الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة قانونية: بعض خصائص الرئاسة والحكومة في الدولة الفيدرالية

فلاح اسماعيل حاجم

2006 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو ان دائرة القبول بالفيدرالية شكلا للدولة العراقية الجديدة باتت تتسع, ما يؤشر لحالة ايجابية في العملية السياسية الجارية في بلادنا في الوقت الراهن. واذا كانت الفيدرالية مرفوضة الى وقت قريب, من قبل بعض المكوّنات السياسية الرئيسية وبذرائع مختلفة, فأن اراء المساهمين في الندوة العالمية حول الفيدرالية في العراق, والتي انهت اعمالها في فينيسيا الايطالية تعبر عن فهم مختلف واكثر ايجابية (للفرقاء) السياسسين حول المسألة التي اثارت جدلا واسعا في الاوساط السياسية العراقية (وغير العراقية) منذ السقوط المريع للنظام الشمولي السابق. من هنا ضرورة التحليل والبحث في الموضوعات المختلفة للفيدرالية, تأصيلا للوعي السيا- قانوني واسهاما في النقاش الايجابي حول هذه المسألة المهمة في حياة بلدنا السياسية.
تماما مثلما هو الحال في الدولة البسيطة يتربع قمة الهرم في الدولة الفيدرالية رئيس الجمهورية او الملك. وعادة ما يشغل هذا المنصب السامي في الدولة الملك او الرئيس بمفرده (في اغلب الدول البسيطة والفيدرالية), او تناط هذه المهمة بجهاز للقيادة الجماعية (مجلس الاتحاد, مجلس الرئاسة, مجلس الحكام ...الخ). وفي حالات نادرة عرف تأريخ القانون الدستوري بلدانا ذات سيادة يعتبر رئيسها من الناحية الشكلية ملكا لدولة اخرى (استراليا وكندا), وربما كان ذلك امتدادا لقاليد الانتداب الاستعماري المعروفة. واذا كان اسلوب الوراثة هو الاكثر شيوعا لاستلام الملك رئاسة الدولة, مع ما يرافق ذلك من اجراءات شكلية مثل البيعة والحصول على مباركة المؤسسة الدينية, فان الطابع الفيدرالي للدولة كان سببا في الشذوذ عن هذه القاعدة في دولتين عرفتا الملكية شكلا للحكم. ففي الامارات العربية المتحدة واستنادا الى المادة 51 من دستور عام 1971 "ينتخب المجلس الاعلى للاتحاد , من بين اعضائه , رئيسا للاتحاد ونائبا لرئيس الاتحاد . ويمارس نائب رئيس الاتحاد جميع اختصاصات الرئيس عند غيابه لأي سبب من الاسباب.". فيما حددت المادة 52 فترة ولاية رئيس الدولة ونائبه بخمس سنوات قابلة للتمديد, ما يشكل خروجا على تقاليد الشكل الملكي للحكم والذي يفترض اضافة الى التناوب الوراثي للعرش غياب التحديد الزمني لسلطة الملك. وهذا ما يمكن العثور عليه ايضا في ماليزيا, حيث يقوم تسعة من اعضاء مجلس الحكم الاعلى فيها (السلاطين) باختيار ملكا للبلاد من بين اعضاء ذلك المجلس, فيما يحرم دستور البلاد (لعام 1957) اربعة من اعضائه (محافظين) حق التصويت. اما انتخاب رئيس الجمهورية فيعتبر الاكثر انتشارا في البلدان الفيدرالية. ومثلما هو تأثير الشكل الفيدرالي للدولة الملكية على كيفية اختيار رئيسها, يترك (الشكل المساحاتي) للدولة بصماته على كيفية انتخاب رئيس الجمهورية ايضا. وقد اختلفت النظم الدستورية للجمهوريات التي يتولى فيها رئيس الدولة مسئولياته منفردا, اذ لم يربط الكثير منها بين شكل الدولة وكيفية انتخاب الرئيس ( روسيا الفيدرالية , المكسيك , البرازيل , فنزويلا , الارجنتين). اما في الولايت المتحدة الامريكية والتي ينتخب رئيسها عن طريق الاقتراع غير المباشرفيمكننا تلمس التأثير المباشر لشكل الدولة الفيدرالي على كيفية اختيار هيئة الناخبين المؤلفة من 538 عضوا والتي يعادل عدد اعضائها عدد اعضاء برلمان الدولة (الكونغرس) بما في ذلك الاعضاء الثلاثة الذين ينتخبهم الجهاز التمثيلي لمدينة واشنطن خصيصا لتمثيل دائرة كولومبيا الفيدرالية في انتخابات رئيس الولايات المتحدة. فيما يتناسب عدد ممثلي كل ولاية في هيئة انتخاب الرئيس مع عدد ممثلي تلك الولاية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب, ما يعكس التأثير الواضح للترابط بين شكل الدولة الفيدرالي وانتخاب رئيس الدولة. وهنا اود الاشارة الى ان فائزة في انتخابات هيئة الناخبين تعتبر القائمة التي تحصل على الاكثرية النسبية من اصوات ناخبي الولايات, فيما يكون مجلس الشيوخ المحطة النهائية لاعادة التدقيق في نتائج الانتخابات التي كانت قد عدت من قبل اللجان الانتخابية في الولايات نفسها, ما يؤكد اثر الطابع الفيدرالي في هذه المسألة ايضا. ويبدو ان تأثير الشكل الفيدرالي للدولة على كيفية انتخاب الرئيس الاكثر وضوحا في كل من جمهورية المانيا الفيدرالية والهند, حيث ينتخب الرئيسان في كليهما من قبل هيئة انتخابية مختصة يمثل جزءا من اعضائها اطراف الفيدرالية (الاقاليم والمقاطعات). ففي المانيا الفيدرالية تتألف هذه الهيئة من اعضاء المجلس الادنى للبرلمان (البوندستاغ) كمجلس تمثيلي لعموم مواطني الدولة وما يماثلهم بالعدد من ممثلي الاطراف الفيدرالية (تسمى الاراضي الفيدرالية في الادبيات الالمانية), والذين ينتخبون خصيصا لهذه المهمة شريطة ان يتطابق عددهم مع عدد ممثلي المقاطعة في البندوستاغ. ما يؤمن المساهمة العادلة لمواطني الاقاليم (الاراضي) في اختيار رئيس الدولة الفيدرالية. اما في واحدة من اكبر الدول الفيدرالية مساحة واكثرها كثافة سكانية واعقدها تنوعا في التركيبة الاثنية والدينية والقومية وهي الهند, فانتخاب رئيس الجمهورية يتم من قبل الاعضاء المنتخبين في مجلس البرلمان (في البرلمان الهندي يوجد اعضاء غير منتخبين ايضا) وما يعادل عددهم من اعضاء مجالس الولايات المنتخبين ايضا, وليس من الضروري ان يتناسب عدد الاخيرين مع عدد ممثلي الولايات في برلمان الدولة الفيدرالي. وهذا ما يميّز اسلوب انتخاب الرئيس الهندي عن نظيريه الامريكي والالماني. ولم نجد في دستور العراق الدائم ما يؤكد على تأثير الشكل الجديد لدولتنا على اسلوب انتخاب رئيس الجمهورية, حيث نصت المادة (70- اولا) على ان " ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد اعضائه." فيما احالت المادة (69) مسألة الترشيح لمنصب الرئيس ونائبه (او نوابه) للتشريع الفرعي.
اثناء الحديث عن الترابط بين شكل الدولة وحجم الصلاحيات الموكلة دستوريا لرئيسها واساليب مزاولة تلك الصلاحيات لابد من الاشارة الى انه ليس هنالك ثمة فروق جوهرية بين رئيس الدولة الفيدرالية ونظيره في الدولة البسيطة, ذلك ان حجم تلك الاختصاصات وشروط مزاولتها اكثر ارتباطا بشكل الحكم (برلماني, رئاسي, ملكي...الخ) منه بشكل الدولة (فيدرالية او بسيطة). ومع ذلك يمكننا العثور في حالات نادرة على عناصر ذلك الترابط في اختصاصات رئيس الجمهورية, ورئيس الدولة الملكية المنتخب (الامارات العربية المتحدة). ففي الجمهوريات الفيدرالية النصف رئاسية (روسيا مثالا) عادة ما يحتل رئيس الدولة موقعا يؤهله لأن يكون حكما بين اطراف الفيدرالية المختلفة (الجمهوريات والمقاطعات والاقاليم والدوائر الفيدرالية ...وغيرها). حيث يمنحه الدستور النافذ استخدام صلاحياته, سواءا بمبادرة شخصية منه او استجابة لنداء تلك الاطراف, للتوسط لحسم خلافات المكونات الفيدرالية او احالة النزاع الى اجهزة القضاء المختصة (المادة 85). اما في الامارات العربية المتحدة فقد منح الدستورالمجلس الاعلى للاتحاد ورئيسه امكانية " الرقابة العليا على شؤون الاتحاد بشكل عام " (الفقرة السابعة من المادة 47).
ان واحدا من اكثر مجالات اظهار سمات الدولة الفيدرالية في اجهزة الدولة وضوحا هو كيفية تشكيل اجهزة السلطة وخصوصا التنفيذية منها. فالمحافظون في كل من الولايات المتحدة الامريكية والبرازيل, ورؤساء السلطات التنفيذية للمقاطعات والاقاليم في روسيا الفيدرالية يتم انتخابهم من قبل سكان تلك الولايات والاقاليم والمقاطعات, فيما اوكل التشريع الهندي مهمة تشكيل حكومات الولايات لبرلمانات تلك الولايات, مع عدم امكانية الغاء قراراتها من قبل اجهزة الدولة المركزية, ما يشكل ضمانة مهمة لتأمين استقلالية تلك الاجهزة في معالجة القضايا المحلية. اما في روسيا الفيدرالية فقد اعطى التشريع الفيدرالي الصادر في العام 1999 والمعدل في عام 2000 لرئيس الجمهورية ايقاف العمل بالقرارات الصادرة عن رؤساء المقاطعات, وحتى اقالة اؤلئك الرؤساء, لحين صدور قرار قضائي بشأنها اذا ما تعارضت قواعدها مع دستور الدولة اوالتشريعات الفيدرالية الاخرى. ويعتمد القضاء لحل الخلافات بين السلطات المركزية ومثيلاتها المحلية في كل من الولايات المتحدة الامريكية واستراليا. ويعرف التأريخ السياسي للولايات المتحد ة الامريكية لجوء رئيس الدولة الى استخدام مبدأ التدخل الفيدرالي والاستعانة باجهزة الامن المختصة لاجبار بعض المحافظين العنصريين على تنفيذ القرارات القضائية حين رفض الاخيرين قبول اطفال المواطنين السود في مدارس الولايات الجنوبية. اما في الدول التي يعتمد فيها اسلوب تعيين محافظي الاقاليم (المحافظات في اغلب الاحيان) فعادة ما تقدم القرارات الصادرة عن اؤلئك المحافظين للمصادقة عليها من قبل رئيس الدولة (في الهند والباكستان مثلا). وفي هذه الحالة يكون من المتعذر على برلمان الاقليم اتخاذ الفيتو ضد مثل هكذا قرار. ان واحدة من صفات الدولة الفيدرالية هو ثنائية منظومة اجهزتها التشريعية والتنفيذية , وفي بعض الاحيان القضائية ايضا. ففي الجمهوريات الرئاسية يعتبر جميع الوزراء مستشارين لرئيس الدولة, ولا وجود لمجلس الوزراء, ذلك ان السلطة التنفيذية تابعة بالكامل لرئيس الجمهورية (المكسيك, البرازيل, فنزويلا, الارجنتين, الولايات المتحدة الامريكية). اما في الدول الفيدرالية التي اتخذت من البرلمانية شكلا للحكم, وكذلك الجمهوريات الفيدرالية النصف رئاسية, فعادة ما يتم اخذ التكوينة الفيدرالية بعين الاعتبار عند توزيع الحقائب الوزارية, مع ان دستور الدولة يخلو من قواعد ملزمة بهذا الخصوص. ويبدو مبدأ تمثيل الاقاليم والولايات الاكثر وضوحا في كل من الهند وباكستان, حيث يتم تمثيل الوجهاء والقادة السياسيين في الحكومات الفيدرالية. ولم تشذ عن هذا التقليد واحدة من اكبر الدول الفيدرالية في القارة السوداء, حيث جرى التقليد على تمثيل القبائل الكبيرة والمؤثرة في الحكومات المتعاقبة في جمهورية النيجر الفيدرالية. ومع ان الدول الاوربية ذات الديمقراطية المتأصلة تحاول الابتعاد ان اسلوب (المحاصصة) فاسحة المجال للتكنوقراط وتنفيذا لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب, بات عرفا دستوريا في كندا الفيدرالية تمثيل الناطقين بالفرنسية في الحكومة الفيدرالية. بالاضافة الى ذلك فان عنصر الفيدرالية يتجلى في وجود ممثليات للاقاليم والولايات.... الخ في الجهاز التنفيذي للدولة (الحكومة), حيث تنحصر مهمة تلك الممثليات بتقديم العلومات والاستشارت المتعلقة بالشئون الداخلية لاقاليمهم (روسيا مثالا). فيما يقوم رئيس وزراء الحكومة الفيدرالية باجراء اجتماعات منتظمة (سنوية) مع نظرائه في حكومات الاقاليم (الهند على سبيل المثال). وكثيرا ما لجأت حكومات البلدان الفيدرالية الى استحداث وزارة خاصة بشؤون الفيدرالية ( روسيا منذ عام 2000). اما في الدولة البسيطة الاكثر مركزية, وخصوصا الشمولية منها , عادة ما يتم احالة الشئون المحلية لوحدات الدولة الادارية (المحافضات على الاغلب) لوزارة الداخلية, ذلك ان الهاجس الامني الاكثر حضورا في سياسات تلك الدول وبرامجها. انني ارى ان العودة الى التراث الدستوري للدول الفيدرالية الاكثر اصالة ودراسة ارثها الايجابي في مجال بناء اجهزة الدولة المختلفة, سيكون له بالغ الاثر ليس فقط في التأسيس لبناء دولة الحق والمؤسسات, وانما في اختصار الزمن لانجاز ذلك البناء ايضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟