الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسعة نيسان 2003 والحدث العراقي

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2021 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في منتصف شهر كانون الثاني عام 1991, بثت إذاعة صوت أميركا خطاباً للرئيس الأميركي "جورج بوش" الأب وجهه إلى الشعب العراقي, داعياً إياه إلى الإطاحة بنظام صدام الدكتاتوري ( لكنه تخلى عن الشعب الذي دعاه الى الثورة لا بل وقف مع صدام وزمرته لقمع الانتفاضة), وذلك ليضمن العراق ’الانضمام إلى أسرة الأمم المحبة للسلام‘, كما أعقبه خطاب ثاني يحمل رسالة مماثلة, في الأول من آذار- إي بعد مرور يومين على خروج القوات العراقية من الكويت. و أنطلقت أنتفاضة الشعب العراقي ضد نظام البعث ،إنطلقت لتكسر حاجز الأرهاب، والخوف ، والرعب الصدامي، الذي فرضه على شعب العراق عشرات السنين، أزاحت رماد الصمت ،فأطلقت العنان لنيران الثورةِ والغضبِ الشعبي المتراكم في صدور الشباب،لتُحْرِقَ بسنا لهيبها رؤوس الحقد والتغطرس البعثي،إنطلقت ثورة الشعب من الشعب في داخل العراق لابوحيٍّ خارجي مثلما إدعى النظام وقتها ،إنطلقت بقرار من شباب العراق، بكامل ارادتهم وبهمتهم، بعفويتهم البعيدة عن التخندق الحزبي ،في تظاهرةٍ مسلحةٍ يعلو فيها لأول مرّة صوت الشعب على صوت الجلاد، ولأول مرّة يلتفت العالم الى ذلك الصوت ، ويؤمن بأن هناك شعبٌ وهناك رأيٌ معارضٌ لنظام صدام، بعد أن كان لا يُعير إهتماما لصرخات الشعب العراقي ،ولا استغاثة الضحايا ،كان يتجاهل خطابات المعارضة العراقية، ولا يصدّق دعواتها وإدعائها ،بل كان يتفاعل مع إعلام النظام . منذ بداية هذه التطورات الخطيرة, أساء الإعلام الغربي التعبير عن الانتفاضة العراقية رغم أنها كانت تتسم بالعفوية ورد الفعل التلقائي أمام دخول بقايا الجيش المهزوم من الكويت إلى البصرة, إذ وصِفت الانتفاضة الجنوبية بكونها مقتصرة على طائفة واحدة دون أخرى, كما وصِف الانتفاضة في كردستان على انها ثورة قومية كردية حصراً, هدفها الحصول على منطقة كردية مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي داخل العراق. لكن الحقيقة هي أن انتفاضة شمال وجنوب العراق كانت ثورة شعبية قامت بها الطبقة العاملة . و يتفق المؤرخون والباحثون على أن الانتفاضة بدأت من مدن جنوب العراق وتحديداً مدينة البصرة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت وتدمير آلياته من قبل القوات الأمريكية، الأمر الذي اضطر الجنود العراقيين للعودة سيراً على الأقدام إلى العراق. وعلى اثر هذا قام أحد الجنود العراقيين في فجر الثاني من أذار من عام 1991 بإطلاق النار على تمثال للرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وانهال عليه بالشتائم والسباب وكان هذا في ميدان يدعى ساحة سعد في البصرة لتنطلق شرارة الانتفاضة الشعبية التي سرت بسرعة كبيرة جداً في أنحاء العراق وبحلول الصباح كانت الاحتجاجات تعم محافظة البصرة والهارثة والدير وبدأ الثوار باستهداف مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش العراقي في المدينة. وخلال يومين فقط عمت الانتفاضة أغلبية مناطق العراق الأخرى ومنها ميسان والناصرية والنجف وكربلاء وواسط والمثنى والديوانية وبابل وسرعان ما وصلت إلى مدن شمال العراق دهوك، سليمانية، أربيل وكركوك وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة بدأ النظام باستخدام أساليب القمع كافة لإيقاف الانتفاضة واستخدام طائرات الهليكوبتر التي أرسلتها أمريكا للنظام بحجة نقل الجرحى والمصابين من الكويت إلى العراق إلا أن النظام استخدمها بقصف المدن وإيقاف الانتفاضة ووصل الأمر بالسلطة لاستعمال الأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين. بدا الآلاف من العراقيين بالخروج إلى الشوارع وترديد أهازيج تندد بالنظام وتدعو لإسقاطه وقام البعض بالتوجه نحو مراكز الشرطة والمباني الحكومية وإخراج من كان فيها من السجناء الأبرياء والاستيلاء على مخابئ الأسلحة الصغيرة وسيطر المنتفضين على أربع عشر مدينة من مجموع المدن العراقية الثماني عشر. وهنا بدأ القتال المسلح وبدأ كل من يمتلك السلاح بحمل سلاحه والخروج للقتال وقد وصل القتال إلى اطراف العاصمة بغداد التي كانت تتركز فيها مباني الوزارات ورئاسة الجمهورية، وكان لدى المنتفضين قناعة تامة بان القوات الأمريكية وقوات التحالف التي كانت مترمكزة في الكويت ستقوم بمساعدتهم للإطاحة بالنظام ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل فقد امتنعت القوات الأمريكية عن تقديم العون للثوار، وبدأ هنا النظام بالقصف العشوائي والقبض ثم إعدام من يُعتقد انه قد شارك في الانتفاضة فدمرت الكثير من المدن وسويت بالأرض وقُتل ما يزيد عن (300) الف شخص في الجنوب العراقي وحده خلال ال14 يوما التي هي عمر الانتفاضة إذ عمد النظام إلى استخدام كافة السبل لاسترداد نظام الحكم باستخدام كافة الأسلحة.
لم يخطر في مخيلة أي أحد من العراقيين بأن تكلفة تغيير نظام صدام الدكتاتوري الشمولي في نيسان/أبريل 2003، ستصل إلى ما وصلت إليه الأمور في البلاد بعد ثمانية عشر عاما على التغيير، إذ كانت أمنيات أغلب العراقيين أن يعيشوا حياتهم مثل بقية شعوب المعمورة، من دون أية حروب ومخلفاتها من اليتامى والثكالى والأرامل، وتوقع العراقيون بأن يتم يتجاوز مشاكل العوز والفقر والخوف من المجهول، وأن تتحول كوارث الماضي ومآسيها إلى مجرد ذكرى تُذكر ولا تَعود. وقد تكون ثمانية عشر عاما على التغيير ليس بالعمر الطويل إذا ما قورنت بتاريخ البلدان التي شهدت تحولا نحو الديمقراطية، ولكنها بحسابات العراقيين كانت ذات تكلفة عالية في الدمار وخسائر الأرواح. بيد أنها لا تزال تشكل فرصة لمراجعة تاريخنا ومفاهيمنا ووعينا ومكاننا في العالم. فكوارث الماضي التي حفرت عميقا في وعي الإنسان وبُنية المجتمع العراقي، يجب أن تكون حافزا للتسلح بالقدرة على نقد تاريخنا والإيمان بأن حركة التاريخ لا تعود إلى الوراء، وألا نسمح بعودة الدكتاتورية، وأن نعمل على تجاوز جميع آثار النظام الشمولي من تفكيرنا وتربيتنا وثقافتنا، وألا نتخلى مجددا عن حريتنا، ونتوقف عن الاستلاب السياسي الذي تسعى النخبة السياسية إلى ترسيخه وإشاعته وتحويله إلى ثقافة سياسية توهمنا بأن لا بديل عنها لإدارة الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح