الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات مصطفى علي دقة التدوين ونزاهة القول وصراحته

شكيب كاظم

2021 / 4 / 12
الادب والفن


طالعت مذكرات الأديب والحقوقي والوزير الأستاذ مصطفى علي (الكروي القيسي)، الذي ظل اسمه خلواً من اللقب العشائري، على الرغم من إلحاح بعض أقاربه وذويه ومنهم؛ خاله إبراهيم الدروبي (ت.١٩٥٨) صاحب كتاب (البغداديون. أخبارهم ومجالسهم)، حتى إن بعض الذين زاروه كي يضيف العشيرة إلى اسمه، لما رأوا منه رفضاً لطلبهم، غادروا مجلسه تاركين حتى الشاي الذي قدم لهم غضباً وزعلاً!
مصطفى علي المولود في محلة ( قنبر علي) ببغداد سنة ١٩٠٠، والذي فارق الحياة إثر نوبة قلبية في آذار ١٩٨٠، صاحب المكتبة الضخمة التي احتوت آلاف المجلدات والكتب، والتي شغلته عنها مشاغل الحياة الدنيا، والوظائف التي لا تجلب لصاحبها خلوداً، والذي اهتم بإرث الرصافي الذي حسبه وعده ولده، الذي لم يخلّف ولداً، وأطلق عليه الدارسون صفة (راوية الرصافي) وقد اهتم في أخريات أيامه بتحقيق ديوان الرصافي وتولت وزارة الإعلام العراقية نشره في خمسة أجزاء، أواسط عقد السبعين من القرن العشرين، وأراها من أدق الطبعات، على الرغم من صدور طبعات عديده لديوان الرصافي ومنها الطبعة التي أتم شرحها وصححها مصطفى السقا الأستاذ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة فيما بعد)، وفي خزانة كتب المرحوم أبي نسخة من الطبعة الثالثة الصادرة عام ١٣٦٨ه‍-١٩٤٩ فضلاً عن مخطوطة كتبها الأستاذ مصطفى عنوانها (٤٤يوما في المعتقل) أعارنيها الباحث رفعة عبد الرزاق محمد، وفيها يصور الأيام المؤلمة والقاسية التي أمضاها معتقلاً في شباط ١٩٦٣، وفيها يشيد بالأخلاق السامية للعقيد الطبيب الجراح الحاذق رافد صبحي أديب، الذي رحب به وأوسع له مكانا في تلك الغرفة الضيقة التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة البشرية، مما خفف عنه بلواه.
رأيه بالحصري والكرملي
هذه المذكرات نشرت تحت عنوان (مذكرات مصطفى علي من المعارضة إلى الوزارة. وزير العدل في حكومة عبد الكريم قاسم) وصدرت طبعتها الأولى سنة ٢٠٢١.
تقرأ فتلمس النزاهة والدقة واحترام النفس، ونظرات ثاقبة إلى بعض الشخوص والحوادث، منها ما أتفق فيها معه وما قد اختلف، ومنها رأيه بالأستاذ ساطع الحصري (ت.١٩٦٨) الذي كان يأمل من قدومه إلى العراق خيراً، لكنه أخفق الإخفاق كله إدارة وتصرفاً، وأحاط نفسه بثلة من الانتهازيين، وكان يفرق في المعاملة بين الناس، وقد ناصبه العداء لأن مصطفى علي آزر أحد المدرسين المصريين في دار المعلمين الابتدائية؛ واسمه محمد السيد خليل، الذي كان الحصري يبغضه، وما شفا غليله منه إلا بعد أن فسخ عقده وأعاده إلى بلده! الأمر الذي دفع بمصطفى علي إلى الاستقالة من وزارة المعارف، والانتساب إلى الكلية العسكرية، وما فيها من شروط وتعليمات وأوامر لا تأتلف مع تطلعاته ليغادرها نحو كلية الحقوق، هو الشغوف بالأدب والثقافة والقراءة الحرة.
الأستاذ مصطفى علي له رأيه السلبي- كذلك- بالأب انستاس ماري الكرملي (١٩٤٦) ويرى أن ما يشاع عن جهده اللغوي مبالغ فيه، لا بل ينعى على من أزمعوا الاحتفاء بالكرملي، مؤكداً إنني لأجهل أن لانستاس فضلاً علينا وعلى لغتنا يستحق هذا التكريم، ولعل الخطباء والشعراء الذين يودون تكريمه يكشفون لنا جهده هذا!
رأيه السلبي بالكرملي ما وقف عند ذلك بل تعداه إلى مجلته (لغة العرب) واصفاً ما يكتب فيها من أبحاث، بأنها تذكره بنقدة عصر الانحطاط الأدبي لأن اعتقادي بصاحبها يجعلني كذلك. تراجع. ص٩٨
وإذ وافقته في رأيه بساطع الحصري، فإني قد لا أوافقه رأيه بالكرملي ومجلته الرائدة، وأرى أن هذا يعود إلى كون الكرملي من اللغويين المتشددين الذي ينحون نحو القدماء حتى إنه يصفه بـ(العقل المتحجر)! لدى عرضه لرأي الكرملي في تعريب أحد المصطلحات.تراجع.ص.٦٨
رأيه بشاعرية العقاد!
يبدي الأستاذ مصطفى علي رأيه المتحفظ بشاعرية الأستاذ عباس محمود العقاد (١٩٦٤) إذ أطلعه صديق له على نقد ديوان العقاد، فقرأ بعضا منه، ومما زهده في مواصلة قراءته، إنه نقم على هذا الأسلوب الجاف في النقد، ولأنه لا يرى النقد كما يراه كاتب ذلك المقال في مجلة (لغة العرب) للكرملي، مؤكداً أن لي رأيا خاصا بشعر العقاد لا أريد أن أتعجل بإبدائه، دون أن أقتل ديوانه بحثا وتدقيقاً أؤجله إلى حين.تراجع.ص٩٧
إذن هي محاولة أخرى لتطفيف كيل الكرملي ومجلته، لكنه لم يوضح لنا جلية الأمر الذي شغل الأوساط الثقافية، أواخر عقد العشرين من القرن العشرين، وجلية الأمر كما أوضحها الأستاذ عبد الرزاق الهلالي (١٩١٦١٩٨٥) في كتابه (الزهاوي في معاركه الأدبية والفكرية) الصادرة طبعته الأولى سنة ١٩٨٢، في ضمن منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية؛ سلسلة( دراسات) وحملت الرقم (٣٢٤) إن الزهاوي سافر إلى مصر سنة ١٩٢٤، وتعرف إلى الأستاذ العقاد، وكان يرغب في أن يكتب العقاد شيئا عن شعره يرضي نرجسيته، وبعد ثلاث سنين كتب العقاد كلمة في شعر الزهاوي وما وقع في يده من كتبه، ليختم كلمته بما نزل على الزهاوي نزول الصاعقة قائلاً: وإن خير مكان له هو بين رجال العلوم ورادة القضايا المنطقية، فهو لا يبلغ بين الفلسفة والشعراء مثل ذلك المكان".
اغضب هذا المقال الزهاوي لأنه جرده من أهم مزيتين يتنفج بهما ويصعرّ خده على الناس؛ الشاعر والفيلسوف! فرد الزهاوي عليه ورد العقاد، وتوالت الردود الجافية القاسية.
سنة ١٩٢٨، أصدر العقاد ديوانه فاهتبلها الزهاوي فرصة ليحطم العقاد شعريا، وما كتب هو النقد، بل أوعز إلى أحد مريديه كي يكتب نقدا لاذعا خلوا من الاسم على صفحات مجلة (لغة العرب)، فظن العقاد إن كاتب الموضوع هو الكرملي، بوصفه صاحب المجلة ومصدرها، فكال للكرملي صاعه بمئة صاع، هو المعروف بسلاطة قلمه لا لسانه! ولقد عثر الأستاذ الهلالي على مسودات تلك المقالات في ستينات القرن العشرين، ونشرها مصورة في كتابه هذا.
الأستاذ مصطفى علي يغمز من قناة أحد الشعراء الشباب وقتذاك، من غير أن يفصح عن اسمه، وهو الجريىء الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، مع أن الاتهامات وجهت للشاعر أكرم أحمد، الموصوف بـ(شاعر الشباب) إنه هو من كتب ذلك المقال! كما أن الأستاذ مصطفى لم يفصح عن رأيه بشعر! العقاد، ولعله آثر السلامة من صواعق العقاد؟!
الأستاذ مصطفى علي في ذكرياته هذه يطوف بنا في أجواء العراق على مدى أربعة عقود، واقفا عند معركة الحجاب والسفور، وافتتاح مكتبة الأوقاف، وانقلاب بكر صدقي سنة ١٩٣٦ الذي آزره بقوة، وحركة الضباط ورشيد عالي الكيلاني سنة ١٩٤١والكثير غيرها من حوادث العراق، ويدون للقراء وللتاريخ خصال ثلاثة متصرفين إداريين حازمين وهم: عارف قفطان (ت.١٩٥٨)ومحمود السنوي (١٩٦١) وعبد الرزاق حلمي (ولد ١٨٨٠) فأما عارف قفطان فقد اشتهر بالصراحة وحب الخير للناس، كان متصرفا للواء العمارة، وكلفه الملك فيصل الأول أن يتساهل مع أحد الشيوخ ويتغاضى عما تراكم عليه من ضرائب، فأبى كل الآباء، لأن تساهله هذا يؤدي إلى تمرد الآخرين فتصاب إدارته بالشلل.
أما محمود السنوي فكان متصرفا للواء الدليم (محافظة الأنبار الآن) وهو صديق حميم للرصافي، وكانت الحكومة يومئذ لا ترغب في فوز الرصافي بعضوية مجلس النواب، فأبى إلا أن يلتزم صديقه، حتى نجح وفاز ومثل لواء الدليم في مجلس النواب.
وأما عبد الرزاق حلمي، الذي يصفه مصطفى علي بالشدة والعنف، فكان متصرفا للواء المنتفق (أو المنتفك؛ محافظة ذي قار الآن) وفي احتفال رسمي سمع إيعازاً للشرطة أو الجيش، بأن يتنكب سلاحه تحية لقادم، فقام من محله غاضبا وصاح بأعلى صوته: جنبك سلاح، أنا ممثل جلالة الملك فمن هو الذي يُحيّا بعدي؟ وإذ ذاك صعد المفتش الإداري الإنكليزي، الذي تعمد أن يتأخر إحراجا للمتصرف، إزاء ذلك لم يجد مناصا من الاعتذار. تنظر.ص٤٠
رأيه بالزعيم عبد الكريم
مصطفى علي المولود في محلة ( قنبر علي) وكانوا جيراناً لأسرة النجار قاسم محمد البكر، وكان ابنه عبد الكريم يزور مصطفى الأسن منه بنحو خمس عشرة سنة، ويصغي لأحاديثه، لا بل إن أمه أرضعت عبد الكريم في طفولته، فهو أخوه بالرضاعة، لذا اختاره الزعيم وزيرا للعدل في أول وزارة جمهورية، لكنه ما لبث أن اختلف معه في أمور عدة، وفي بعض مشاريع القوانين التي يجب عرضها على مجلس الوزراء؛ جهة التشريع الوحيدة، لعدم وجود مجلس نيابي، فكان الزعيم، كما يذكر الأستاذ مصطفى، يسوّف ويماطل، وكان أكثر ما يزعجه الاجتماعات اليومية الليلية لمجلس الوزراء، والتي تستمر حتى الفجر، الأمر الذي يؤدي إلى التأخر في إنجاز واجبات الوزارة، وإهمال مشاريع قوانين مهمة لأنها تحتاج إلى مدارسة ومناقشة، كما أنه ينعى عليه الإكثار من نشر صوره في الأماكن العامة، والإطالة في خطبه وارتجالها، لأن من شأن الإعادة والتكرير أن تتحول الخطبة المرتجلة إلى هذر ولغط.
كما إنه ينتقد المحكمة العسكرية العليا الخاصة، التي تولى رئاستها العقيد فاضل عباس المهداوي، لأنها تحولت- كما يقول الأستاذ مصطفى- إلى قاعة للتنكيل بالخصوم، ووجه نقداً لاذعاً لسير المحاكمات، بسبب أساليب السباب والتنابز بالألقاب، وهو سبيل مَن أعوزته الحجة وأعياه الدليل. ص١٨٩

اللقاء الأخير
وأخيراً يحدثنا الأستاذ مصطفى علي عن لقاء الساعات الأخيرة من عهد الزعيم عبد الكريم، الذي هاتفه مساء الخميس ٧شباط١٩٦٣، طالباً منه الحضور إلى مقره بوزارة الدفاع، وأرسل إليه أحد مرافقيه المقدم قاسم محمد الجنابي، لينقله من داره، فرأيته- قال الأستاذ مصطفى- كما زال كعهدي به كثير الكلام كثير الهذر واللغط، ومن كثر لغطه كثر غلطه، مؤكداً له نحن أقوياء عندنا طيارات سريعة جداً، إننا نسيطر على المواقع الستراتيجية كلها، إن الأماكن المنيعة المهمة بأيدينا، إلى أين تريدون أن تذهبوا؟-- لغرض التوضيح فإن الزعيم في حديثه هذا يناقش الأستاذ مصطفى، الذي اقترح تشكيل وفد مؤلف منه والمحامي أحمد جعفر الأوقاتي، وعبدالرزاق مطر؛ نقيب المهندسين الأسبق، لمفاوضة الملا مصطفى البارزاني لإيقاف القتال، وطلبوا موافقة الزعيم على مقابلتهم والسماح لهم بالسفر إلى مقر البرزاني، فلم يقابلهم بل زيادة في النكال، ربطهم بكفالات مقدارها مئة دينار- ويواصل رئيس الوزراء حديثه مشيرا إلى الملا مصطفى، أين هو الذين تريدون أن تقابلوه؟ إنكم لا تستطيعون أن تروه!
ثم أفضنا في حديث طويل ذي شجون كثيرة ومتعرجة ومتداخلة، عرّجنا على الماضي القريب، قرأت في وجهه إنه لم يرتح إليه، خرجت بعده يائساً أنفض يدي منه، فوصلت إلى داري في الساعة الثانية والدقيقة الخامسة عشرة من صباح الثامن من شباط، أي قبل سبع ساعات من قيام الحركة (..) التي أرادها عبد الكريم قاسم، واستطاع بأعماله الهوجاء (هكذا وردت. وصحتها. الهوج لأنها صفة للجمع) أن يمهد لها السبيل. تنظر.ص٢٣٠








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع