضوة نشطة داخل تنظيمات الحزبية.. كانت برفقة ديدار شقلاوة.. صعدا معاً لحوض البيك آب..
وبدأوا بترديد الهتافات، مع سماعنا للهتاف.. تحركنا وأخذ من كانوا على علم مسبق بالتظاهرة للتجمع والتكاتف.. اما من لم يكن على علم وبالصدفة وجد نفسه في المكان الخطأ فقد تركوا المكان في الحال. المشهد كان غريباً بعض الشيء.. مجموعة من الشباب تكورنا واقتربنا من بعضنا البعض.. متكاتفين وملتحمين.. أما الناس الأخرين أمامنا وخلفنا فكانوا يركضون عكس اتجاه سيرنا.
وكلما زدنا من ترديد هتافانا كان الناس يتجنبوننا ويركضون عكس اتجاهنا، مع استمرار ترديد وسماع الهتافات أخذهم الحماس يشتد لدى البعض من رفاقنا المسلحين وبدأوا بإطلاق عيارات مسدساتهم الى السماء.. وبسماع دوي هذه الإطلاقات خاف البعض ممن تواجدوا في الشارع من الجمهور المراقب للحدث.. كثيراً وأعتقد البعض منهم أنها موجهة نحونا.
بعد برهة قصيرة توجه جموع التظاهرة نحو مخفر شرطة خانقا.. وأخذ المشاركون فيها يسرعون ويهرولون كأنهم يركضون.. مع علمنا ان الخطة المقررة كانت مبرمجة لتسير التظاهرة نحو مقهى مجكو ثم يكون توجهنا نحو بناية محافظة أربيل..
لكن عفوية البعض من رفاقنا غيرت من مجرى السير نحو (مخفر خانقا) بدلاً من بناية المحافظة، لوحظ في تلك اللحظة وجود بعض من الجنود مع سياراتهم العسكرية واقفين أمام المخفر. كان مجيئهم الى هناك لغرض شراء بعض حاجياتهم..
لكن مع ما شاهدوه من حشدنا فاجأهم فأدركوا الأمر فأسرعوا في ترك المكان.
الرفيق أبو كاظم (أبو كاظم ـ حمودي عبد محسن.. كان من كوادر الحزب المعروفين في النجف وكردستان.. ومن المختفين في مركز مدينة أربيل) كان يلف وجهه بشماغ أحمر، ويحاول أن يقنع الجنود وتحدث معهم بالعربية لإقناعهم بالانضمام والدخول لصفوف المتظاهرين.. إلا أن محاولته باءت بالفشل..
ومن بعدها تقرر وبسرعة خاطفة.. كما كان مخططا له.. ترك المكان.. أخذت مجموعة من المتظاهرين طريقها الى شارع شيخ الله.. وبدأ أصحاب المحلات بإقفال محلاتهم ثم أخذوا بالمغادرة، لكن البعض من الرفاق أخذهم الحماس الشديد واستمروا بترديد الهتافات ضد سلطة ونظام البعث والطاغية صدام..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة