الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


َتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2021 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً

ورود بعض الحقائق العلمية ضمن النص الديني لا تجعل منه نصا علميا ولا يمكن عد كتاب الله كتاب علم خالص يتبنى النظرية العلمية وقوانينها بمنطق الفرض والبرهان هذا أولا، ثم أن ورود النص العلمي بمضمون بناء النص الديني الهدف منه أن يكون حجة على الذين ينكرونه بما يعرف بنظرية الدحض والتكذيب، فهو يطرح الحقيقة العلمية كاملة وفقا لما هي عليه وما على المكذب إلا إثبات بطلان ما فيه ليثبت أن القرآن أخطأ وبالتالي فالذي يخطئ مرة ممكن عليه الخطأ في مرات كثيرة، وهذا ما يبطل حجة القرآن كاملة من عند الله حسب ما جاء في القرآن من جزم على أنه من عند الله (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فهذه الآية التي تتكلم عن حركة الجبال ومرورها قياسا لمثل حسي مرور السحاب كانت تحدي عقلي لهم وما زال قائما وقد أثبتته النظرية النسبية لأينشتاين وكل النظريات العلمية التي تتحدث عن الكون وميكانيكية الحركة فيه.
الفكرة السائدة قديما ومازال لبعض يعتقد بها أن الجبال ثابتة لا تتحرك أو بالأصح أنها ومع الأرض التي هي جزء من مكوناتها ثابته وأنها مركز الكون الذي يدور حولها أو هي نواة لما يحيط بها حسب النظريات القديمة، وعندما نزلت هذه الآية لم تفهم بمضمونها العلمي وإنما جرى تفسيرها وتأوليها وفقا لما هو سائد وقياسا لنص أخر يظن البعض من المفسرين والرواة أنها تناقض هذا النص (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) النحل 15، فالرواسي هي كل ثابت لا يتحرك ويكون معلوم المكان ومنها جاءت كلمة مرسى النهر أو مرسى السفن، لذلك فسروا الرواسي على الشكل الآتي (ومن نعمه عليكم أيها الناس أيضا، أن ألقى في الأرض رواسي، وهي جمع راسية، وهي الثوابت في الأرض من الجبال. وقوله ( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) يعني: أن لا تميد بكم، وذلك كقوله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا والمعنى: أن لا تضلوا. وذلك أنه جلّ ثناؤه أرسى الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه الذي على ظهرها، بل وقد كانت مائدة قبل أن تُرْسَى بها، كما حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد: أن الله تبارك وتعالى لما خلق الأرض جعلت تمور ، قالت الملائكة. ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا ، فأصبحت صبحا وفيها رواسيها)، التناقض في الفكرة مرده تفسير المرور الذي هو يعني الحركة والأستمرارية في البقاء والزوال كما فهم المفسرون (تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى ( يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ) الطور 9 ، 10، وقال (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) طه 105، 107، وقال تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) الكهف 47 .
الحقيقة أن النص أشار إلى المرور وليس إلى الحركة مطلقا، بمعنى أنه وصف حركة الجبال بأنها تمر على محدد ثابت أو نقطة محددة دون أن يعني حركتها من مكانها أو زوالها أو انتهائها كما جاء بالتفسير المذكور أعلاه، فكل مار بشيء تحدده ثلاثة نقاط قبل (وهو الأقتراب من النقطة) والاقتران وهو أن يكونا في نقطة مشتركة ثم الأبتعاد والمغادرة للجهة الأخرى، مع تكرار الحالة كما تتكرر مشهدية السحب في السماء بالنسبة إلى منطقة محددة، ومن هذا المعنى لا بد أن يكون أحدهما ثابت نسبي والأخر يدور فتحدث حالة المرور، أو يكون كلاهما متحرك ولكن يلتقيان في نقطة واحدة في كل مرة إذا كانت حركتهما متساوية في السرعة، أو يلتقيان في نقاط مختلفة ولكنها مضبوطة بدقة نسبة إلى سرعتيهما كلاهما، وبما أن هناك نص ثابت بجزم بأن الأرض غير مستقرة وتجري في فلك محدد ووفق سرعة ثابتة مع العلم أن الجريان يعني المرور الثابت كما في قولنا (تجري الأمور لأسنتها أي لقوتها وقاعدتها الثابتة) (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، وإطلاق الكل هنا ليس محدودا في الشمس والقمر وإنما إطلاقا عاما يراد به أن السماوات وأرض وما بينهما كل يسبحون في فضاء مفتوح لا حدود له (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).
هناك من يعترض على أن الأرض تسبح في السماء وسبحها يعني أنها تتحرك بشكل مستمر وفق قانون واحد هو قانون الدوران حول مركز، والذي يستوجب أن تكون الأرض كالكرة حتى يمكنها أن تدور دون أن تتصدع وتتكسر وتتلاشى وعلتهم أن الأرض موصوفة في القرأن بالبسط والتمهيد والدحو، فهي بنظرهم جرم ثابت الشكل مستقر مكانه وما يدور هما الشمس والقمر حسب النص السابق، وتسليما وجدلا أننا نتفق معهم بذلك فما تفسير أختلاف الليل والنهار ليس في أماكن عدة على الأرض ولكن في مكان واحد من يوم لأخر، فلو كانت الآرض ثابتة والشمس والقمر دائبين مستمرين بدورانهما وسبجهم في السماء، فلا بد أن يكون الليل والنهار ثابتين، فحركة الثابت بجريانه والتي لا تتغير نسبة الى الثابت في مكانه لا يتغير تبقى صورته وشكله ثابت على الدوام، من هنا قال الله في النص نفيا لهذه الفرضية (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة (164).
فإختلاف الليل والنهار في النص السابق من جملة الأشياء الجازمة والتي تثبت أن الأرض ليس بمكان ثابت ولا مستقر تمر من حوله السماء بما فيها من كواكب ونجوم ورياح كونية والسحاب الذي يمر، فما ينتج عن المختلف لا بد أن يكون خاضع لتغير الأمكنة بشكل منتظم، ما يعني أن الأرض والشمس والقمر والنجوم وتصريف الرياح والسحاب المسخر كلها تجري وفق نظام ثابت تتغير فيه المواقع بأنتظام فتنتج لنا أختلافات منتظمة، أي أن الصيف يأتي كل عام بموعده والشهر القمري والشمسي مع تغيراته الشهرية يبقى ثابتا في موعده سنويا، وهكذا فالكل يمر ويدور ويسبح بأنتظام لكنه لا يستقر في موعد ثابت إلا ما تضبطه قانون السرعة والمسافة.
نعود للنص المنتقى وترى الجبال وتحسبها هامدة فهي بالقرب كذلك ومن داخل المكان الواحد كذلك ولكن لو خرجنا من دائرة المكان الذي هي فيه ونظرنا لها من نقطة خارجة نراها تمر مرور السحاب تماما في دورة حولية مع الأرض، تشرق علينا وتتعامد معنا ثم تغيب لتستمر في جريانها كل يوم وكل شهر وكل سنه في موقع مختلف، الفرق بينها وبين السحاب أن السحاب معرض للتكاثف ثم للتحول إلى غمام ثم ماء ينزل من السماء إلى الأرض كميكانيكية معتمدة، ولكن نزوله لا يعني أنتفاء وجوده بل تتجدد العملية مع توفر ظروفها، بينما الجبال تبقى راسية في مكانها الذي يشكل لها مصدر المرور والدوران، ولو نظرنا للسحاب كونه حقيقة لا تتبدل في وقوعها فهي مثل الجبال الراسية تتحرك أيضا ضمن وعائها العام في السماء لتشرق ثم تتعامد ثم تغيب تماما في حركة متماهية لكل الكائنات التي تسبح في السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الهذيان
سائس ابراهيم ( 2021 / 4 / 14 - 09:44 )
ويستمر الهذيان المتأسلم والتلاعب بثرثرة فارغة وحشو لا طائل من ورائه


2 - سبحان الله
ايدن حسين ( 2021 / 4 / 14 - 20:59 )
تحية استاذ عباس
قرأت في مقالتك .. الارض تسبح في السماء .. لا اعتراض
لكن
هناك ايضا التعبير .. سبحان الله
فهل تعني نفس معنى السباحة المتعارف عليها لدينا ام ان لها معنى اخر
احترامي
..


3 - رد
عباس علي العلي ( 2021 / 4 / 15 - 01:17 )
صباح الخير أستاذ أيدن
من حيث الجذر اللغوي نعم المعنى واجد س ب ح أي تحرك في الشيء المسبح به بما يجعله حرا بدون مقاومة، لكن في الاستدلاال المعنوي يختلف يسبح بضم الياء بمعى ان الشخص يسبح في ملكوت الله ليصل الى هدف وهو القرب تماما مثل الذي يعبر النهر من ضفة الى اخرى لهدف معين، اما في كون الشمس في تسبح بالفضاء لأنها تريد ان تصل لأجل أو محل اخر، واللغة العربية تعطي خيالا واسعا في استعمال المفردات بمنطق واحد ولكن بصور عدة
شكرا لك اخي العزيز


4 - رد
عباس علي العلي ( 2021 / 4 / 15 - 01:20 )
سائس ابراهيم
ويستمر عناد البغال عند البعض ثم الكلام لا يوجه لك وإنما للذين يملكون عقولا ويهمهم ان يفهموا اما من تحجر عقله وقلبه فأولئك كالانعام وأضل سبيلا


5 - الشتائم والإقذاع
سائس ابراهيم ( 2021 / 4 / 15 - 10:20 )
الشتائم والإقذاع سنة موروثة عن صلعم وأصحابه ولهذا تبالغ في استعمالها لأن هذا الفرع من ذلك الأصل -استخدام كلمة البغل في حقي والقذف البذئ في حق أم بن زكري وأخته- يدل دلالة قاطعة على أخلاق صلعم -القاتل الجبار- وأخلاق أتباعه. ه
المرجو مراجعة الأحاديث الخاصة بشتائم محمد وباللغة البذيئة جدّاً جدّاً جدّاً لمن يُسَمَّون بِـ -صحابته-، لكن لا لوم عليك فهذه بكل بساطة أخلاقكم حينما لا توجد في أيديكم سيوف ولا خناجر لذبح المخالفين. ه
ابراهيم المشاكس

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah