الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسات تونسية .

فريد العليبي

2021 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ديكتاتورية البرلمان .26 مارس 2021

يُخيم على تونس منذ مدة الانحباس السياسي ، فالدروب مغلقة بين قرطاج والقصبة ، وبينها وبين باردو . ولا تبدو حتى الآن أية بارقة أمل في الأفق تشير الى قرب انتهائه ولو جزئيا على الأقل . وفي الأثناء يعيش قصر باردو على وقع تناقضاته حتى أنه تحول الى ما يشبه حلبة صراع ، انخرط فيه فضلا عن نوابه ، موظفوه المتهمون بأنهم أضحوا حراسا لرئيسه ، ينفذون أوامره ، فيسمحون بدخول جلساته لمن رضي عنه من النواب ، ويمنعون ذلك عمن أثار غضبه . ووصل الأمر حد اعلام الغنوشي النيابة العمومية بما كان من أفعال الحزب الدستوري الحر وطلب حضور عدل تنفيذ لمعاينة ما يجري داخل أروقة القصر وتحت قبته .
وبينما تتواصل حرب الصور والبث المباشر لتلك المعارك عبر أجهزة الهاتف الجوال ، وتلقى لها متابعين كثيرين في مواقع التواصل الاجتماعي، يتحصن رئيس البرلمان في تلك الحرب بالمراسيم والقرارات ، ومنها ما يمنع دخول مكبرات الصوت وكل ما يمكن أن يزعجه ، بعد أن فوضه مكتب البرلمان اتخاذ ما يراه مناسبا من اجراءات لحفظ النظام داخل ذلك القصر ، الذي تهزه العواصف من داخله وتهب عليه الزوابع من خارجه ، وهو الذي كان قبل مدة وجيزة هدفا للمتظاهرين الراغبين في اقتحامه وارسال نوابه الي بيوتهم للعناية بأطفالهم، بعد عجزهم عن العناية بالشعب ، وهم الذين كان شعار : حل البرلمان ، على شفاههم .
وترتسم شيئا فشيئا ملامح ديكتاتورية البرلمان، التي تعني دكتاتورية رئيسه ، ولكنها غير قابلة للتنفيذ الا بعد موافقة الراعي الدولي، الذي جاء بالإسلام السياسي تحت عنوان مخاتل : الاسلام الديمقراطي ، ويبدو أن هذه الموافقة بعيدة المنال الآن على الأقل ، لذلك فإن اللعب بديكتاتورية البرلمان يعني اللعب أولا مع الكبار ..أما الصغار في البرلمان فدورهم اشعال النار حتى يرى الكبار الدخان ، وهم ينجحون في ذلك مع مرور الأيام ، وهذا ما يثير حنق رئيسه الذي طال أمد سعي حزبه الى التمكين السياسي بعد سنوات عشر من الزلزال التونسي، الذي جاء به من بريطانيا .باعتباره بدرا سينير سماء تونس فإذا بها تتحول معه الى كهف لا ضوء فيه.
وفي لوحة البرلمان القاتمة تلك هناك نواب من حزب رئيسه يقرعون الطبول ، محذرين مما لا تحمد عقباه اذا ما استمر ذلك الحال ، وهو ما يرقي الى مستوى التهديد بأمر جلل لا تعرف حتى الآن طبيعته .
وخارج اللوحة هناك اتحاد الشغل الذي أعلن أمينه العام قبل أشهر ضجره من البرلمان وردد ثلاثا أن الشغالين ذاهبون اليه ، ولكن حصار البرلمان لم يقع وتحول الى مبادرة لحوار وطني جديد ، لم يلق أذنا صاغية لدى رئيس الجمهورية ، الذي اشترط حضور الشباب وعدم مشاركة الفاسدين فيه .
وزاد الأمر تعقيدا احتدام التناقض بين قصري قرطاج والقصبة ليصل كما قال نورالدين الطبوبي الى اشتراط قيس سعيد رحيل حكومة المشيشي بأكملها ، مما دفع الاتحاد الى الحديث عن خطة بديلة لم يفصح حتى الآن عن فحواها ، ولا يعرف ما اذا كانت ستنجح في خلخلة أركان الانحباس السياسي . ويبدو أن الاتحاد غير مدرك لخطة أخرى يجري تنفيذها وهي خطة ديكتاتورية البرلمان التي تنفذ شيئا فشيئا ، واذا ما أدركت غايتها وقبلها الرعاة الدوليون فإنها ستتحول الى حصار لقرطاج وبطحاء محمد على في الوقت نفسه .

مهمة الاتحاد . 2 أفريل 2021

اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل على مدى عشرات السنين نفسه مسؤولا عن مصير البلاد ، وكان فعلا قوة مهمة طبعت تاريخها بطابعه . ومن هنا مزجه دوما السياسة بالنقابة غير أنه عانى على صعيد الممارسة من الارتباك والتردد ، فقد ظل أسير سياسة الحبيب عاشور في صراعه مع الحبيب بورقيبة، وهى التي أهلكته في الأخير، ونعني تلك القائمة على أسلوب التسخين والتبريد.
وفي الآونة الأخيرة جربت قيادة الاتحاد التسخين ، فكان اجتماع صفاقس يوم 28 جوان 2021 الذي أطلق خلاله الطبوبي شعار قادمون الى البرلمان من أجل تعديل البوصلة ، معلنا نفض يده من تونس الحاكمة التي لم تعد تحترم صغيرا ولا كبيرا كما قال . ثم كانت تدوينة سليانة المهددة له بالاغتيال وهى المنشورة في صفحة محسوبة على الإسلام السياسي ، وما لحق ذلك من لقاء الطبوبي مع قيس سعيد الذي انبرى مدافعا عنه بالقول : ان الجبان هو من يلجأ الى التهديد بالاغتيال ولا يواجه الحجة بالحجة ... نحن مشاريع شهادة ولا يخيفنا الموت.
ثم كان التسخين مرة أخرى خلال خطاب المطار، حيث طرح الطبوبي مسألتي السيادة الوطنية والفساد، واصفا تونس الحاكمة بأنها أخطر من وباء كورونا فالحكام ليسوا سوى شرذمة جاءت منذ عشر سنوات فأفسدت في الأرض وقد انتهى أمرها .
ويبدو أنه بعد موجة الحر تلك تهب الآن عاصفة ثلجية على اتحاد الشغل ، من ملامحها تعليق الإضرابات العامة في عدد من الولايات وتجاهل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة وانخراط في محادثات مع الحكام إياهم في بيت الحكمة ، ولقاء غير معلن بين الطبوبي وراشد الغنوشي يوم الاربعاء الماضي، سبقه قبل ساعات قليلة توقيع اتفاق مع رئيس الحكومة حول إصلاحات اقتصادية واجتماعية ، وهو الذي رأى في ذلك حدثا تاريخيا .
والمرجح أن قيادة الاتحاد قد بدأت تنفيذ ما أسمته الخطة ب ، معتبرة أن تلك مهمتها العاجلة في علاقة بالحوار الوطني و يبدو أنها مرتكزة على تغيير التحالفات بترك قرطاج وشأنها والالتفات الى باردو ، أي الى الإسلام السياسي والترويكا البرلمانية عامة ومن ورائها حكومة المشيشي ، والنقطة التي أفاضت كأسها هي توجه قيس سعيد الى تنفيذ مشروع الحوار مع الشباب ، وتكليفه شخصية تسهر عليه ، فقد مثل ذلك نقطة خلاف بينه وبين قيادة الاتحاد، وهو ما لو توافقه فيه أيضا حركة النهضة . ومن هنا صلة القرابة الجديدة بين الطبوبي والغنوشي فهناك توجس من أن ذلك الحوار سيقوي قرطاج ، التي ستجد في التنسيقيات الشبابية زادها الانتخابي القادم ، وهو ما قد يعصف من حيث نتائجه بالمنظومة السياسية بأكملها و لن تنجو منه قيادة الاتحاد نفسها ، التي يؤرقها الآن فضلا عن ذلك الفصل 20 بينما يقترب المؤتمر القادم بخطى حثيثة .
واذا كان صدر الإسلام السياسي قد انشرح لهذه التطورات غير المنتظرة قبل أشهر فمن المرجح أن الغنوشي هو من أشار على رئيس الحكومة بتلبية رغبات الطبوبي على الورق على الأقل ، كسبا لوده وعزلا لرئيس الجمهورية ، غير أنه من الصعب نجاح التحالف الجديد فالحكومة عاجزة عن تلبية ما تعهدت به وهو ما حصل لاتفاق الكامور كما للاتفاق مع الدكاترة المعتصمين وغير ذلك كثير.
و غني عن البيان أن اتحاد الشغل لا تغيب عنه هذه الحقيقة ، وقد يكون دافعه لتغيير تحالفاته كبرياء مجروحة جراء تجاهل قيس سعيد الذي يريد دوما اللعب وحده في الميدان ، كما خضوعه لضغوط خارجية تقضي بالابتعاد عن التصعيد في نفس الوقت الذي صدرت فيه أوامر مماثلة لحركة النهضة وحلفائها ، وهم الذين توفر لهم مبادرة الاتحاد القشة التي يبحث عنها الغريق ، فضلا عن رغبة في الضغط على قيس سعيد .
وفي الأثناء تغرق تونس الحاكمة في مستنقع السياسة الرثة التي تقوم على العفوية ، حيث لا تحليل ولا تخطيط ، لا استراتيجيا ولا تكتيك ، فهي سياسة مشهد و مظهر أكثر من كونها سياسة حقيقة و جوهر ، بما يؤكد أن مفاتيح السياسة الحقيقية ليست في الداخل التونسي وانما خارجه، أما تونس المحكومة فإنها تقاوم محنها و لا تجد وقتا لتضميد جراحها لفرط تتاليها .


المحكمة الدستورية وحصان طروادة . 9 أفريل 2021

يحتد الجدل هذه الأيام حول تكوين المحكمة الدستورية على اثر تحوير مشروع قانونها في البرلمان وارساله الى الرئيس لختمه، وهو ما رفضه رادا إياه الى مرسله .وخلال ذلك طرحت أسئلة حول ماهيتها والغاية من تحريك ملفها الآن بالذات ، وهو الذي ظل نائما في رفوف البرلمان منذ ما يزيد عن الخمس سنوات .

وبينما يذهب الإسلام السياسي وحلفاؤه في الترويكا البرلمانية الى القول إن تلك المحكمة هيئة دستورية محايدة تضمن علوية القانون ، وإن الغاية منها استكمال بناء المؤسسات الدستورية وتقوية الديمقراطية التونسية الناشئة، فإن رئيس الجمهورية يرى العكس فمشروع ارسائها الحالي محاولة التفاف على تلك الديمقراطية إياها ودفنها ، بإنشاء محكمة لا تتوفر في أعضائها الاستقلالية والكفاءة بل وتوظيفها سياسيا لخدمة مآرب حزبية غير بريئة ، بما يعنيه ذلك من نزعة السيطرة ، تمهيدا لتأسيس نظام سياسي ديني أساسه الاستبداد ، ومن هنا نفهم كلمات سعيد الغاضبة: " لا أحد يشكّ إلا إذا عميت البصائر و زاغت الأبصار ما المقصد الحقيقي من هذا القانون، إذ لا علاقة له بعلويّة القانون و ضمان علويّة الدستور، فكيف لمن هو مطالب أمام القضاء و فارّ من العدالة، بل كيف للراشي و المرتشي، و المدان و المعتدي أن يطالب بمحكمة ينتصر إليها في الظاهر، و يعمل على التسلل إليها في الخفاء.".
وسبق هذا الجدل سيطرة حركة النهضة على الحكومة ، ودفع رئيسها الى تغيير وزراء مقربين من رئيس الجمهورية ، واستعراضها قوتها في شوارع العاصمة، ، فضلا عن تهديد حلفائها من أقصى اليمين الديني الرئيس بالإقالة بل والمحاكمة أيضا ، حالما تحط تلك المحكمة أوزارها .
وخلال ذلك كله استعملت الشعارات والرموز الدينية ، وانتشر خطاب التكفير والتخوين والتعصب والكراهية ، وبدا أن الإسلام السياسي يعود الى مربضه الأيديولوجي القديم ، بعد التظاهر بالفصل بين الدعوي والسياسي واعلاء راية الدولة المدنية .
وقد أدرك الرئيس تلك الرسائل باعتبارها غير منفصلة عن مشروع ما انفك الإسلام السياسي يعمل على تحقيقه ، وهو السيطرة على الدولة والمجتمع ، من خلال وضع اليد أولا على المؤسسات الدستورية، بالتغاضي عن تكوينها تارة والدفع باتجاه ذلك التكوين تارة أخرى ، وفقا لتغير موازين القوى.
كما يبدو توجس قرطاج واضحا من النزعة الانقلابية للإسلام السياسي باستقبال محمد الناصر رئيس البرلمان السابق، الذي أفصح في مذكراته الصادرة قبل أيام عن محاولة الانقلاب على الباجي قائد السبسي عند مرضه ، وبدا أن المحكمة الدستورية في تونس الآن ليست حلا بل مشكلة ، فالإسلام السياسي يريد من تلك المحكمة أن تكون حصان طروادة ، فمن حاول الانقلاب على السبسي بتوظيف الدستور لصعوبة الانقلاب العسكري ، سيفكر في الانقلاب على سعيد بالدستور أيضا .
تقول أسطورة اليونانية أن الإغريق لما أعياهم حصار طروادة طيلة سنوات عشر ،لجأوا الى الحيلة ، صانعين حصاناً ضخما من الخشب ، دسوا فيه جنودهم ، ورحلوا مخاتلة ، فظنت طروادة أن الحصار انتهى والحصان عربون سلام ، فأخذته الى داخل أسوارها ، مقيمة الاحتفالات حتى سكرت بها ، وليلا انفتحت أبوابه لينزل منه محاربون أشداء ، سرعان ما أشرعوا أبواب المدينة أمام الجيش المرابط خارجها فأعمل فيها سيوفه ونباله فكانت هزيمتها. وتلك السنوات العشر الطروادية قد لا تختلف كثير عن السنوات العشر التونسية فالحصار قاسم مشترك.
وبحسب حكمة ديكارتية لا يجب الاطمئنان لمن خدعنا ولو مرة واحدة. لذلك يجري الحديث عن سعيد باعتباره لن يتمكن من البقاء رئيسا طوال مدته الدستورية. ولكن ما قام به حتى الآن في خضم المواجهة التي تدور رحاها رئيسيا بينه وبين الغنوشي يدفع باتجاه القول أن حصان طروادة لن يدخل أسوار قرطاج. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا