الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسئولية الجنائية للمأذون الشرعى

على زايد عبد الله

2021 / 4 / 13
دراسات وابحاث قانونية


شرع الله سبحانه وتعالى الزواج على كل مكلف قادر على تحمل هذه المسئولية، بحكمة ارادها الله سبحانة وتعالى وهى إعمار الأرض بالجنس البشرى وتكوين مجتمعات بشرية تتفاعل وتتواصل مع بعضها البعض فى كل ما يعود عليها بالنفع والخير. فيعتبر عقد الزواج من العقود التى حظيت بعناية واهتمام الشريعة الاسلامية لما له من آثار اجتماعية مهمة وعديدة تتمثل فى تقارب العائلات مع بعضها البعض، والتى تكون فى كثير من الاحوال فى تباعد نسبى، فهنا إذا ما تم الزواج وارتبط طرفين ببعض أصبحت علاقات عائلة الطرفين وثيقة الصلة والترابط وزالت بينهم حواجز كثيرة وزاد الترابط والاقتران بين أفراد كل منهم، مما يعزز أواصر الترابط والصلة والتواصل بين كافة أفراد المجتمع، كما أن من آثار عقد الزواج انجاب الذرية (الاطفال) التى تكون هى قوام وعمود الاسرة – إذا ما صلحت تربيتهم وتعليمهم حتى يكونوا أعضاء نافعين لانفسهم وأهليهم ومجتمعهم، وقد عُهد فى إتمام عقد الزواج بين طرفى العقد إلى المأذون الشرعى فهو الرجل المأذون له فى عقد النكاح بين الزوجين وذلك عن طريق قيامه بالتحقق من توافر شروط الزواج بين الطرفين والتحقق من توافر كافة أركانه الشرعية والقانونية. فهو الامين على اتمام هذا العقد، وقد نظمت لائحة المأذونين الشرعيين الصادرة بقرار وزير العدل المصرى عام 1955 وتعديلاته المختلفة شروط تعيين المأذونيين الشرعيين وكذلك حددت اجراءات قيامه بوظيفته.
ومع سرد لائحة المأذونين لاجراءات قيام المأذون بواجبات وظيفته وكذلك شروط تعيينه، فقط أحاطت اللائحة أيضا عمل المأذون ببعض العقوبات التاديبية التى تطبق عليه فى حالة الإخلال بواجبات وظيفته الموكلة اليه، ونظرا لأن وظيفة المأذون تعتبر من الوظائف الهامة والحساسة وتتعلق بقطاع عريض من شرائح المجتمع ، فقد حرص المشرع على ضبط سلوك المأذون عند القيام بمهام وظيفته التى تتمثل فى ضبط عقد الزواح على النحو الصحيح الموافق للشرع والقانون ، فقد حظر المشرع فى قانون العقوبات المصرى فى المادة رقم 227 منه على أى فرد أن يبدى امام السلطة المختصة اقوال غير صحيحة او تقديم اوراق بقصد ضبط عقد الزواج على اساس هذه الاقوال او الاوراق، وهو ما يتحقق به التزوير فى المحررات الرسمية اللازمة لإتمام عقد الزواج، وجاء نص المادة رقم 227 عقوبات كالتالى" يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاث مائة جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقاً كذلك متى ضبط عقد الزواج على اساس هذه الأقوال أو الأوراق، ويعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون"
كما حرص المشرع أيضاً على النص فى قانون الطفل الصادر بالقانون 112 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فى المادة رقم 116 مكرر على أن" يزاد بمقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل ، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته و تربيته أو من له سلطة عليه، أو كان خادماً عند من تقدم ذكرهم . يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين و بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه و لا تجاوز خمسين ألف جنيه كل من استورد أو صدر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روج أو حاز أو بث أي أعمال إباحية يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالاستغلال الجنسي للطفل، و يحكم بمصادرة الأدوات و الآلات المستخدمة في ارتكاب الجريمة و الأمـوال المتحصلة منهـا، و غلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن ستة أشهر، و ذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية .
ولما كان المأذون هو المسئول الأول عن ضبط عقد الزواج على نحو صحيح يتوافق مع أحكام الشرع والقانون، فتتقرر هنا مسئوليته الجنائية فى حالة قيامه بتزوير المحررات الرسمية اللازمة لإثبات وضبط عقد الزواج، كما أن القانون رفع الحد الاقصى للغرامة فى حالة ضبط عقد الزواج إذا كان أحد أطرافه لم يبلغ السن القانونى للزواج مما يتحقق من خلاله زواج القصر دون السن القانونى، حيث يتحايل البعض على القانون من خلال عقد الزواج بعقد عرفى ثم التصادق على الزواج بعد بلوغ الفتاة السن المحددة قانونا.
والملاحظ لنصوص المواد السابقة سواء الواردة يقانون العقوبات أو قانون الطفل أن المشرع عاقب المأذون هنا بعقوبة الحبس باعتبار أن الفعل الاجرامى المرتكب يمثل جنحة فقرر لها المشرع عقوبة الحبس التى لا يزيد حدها الاقصى عن ثلاث سنوات فقط وجعل عقوبة الغرامة اختيارية للقاضى وهذا ما نصت عليه المادة 227 سالفة الذكر فى حين جاء نص قانون الطفل فى المادة رقم 116 مكرر بزيادة مقدار المثل للحد الادنى للعقوبة المقررة لأى جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصايه عليه، وجمع بين العقوبتين وهى الحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التى لا تقل عن عشرة الآف جنية ولا تزيد عن خمسين ألف جنية، فى حالة الاستغلال الجنسى للآطفال، وعند النظر الى الواقع العملى فى المجتمع المصرى نجد أن هناك حالات زواج تتم لأطفال قصر لم يتجاوزا السن القانونى للزواج يمكن أن أطلق عليها فى بعض الحالات منها أنها مجرد صفقات يبرمها أولياء الامر للفتيات مع المتقدمين للزواج بمباركة من الماذون وتحرير عقود زواج باطلة فى مضمونها ولا يعطى ايه حقوق قانونية للفتاة، وهذه الحالات تتواجد بشكل مكثف فى بعض قرى محافظة الجيزة وصعيد مصر.
وفى غالبية الاحيان يرفض كثير من المأذونيين مباركة هذه الزيجات لانها تخالف احكام الشرع والقانون، فيلجأ الطرفين ألى مأذون أخر- من عديمى الضمير ولا يتمتع بالمصداقية والنزاهة والامانة والمفترض توافرها فى شخصه نظرا لاهمية وحساسية وظيفته- من خارج القرية أو المنطقة السكنية القاطنين بها وذلك لاتمام عقد الزواج الباطل، فهذا الإجراء من هذا المأذون ينتج عنه زيجات مكتوب عليها الفشل من اليوم الاول لمولدها، بقيامه بتزويج طرفين غير مؤهلين للزواج وتحمل أعباء الحياة الزوجية فضلا عن عدم وجود نضج ذهنى للطرفين فهم فى حكم القانون أطفال، وخير شاهد على ذلك حالات التفكك الاسرى التى ضربت المجتمع، وعدد القضايا المرفوعة امام المحاكم لإثبات عقود الزواج والتى تكون الفتيات هى ضحية هذه العقود بسبب جشع وغلظة قلب الآباء عليهم وتواطؤ الماذونيين فى ابرام هذه العقود (ويقصد بالتوطؤ هنا الاشتراك فى إثم أو ذنب، والاتفاق على عمل خداع مخالف للقانون والضمير)، فضلا عن عدد القضايا المرفوعة امام المحاكم لإثبات نسب الأطفال.
وامام هذا الكم الهائل من عقود الزواج التى يترتب عليها كل المشاكل العملية سابقة الذكر، فلابد أولا: من أن يتدخل المشرع بتشديد عقوبة المأذون لتصل الى السجن بدلا من الحبس اى محاكمته باعتباره مرتكب جناية وليس جنحة، مع رفع مقدار الغرامة المالية الموقعة مع الحكم القضائى مما يشكل ردعاً عاماً للحالات الاخرى، وإن كان هذا الحل ليس هو الوحيد او انه يمكن القضاء على هذه الظاهرة ولكن يعتبر بداية لنهاية وضع مأساوى ضخم تعيشه أسر كثيرة، ثانيا: ضرورة إقرار المسئولية الجنائية لولى الامر، حيث يعتبر شريكاً رئيسياً فى ارتكاب هذه الجريمة مع تغليظ العقوبة ورفع مقدار الغرامة المالية، ثالثا: تعامل الدولة بكل أجهزتها المختلفة والمعنية بهذه القضية بشكل فعال وقوى مع الموروث الثقافى لدى الكثير من الأسر المصرية فيما يتعلق بزواج القاصرات دون السن القانونى، رابعا: عدم التعامل مع الفتاة فى الأسرة المصرية باعتبارها عبء اقتصادى ضخم يستنزف موارد الأسرة أو ينتاب الأسرة حالة من القلق إذ لم يقدم أحد على الارتباط بالفتاة بسبب حالة القلق والاستعجال التى تسيطر عليهم، فهنا تحرص الأسرة على تدبير زيجة للفتاة للتخلص من كثرة أعبائها المالية أو تبديد حالة القلق العام التى تسيطر عليهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال