الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قصيدة (الكل تحالف ضدّي !) للشاعرة التونسية الفذة صباح نور الصباح

محمد المحسن
كاتب

2021 / 4 / 13
الادب والفن


قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن اللغة الشعرية في هذه القصيدة ( الكل تحالف ضدّي ! ) للشاعرة التونسية المتميزة الأستاذة صباح نور الصباح تنطلق للتعبير عما يُفتعل في النفس من انفعالات،فنجد الذات الشاعرة تُملي على نفسها بعضا من مجازات دلالية متخطية اللغة المعجمية رغم الإيغال-النسبي-في الإيحاء،التكثيف والترميز،وتظل لغة السهل الممتنع هي اللغة المهيمنة على النص الموسوم بـ”الكل..تحالف ضذي..!”.
أثناء قراءتنا لهذا النص نلاحظ تصاعد المحتوى الشعري بقدرة الإحالة إلى ما هو أرحب شعرية وأكثر دفقًا في السياق الرمزي.
أول ما نقرأ “العنوان” بوصفه أول مفتاح إجرائي يمنح المتلقي اختراق مغالق النص،إذ يمثل “علاقة دالة تكثّف البنية الكلية””1” للنص،تظل دلالته أعلى سلطة نصية باذخة الحضور.
ولأن لغة الشعر تتجاوز العزلة لترتمي في أحضان المشاركة،فإن الذات الشاعرة تمنح المتلقي مشاركتها بوحا يختلج النفس بعمق يؤثت لمشاهدة تصويرية آنية حينا واسترجاعية حينا آخر، ويشيد حوارا روحيا يتجلى في عالم خاص تُشخّص فيه القصيدة لتكون هي المخاطَبة الحاضرة وخطابها هو المهيمن على النص.
تتوق لغة النص الشعرية إلى الوصف والرمز،فتزيد من قوة النص دون أن تجعله طلاسمًا،إذ تعبّر الذات الشاعرة بلغة المجاز بعفوية مطلقة بعيدة عن التكلف؛لتمنح المتلقي لذة القراءة.
وهنا أقول :
لم يعد يكفي أن تقول عن بيت من الشعر أو قصيدة أنها خفقة قلب أو دفقة شعورية كما كان يحلو لمن جعلوا الشعر من قبيل الوجدان المحض ولا شيء غير هذا،وقاسوا قيمة القصيدة بما تحتويه من وجدان صاحبها،وكان هذا القول في حينه ثورة على كلاسيكية شوقي وحافظ على أنه -أي هذا الرأي-لم يكن نبتا عربيا خالصا وإنما اتبعوا فيه المدرسة الإنجليزية في النقد إبان الربع الأول من القرن العشرين،ثم أحدثت المدرسة النقدية الفرنسية ثورة نقدية على يد " كلود ليفي شتراوس "مذ أصدر كتابه الفذ " المدارات الحزينة " سنة 1955م متأثرا بنظرية " دي سوسير "في اللغة حيث جعلها نسقا قائما وحده مبرزا ثنائية الدال والمدلول.ولم يقدر لهذه المدرسة الاستمرار في فرنسا إذ ماتت "بالسكتة" سنة 1968م وإن انتقلت إلى بلادنا العربية في العام التالي لموتها أو قبل ذلك بقليل-لست أذكر بالضبط فأنا أكتب من الذاكرة -غير أني أذكر أن مقالا للأستاذ الراحل / محمود أمين العالم هو الذي ابتعثها من مرقدها،وقوبلت بما يقابل به كل جديد وإن كان هذا الجديد في بقعة أخرى من بقاع الأرض جيفة لا أكثر..
أقول : لم يعد مقبولا ان نقول عن قصيدة أنها دفقة شعورية أو خفقة قلب ولا شيء غير هذا خاصة إذا كنت أمام نص للشاعرة التونسية القديرة الأستاذة صباح نور الصباح والتي تصل- في بعض قصائدها-(وهذا الرأي يخصني) إلى كنه الأشياء وحقائقها المجردة،و قل تصل إلى العلاقة بين الأشياء وقوانينها الجامعة،وهذا غير كائن لغير الشعراء الكبار كجيتة وأليوت وطاغور وغيرهم من الكبار الذين يحلقون في فلك الفن الأعلى..
في حديث مقتضب مع الشاعرة الفذة صباح نور الصباح تقول :" إن شظايا الظلم والتسلط المتناثرة في جسدي،في طريقها للرحيل،رغم أن نزف قلبي الدم يلهبه ويشعله واستمرار النزيف الدائم بغزارة يضعفه ،إن الرغبة العارمة في التمرد على مظاهر الواقع المتردي،وكل ما يمكن اعتباره ثابتاً في بنية مجتمعنا المتحجر،على مختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والفكرية،هذه الرغبة تكاد أن تقتلني وتفسد عقلي،بخضوع واستكانة،وسيقتلني أي وجع شديد أو حزن عنيف."
هذا القول المتخم بالوجع و المشحون بالتحدي في ذات الآن ترجمته الشاعرة ابداعا خلاقا تجسّد في القصيد التالي:


الكل تحالف ضدّي !

الكل تحالف ضدي :
يوم القيامة الذي لم يأت
صورة المرأة في الكتب المقدّسة
الرّاهبة التي تسكن ملابس عملي
جبة المربي التي تخنق أنوثتي
الكل تحالف ضدي :
كلاب الرغبة التي تنهش جسدي
الدماء الغزيرة أيام الدورة
بروجستيرون الأنوثة الآفل من دمي
سن اليأس المتربص بنظارة وجهي
الكل تحالف ضدي :
عناكب اللاّهوت تفقص في عقول السذّج
سربروس الرابض على باب اللّذة
ترسانة المحرّمات
قبيلة اللاّءات
فيالق العادات
عقدة إلكترا
كلّ المسكوت عنه
واشتهاء الذكور للعاهرات
الكل تحالف ضدي :
تاء التأنيث
نون النسوة
وكل العهر الذي يمارسه دعاة الشرف
وأنا...أنا المرأة العزلاء لا إمام لي إلا : العقل
ولا سلاح أشهره إلا الخير
ولا رأسمال لي إلا جنون العشق
ونبوءة الشعر ...

(صباح نور الصباح )
تونس : 9_4_2021

ما بين استعارةٍ وطباق بنت الشاعرة/ الأستاذة صباح نور الصباح صورةً في غاية التأثير والجمال والعمق.
بهذه الانسيابية والتآلف بين البلاغة واللغة،يسري القصيد جدولاً رائقاً متهادياً،يجعلنا نتحسّس موسيقاه من صورٍ منسجمةٍ مع مفرداتٍ مع تراكيب بيانيةٍ،مضفورةٍ ببراعةٍ واقتدار،بعفوية أكاد أقول مخاتلة؛ فهذا الجمال والبناء المحكم،لا يبدعه إلا شاعرةٌ مسكونةٌ بالشعر،لها رؤيتها، وتملك من الإبداع ما يجعلها توصل لنا رؤيتها بغاية الألق والجمال.
خـتاماً: النـص مـشبع بالصور الفنية المذهلة،شاعرة متمـكـنة مـن أدواتـها الــفنـية،لـغة وأسلـوباً سـلساً،وبنـاءً معمارياً وصورة رائعة مذهلة،فقد نجحت الشاعرة فــي تجسيد مــا يعتمــل فــي صدرهــا مــن شظايا انفـعالات مضطربة ومتحركة بأسلوبها الواعي الـذي يجعلـك تـحس بجمالـيات الـنص وإيحـاءاته.
وأخيرا أتمنى مزيدًا من العطاء والإبداع والتألق المتواصل للشاعرة التونسية الفذة ”صباح نور الصباح"



1 –اعتدال عثمان،إضاءة النص، دار الحداثة بيروت، ط1، 1988، ص 36.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة