الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن القصة زمن الرواية

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2021 / 4 / 14
الادب والفن


اعتبرت الناقدة مارت روبير في كتابها " رواية الأصول وأصول الرواية " أن الرواية، وهي النوع الأدبي المهمش، احتلت مقدمة الأنواع الأدبية لأنها قامت " باختلاس رأس المال الأدبي الذي راكمته القرون.. وبوصفها شبيهة في كثير من السمات بالمجتمع الإمبريالي الذي ولدت فيه.. فإنها تنزع بصورة لا تقاوم إلى الكلي والمطلق.. الرواية الحديثة مفتوحة على كل الاحتمالات ". وربما هذا ما يجعل زمن الرواية مفتوحاً لأن الرواية تستطيع أن تهضم في معدتها كل أشكال الأدب والفن، وربما لهذا اعتبر زمننا زمن الرواية، كما يرى الدكتور جابر عصفور أننا نعيش في زمن الرواية وذلك في كتابه " زمن الرواية ".
وفي مصر أقيم الملتقى الأول للقصة القصيرة الذي تعتبره جريدة " أخبار الأدب " في العدد851 / 2009 " قبلة الحياة لفن مهمش، القصة القصيرة، في زمن الرواية ". وفي تغطيتها لأخبار الملتقى في العدد 852 / 2009 يعتبر الملتقى أن القصة القصيرة العربية في أزمة، بعد أن تعالت أصوات في ندوة حول القصة القصيرة عقدت في عمان (دبي الثقافية العدد 54 / 2009) تقول بقرب انقراض القصة القصيرة، لكن محمد شعير كان له رأي آخر وهو أن فن القصة القصيرة " تم تهميشه طويلاً من جميع من صدقوا فعلاً إننا نعيش في زمن الرواية "، ويعتبر أننا نعيش في زمن القصة القصيرة حتى إشعار آخر. كما أن الناقد سعيد يقطين في ملف خاص عن القصة القصيرة ينتصر، حسب جريدة " أخبار الأدب " العدد 852 للقصة القصيرة على حساب زمن الرواية، واعتبر الدكتور محمد الباردي في ملحق الثورة الثقافي العدد 667 / 2009 إن الزمن " زمن القصة القصيرة ". وحسب دبي الثقافية العدد 87 / 2012 فإن هناك جهد عالمي يبذل من أجل القصة القصيرة وكتابتها خاصة على الانترنيت، وتتزعم مارغريت أتود حملة لقراءة وكتابة القصة القصيرة على موقع واتباد، والعمل على ازدهار القصة القصيرة كتابة ونقداً. كما أن هناك المؤتمر العالمي الذي ترعاه جمعية دراسة القصة القصيرة الأمريكية الذي يقام كل عامين ويجمع كتاب ونقاد القصة القصيرة من جميع أنحاء العالم. كما أن هارولد نيكولسون يعتبر أن الرواية كفن في نزعها الأخير، لأنها لا يمكن أن تزدهر إلا عندما يوجد في المجتمع ثبات في التركيب الطبقي أو عرف هادئ.
أما فخري صالح فيقول في مجلة دبي الثقافية العدد 55 / 2009 " لكن الزمن هو زمن الرواية " ويوافقه الروائي حيدر حيدر في نفس العدد " الرواية ليست في مأزق بل هي الآن تنافس مقام الشعر حتى صارت تسمى: ديوان العرب ". ويسحب الدكتور معجب الزهراني زمن الرواية إلى الزمن العالمي، ويقول في بحثه في ندوة تجارب في الإبداع العربي " الرواية هي الديوان الجديد للعرب والعالم الحديث ". كما أن الدكتور عبدالله إبراهيم يرى في روز اليوسف العدد 20 ديسمبر 2020 أن " العرب أمة سرد، لأن السرد نهض بمهمة تمثيل الأحوال العامة للأمة أكثر مما قام به الشعر "، ولذلك يعتبر أن " الرواية هي ديوان العرب ". وأخيراً في تقرير التنمية الثالث الصادر عن مؤسسة الفكر العربي يعتبر أن القصة القصيرة فن مغترب وأنها في طريقها إلى التلاشي مقارنة بالرواية. ومن الملاحظ أن هناك هجوماً من الشعراء وكتاب القصة القصيرة نحو الرواية.
ويبدو أن النقاد العرب لم يتفقوا على الرواية أو القصة القصيرة كفن قائم بذاته، فالناقد حاتم الصكر في مجلة دبي يعتبر " أن الرواية ذاتها لم تخرج إلا من معطف القصة القصيرة ولا بقاء لها إلا بجوارها ". لكن الكاتب محمد البساطي في جريدة " أخبار الأدب " أن " القصة ليست تمريناً على الرواية " ويرى أن الرواية في أزمة لأن الروايات الجيدة قليلة رغم كم الاصدارات الروائية. وإذا كان الناقد الصكر يربط الرواية بالقصة القصيرة، فإن الكاتب محمد البساطي يعاملها كفن قائم بذاته لها مبادئها الفنية المستقلة عن الرواية. في المجتمع العربي المعاصر يبدو أن زمن القصة القصيرة هو زمن الرواية، بمعنى إنهما إنتاج العصر الحديث حيث تبلورت الطبقة الوسطى وخلقت جمهوراً قارئاً للقصة والرواية مهدت له الصحف والمجلات، في البداية عبر الترجمة و" التعريب " أي تحويل الروايات الأجنبية إلى روايات عربية عبر إعادة تأليفها _ المنفلوطي كمثال مشهور، ثم عبر تأليف الروايات عن حياة الطبقة الوسطى، وكانت تهدف في البداية إلى تسلية افراد تلك الطبقة، ثم بدأت تتعرض لمشاكل المجتمع الاجتماعية. وعندما ننظر إلى الكتاب العرب نجد أن أغلبهم يكتب القصة القصيرة والرواية وأكثر هذه الأكثرية بدأت بالقصة القصيرة ثم انتقلت إلى الرواية، يبدو أن زكريا تامر، كمثال من الحالات الاستثنائية، مما أدى إلى تراجع مكانة القصة القصيرة. وإذا كان المشهد الثقافي العربي يعطي الأولوية للرواية التي أصبحت " ديوان العرب " على حد تعبير الروائي حنا مينه فإن القصة القصيرة لم ينته زمنها بعد لكن الإصدارات الجيدة قليلة أيضاً، حيث أن دور النشر لم تعد تقبل، إلا في أضيق الحدود، على نشر القصة القصيرة.
لقد مضى زمن أشكال أدبية عبر التاريخ، الملحمة في الغرب التي أعطت المكان للرواية، ملحمة البورجوازية، والمقامة في الشرق التي أعطت مكانها أيضاً للقصة ثم للرواية التي انطلقت من الرواية الغربية بشل رئيسي رغم المحاولات القليلة لإطلاقها من المقامة _ حيث عيسى بن هشام للمويلحي. وانتهاء زمن المقامة والملحمة له علاقة بظهور قوى اجتماعية جديدة _الطبقة البورجوازية _الرواية ملحمة البورجوازية _ لوكاتش، التي وجدت في الشكل الجديد وسيلة التعبير الأفضل لتقديم نفسها أدبياً. وعليه يمكن القول إن زمن أي شكل أدبي _القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر يرتبط بالحركة الاجتماعية للمجتمع وظهور قوى اجتماعية يمكنها أن تنتج أشكالاً أدبية جديدة أو تطور الأشكال الأدبية القديمة إلى أشكال أدبية جديدة، مع العلم أن الشكل الأدبي الجديد الذي انطلق من الشكل الأدبي القديم يطور نفسه عبر الكتابة ويخلق أنماطاً مختلفة _ قصيدة عمودية، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر، قصة قصيرة، قصة قصيرة جداً، قصة عابرة. وعليه يمكن القول أن زمن القصة القصيرة لم ينته بعد رغم الأزمة التي تمر بها القصة القصيرة أحياناً كشكل أدبي، هذه الأزمة للقصة القصيرة والرواية أيضاً يرجعها النقاد والكتاب العرب إلى غياب حرية التعبير والرقابة الذاتية _ خوف الكاتب من كسر العرف الأخلاقي والسياسي والديني، والرقابة الاجتماعية _ رقابة المجتمع المدني الذي تسيطر عليه القوى السلفية وترفع سيف التكفير في وجه الكتاب، والرقابة السياسية _ رقابة الدولة التي تريد من الأدب أن يكون في خدمتها: وسيلة تضليل لا وسيلة تنوير، مما يجعل الحراك الثقافي الضروري لازدهار الأشكال الأدبية مقيداً بشكل يجعل الكاتب يهرب نحو أدب العبث واللامعقول، ويتوه الأديب وأدبه بعيداً عن الواقع الاجتماعي: الفقر، والبؤس، والتبعية، والقهر، وغياب الحرية، وقد رأينا غياب الحرية ماذا فعل بالأدب في المرحلة السوفييتية، كما يرجعها بعضهم إلى أزمة النشر أو إلى أزمة النقد الأدبي. لكن لا بد من القول إن الأزمة التي يمر بها نوع من أنواع الأجناس الأدبية لا يعني أنه انتهى كجنس أدبي، ينطبق ذلك على القصة القصيرة أيضاً، في ظروف اجتماعية معينة قد يبحث الروائيون عن رواية جديدة، فالرواية الفرنسية الجديدة قامت ضد الرواية الإنسانية النزعة بإنتاج رواية تتمحور على عالم الأشياء بعد أن أصبح الإنسان شيئاً. كما أن الرواية الروسية بعد الثورة أنتجت رواية لا تقوم على مواجهة الفرد والمجتمع بل على ذوبان الفرد في المجتمع _ الرواية الدعائية التي حجمت الإبداع الروائي. لكن رغم ذلك فإن قدر كتاب القصة القصيرة والرواية أن يكتبوا روايات وقصصاً قصيرة مبدعين أشكالاً روائية وقصصية جديدة، والأزمة في الرواية أو القصة القصيرة هي أزمة عابرة.
وأعتقد أنه لا بد من رؤية فرانك أوكونور في كتابه " الصوت المنفرد " حول زمن الرواية وزمن القصة، حيث يقول " لقد قيل لنا إن الرواية ماتت. وأنا على يقين أن بعضهم قد قال نفس الكلام بالنسبة للقصة القصيرة. وأخشى أن يكون هذا القول غير ناضج. وأنا أكثر استعداداً لقبول القول بأن الشعر والمسرح قد ماتا. ويجب ألا أكون شديد التحمس حتى فيما يتصل بهذا، ولكن ينبغي أن أكون مستعداً للتسليم بأنهما فنين بدائيين فإن قضيتهما محتاجة إلى دفاع. غير أن الرواية والقصة القصيرة تطوير جذري لقالب فني بدائي ليتفق مع الحياة الحديثة، ليتفق مع الطباعة والعلم والديانات الخاصة. ولا أدري أية إمكانية أو سبب لحلول شيء آخر محلهما، إلا إذا حدث تحول عام في الثقافة، وحلت محلها حضارة الدهماء ".
يقول لوكاتش " لقد ظهر في القرن التاسع عشر اتجاهان: أحدهما استوعب القصة القصيرة في الرواية وثانيهما طور الراوية في اتجاه التركيز الأشد الذي يميز القصة القصيرة وحدها "، وهذا الرأي ما زال صالحاً في عصرنا لوصف علاقة الرواية بالقصة القصيرة، وربما يوضح ذلك قول هيمنجواي " أنا لا أبدأ الكتابة بحبكة جاهزة في ذهني. كما أنني لم أجلس أبداً لأكتب رواية، إنها تبدأ دائماً كقصة قصيرة وتطول حتى تصبح رواية، وأثبت دائماً أنها لا يمكن أن تكون قصة قصيرة " وعليه يبدو عربياً وعالمياً أن زمن القصة القصيرة مرتبط اجتماعياً وفنياً بزمن الرواية، وأن زمنهما معاً متكاملين أدبياً لم ينته بعد، وزمن أي منهما منفردين لم ينته بعد أيضاً، وأعتقد أن زمنهما معاً لن ينتهي، إنهما معاً في علاقة جدلية رغم أن كثيراً من النقاد قالوا بأفول العوالم الخيالية، بالنهاية القريبة للجنس الروائي والجنس القصصي أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با