الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية اجتياح أسامة المغربي

رائد الحواري

2021 / 4 / 10
الادب والفن


مرة أخرى يؤكد الأديب والأدب الفلسطيني على أنه/ما حامل/مُدون/مُوثق للتاريخ، وللأحداث التي تتعرض لها فلسطين وأهلها، وهذا ما يجعل الأدب الفلسطيني مصدر من مصادر التاريخ/الأحداث، في هذه الرواية نجد (تفاصيل) الاجتياح الذي قامت به قوات الاحتلال لمخيم جنين في نيسان عام 2002.
ليس مهما بالنسبة للقارئ صنف العمل الأدبي الذي يقدم له، ما دام هذا العمل يحمل عناصر جمالية، اللغة، طريقة التقديم وشكلها، تركيب الأحداث وتقديمها، الشخصيات، السرد، فرغم تصنيف العمل على أنه "سردية" إلا أنه كان سلسلا وممتعا رغم ما فيه من قسوة وألم.
فكرة السردية/الرواية تتماثل مع رواية فلسطينية أخرى تحدثت عن الاجتياح كما جاء في روايات "بيروت بيروت"، آه يا بيروت، الرب لم يسترح في اليوم السابع" لرشاد أبو شاور، ولم يقتصر التماثل بين الروايات على الفكرة فحسب، بل طالها إلى الشكل الذي قدمت فيه، فنجد فيها شيئا من (التقرير الصحفي)، لكن الصبغة الأدبية وطعم الرواية يبقى حاضرا فيها.
إذن "أسامة المغربي" يُقدم على توثيق جانب من أحداث الانتفاضة الأقصى، ومن جرى في مخيم جنين من أحداث وبطولات للمقاومة الفلسطينية، وأيضا يرصد جرائم الاحتلال والهمجية التي استخدمها لإعادة احتلال المخيم.
من جمالية الأدب تقديم الموضوع/المادة/الأحداث القاسية بطريقة سلسة وناعمة، توصل الفكرة للقارئ بأقل الاضرار النفسية على المتلقي، في هذه الرواية استخدام السارد الاختصار وتكثيف، فحجم الرواية صغير نسبيا لا يتجاوز التسعين صفحة، كما أن تقسيمها إلى فصلين، سهل على القارئ التعرف على تفاصيل الاجتياح، فرغم أنه طرح التفاوت الهائل بين الامكانيات المحدودة للمقاومين في مخيم جنين وبين قوات الاحتلال، إلا أنه استطاع أن يوصل وحشية العدو بطريقة لا ترهق المتلقي ولا تنفره، وهذا ما يحسب للسردية/للرواية وللسارد.
يبدأ السارد بتسليط الضوء على شخصيات الرواية: "أبو رضا" الذي يفقد حيده "عمر": "ركض أبو رضا باتجاه عمر دون تردد ليوقف المشهد عن تلك اللحظة، ولكنه وصل بعد فوات الأون، اخترقت الرصاصة صدر عمر، وكأنها اخترقت صدره، أحس بالفزع، بالعجز، بالقهر، بالهزيمة" ص14.
"زياد" المقاوم المنتمي لوطنه، والذي يحسن التحليل والعمل والضن بالقيادة، يتحدث عن أوسلو وتبديل الولاءات بقوله: "لقد جربنا كل الطرق لنجرب ذلك، وانتهت به التجربة مطاردا في المخيم، يقود مجموعة من المقاتلين محاصرين بالدبابات والطائرات...لم يكن يشعر أنهم ينزلقون نحو فخ كبير، ولكنه حافظ على مبدأ التجربة، وأحس بخطر التجربة، عندما شاهد الأجيال التي تولد تنسى البدايات" ص23و24.
وتأكيدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى نقاء (العائدين)، يحدثنا عن "صالح" الذي عاش اجتياح بيروت: "لماذا أحببتم بيروت كل هذا الحب وهم الذين جلبوا لها كل هذا الدمار؟.
لماذا خرج المقاتلون من بيروت؟. لماذا يصمت العرب؟" ص30و31، ورغم أنه لم يقتنع بأوسلو إلا أنه مؤمن بأمانة القيادة: "لم يكن مقتنعا باتفاق أوسلو، ولكنه كان مقتنعا بالقيادة التي وقعته" ص33، وبعد أن أخذ موقعه في القيادة، يرفض مصافحة جنود الاحتلال: "...وجاء الضابط الإسرائيلي مبتسما ومد يده، صرخ في الضابط، ابتعد ان أصافحك، نحن لسنا أصدقاء" ص34، وبعد أن جاءته التعليمات بضرورة إخلاء المقاطعة: "حمل سلاحه وتوجه إلى مخيم جنين" ص35، وأثنا الحديث عن نبل وصفاء "صالح" يحدثنا عن أحد جنوده "ظافر" الذي تماثل مع قائده بالعطاء والإيمان: "لم يكن يزاحم الأخرين على الطعام، ولا يشكو من نوبة الحراسة" ص35.
النساء كان لهن دورا في مقاومة جيش الاحتلال ومواجهته، ودورا في مساندة المقاومين وتقديم المساعدة لهم، تقول "أم عمر":
"- الشجاعة ليست حكرا على الرجال، سنقوم بدورنا، سنطعم المحاربين، سنسعفهم سنقف معهم في مواجهة الموت." ص43،
وهناك الطبيب "جلال" الذي جاء للمخيم ليقوم بواجبه:
" هنا ستواجه الموت، لا يزال أمامك فرصة للعودة.
قال الطبيب دون أن يطرف له جفن:
- جئت لألبي واجبي." ص47.
الفصل الثاني جاء على شكل تقارير صحفية وإخبارية، لكن بصيغة أدبية: "...يحاول أن يكون موضوعيا ليستوعب دون دهشة أن تمر المركيفا عرضها (3.72) متر، بين الأزقة التي لا تزيد عن (1.5) متر" ص52، فمن خلال هذا المشهد أوصال السارد حجم قوة الاحتلال التي اقتحمت المخيم، بعدها تأخذ المشاهد بتناول مجموعة أماكن تتعرض للاجتياح: " تحليق مكثف لطائرات الأباتشي فوق مخيم جنين وأطرافه، رتل من عشرات الدبابات وعشرات العربات العسكرية، وطواقم نجمة داود الحمراء تتقدم من الشارع الغربي الذي يربط مدينة جنين مع الخط الأخضر" ص54، "... مسافات فارقة قليلة لا تتجاوز عدة أمتار بين الدبابة والأخرى، ترتج البيوت مع مرور الهيكل الفولاذي الضخم الذي تأكل جنازيره إسفلت الشارع الضيق." ص56، فنجد اللغة الأدبية تخفف على القارئ شيئا من دموية الأحداث.
وأثناء هذه الأحداث يتم تناول دور الشخصيات التي جاءت في القسم الأول:
" ثواني معدودة كان ينتظر فيها المحارب الجريح مصيره المحتوم، وفجأة كانت هناك ذراعان ضعيفان تسحبانه بقوة باتجاه آخر الزقاق.
- لا تخف يا عمر سأنقذك.
كاد أن يتفوه بشيء لهذه المرأة الشجاعة ولكنه آثر الصمت.
شرع الجنود الملتصقون بالأرض، بإطلاق النار اتجاه الظل الذي يسحب الجريح بعيدا، ولكنه واصل السحب، إلى آخر الزقاق.
تلقفت النساء الجريح، وسقطت أم عمر وسط دمائها." ص61، فالسارد ركز على دور النساء الحيوي في إسناد المقاتلين وإنقاذهم، ويسلط الضوء على الطبيب الذي واجه رتل الدبابات مستندا على فكرة أمن رجال الإسعاف والأطباء:
" صف طويل من الدبابات، لم يتردد الدكتور خليل، ترجل من سيارة الإسعاف، ولوّح للدبابات للسماح لهم بالعبور.
شعار الهلال الأحمر والرجل الذي يرتدي ثياب الأطباء أمام منظار وكاميرا السائق في الدبابة .. يضغط وتنطلق القذيفة .. وتنفجر سيارة الإسعاف، ولم يصل الدكتور خليل!" ص63. ...
أما عن وحشية المحتل وجرائمه: "...استبقوا الأب والطفل الأكبر، وأمروا الباقي بالعودة، بعد دقائق سمع إطلاق نار، وغادرت الدبابة جثتان، تغطيهما الدماء" ص72،
وبعد مجزرة المخيم والخراب الذي أحدثوه فيه: يختم السارد الرواية بهذا المشهد:
"...سرب من الطائرات غادر
سرب من العصافير عاد
قالت الرواية اليهودية .. انتصارنا
قالت الرواية الفلسطينية .. انتصار
وقال الشهداء..
لا تفكروا في الانتقام
تعلموا فقط أن تحبوا الحياة أكثر
الى تلك الدرجة التي لا تخافون فيها من الموت
...لن تجفل السنابل من شفرة المقصلة
ستصد المقصلة .. ستنكسر
ولن تموت الحقول" ص88و89، الخاتمة الناعمة والهادية، والتي صيغة بصورة أدبية، (محت) القسوة والوحشية التي جاءت في الرواية، لكنها رسخت جرائم الاحتلال، وصمود المقاومين وأهالي المخيم في الذاكرة، وبهذا يكون السارد قد أوصل لنا حقيقة واقعية، لأحداث جرت على أرض مخيم جينين، بطريقة أدبية وبسرد سلسل ومقنع.
الرواية من منشورات المكتبة الشعبية، ناشرون، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه