الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان والعوائق السوسيوثقافية بجنوب شرق المغرب

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2021 / 4 / 14
حقوق الانسان


في كل الأوساط الثقافية التقليدية، حيث تسود البنى القبلية المغلقة، يصعب إعمال حقوق الإنسان، أو الحق الطبيعي حين يجري تكييفه ليأخذ سمة القانون الطبيعي. وكلما واجهت الثقافة الطبيعة يحصل بينهما توتر عنيف لا يتلاشى، إلا بإعلان انتصار الثقافي، في الغالب. تلك هي طبيعة جدلية الانغلاق والانفتاح على الدوام، أو بالأحرى، وضع الانغلاق حينما يصدم بمؤثر خارجي.
ليس على الماهن الحقوقي جناح أن يصادف بالوسط القبلي المغلق حقوق الإنسان تزاح جانبا، لينتصر العرف، والتقليد الشفاهي، وتتأسس الجريمة، في حال رصدها، على الثقافة. ولا مجال، في هذه الأوساط، للديموقراطية وحقوق الإنسان. تلك هي، إذن، إشكالية معقدة، طالما يعبر عنها بثنائية الخصوصي والكوني لغاية سد الذريعة ونصرة الثقافي. ويعنينا، في هذه المقالة المتواضعة، بسط ملاحظة مفادها أن كل الخطط التي تنجز في المركز تقبر في الهامش، بعد أن تصدها القيم الثقافية صدودا. وللأسف تصادف في الوسط جنودا ينصرون الثقافي، في غياب من ينصر الحقوقي. وفضلا عن ذلك كله ترمق أن خطط التنمية، وخطط الديموقراطية وحقوق الإنسان، لا تستحضر الثقافي، ولا تنتبه إلى الهوية الثقافية للجماعات السكانية، ولا تتصالح مع الثقافي.
كيف نتجاهل الثقافي بجنوب شرق المغرب وقد مضت فترة لم يحدث فيها أن ركنت بعض القبائل للدول المركزية نحو قبائل كونفدرالية أيت عطا. وهناك قبائل تهدأ كرها، وتعود إلى حال «السايبة» كلما عادت محلات السلطان إلى العاصمة المركزية. ويعنينا أن موطن عيش هذه القبائل تحول، تحت وقع الثقافة، بكل عناصرها، إلى وحدات سوسيوثقافية متجانسة. ولقد شكلت هذه الوحدات عين التعدد الثقافي الذي يطبع جل الأوساط بالمجتمع المغربي.
ولأن التعدد الثقافي المؤهل لفرض الإيمان بالاختلاف، وليس بالقوة والتعسف، غائب، ولنا في خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب خير شاهد على ذلك، حينما أريد قياس مدى إمكانية تنزيل تدابيرها بالهامش من لدن المجتمع المدني، فإن أي مدخل لملامسة حقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي، يجب أن ينطلق، والحالة هذه، من الثقافي. لكن الثقافي طالما يشكل عقبة أمام الولوج إلى بعض الحقوق.
لنعلنها بصراحة، ونفصح أن التوتر بين الأعراف، بما هي حقوق ثقافية، والقوانين الحديثة، يثبط الولوج إلى الحق في الأرض، والحق في الزواج، والحق في الإرث، والحق في حرية التعبير والتفكير. والقضاء بصفته السلطوية، لا يميل إلى اعتماد حجية الثقافة غير العالمة لفساد الاستدلال بها، فوق أنها لا تشكل مرجعيته. وما أكثر الحالات التي زاغ فيها القضاء لإغفاله أهمية الترجمة من الأمازيغية إلى اللسان الدارج المغربي، وأصدر أحكاما مجانبة للصواب. وأما الحق في الولوج إلى المعلومة فقد ثبت في معظم القضايا التي رصدناها في الميدان أن الإدارة لا تتواصل مع المواطنين في الأوساط القبلية المغلقة بالجنوب الشرقي المغربي. وفي بعض الأحيان، نصادف رجال السلطة المحلية يضربون الأعراف، ولا يعيرونها أي اهتمام، كل ذلك يطرح بعض الأسئلة على مدى الانتقال إلى ما بعد العدالة الانتقالية بالجنوب الشرقي المغربي.
لماذا هذا المقال الذي يشكل أرضية لتأليف كتاب؟ وبمعنى آخر، لماذا «حقوق الإنسان والعوائق السوسيوثقافية بالجنوب الشرقي المغربي»؟ عدت إلى الأرشيف الذي أعددته بقلمي، بما هو يعم تقارير تنقل الخبر دون صياغته، فعثرت على أرضية «ملتقى دراسي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمدينة أزرو»، بجبال الأطلس المتوسط الهضبي، كان نظمه المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بجهة مكناس تافيلالت، وقتها، يومي 26 من شهر دجنبر 2009 و27 منه، وهو ملتقى أريد له أن يكون متميزا متنوعا، ليتناسب وتميز جهة مكناس تافيلالت، وقتها، في التقطيع الإداري السابق، عن غيرها من الجهات بمفارقة عجيبة. وقبل إظهار مكمن العجب في تلك المفارقة، بدا لي أن تكل الأرضية يمكن اعتمادها إن أريد تنظيم ملتقى آخر، في الحال، يداني الملتقى المذكور. وعن المفارقة اللصيقة بجهة مكناس تافيلالت، غنى أرضها بالثروات الطبيعية، وفقر سكانها، وافتقار جلهم لأبسط الضروريات، ونفس المفارقة تنسحب على تنوعها الجغرافي والإثنوغرافي والسوسيو ثقافي. وإن ما ينسحب على جهة مكناس تافيلالت، وقتها، ينسحب على نصفها الجنوبي، جنوب الأطلس المتوسط الهضبي، والذي التحق بجهة درعة تافيلالت، وينسحب على شرق جهة سوس ماسة درعة سابقا، أعني منطقة درعة، ويمكن أن تضيف إقليم خنيفيرة وأزيلال وفجيج. ولما وجدت الأرضية تناسب الوضع الحالي، رغم مضي إحدى عشرة سنة، تبلور لدي السؤال: ما هي العوائق التي جعلتنا نسير سير السلحفاة في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان؟
ما كنت في هذه المقالة لأرصد مادة التاريخ الراهن، ولكني مدعو لملامسة بطء التحول من حيث التنمية، أو على الأقل، النظر إلى تخلف التنمية من زاوية واحدة، ووحيدة، عوائق إعمال الديموقراطية وحقوق الإنسان بالجنوب الشرقي المغربي. ومن جانب آخر لست من دعاة صد الثقافي، وإقبار التقليد الشفاهي، والسطو على الهوية الثقافية في الأوساط المتعددة ثقافيا، ولكني أحب أن أجدني أمام توافر الإمكانيات الذاتية، على الأقل، وأهمها حرية التعبير، وإرادة رصَد بطء التحول، رغم الجهود المبذول.
لا وجود للشروط التي تسمح بطرح السؤال حول سبل درء تدهور قيم الثقافة غير العالمة، وذرء ما يصون الهوية الثقافية والذاكرة، واعتماد برامج تنموية واعدة تراعي الحقوق الثقافية لسكان الواحات الباردة والساخنة، وتسوية حقوق المرأة بين الطبيعي والثقافي، وإعمال الحكامة الأمنية في السياسة الأمنية بدل استمرار قيم الأمن التقليدية، نحوُ الدروع البشرية والعوازل، واحترام حقوق الأقليات الثقافة، وإعمال حقوق الإنسان بالأماكن الهشة كالمحيطات المنجمية، والأشرطة الواحية، والسفوح الجبلية، وتسوية إشكال الأرض السلالية. ومرد ذلك إلى البنى المغلقة عن نفسها، والمحصنة إلى درجة لا تسمح بالاختراق.
لأعود إلى البنيات المغلقة لأستخلص منها ما يثبط إعمال حقوق الإنسان. أعود إليها لا لألمسها بدراسات علمية وفلسفية تؤسس للمفاهيم، بقدر ما أبتغي أن يغشى محتواها تقارير وصفية، كما لو أعدها ذلك المتجول الملتزم في المنطقة طوعت له نفسه أن يستقصي ما خزنته الذاكرة الجماعية. وسأسهر على ترتيب مقالاتي ترتيبا منطقيا ملائما تبدو لقارئها مقنعة. ولا أنكر أن من التقارير التي أنشأتها ما هو مبثوث في مختلف وسائل الإعلام، ومنها ما لم يسبق لي أن نشرتها، وفضلت الحفاظ عليها ضمن التقارير الدفينة. آمل أن تشكل هذه التقارير الوصفية، في العقبى، مجالا للممارسة في الحقل الثقافي، وتيسر السبيل لجعل البنيات المغلقة غير مثبطة لما هو تنموي أو ديموقراطي.
كلنا يتذكر المحنة التي شهدها ذلك المسار الافتراضي الممتد من حوض غريس ليتجه نحو أسيف ملول، ويمر بمنطقة أيت سخمان وبلاد إشقيرن، ثم زيان بخنيفرة والخميسات، لينتهي في الحسيمة. إنه مسار الانتهاكات ما بين 1958 و1973، وهو مسار يعبر أوساط صنهاجية بامتياز. لذلك لا ينبغي تجاوز الإثنوغرافي في تقارير الرصد، لأن الإثنوغرافي معقل الهوية الثقافية. آمل أن أكون قد فكرت في ملامسة المسار الممكن سلكه لتخفيف التوتر بين الثقافي والحقوقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا


.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل




.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار


.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل




.. ليبيا - الأمم المتحدة: بعد استقالة باتيلي.. من خذل من؟