الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحة الإنسان في عصر علوم الجينوم (طب المورثات)

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 4 / 14
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في المركز الثقافي في لندن.

في هذه المحاضرة، سوف نتناول بالمناقشة بعض البحوث الرائعة التي تم إجراؤها على الجينوم البشري، وسوف تستكشف مجالات جديدة من التأثيرات الغذائية على الجينات وعلم الصيدلة الجيني أو ما يعرف عِلْمُ الوِرَاثَةِ الدَّوَائِيّ. والأهم من ذلك، أنك سوف تتعلم أنه من الممكن أن تساعد في تفعيل الجينات الوراثية أو تُعطل فاعليتها من خلال تعديل نظام التغذية وتغيير نمط الحياة التي تعيشها.
إنّ الإبجينيوم (الذي يُعرف أيضاً بمصطلح ما فوق الجينوم) الخاص بك هو جزء لا يتجزأ من جيناتك التي تتلقى إشارات من خارج نواة الخلية وتستجيب لهذه الإشارات؛ ومن الأهمية بمكان معرفة أنه بإمكان العناصر الغذائية والبيئة التي تعيش فيها أن تؤثر على الإبجينيوم/ فوق الجينوم الخاص بك، وبالتالي سيكون ذلك بدوره مؤثراً على صحتك بشكل عام.
ومنْ ثَمَّ، يمكن القول أن خيارات التغذية الجيدة ونمط الحياة المناسب لها تأثيرات إيجابية وعميقة على الجينات الخاصة بك.
وقد توصلت الدراسة الاستقصائية الأولى للجينوم البشري بأكمله، المسمى مشروع الجينوم البشري / مشروع الخارطة الجينية البشرية (Human Genome Project)، إلى أن الجينوم / المجين يحتوي على عدد من الجينات أقل بكثير مما كان متوقعاً، إلا أن الاختلاف في الجينات هو الذي كان أكبر بكثير من المتوقع، بالإضافة إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين تنوع.
ومنْ ثَمَّ، فإن النمط الظاهري للإنسان (ويقصد به التكوين الظاهري الفيزيائي للكائن الحي) - بمعنى أنها تلك الجينات الوراثية المسؤولة في المقام الأول عن تحديد الكيفية التي نظهر عليها على مستوى السمات أو الخصائص وهو ما يعرف بالخواص الظاهرية – تتشكل نتيجة للتفاعل فيما بين جيناتنا من ناحية والبيئة التي نعيش فيها من الناحية الأخرى. ويحدث هذا التفاعل من خلال ما يسمى بالإبيجينيوم / فوق الجينوم.
والجدير بالذكر أنه لدى البشر ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات (أو الصبغيات)، وتتواجد هذه الكروموسومات في هيئة أزواج أي مجموعات ثنائية. ويجدر الإشارة إلى أنه يوجد نوعيْن من الكروموسومات؛ حيث يرث الإنسان نوع واحد من هذيْن النوعيْن من والده، بينما يتلقى النوع الثاني من الكروموسومات من الوالدة أيضاً.
إنّ الإبيجينوم هو التاريخ الجمعي لحياتنا بداية من لحظة الحمل إلى حين الوفاة، ويرجع تكوين هذا الإبجينيوم نتيجة التفاعل بين المحددات الوراثية لدينا – أي سلسلة الأنساب الخاصة بنا – وبيئتنا التي نحيا بداخلها.
وفقاً لراندي جيرتل، وهو خبير في الإبيجينيوم، فإن بعض الجينات تبدو أكثر حساسية من غيرها من الناحية اللاجينية، ومن الواضح في الجنين أن هذه الجينات قادرة على أن تتأثر تأثيراً ملحوظاً من الناحية البيئية.
ومثال على ذلك، فلقد استخدم الباحثون فرنب (أي أنثى الفأر) قد أطلقوا عليها اسم الفرنب أغوتي / Agouti mouse؛ وكانت تتميز بأنها من النوع ذي اللون الأصفر، وتتسم بأنها سمينة الجسم كما كانت لديها احتمالية بنسبة كبيرة للإصابة بمرض السرطان والسكري و فَرْطُ السمنة. لذلك، استرشدوا بها لدراسة هذه الأمراض. فإذا ما جرى إعطاء أنثى الفأر أغوتي الحامل العناصر الغذائية المتمثلة في الزنك وفيتامينات ب المعروفة أيضاً باسم حمض الفوليك وفيتامين ب12، فإن هذه الفرنب تنجب ذرية طبيعية تماماً. ويكون درص (رضيع الفأر) الذي أنجبته هذه الفرنب الأم رقيقاً وبني اللون وليس لديه أي احتمالية لخطر الإصابة بمرض السرطان والسكري و فَرْطُ السمنة أو يكون أقل عرضة للإصابة بهم، وينعم رضيع هذه الفرنب بحياة طويلة.
وهذا الأمر له آثارٍ عميقة تتمثل فيما يلي: أن ما نقوم به لا يؤثر على الإبيجينيوم الخاص بنا فحسب، بل يؤثر أيضاً على الجيل التالي. عندما تتغذى الأم أثناء فترة الحمل، فإنها بذلك تُضفي تأثيراً على صحة هذا الجنين حسب نوعية المغذيات التي تتناولها - وتسمى هذه العملية بالعلامات اللاجينية. هناك العديد من الحالات المرضية التي ترتبط مع هذه العلامات، بما في ذلك مرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وداء المناعة الذاتية، ومرض الزهايمر/ مرض النسيان، ومرض الحساسية/ الأرجية، وحتى بعض أنواع السرطان.
والجدير بالذكر أن كل هذه الحالات المرضية الرئيسية يمكن أن تتأثر بالعوامل البيئية. وإن فرص الإصابة لدينا بأي من هذه المشاكل الصحية أو جميعها يمكن أن تزيد أو تقل كل حسب الطريقة التي نعيش بها حياتنا. وبعبارة أخرى، فإن جيناتك ليست هي التي تحدد مصيرك فحسب؛ بل إن خواصك وسماتك الظاهرية أكبر من مجرد تأثر الجينات الخاصة بك فقط.
وقد تبين أن هناك العديد من الفيتامينات والمعادن والمواد الكيميائية النباتية – وهي مواد كيميائية تأتي من النباتات – تؤثر على الإبيجينيوم/ فوق الجينوم. وعلى سبيل المثال يمكن أن تؤثر هذه الفيتامينات المتمثلة في المواد التالية: النياسين والزنك والحديد والريبوفلافين وريسفيراترول على الإبيجينيوم.
فنحن نتناول هذه العناصر الغذائية على مدار اليوم. حيث تجرى عملية استقلاب الطعام (عملية التمثيل الغذائي) الذي نأكله، وامتصاصه من خلال الأمعاء الدقيقة. وفي نهاية المطاف، تحدث عملية تحطيم وتكسير الطعام، ثم يذهب بعدها إلى مجرى الدم لدينا، ومنه بعد ذلك يدخل إلى خلايا الجسم. ومن الأهمية بمكان بيان أن المواد الغذائية، التي هي عبارة عن نتاج تحليل كل ما نأكله من غذاء، ستتفاعل بالتأكيد مع الإبيجينوم، وتخبر هذا الإيبيجينوم بأن تُفعّل أو تبطل جينات معينة، والتي تعطي التعبير أو التكوين الملاحظ لأنواع مختلفة من البروتينات.
فعندما يكبر التوائم المتماثل وراثياً، فإنهما لا يعانيان دائماً من نفس الأمراض في كل الأحوال. فقد يكون أحدهما مصاباً بمرض السرطان، على سبيل المثال، والآخر قد لا يكون كذلك.
ففي عام 2008 م في أرشيف الطب الباطني (أو الطب العام)، نُشرت دراسة بحثت في جين يسمى الجين المرتبط بكتلة الدهون والسمنة (FTO). درس الباحثون من خلالها السكان الذين لديهم هذا التنوع الجيني حيث أنهم السكان المصابين بالسمنة المفرطة: ألا وهم شعب الأميش. ومع ذلك، عندما قاموا بتقييم هذا المجتمع بعينه، اكتشفوا أنهم لم يكونوا يعانون من البدانة في فترات زمنية سابقة؛ ويمكن تفسير ذلك إلى أن قدامى سكان مجتمع الأميش كانوا يمارسون رياضة المشي بمعدل 18,000 خطوة في اليوم، لذلك جرى تعطيل الجين المرتبط بالسمنة عن طريق ممارسة هذا النشاط البدني.
وقد أظهرت العديد من الدراسات أن هناك علاقة قوية بشكل لا يصدق بين الإجهاد المزمن وتدهور الصحة. فإن الإجهاد هو عامل من عوامل الخطر المعروفة للعديد من الأمراض، بما في ذلك مرض السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
التيلوميرات (أو الجسيم الطرفي) عبارة عن بروتينات الحمض النووي أو الدي إن أيه (DNA) التي تعد ضرورية لتقسيم الخلايا. حيث أن خلايانا تنقسم في كل وقت، وإننا نغير الجسم بالكامل مرة كل سبع سنوات أو نحو ذلك؛ والجدير بالذكر أننا ليس لدينا في الوقت الحالي نفس الخلايا التي ولدنا بها. فبدون هذه التيلوميرات، لن نكون قادرين على تكوين خلايا جديدة، ولذلك سنموت؛ ويمثل إنزيم التيلوميراز الإنزيم المشارك بشكل حاسم في تنفيذ هذه الآلية داخل جسم الإنسان ليبقى على قيد الحياة.
وفي إحدى الدراسات، قامت الدكتورة إليزابيث بلاكبيرن بتقييم العلاقة بين الضغط النفسي والشيخوخة على التيلوميرات والتيلوميراز لتحديد ما إذا كان هذا الضغط النفسي يؤثر على الصحة من خلال التأثير على معدل الشيخوخة للخلايا. وأجرت إليزابيث قياساً لطول التيلومير وإنزيم التيلوميراز وشمل هذا القياس عدد 58 امرأة قبل انقطاع الطمث ووجدت أن النساء اللواتي يعانين من أعلى مستويات من الشعور بالضغط النفسي كانت لديهن أقصر طول للتيلوميرات. وفي جوهر الأمر، كان عمر الخلية لدى هؤلاء النساء ذوات التوتر العالي أكبر بعشر سنوات من أعمارهن البيولوجية.
وهناك مجال ناشئ يسمى علم الجينوم الغذائي ينطوي على دراسة العلاقة بين الجينات والتغذية.
يعتبر الصميم البروتيني الشحمي هــــ أو E / صَميمُ الإِنْزيم (ApoE) هو نوع من أنواع الأنماط الجينية الذي يجرى اختباره بشكل روتيني في مرضى القلب. ويجدر الإشارة إلى أننا نرث أحد هذه الجينات من كل من والدينا. يحتوي الصميم البروتيني الشحمي هــ أو E /صميم الإِنْزيم (ApoE) على ثلاثة ألائل )أشكال( أخرى مختلفة وهي كالتالي: الصميم البروتيني الشحمي هـ 2 وهـ 3 وهـ 4 أو (ApoE2, ApoE3, and ApoE4)، والمعروفة أيضاً بـــ: إبسيلون 2، إبسيلون 3، إبسيلون 4). فإن معظمنا يولد بالمتغير البروتيني هــ 3 (E3). ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه من المتوقع أن الأشخاص الذين لديهم المتغير البروتيني هــ 4 (E4) هم أكثر الفئات تعرضاً لخطر الإصابة بأمراض القلب ومرض الزهايمر. في حين أن هؤلاء الأفراد ذوي المتغير البروتيني هــ2 (E2) يبلون بلاءً حسناً عند اتباع نظام غذائي عالي في نسبة الدهون. بينما يكون أداء ذوي المتغير البروتيني هـــ 4 (E4) أفضل عند اتباع نظام غذائي منخفض في نسبة الدهون.
لا يوجد نظام غذائي واحد يناسب الجميع لأن لكل شخص نظام جيني فريد من نوعه. ومع ذلك، فإننا الآن لدينا معلومات جينية (وراثية) سوف تبدأ في إخبارنا بنوع التوصيات الغذائية المناسبة التي يجب علينا أن نتبعها.
ويجري تدريب خبراء التغذية في هذا المجال لأنهم يستعدون لما يسمى ثورة علم الجينوم الغذائي، والتي من شأنها أن تنطوي على تقديم الأطباء توصيات حول ما يجب أن يأكله الشخص وما هي المكملات الغذائية أو الأدوية التي يجب تناولها على أساس جيناته الوراثية الخاصة.
وثمة أحد المجالات الأخرى الواعدة الرائعة وهو علم الصيدلة الجيني/ عِلْمُ الوِرَاثَةِ الدَّوَائِيّ، والذي يتضمن دراسة التفاعل بين الأدوية والجينات. بدأ الأطباء بالفعل في إدراج هذه المعلومات في التجارب والممارسات السريرية.
وتجدر الملاحظة أن أدوية الستاتين تُعد هي الأدوية التي تعمل على تقليل معدلات الكوليسترول في الدم، وهناك اختبار الدم الجيني الذي يمكِنُك من معرفة عما إذا كنت عرضة لمشكلة في عملية استقلاب الغذاء (التمثيل الغذائي) وتحتاج إلى عقار الستاتين أم لا. فعندما يتناول بعض الأشخاص عقار الستاتين الخافض للكوليسترول، فإنهم يعانون من آلام في العضلات وآلام في المفاصل وغير ذلك من الآلام. فإذا كنت عرضة لخطر الإصابة بهذه المشاكل الصحية، فيجب عليك أن تجرب تناول الأدوية الأخرى التي لا تتضمن أدوية الستاتين.


*****
لمطالعة النص الأصلي لملخص محاضرة الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع الحوار المتمدن:

https://m.ahewar.org/enindex.asp?u=Mousab%20Kassem%20Azzawi

*****
للاستماع إلى نص محاضرة الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية يمكن مراجعة الرابط التالي على موقع دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن:

https://ar.academy.house








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة