الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية لذكرى شيخ التنوير الأول علي عبدالرازق

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2021 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يستحق الشيخ علي عبدالرازق خريج الأزهر وقاضي المحكمة الشرعية في المنصورة، كل التحية والتقدير من كل من يعتبر نفسه جزءا من تيار التنوير، في المجتمعات العربية والإسلامية، الموبوأة بالتطرف الديني العنيف، فقد خاض ذلك الشيخ الجليل، وهو رجل دين عميق الأيمان بدينه معركة تنويرربما يتردد في التورط بمثلها، من يعيشون بيننا الآن بعد نحو مئة عام على معركته التي تصدى لها بكل شجاعة، ودفع ثمنها حرمانه من درجته العلمية وطرده من سلك القضاء الشرعي.

مأثرة الشيخ علي عبدالرازق أنه أكد في بحثه الذي يمكن إعتباره حجر الزاوية في الفكر العلماني في المجتمعات العربية: (( الإسلام وأصول الحكم )) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1925. أكد أن إقدام صحابة النبي محمد، على تأسيس دولة بعد وفاته، ووضع قواعد لها وهياكل، وأنماط علاقات وقيامهم بإقحام ذلك على الدين - المتمثل بالنص القرءآني - لا يعني بأن الدين دولة. الدين أساسا رؤية للوجود وأسبابه، وروايات عن خلق الوجود، من آمن بها آمن، ومن لا يؤمن فهو حر، ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)) (( أفأنت تكره الناس ان يكونوا مؤمنين؟))، (( إنما أنت مبشر وليس مسيطر )). وإن لم يكن للنبي سيطرة، ولم يكن سوى مبشر، فكيف يكون لغيره سيطرة؟ هكذا تساءل الشيخ.

عبدالرازق أعتمد هذه النصوص الدينية الواضحة ليؤكد ان لا أيمان بالإكراه، ولا سيطرة. أي لا دولة تفرض سطوتها، وتفرض أحكام الدين. مبينا في بحثه أنه لم تكن ثمة دولة، أو كيان سياسي، في زمن النبي محمد، ولم يكن للنبي ولاة أو عمال في المناطق التي دخلت الأسلام، ولم يكن له شرطة أو عسس وهو من نهى عن تجسس المؤمنين على بعضهم,

وأوضح الشيخ العلماني علي عبدالرازق أن النبي محمد في حديثه الشهير: (( أنتم أعلم بأمور دنياكم)) قد فصل بين الدين والسياسة. فأمور الدنيا هي السياسة. أما الأمور الدينية فقد ظلت من أختصاصه الحصري، ولم يكن هناك ـ من صحابته او اهل بيته ـ من يشاركة الفتوى فيها، وكانت سلطته هي سلطة القدوة على المؤمنين برسالته، الذين يحاولون الأقتداء بسلوكه ونمط حياته وتعبده، وهي ما يعرف بالسنة، وهي سلطة ربما امتلكها، كل نبي أو صاحب تأثير روحي. سلطة حكر عليه ولا تمتد لغيره. أي أن أي مؤمن آخر لا يمكن ان يقوم بدور النبي. وبين عبدالرازق أن سلطة النبي الروحية مستمدة من صلته بالوحي، وبوفاته وانقطاع الوحي انتهت تلك السلطة، ولم يكن لأحد ان يرثها.

ولهذا فأن النبي محمد عند تفاقم مرضه لم ينقل الى ابي بكر سوى إمامة الصلاة، وليس أية سلطة أخرى، وذلك ببساطة لآنه لم تكن له سلطة. وما كان ليفوته ان ينقل الى أبي بكر، أو لغيره السلطات، لو كان لها وجود. ويعتبر الشيخ عبدالرازق أن ذلك يفسر سر الخلاف الذي نشب بين من المهاجرين والأنصار حال وفاته على شكل السلطة. ولم يكن موضوع الخلاف حول من سيكون أماما، بل كان عن الأمارة والوزارة التي لم يكن لها وجود في حياة النبي، فقال الأنصار اليثربيون: منا أمير ومنكم أمير، ورد المهاجرون المكيون القريشيون: بل منا الأمراء ومنكم الوزراء. وكل هذه المناصب والمهام لم يكن لها وجود في حياة النبي.
وكانت البيوتات ذات النفوذ القبلي والأقتصادي، في مكة ويثرب وغيرها من المناطق التي دخلت الإسلام قد حافطت على منزلتها ونفودها اللإقتصادي والسياسي، بعد فتحها. حتى أن معاوية، أبن أبي سفيان الذي تزعم محاربة النبي في مكة ويثرب، صار كاتبا للوحي مثله مثل علي أبن أبي طالب الذي بات في فراش النبي حين تأمرت قريش على إغتياله. وأطلق الحديث الشريف: (( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام )) ولهذا كان زعماء القبائل من شتى مناطق جزيرة العرب يفدون على النبي، ويشهرون أسلامهم على يديه، فيعقد لكل منهم راية القيادة على قبيلته، ليواصل تدبير شؤونها بما إعتاد وإعتادت، مع تعديل ما يلزم من الحياة الروحية ليتلائم مع التعاليم والفروض الدينية.

ولا تقتصر مأثرة الشيخ عبدالرازق على شجاعته وتحدية لسلطة الدولة وسلطة المؤسسة الدينية الممثلة بالأزهر، بل في تقديمه المثل، والدليل القاطع، على أن المتدين المسلم، بل وحتى رجل الدين، يمكن أن يكون علمانيا، ويجاهر بحقيقة أن الدين لا يحكم السياسية، هذه الحقيقة التي ينكرها بعض من ينسبون أنفسهم الى العلمانية، أما جهلا، أو تطرفا، ناجم بدوره عن الجهل، بكون العلمانية ليست إجتثا للمعتقدات الدينية، بل ضمانة لحقها وحق غيرها من المعتقدات الفلسفية والفكرية في الوجود.

كل هذه الحقائق لا يعتم عليها، فقط، المتأسلمون الدين يسعون إلى السلطة، بل كذلك فريق ممن ينسبون أنفسهم الى العلمانية، الذين لا يرضيهم سوى التدخل في عقائد الناس الدينية، من خلال نفي أية إمكانية لتطور الدين الأسلامي باتجاهات علمانية، وتبني ذات الصورة التي يرسمها المتطرفون والإرهابيون عن الإسلام بزعم أنه دين ودولة.

ومن لا يريد إرغام الناس على التخلي عن عقائدهم، ينبغي ان يستفيد من هذه النصوص، ولا ينساق وراء أحاديث معنعنة يتخذها المتأسلمون بديلا عن هذه النصوص لفرض الدولة الدينية الفاشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا