الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من علوم الإمام أبي العزائم | 30 | أسرار الصيام

عدنان إبراهيم

2021 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحمد لله فرض الصيام ليجمل الصائمين بجمال عمار ملكوته الأعلى، ويرفعهم على ملائكته المقربين بجهادهم أنفسهم قهرا لها على ترك ما لا غنى لها عنه من طعام وشراب نهاراً، ومن نوم وراحة ليلا، ففرض سبحانه علينا صيام النهار، وسن لنا (ضلى الله عليه وآله وسلم) قيام الليل.
والصلاة والسلام على من أكمل الله به دينه الذي به نيل السعادتين، وأتم علينا به (ضلى الله عليه وآله وسلم) نعمته التي بها كمال النفس بمعرفة الله وعلم أيامه وأحكامه، وحكمة أحكامه، وكمال الجسم بما بينه لنا (ضلى الله عليه وآله وسلم), بعمله وقوله وحاله من أنواع العبادات والقربات، ومكارم الأخلاق وجمال المعاملات، حتى أصبح المسلمون وهم في هياكلهم الإنسانية وعلى وجه الأرض كلهم ملائكة مقربون، بما تجملوا به من العمل لنيل محاب الله ومراضيه سبحانه.

تعريف الصيام
الصيام هو الفريضة التي هي ترك في الحقيقة وهو العمل الروحاني الذي يصير الإنسان فيه كالملائكة الروحانيين، لأن الإنسان يترك فيه ضروريات الحياة الجسمانية ولوازم النفس الحيوانية.
والصوم رمز يشير إلى أن الإنسان (حيوان وملك) فهو بقوته الحيوانية يعمل أعمال البهائم، وبقوته الملكية يعرف الله ويعبده، ويتشبه بسكان ملكوته الأعلى، فيترك لوازم قواه الحيوانية بالصوم ليتذكر قوته الملكية وليطهر نفسه من كثافة التوسع في الأعمال الحيوانية.
فإن النفس يقوى طمعها وميلها إلى الحرص والأمل والحماقة والخيانة وبغض بنى قومه كلما توسعت في كل ما يقوي الجانب الحيواني منها، ويكون بذلك بعيدًا عن رتبة الإنسان، قريبا من الأنعام لتشبهه بها فإذا قلل من ضروريات حياته الحيوانية وتشبه بحياته الملكية من الصوم والتفقه كان أشبه بالملائكة منه بالحيوان، وكان الصيام تزكية لنفسه وشفاءا لها، من أمراضها وصفاءاً لجوهرها، حتى تتكمل بكمالها الحقيقي، الذي تكون به في مقعد صدق عند مليك مقتدر تخدمها الملائكة.
فالصوم عبادة من حيث أنه فرض فرضه الله، وشفاء من حيث أنه يرد للنفس صحتها، وتزكية من حيث أنه جلاء للنفس من التطرف عن الحالة الوسطى التي هي الفضيلة، وبه تتجمل النفس بالرحمة والصلة والبر والإحسان والتواضع، فيكون الصائم عبدا عاملا لله بتركه ما نهاه الله عنه من الأكل والشرب وملامسة النساء، مما أباحه الله له في غير رمضان، وبذلك يكون متجملا بجمال الروحانيين، ومتخلقا بأخلاق الله من الرحمة والعطف والإحسان والود والشفقة ويكون مجاهدا نفسه في ذات الله لحبسها عن شهواتها فيكون له- بإطاعة الأمر- النعيم المقيم ويحظى بالتشبه بالروحانيين في مشاهدة ملكوت الله، وبالتخلق بأخلاق الله- بنعيم النظر إلى وجهه الكريم سبحانه.
فما أيسر ما ترك، وما أعظم ما نال!!

الصيام جهاد الجسم، وسياحة العقل، ومشاهدة الروح ومن صام بتلك الحقائق فقد نفذ من أقطار السموات والأرض بسلطان الحق، ومن صام صيام أهل العادة فترك الأكل والشرب وملامسة النساء، ولم يجاهد جسمه ولم يسح بعقله ولم يشهد بروحه، فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ولا من قيامه إلا العناء والسهر.
والصيام التجرد من الإنسانية بعد التجرد من الحيوانية وكيف لا يكون كذلك وأنه تعالى يقول {إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} لأن الصيام خروج عن مرتبة الإنسانية، للاتحاد بالمكانة الملكوتية، فالصائم لا يتكلم مع الإنسان مع أنه مجانسه ومشاكله، وقال سبحانه: (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) مريم 10 فنفت الآية الأولى كلام الأناسى وأثبتت الكلام مع الملائكة، وفى الآية الثانية نفت كلام الأناسى ولم تنف الكلام مع الملائكة، وذلك لأن الحقائق الحيوانية أمسكت عما تقتضيه المجانسة، مجاهدة لتفوز بالمشاهدة، رزقنا الله الصيام الذي به نجانس العالم الأعلى إنه مجيب الدعاء رب العالمين.
والصيام تجريد مما يناسب الإنسانية، وتخلية عما يناسب الملَكية، واتصال بعالم اللاهوت في صورة الناسوت (1) وهو العجب العجاب.
والصيام ترك ما تحب، مسارعة إلى ما يحب سبحانه، وخروج من سور الحيطة والتحديد وباعث الشهوة والتجديد بل ولوازم الحياة الإنسانية تشبها بأخلاق رب البرية.

حكمة الصيام
قال تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أي من أدركه الشهر وهو بين أهله فالحكم صيامه، وقد تعينت فريضة صوم رمضان بقوله تعالى: (كتب عليكم الصيام) وبقوله تعالى: (فليصمه) في تلك الآية إشارة روحانية وهي أن تلقي هذا الكتاب المجيد لا يكون إلا بالروح المجردة من ملابسة مقتضيات الهيكل الإنساني.وإنما تحجب الروح بميل هذا الهيكل إلى لوازمه الضرورية والكمالية، وحرصها على تحصيلها وبذلك تحجب الروح عن مكاشفة الغيوب، بشغل الجوارح فيما يدعوا إليه الجسم، يأمرنا الله بصوم الشهر الذي أنزل فيه الكتاب، لأن الصيام رياضة تصفوا بها النفس فتتلقى أسرار القدس، لأن تلك الأسرار العلية لا تجانس المادة ولوازمها، ففرض الله علينا تزكية النفس بالصيام لتتأهل لقبول تلك الأسرار.
ومن هذا نعلم أن السالك إلى الله تعالى يجب أن يجعل له رياضة خاصة بجهاد قاهر يكبح به جماح النفس، من الطمع في غير مطمع مما أباحه الله تعالى لنا مما يقوى به الدم، وتنفتح له العروق ويجعل الإنسان كالسبع الضاري لا يتسلى عن مألوفه.
وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العُسر) لفظة (يريد) هنا ليست من الإرادة الواجبة الوقوع بل هي من الإرادة المحبوبة لله التي هي الأمر. فإن الإرادة قسمان قسم واجب الوقوع وهي بمعنى قدر وقضى، وإرادة محبوبة وهي ممكنة الوقوع ,وهي بمعنى أمر ورغب كما قال تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم) وقال سبحانه (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) أي لا يأمر الله بالجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وهنا يأمركم الله بالإفطار في حالة المرض والسفر تخفيفا عنكم بدليل قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) لأنها لو كانت من الإرادات الواجبة الوقوع لم يقل تعالى (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) وبهذه الآية يظهر لنا جليا أن الله تعالى لم يكلفنا بهذه الأحكام ليشق علينا أو يكلفنا ما لا نطيق، إنما ذلك لتظهر محبتنا له وإيثارنا لأوامره العلية وإخلاصنا لذاته في معاملاتنا وعبادتنا وأقوالنا وأحوالنا.

فرائض الصوم عند آل العزائم :
دوام رعاية القلب: لأن الصوم واجب لله تعالى وأنه يتقرب إلى الله تعالى به، لا رغبة في جنته ولا خوفا من ناره، لأنه بالصيام ترك شهوته وملاذه التي هي كالجنة. ومن ارتفعت همته فترك الجنة فهمته متعلقة بالله تعالى.
ثم كمال الإخلاص في العمل: بحيث يشهد معونة الله له في الصوم وتوفيقه معتقدا بالصوم سقوط ما فرض الله عليه طاعة لأمره.
ويتجنب الأكل والشرب والجماع إقبالا على الله تعالى ورغبة في نيل القبول منه سبحانه.
وهذه فرائض الصيام عند آل العزائم. وهذا الصائم يباهي الله به ملائكته وهو السائح في ملكوت الله تعالى المذكور في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) البقرة 45 يعنى بالصوم ومن وفقه الله لتلك الفرائض لا يسهو عن صيامه نفَساً. (2)


دعاء اليوم الثاني
اللهم إني آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فأسألك يارب العالمين أن تتولاني بولايتك، التي تخرجني بها من ظلمات الشكوك والأوهام، إلى نور اليقين.
إلـهي إلـهي، أنت ولي المؤمنين فأسألك ياولي المؤمنين أن تغيثنا بسرعة إغاثتك لعبادك المؤمنين، وتخرجنا ياإلـهنا من ظلمات كيد الكافرين، إلى نور إغاثتك وعنايتك، ونصرتك لعبادك المؤمنين.
إلـهي إلـهي، أغث بقيتك الباقية بعواطف لطائف إحسانك، وسابغ نعمائك، وسريع إغاثتك، وانتقم لنا ياإلـهنا من أعدائنا وأعدائك، الذين عاثوا في الأرض فسادا وهموا ليطفئوا نورك سبحانك بأفواههم، وأنت القهار المنتقم شديد البطش، تمهل ولا تهمل، إذا أخذت أخذت أخذ عزيز مقتدر، فأسألك ياإلـهي أن تباغتهم بسطوة جبروتك، وصولة نقمتك، وجولة قهرك، وغارة انتقامك، حتى تمزقهم كل ممزق مزقته لأعدائك، إعلاء لكلمتك، وإحياء لسنة حبيبك
، وإغاثة لأوليائك ورحمة بعبادك المخلصين.
إلـهي قد جاسوا خلال الديار، وأفسدوا في الأرض، وأفسدوا القلوب والأخلاق، وغيروا المعالم والمناهج، وجعلوا العمل بغير كتابك وسنة حبيبك
، واطمأن بهم أهل النفاق، وسارع فيهم الفساق، فأغث بقيتك وأيد حزبك وانصر آلك، وأيدنا ياإلـهنا بروح منك.
إلـهي إلـهي إلـهي، اثأر لنا من أعدائنا، وجدد لنا ياإلـهنا المجد الذي كان لسلفنا، وامنحنا ياإلـهي حبك الحقيقي، والإقبال على حضرتك، حتى نتجمل بجمال أصحاب نبيك، فنفوز بفضلك العظيم سر قولك سبحانك: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعدهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
إلـهي إلـهي، اجمع قلوبنا على ما تحب، وصف سريرتنا، وزك نفوسنا، وخلصنا ياإلـهنا من الحظوظ والأهواء المضلة، ومن الطمع في غير مطمع، وافتح لنا كنوز اسمك الغني المغني، وأغننا بفضلك العظيم عن شرار خلقك، وامنحنا ياإلـهنا حبك وقربك وودك، والشفاء والعافية من الأمراض والبلايا، والوسعة في كل شيء، إنك مجيب الدعاء (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيانه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (3)


____________________________________
(1) اللاهوت: عالم الملكوت أو عالم الأرواح، والناسوت، عالم الملك، أو المادة أو الجسد.
(2) صيام أهل المدينة المنورة، الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
(3) أدعية الغفران في شهر القرآن، الإمام أبو العزائم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah