الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بربر أم عرب

بلحسن سيد علي
كاتب ومفكر

(Bellahsene Sid Ali)

2021 / 4 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"بربر أم عرب" نغمة معروفة لشعوب شمال افريقيا ومقطوعة موسيقية مبتذلة لدى سكان هذه الرقعة الجغرافية لكن على رغم من ذلك فهي تأتي أكلها كل حين ويستغلها حكام هذه الشعوب ليفعلوا ما فعله المستعمر أول عهده حين بسط حكمه وبطشه على هذه الحضارة الإفريقية، وبما أني أنتمي لهذه الرقعة الجغرافية وعلى وجه التحديد لبلاد المليون ونصف شهيد كما يقولون سأخص بالحديث بلادي الجزائر لكن هذا لا يمنع أن يكون حديثي القادم وما سأفضي به في هذه المقالة صالح لكل شعوب شمال افريقيا بل إني لأراه كذلك مع بعض الفوارق البسيطة.
إن مشكلتنا نحن شعوب شمال افريقيا ليس في غموض تاريخنا ولا طمسه من طرف المستعمر ولا في عدم وضوحه لعين الدارسين وإنما في تعدديته أولا ثم في عدم امتلاكنا للوعي التاريخي لهذا التعدد، وغياب هذا والوعي راجع لعدم قردتنا على قراءة تاريخنا دون أفكار مسبقة أو أيديولوجية أو إطار أو براديغم أحادي يؤدي بنا إلى خدمة مصالح مبتكر معزوفة "بربر أو عرب".
ولكي نوضح أكثر مرادنا دعونا نسترجع معا شيئا مما ذكره الدكتور علي شريعتي رحمة الله عليه عن الجزائر في كتابه العودة إلى الذات إذ يقول: "وقد نبه رينيه لابوم وهو أحد مخططي الاستعمار الفرنسي العلماء بعد دراسة المجتمع الجزائري وعلم الاجتماع الجزائري إلى أن الجزائر تنقسم إلى عنصرين عرقيين، لكن الإيمان والثقافة الإسلامية وتاريخهما وحضارتهما القويين قد وحدا بين هذين العنصرين بحيث أن الجزائر نفسها لا تحس بأنها مكونة من عرقيين وحيثما وصل الإسلام محا الحدود والخصائص القومية والخاصة بالدم والتراب"، ثم يضيف شريعتي: "اكتشف (أي رينيه لابوم) أن الجزائر مكونة من عرقين العرب والبربر"، وبعد دراسات عميقة لعلم الاجتماع وعلم النفس العرقي والتاريخي والاجتماعي وثقافة البربر والعرب في شمال إفريقيا وثقافتهم ورؤيتهم وسلوكهم الاجتماعي، وصل رنيه لابوم إلى النتيجة القائلة بأن البربر يغلب عليهم الجانب القومي أما العرب فيغلب عليهم الجانب الديني، وعلى أساس هذه الأبحاث قدم برنامجا من أجل صنع مجتمع حسب الطلب ومستقبل للأجنبي وقال جملته الشهيرة "ينبغي نشر القومية بين البربر"
لكن ما السر في هذه النتيجة الغريبة ألا وهي نشر القومية أو على وجه التحديد الضغط عليها؟ في نظري وبعد دراستي المتواضعة لهذه المسألة اكتشفت أن الضغط على النزعة القومية لدى البربر واللعب على هذا الوتر يؤدي بكل الطرق إلى العنصرية والعنف، ولو أردت المضي قدما فإن الخاصية الثانية التي لم يردنا ذكر كيفية استغلالها وهي النزعة الدينية لدى العرب فإن الضغط عليها واللعب على وترها يؤدي إلى التطرف والإرهاب، والدليل هو ما حصل للجزائر في العشرية الحمراء، وما يعرفه الجميع عن الارهاب في جميع الديانات.
ثم أن لكل نزعة تفسير تاريخي في نظري يجب الوقوف عليه ولو قليلا حتى يتضح الجواب الذي قد يخطر على بال القارئ الآن ألا وهو لماذا يغلب على البربر النزعة القومية في حين يغلب على العرب النزعة الدينية؟
في نظري الجواب على هذا السؤال لا يتطلب سوى النظر إلى تاريخ الحضارتين حتى تعرف أن للبربر تاريخ طويل مع الاستعمار بداية بالفينيقيين الذين احتلوا معظم شمال افريقيا وعلى وجه التحديد أكبر وأعظم دولتين قد ظهرتا في شمال افريقيا ألا وهما نوميديا وقرطاجة، ثم بعد الفينيقيين جاء الرومان ليستعمروا المنطقة بعدما أن كسبوا الحرب التي دارت طويلا بين نوميديا وروما، فتحولت بعدها منطقة شمال افريقيا إلى جزء تابع للإمبراطورية الرومانية حتى تمكن الوندال من عبور مضيق جبل طارق وكانت بداية عهد مستعمر جديد، وهكذا دواليك حتى جاء الاسلام إلى المنطقة وتخللها شيئا فشيئا وصار الأمر إلى قيام الإمبراطورية العثمانية وما تلاها من غزوات الاسبان وفرنسا وإيطاليا وغيرهم، كل هذا التاريخ الطويل للمنطقة جعل سكانها الأصليين وهو البربر يحافظون على وجودهم المادي والمعنوي بعد الانخراط في كل الحضارات التي تعاقبت عليهم عن طريق النزعة القومية، أما العرب فعل العكس تماما إذ تشير الدراسات أن السكان الذين استوطنوا ما يعرف بالصفيحة العربية بداية بالأعراق السامية كانوا يحتفظون منذ زمن بعيد بالخصائص الدينية وحتى اللغوية المشتركة بالرغم من اختلافهم، وطبيعة الصحراء القاسية واتساع رقعتها جعلتهم يتفرقون على شكل جماعات تحترف الزراعة والرعي والصيد، ومن هذه الأعراق أو الجماعات كان العرب أكثرهم احتفاظا بخصائص اللغة الأم على سبيل المثال، ثم أن الظروف الطبيعية القاسية جعلت هذه الجماعات تتجه نحو الشمال فيما يعرف بالهجرات السامية، وظلت الجماعات العربية تشكل قبائلها وتحافظ على مكتسباتها الحضارية إلا انها لم تستطع أن تتوحد على شكل دولة واضحة المعالم في ذلك الوقت، ولم يكن ذلك إلى بعد ظهور محمد والإسلام وأنشأ ما يسمى بالدولة الإسلامية، وأهم مميزات هذه الدولة التي توسعت في كل أقطار المعمورة هو النزعة الدينية التي بنيت عليها، وحين اتصل حبل العرب ونزعتهم الدينية مع حبل البربر ونزعتهم القومية وبعد الصراع حينا والقبول حينا آخر اختلط الشعبين إلا أن النزعتين لم تختلط بل ترسبت في أعماق وعي الشعبين، وفي الوقت الذي كان البربر والعرب يشكلون حضارة اسلامية جديدة في شمال افريقيا لم يكن للغرب ما يمكننا التنويه له إلا أغاني رولان على حد قول الدكتور علي الشريعتي، ثم أن المنطقة الحضارية الأولى في أوروبا كانت الأندلس التي اعتبرها شريعتي امتدادا لحضارة شمال افريقيا الاسلامية.
والآن لنعد إلى أغنيتنا التي افتتحنا بها مقالنا بعد أن عرفنا منشئها ولم يبق لنا إلا أن نعرف لماذا لم تزل تفعل بنا ما فعله الاستعمار من تقسيم وإحباط لكل ثورة تحريرية تنادي بالتحضر والتمرد على الظلم والاستبداد، مرة أخرى أقول أن سبب نجاح مثل هذه الخطة هو عقدة الاستعمار التي لم نتخلص بعد منها، ولكي نوضح قولنا دعوني أذكركم بما قاله رنيه لابوم:"برنامجا من أجل صنع مجتمع حسب الطلب ومستقبل للأجنبي" وهذا الذي سماه مالك مالك بن نبي رحمة الله عليه "القابلية للاستعمار"، ولكن الذي يسبق هذه القابلية للاستعمار أو يبقي عليها قائمة هي القابلية للتحول من النزعة القومية إلى العنصرية ومن النزعة الدينية إلى الإرهاب، وهنا يكمن مربط الفرس، فإذا عرفت مجتمعات شمال افريقيا عامة والمجتمع الجزائري خاصة كيفية استغلال النزعة القومية من دون عنصرية والنزعة الدينية من غير عنف وإرهاب فعندها ستكون قادرا على بناء نفسه وإنتاج حضارته التي سلبت منه.
وفي الأخير يمكننا القول بأنه لا حضارة للجزائر بدون الحفاظ على النزعة قومية والنزعة الدينية
إذ أنهما مصدر قوتنا إذا ما عرفنا كيفية استغلالهما بالطريقة الصحيحة، ولكنهما في الوقت نفسه مصدر تخلفنا إذا ما أسأنا استعمالهما، وكل من يحاول فصلهما أو إقصاء إحداهما فإما هو جاهل بالتاريخ أو أنه يريد لعقدة الاستعمار أن تظل حاكمة، أما الضغط عليهما فيؤدي إما إلى الإرهاب أو العنصرية وهذا الذي أبطل كل محاولات التخلص من أنظمة الظلم التي تعاقبت على الجزائر زورا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وإذا كان للأنظمة الحاكمة القدرة على هذا الضغط والاستثارة فإن مهمة المثقفين الوقوف في وجه مثل هذه المخططات وليس تغذيتها بالصراعات والإقصاء والأحادية في حين أن التعددية هي خاصية تاريخية ولا يمكننا استعادة حضارتنا إلا من خلالها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على