الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحبةُ المنثورةُ على وجه رمضان

فاطمة ناعوت

2021 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

يأتي شهرُ رمضان؛ فلا يشبه أيَّ شهر آخر يمرُّ على مصر. ولا يشبهه أيُّ رمضانَ آخرَ يجولُ العالم. يتفق المسلمون، وغيرُ المسلمين، على أن لرمضانَ في مصرَ طعمًا مميزًا، ونكهةً لا مثيلَ لها في أية دولة آخرى. ما السبب؟ إنه سرُّ المصريين الخاص، منذ آلاف السنين، قبل نزول الرسالات. تعويذةٌ تصبغُ الأشياءَ بلون مصر، وتسبغُ على الأيام طعمَ النيل والحياة. إنها فرادةُ المصريين في صناعة الفرح، وامتلاكهم مَلَكةَ "الاحتفال". المناسباتُ الدينية عندنا هي مناسبةٌ للحياة. فتلتقي السماءُ والأرضُ في مقطوعة موسيقية بديعة، ليست تشبه المقطوعاتِ السماويةَ الخالصة، ولا المعزوفات الأرضية الخالصة. مزيجٌ فريد. فقط في مصرَ، يأتيك من السماء، صوتُ "سيد النقشبندي" عند الفجر يشدو: "قلْ اِدعُ اللهَ، أو اِدعُ الرحمنَ، أيًّا ما تدعوه فله الأسماءُ الحُسنى"، ثم يأتيك عند المغرب شجوُ "محمد رفعت" مؤذّنًا؛ فلا تُخطئُ صوتَه بين ألف صوت عداه. تخرجُ، فتجدُ الشوارعَ غارقةً في اللون والضوء والصَّخب. فكأنك في عيد قوامُه ثلاثون ليلةً متّصلات، ليغدو أطولَ عيد في التاريخ. الناسُ في بلادي ساهرون لا يعرفون النومَ في ليالي رمضان. يتجاوزون الفجرَ، وينتظرون حتى ينسلَّ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود. هو الشهرُ الذي لن تميّز فيه المسلمَ من المسيحيّ. فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ "مصريٌّ قبطيٌّ"، وليس "إسلاميًّا" وحسب. المسيحيُّ يصومُ مع المسلم؛ لأنه يؤمنُ أنه لا يليقُ أن يشبعَ وأخوه جائع. وإن باغته أذانُ المغرب وهو في الطريق، سيجد الصِّبيةَ والصبايا يستوقفونه مبتسمين يلوّحون له بأكياس الخير والماء. يفتح زجاج سيارته ويتناول كأسَ العصير وحبّاتِ البلح لكي "يكسر صيامه". فإن ابتسمَ قائلا إنه مسيحيّ، قد يُفاجأ بأغربَ ردٍّ في الوجود: "ونحن أيضًا، كل سنة وأنت طيب!" يحدث فقط في مصر؛ أن يقفَ شبابٌ مسيحيّون ليسقوا مسلمين صائمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم. زرتُ العديدَ من بلاد العالم العربي في رمضان. رمضانُ هناك صامتٌ خامدٌ لا يختلفُ عن بقية شهور العام. رمضانُهم لا يشبه رمضانَنا. رمضانُنا حيٌّ يتكلمُ ويغنّي ويزغرد. الشارعُ المصريّ يعرفُ كيف يستقبلُ شهرَ الصوم بما يليق به. لذلك يحبّنا رمضانُ ويحبُّ أماسينا وسهراتنا. يحبُّ صوتَ محمد رفعت حين يرفعُ الأذانَ وقت المغرب، بعدما يتأكد أن كلَّ الشوارع قد انفضَّ الناسُ عنها، ليتحلّقوا حول أكواب الخُشاف على موائد الإفطار، وبعدما ينطلقُ المدفع من قنوات الإذاعة المصرية. صوتُه العميقُ الآتي من مسارب الجنّة يجعلُ الزمنَ يتوقفُ، والأرضَ تسكنُ عن دورانها. الأرضُ تنتبه أن تلك اللحظةَ ليس من شبيه لها في الدنيا بأسرها. لأن لا مكانَ بكل الدنيا مثل مصر الجميلة.
ونحن صغار، كنا نجمع قروشنا النحيلة لنشتري الورقَ الملوّن والصمغ ونسهر مع أطفال الحيّ لنصنع زينة رمضان. لم ننتبه، إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صنّاع الزينة مسيحون. رمضانُ بهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع لإله واحد نعبده جميعًا، كلٌّ عبر رؤيته. نحبُّه كما أحبَّنا وخلقنا وجعلنا شعوبًا وقبائلَ لنتعارفَ ونتحابّ ونتآخى. دمُ المصريين وعِرقنا العريق، لا يعبثَ به العابثون. فهذه مصرُ التي حيّرتِ الدنيا بفرادتِها.
قُبيل رمضان 2013، الذي أعقب ثورتنا الخالدة في 30 يونيو، وقفتُ على مِنصّة الاتحادية أمام قصر الرئاسة الذي كانت تحتلُّه عصابةُ الإخوان، وألقيتُ كلمة للحشود الهادرة التي نزلت تطالب بإسقاط الإخوان، ثم هتفتُ في ثقة هي من عند الله: (رمضانُ القادم بلا إخوان بإذن الله تعالى.) واستجاب الرحمنُ لرجائي ورجاء ملايين المصريين، وعاد لنا وجهُ مصرَ الناصعُ الكريم. وتوالتِ السنواتُ الطيباتُ في إثر السنوات، وفي كل يوم وكل ساعة نشهدُ تنميةً ونهوضًا حقيقيًّا في مصر الحديثة، يصنعُها الرئيسُ/ "عبد الفتاح السيسي" الذي أنقذ مصرَ من ويل حقيقيّ مُخيّم، ليُعيدَ لمصرَ نصوعَها وبهاءَها. وبإذن الله تعالى، سوف يمدُّ الله يدَه الكريمة ليزيح كابوس "سد أثيوبيا" بحلول دبلوماسية ناضجة، دون عنف لا نسعى إليه. وكلي إيمانٌ بأن الله سوف يُلهم الجانبَ الأثيوبيَّ الصوابَ ورجاحة العقل فلا يجورُ على حقّ مصر والسودان في الحياة، ولا يُجبرنا على حلول عسكرية ستكون خسائرُها وبالًا على الجميع. وهذا شهر رمضان الكريم، أعادة اللهُ على العالم أجمع بخير وفرح ورغد وأمان وسلام. كل عام وكل العالم في سلام. كل عام وهذا الكوكب المنذور للمحن والأحزان، أكثر سلامًا ومحبة وتحضّرًا ورقيًا وعِلما وإيمانًا. "مولاي إنّي ببابكَ قد بَسَطتُ يدي، مَنْ لي ألوذُ به إلاكَ يا سَنَدي؟". “الدينُ لله، والوطن لمن ينثرُ المحبةَ على وجه الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل
محمد عرفة ( 2021 / 4 / 14 - 23:58 )
فعلا لا يعرف طعم رمضان إلا من عاش بعض أيامه في مصر ثم عاشها في بلد آخر
لعل الحب والفرح قرينان لمصر ويصبغان كل شيء بلونهما الجميل
كل سنة وحضرتك طيبة أيتها الأديبة الجميلة


2 - الأدب التنويمي اللطيف
أنور نور ( 2021 / 4 / 15 - 10:36 )
ما يوفره المواطن والوطن في 11 شهر , يفسده شهر رمضان . بارباك كل شيء . من مواعيد عمل أو تعطل بعض أعمال . ومواعيد واستهلاك الطعام
من 1400 سنة والصوم والصلاة والزكاة بالاكراه وإلا .. سيف التكفير فوق الرقاب .. و مُكرَهوّن أيضاً علي حفظ كِذبة : لا إكراه في الدين
من يجرؤ قديماً - وحتي الآن , علي تناول الطعام نهاراً جهاراً في رمضان , ببلد اسلامي - ولو بتصريح من طبيب !؟
من يجرؤ علي افتتاح مطعمه في رمضان الا بتصريح ووضع ستارة كأنه يقترف فاحشة ويتستر !؟
الناس اذا أُجبروا علي أكل العلقم , فماذا يفعلوا سوي وضع توابل ومشيهِّات لطيفة , ورائحة طيبة للحنظل ؟ ( انه ابداع ! يميز أصحابه ! ) المُجبَر علي وضع بردعة فوق ظهره . أو لجام بين شدقيه , لا يملك سوي تعليق تِرتِر وجلاجل تزين البردعة وتسوِّغ اللجام - وهذا ابداع وتميز ! يعطي البردعة معناً آخر ! . ويمنح اللجام قيمة مُعتبرَة ! أليس كذلك !؟
شكراً للأديبة اللبيبة لمساعدتها لضحايا رمضان بالمزيد من المسوِّغات الأدبية اللطيفة
وطاب مثوي زميلتك الراحلة المهندسة المعمارية العالمية . العراقية - زها حديد - التي نشرت بقارات العالم ابداعات حقيقية نافعة وشريفة

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س