الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أس التعايش الوجودي بين عنف الإسلام السياسي والفئات المهيمنة في الغرب

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 4 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هي برأيك طبيعة العلاقة بين نموذج عنف الإسلام السياسي وبين المصالح السياسية الغربية؟

مصعب قاسم عزاوي: أولاً لا بد من الالتفات إلى حقيقة أن الإسلام السياسي بكل أشكاله الراديكالية والدعوية وما يقع فيما بينها، وعلى امتداد الجغرافيا الكونية من شبه القارة الهندية وصولاً إلى السواحل الإفريقية على المحيط الأطلسي، هو وليد الدعم المنقطع النظير في التأسيس والتوطيد والإنماء والاشرِئْباب من قبل القوى الغربية الفاعلة بدءاً من تلك الاستعمارية الاستيطانية التقليدية وخاصة البريطانية منها في مرحلة الحرب العالمية الأولى وفترة ما بين الحربين، وصولاً إلى استلام دفة الدعم والرعاية من قبل الأمريكان بعد حلولهم في موقع الإمبراطوريتين الاستعماريتين الآفلتين البريطانية أساساً والفرنسية بدرجة أقل.
وقد يكون التوثيق التاريخي المدقق عن ذلك الدعم والرعاية في صناعة الإسلام السياسي مكثفاً بشكل ملفت للنظر في كتاب المؤرخ السياسي البريطاني المرموق مارك كورتيس الذي حمل عنوان «شؤون سرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام السياسي»، و هو التواطؤ الذي قد يكون أحد أكثر نماذجه الصارخة، والتي تسربت من شقوق وثقوب الذاكرة التاريخية المتهتكة والانتقائية على المستوى الإعلامي كحد أدنى، يتمثل في الكيفية التي تم من خلالها تصنيع الرابطة الإسلامية إبان تقسيم القارة الهندية، وذلك لضمان الحفاظ على موطئ قدم للقواعد العسكرية البريطانية فيما سوف يعرف لاحقاً بدولة باكستان، والآلية التي تم فيها دعم وتمويل «الإخوان الوهابيين» في شبه الجزيرة العربية لطرد الشريف حسين ومن والاه من معقله الأساسي، وبالتالي النكوص عن وعود المستعمرين الجدد «البريطانيين» عن وعودهم المعسولة للعرب في تحقيق استقلالهم في مملكة عربية كبرى مقابل مشاركتهم للبريطانيين في حربهم ضد «مستعمريهم القدماء» في السلطنة العثمانية. وآخر الأمثلة التراجيدية المعاصرة من ذلك التواطؤ المخاتل الخبيث يكمن في الآلية التي تم بها صناعة «المجاهدين الأفغان» تمويلاً وتسليحاً وإعداداً عقائدياً، من قبل الأمريكان ونواطيرهم في العالم العربي لطرد «الغزاة السوفييت»، وهم المجاهدون الذين أفرزوا «تيار القاعدة»، وما استنسخ عنه من أمساخ همجية، بعد أن تم تفريق أولئك المجاهدين المُصَنَّعِين الأوائل لينتشروا على امتداد الجغرافيا العربية والإسلامية عقب غزو أفغانستان في العام 2001 بعد أن كانوا مُوَضَّعِين في حدود الجغرافيا الأفغانية حتى ذلك التاريخ.
ويمكن التأمل في مجمل نتاج فعل الإسلام السياسي وعلى امتداد قرن من الزمن، كما لو أنه فيلم وثائقي، لم ينتج عنه سوى مكاسب غير محدودة للفئات المهيمنة في الغرب وخاصة شركاته العابرة للقارات، ومن يمثلها من سياسيين قامت بتصنيعهم وتمويلهم للقيام بدور الإدارة السياسية للمجتمعات الغربية، وكوارث مأساوية مهولة عصية على الحصر والتوصيف في الدول التي نهض فيها الإسلام السياسي ليفصح عن وجهه الدميم بأشكال مختلفة قد يكون أكثرها خطورة وفتكاً ذلك النموذج المعولم للعنف والإرهاب تحت لافتة الإسلام السياسي.
ومن الناحية الواقعية فإن الإسلام السياسي العنفي مثل رافعة ضرورية لا بد من تخليقها في العالم الغربي، لأجل تهييج الرأي العام في تلك المجتمعات وإرغامه على قبول توجيه الرهط الأكبر من المقدرات الوطنية، ليس لأغراض التنمية المجتمعية في الصحة والتعليم ورفاه المواطنين، وإنما على الإنفاق العسكري المهول الذي يغدق عقوداً وأموالاً طائلة تعود في أصلها إلى دافعي الضرائب في تلك المجتمعات لتصب في حسابات شركات المجمعات الصناعية العسكرية التقانية في الغرب، والتي تمثل الحاكم الفعلي في تلك المجتمعات، والتي دون وجود تهديد الإسلام السياسي و«إرهابه المُصَنَّعِ» الذي يمكن أن يطال كل منزل وشارع وبناء في العالم الغربي، وليس من وسيلة لدرء «بعبعه المتلطي وراء كل حجر و زاوية» سوى بإعلان النفير العام الذي لا ينقطع، والإنفاق المنقطع النظير أمنياً و عسكرياً، وهو ما يمثل «الشيفرة السرية» التي لا بد من استدامتها لضمان عيوشية شركات المجمعات الصناعية العسكرية التقانية التي لولا أموال دافعي الضرائب لكانت قد اندثرت منذ عقود طويلة، جراء عدم الحاجة الموضوعية لوجودها، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، وتبخر «الغول السوفيتي» الذاوي من الخارطة السياسية الكونية.
والإسلام السياسي العنفي، يمثل أيضاً حلاً سحرياً لمعضلة ضرورات اللعبة المسرحية السياسية في الغرب، والتي تقتضي التعلم من خبرات رفض شعوبها لخوض أي حروب مكلفة على المستوى البشري، وخاصة عندما تعود «نعوش الجنود» من تلك الحروب العدمية، كما كان الحال في تجربة مستنقع حرب فيتنام العضال، إذ أن المجتمعات والدول التي ينطلق منها الإسلام السياسي مجتمعات لا حول لها ولا قوة، ومقومات المقاومة فيها للآلة العسكرية الغربية الجلمودية شبه معدومة، وهي مجتمعات يمكن تهشيمها وتذريتها عسكرياً من الجو باستخدام الصواريخ والطائرات، وبالاستعانة ببعض المرتزقة المحليين أو المستوردين، دون الوقوع في خطر الانزلاق في حرب مكلفة على المستوى البشري، قد تهيج الرأي العام في العالم الغربي، وتقود بالتالي إلى وقف صبيب أموال دافعي الضرائب إلى حسابات الشركات العابرة للقارات في المجمعات الصناعية العسكرية التقانية في الغرب.
والمكسب الاستراتيجي الموازي للفئات المهيمنة في الغرب من وجود وعمل الإسلام السياسي العنفي، يتمثل في أنه يمثل مبرراً «لتأصيل الرهاب الجماعي المقيم» من التدمير والقتل والرعب والإرهاب الظَنِّي الذي يتلطى وراء كل حجز وزاوية في الغرب، ولا بد من درئه بكل الأشكال والوسائل، حتى لو اقتضى ذلك التراجع عن جُلِّ مكتسبات «حقوق الإنسان» التي توصلت إليها المجتمعات الغربية عبر «نضال طويل ومرير» في مواجهة الاستبداد الصارخ فيها بما اضطره إلى التقهقر قليلاً إلى شكل من الاستبداد المزوق شكلياً بقشرة رفيعة من «مبادئ احترام حقوق الإنسان» و«الحريات الأساسية»، والتي لا بد من التغول على ما تبقى منها من قبل الفئات المسيطرة، والحد من توسعها وتأصلها في المجتمعات، والذي يعني في حال تحققه تآكلاً لقدرات الفئات المهيمنة في الحفاظ على سيطرتها ونهبها المنظم لنتاج تلك المجتمعات. وبالاستناد إلى «علم نفس القطيع المرتعد الفرائص» فإن توطيد حالة «الرهاب الجمعي المقيم» لا بد أن تقتضي من القطيع التخلي عن كل ما لا يرتبط «بالبقاء والحفاظ على حيوات أفراد القطيع من الاندثار بسيف الإرهاب والإرهابيين»، وإعطاء «تفويض مفتوح» لأولئك «القادة من السياسيين الملهمين» لاتخاذ كل ما هو ضروري ولازم للحفاظ على «حيوات أفراد القطيع وحمايتهم من الموت الزؤام»، حتى لو كان ذلك يعني تقويض كل تلك المكتسبات التاريخية المتعلقة «بحقوق الإنسان»، و«الحريات الأساسية»، وخاصة حرية الاجتماع والتظاهر والتعبير الفكري والسياسي، إذ لا صوت يعلو فوق «قعقعة المعركة الوجودية مع الإرهاب».
وذلك النموذج «الاحتيالي» على ضمائر المواطنين في الغرب أفضى إلى إعادة تمترس النظم الاستبدادية في الغرب، وتكشيرها عن أنيابها بشكل يكاد يعود إلى أصله التاريخي الفج؛ فأصبح إعلان حالة الطوارئ لسنين في فرنسا، موئل الثورة الفرنسية ومبادئ الحريات العامة في الغرب، حالة اعتيادية ومستدامة، والتي يتم بالاتكاء على قوانينها الاستثنائية اعتقال الناشطين البيئيين والعماليين بحجة مقاومة الإرهاب، وهو في واقع الأمر إعادة لتوطيد وتكريس هيمنة الفئات المهيمنة في الغرب، على حساب شعوبها التي يراد منها فقط التحول إلى قطيع من دافعي الضرائب المستسلمين «بشكل سرمدي» لإرادات القادة الملهمين وسياساتهم التي تلبي مصالح محركيهم الفعليين وصناعهم وممولي حملاتهم الانتخابية من قبل أقطاب الهيمنة الفعليين في الشركات العابرة للقارات في تراجيديا اجتماعية تظهر بشكل لا يغيب بؤسه عن عيني كل مراقب مدقق فيما قد لا يجد طريقه إلى شاشات الإعلام المتسيد.
وعلى المقلب الآخر، ولإكمال صورة التعايش وتبادل المنفعة بين «إرهاب الإسلام السياسي العنفي» من جهة، و«إرهاب الدولة الغربي المؤدلج والمنظم»، فلا بد من التذكر بأن «حلم بن لادن الأسمى» هو انتقال الغرب من التهديد بغزو أفغانستان إلى «غزو أفغانستان فعلياً»، لمعرفته العميقة بأن «إرهاب الدولة المنظم» الذي يقوم به الغرب تجاه المجتمعات الهشيمية في العالمين العربي والإسلامي، يمثل الوسيلة الوحيدة «لاستدامة وتأهيل وإعادة إنتاج الإسلام السياسي العنفي» عبر شرذمة المجاهدين الأفغان من بقعة تموضعهم الجغرافي الأساسية في أفغانستان، في سياق هروبهم من «مطرقة الغول الغربي الغازي لأفغانستان» ليَحِلِّوا «خبثاً سرطانياً قادراً على التَطَفُّر وإعادة التشكل والتموضع والتمظهر بأشكال مسخية مستحدثة» في المجتمعات التي سوف يحل بها، وهو ما حدث فعلاً في حالة «الهشيم العراقي» عقب غزوه في العام 2003، وما تلاه من تحقق «نبوءة بن لادن وأحلامه» بيد من قد يبدون ظاهرياً بأنهم «أعداؤه السرمديون في الغرب»، والذين يظهر الواقع العياني المشخص، وغير الظني وغير الافتراضي، بأنهم في الحد الأدنى «شركاؤه في التعايش الوجودي» إن لم يكن أكثر من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير