الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله و الإمام: بحوث فكرية في الأسلوب الإلهي لإقامة الدين في الأرض - مقدمة الكتاب

عادل عبدالله

2021 / 4 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الله و الإمام:
بحوثٌ فكريّة
في الأسلوب الإلهي لإقامة الدين في الأرض

"مقدمة الكتاب"
-1-
يحظى "الإمام" في مصادر الفكر الشيعي و في مدوّناته الكبرى المؤسِسة لثقافة المذهب، و لِوَعْي أتباعه، بمكانةٍ رفيعةٍ سامية تصلُ حدَّ التقديس و التبجيل و التوقير المفرط، بل إنّها لتتجاوز كلّ ذلك لتنسبَ إليه مجموعةً من الصفات و الخصائص الفريدة التي تتخطى مَلَكات الكائن البشري، عِلماً و فهماً و درايةً بشؤون الله و الناس و الدين والحياة. إنّها – بعبارة موجزة – مكانةٌ لا يشاركهُ فيها أحدٌ من الناس، معاصراً له أ كانَ أمْ تالياً لعصره، باستثناء الرسول محمد "ص" الذي يفوقُه في هذه المكانة أولاً، و الذي يُعَدُّ من بَعْدُ، المصدرَ البشري الوحيدَ لتلك المكانة بكلّ ما تنطوي عليه من عِلمٍ و فهمٍ و أخلاق على المستويين "النظري – المجرّد" و "السلوكي – العملي المعاش" كما تتفقُ مصادرُ الشيعة كلّها على نوع هذه الصِلةِ بين النبيّ و الإمام.
إنّ السؤال الذي ينبغي طرْحُهُ عَقِبَ هذا البيان المُدْرَك للمسلمين جميعاً، الشيعة منهم و سواهمُ من أصحابِ المذاهب الأخرى – بغض النظر عن اعترافهم بنوع هذه المكانة أو إنكارهم لها - هو: هل يستحّقُ الإمامُ مِثْلَ هذه المكانة الرفيعة السامية التي ينسبُها الشيعةُ إليه، سواءٌ أ كانت هذه النسبة، فكراً و حِجاجاً متقدّماً لدى منظّريهم، أمْ كانت وعْياً ذهنيّاً يَسمُ الفطرةَ السليمة لمعتنقي هذا المذهب؟ أعني – و هذا تعبيرٌ عن السؤال ذاتِهِ بصيغةٍ أخرى: هل يمتلكُ الإمامُ حقّاً مثلَ هذه الصفاتِ الفريدة السامية، من علمٍ و فهمٍ و أخلاق نظريةٍ و عمليّةٍ نادرة، ليستحقّ بما يمتلك تلك المكانة الرفيعة، أم أنّ الأمرَ لا يعدو كونه تقليداً متوارثاً وضَعَهُ و أسس له غلوّ طائفةٍ من الناس في محبّة الإمام لهذا السبب أو ذاك؟ ثمّ إذا كان الإمامُ ممتلكاً لتلك المكانة حقاً، فلماذا عَطَلَتْ ذواتُ الناس الآخرين عن امتلاك مثيلاتها؟ و هل من سبيلٍ لهم لبلوغ إحدى منازل تلك المكانة أو حيازتها بأجمعها ليصبحوا أئمةً للناس مثْله، علماءَ، موقّرين، يُقتدى بهم و يُهتدى – طوعاً - الى سُبلِ الحقّ و العِلم و الصلاح؟
في حقيقة الأمر - و هذا واقعٌ يُخبرُ التاريخُ عنه، و تتفقُ المصادرُ و المذاهب المختلفة على صحّته - إنّ مكانةَ الإمام العلميّة و الأخلاقية التي نتحدثُ الآن عنها، كانت واقعةً حاضرةً، باديةً للعيان، تيقّنَ الناسُ من امتلاكه لها، مثلما تيقّن لهم أنّه كائنٌ بشريٌّ يفوقهم مكانةً و مرتبةً في كلّ ما يمتلكونه من خصائص علمية و أخلاقية، دينيةٍ و دنيويّةٍ، يحضرُ بها أمامهم بصورة واقعية خَبروا رسوخَها في شخصيته و مصاحبَتَها له عِلماً و سلوكاً أنّى جَمَعَتْهُم به مناسبةٌ، فكريّة أكانتْ أم سلوكيّة عمليّة .
أمّا الذي عزّز هذه المكانة في نفوسهم و أكْرَهَهُم على الاعتراف له بها، فهو حاجةُ نفوسِهم و توقُها الى الرُقيّ و الكمال، تلك التي رأوا أنّ السبيلَ الواضحَ المُتاح و الدَرْبَ الآمنةَ التي تقودهم بالكفّ لبلوغ غاياتهم هو الإمامُ وحده، المعصومُ من الزلل و الخطأ، الحاضر بينهم، شخصا أو سيرةً محفوظة في صدور الرجال الثقاة، المُجيبُ لهم عن كلّ ما يسألون عنه، إجابةً كاملةً كافيةً، تيقّن لهم عجزُهُم عن الإتيان بمثلها، مثلما تيقّنتْ لهم أيضاً حاجَتُهم لنوع تلك الإجابات الجامعة المانعة في كلّ ما لَبس عليهم من أمرٍ، من أجل أنْ تطمئنّ قلوبهم بها، و ليكونوا على بيّنةٍ من أمر دينهم و دنياهم بعدُ حصولُهم عليها، الأمرَ الذي يعني أنّ لهذه المكانة مقدماتِها الواقعية َالملموسة و أدلتها الحسيّة التجريبية التي لا تدعُ لأحدٍ من عذْرٍ لإنكارها، اللهمّ إلّا جحوداً أو لغايةٍ مبيّتةٍ في نفسه، كما ينصّ المنطقُ العام لطبيعة الأدلّة الحسّية.
لكن، كيفَ تسنّى للإمام الحصول على مثل هذه الرتبة العلمية الفائقة؟ ما هي الوسائلُ و المناهلُ و المصادرُ التي مكّنتْهُ من بلوغها، و لماذا لا يمكنُ لأحدٍ من الناس بلوغها أيضا، على الأخص، إنّ القرآن الكريم – و هو أعظم تلك المصادر – موجود بينهم، متاحٌ لهم ذِكراً و عِلماً و قراءة، فضلاً عن وجود النبيّ و أحاديثه و سيرته؟
مع ذلك، أينَ أسّسَ القرآنُ لتلك المكانة؟ في أيٍّ من آياته و سوْرِهِ؟ و هل هناك من تأويل أو تفسير آخر لتلك الآيات و السوْر نفسها، يمكنُهُ دحض التأويل الشيعي لآيات القرآن المؤسسة لعقائد الشيعة في مكانةِ إمامهم؟
كيفَ عزّز الرسول محمد تلك المكانة؟ و لماذا فعل ذلك؟ أعني: هل كانَ فعل تعزيز الرسول لمكانة الإمام، صادراً عن رغبةٍ شخصيّة تخصّهُ وحْدهُ، أم كانَ ذلك الفعلُ استجابةً لوحيٍ إلهي مُنْزَلٍ في نصّ قرآني مبين؟
هذه هي الأسئلةُ التي ستجيبُ بعضُ فصول هذا الكتاب عنها.
-2-
أشرنا في الفقرة الأولى من المقدّمة – وعلى نحوٍ عام - الى بعض مَلَكات الإمام النفسية و العلمية التي تفوق و تتخطّى صفات البشر، منها – و الحديثُ هنا على نحوٍ خاص، اتفقتْ مصادرُ الشيعة على حدوثه - العِلم بما في نفوس البشر مثلاً، أو الإخبار عن عالم الغيب، أو التنبّؤ بصيرورة الأحداث في المستقبل، أو الإتيان بمعجزة علميّة، كقدرةِ أحدِ الأئمة على توفير إجابات دقيقة كاملة عن مسائل شرْعيّة معقّدة على الرغم من صغر سنّه، و سوى ذلك كثير. و لأنّ مثل هذا الحال و الحوادث النادرة - التي تعارفَ الشيعةُ على ذكْرها مُسَلّمينَ بصحّتها – قابلة للتشكيك بها، استناداً الى خرْقِها النظام السببيّ أو تخطّيها لقدرات البشر و ممكناتهم، أو جريانها على خلاف منطق الأحداث الذي ألِفوا فهمه و وعي الوقائع من سبيله، أقول – بسببٍ من ذلك كلّه – تساءلنا في بعض مباحث هذا الكتاب عن إمكان بيان الأصل "القرآني – النبويّ" الذي يسوّغ مثلَ هذه الأحداث و يسمحُ لها بالظهور، فضلاً عن بياننا لإمكان تسويغها من خلال المصادر الفلسفية و العلمية الغربية الحديثة التي تناولتْ مثل هذه الموضوعات على طريقتها و في نوع ميدانها الثقافي.
باختصار شديد – و هذه مزيّةٌ تُعقدُ لصالح منهج الكتاب و موضوعاته – لقد عزّزنا أفكارَ الكتاب و مضامينَه الإسلامية الكبرى التي تداولتها الثقافة و الفكر الإسلامي، بأفكارٍ و آراء و نظرياتٍ غربيّة لنخبةٍ من الفلاسفة العظام بينهم افلاطون و أرسطو و كانت هيجل و ماركس و هيدجر.
3-
لأسباب كثيرة، لا مناسبة بحْثيّة تضطرنا لذكرها في كتابنا، ثمةَ الكثير من الموضوعات الخلافية في الفكر و الثقافة الإسلامية، سواءٌ أتعلّق أمرها بعلماء الكلام أم بالمفسّرين أم بمنظّري المذاهب الإسلامية و علمائها، أولئك الذين عملوا و اجتهدوا في مؤلفاتهم على حلّها، الأمر الذي أدّى من بَعْدُ الى نقل تلك الخلافات الى العوام من الناس، حتّى أصبحتْ بمرور الوقت و التراكم المعرفي حالةً و موقفاً ثقافيّا من فهم تلك الآية الكريمة أو ذلك الحديث النبويّ لدى العوام أنفسهم. و لأنّ الموقف العقلي المُنصف، إذْ يُقرّ بمثل هذا التنوّع و الاختلاف في الرأي و الفهم، فإنّه مضطرّ في الوقت ذاته الى الإقرار بوجود رأي راجحٍ و فهمٍ متقدّم واحد من بين تلك الموضوعات التي جرى الاختلاف عليها، لكن، بعد عرضه من الحجج و القرائن العقلية و المنطقية و التاريخية ما يُثبتُ به، لا خطأ الذهاب الى مثل هذا التصور أو ذاك فحسب، بل تقديمه و عرضه لفهمه الخاص بطريقة مُقْنعة تمتلك من الأسباب الموضوعية و المنطقية ما يعزز الاعتقاد بها وحدها من دون غيرها من الآراء و الأفكار التي تبحث في الموضوع نفسه.
أمّا عن طبيعة هذه الموضوعات الخلافية التي تمّ بحثها في كتابنا، و التي حرصنا على عرضها بطريقة منطقيّة تطمحُ لرتبة الإقناع و حسم الخلاف، فمنها:
أ‌- هل قال النبيّ محمد "ص" في حديثه الشهير " إني تاركٌ فيكم الثقلين، كتابَ الله و سنّتي" أم قال " إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي أهل بيتي"؟ من حيثُ أن الفرق بين معنى صيْغَتَيْ القول واسعٌ، جوهريٌّ و عظيم، يدخلُ بعمقٍ و انسجام تام في بنية التأسيس العقائدي للمذهبين الإسلاميين الرئيسين، السنّي و الشيعي.
ب‌- هل كانت الخلافةُ، خلافة الراشدين للرسول محمد، و ما حدثَ في بيْعةِ السقيفة، حدثاً تاريخياً عابراً ينبغي على المسلمين تجاوزه و نسيانه لتقادم الزمان عليه؟ أم أنّ الذي حدثَ في بيْعة السقيفة و ما تلاها من أحداث شائعة، أمرٌ جللٌ يدخل في صُلب عقائد الإنسان المسْلم بوصفه أصلاً عقائديا راسخاً لا بدّ للمسلمين كلّهم، أنّى وُجدوا زماناً و مكاناً من تحديد موقفهم منه، بسبب من أنّ هذا الموقف ذاته، هو الذي يحدد نوع عقيدة المسلم من حيث جريانها على وفق الإرادة الإلهية تارة، أو على وفق من خالف هذه الإرادة مستبدلاً إيّاها بإرادة البشر و مسؤوليتهم عن نظيم شؤونهم في الاجتماع و السياسة، تارة أخرى؟
ت‌- هل كان لعليّ بن أبي طالب حقٌ واضح مشروع - لا مناص من قبوله أبدأ- في خلافةِ النبيّ محمد، أم كانتْ مطالبَتُه بالخلافة رأياً سياسيا قابلاً للحوار و الاجتهاد و اختيار البديل؟ ثمّ لماذا لم يطالب عليٌّ بهذا الحق عبْر جميع الوسائل المتاحة إليه، و التي كان النزاع المسلّح من بينها دونما ريب؟
4- من الواضح القول: إنّ لتلك الموضوعات الخلافية التي تمّ ذكرُ بعضها، لجهة الوصول الى آراءٍ مقنعة باتجاه حسْمِها، الكثير من المقدمات المعرفية و المسوّغات التاريخية و الاجتماعية التي تجعل مثل ذلك الحسم ممكناً، لذا كان من الضروري ربطُها بموضوعات أخرى تُقَدّم لها و تسوّغ بلوغها لغايتها، من هذه الموضوعات:
أ‌- ما هو الدينُ، و ما هو الإسلام؟ ما هو الإيمان؟ و ما نوع الصِلة المعقودة بين الإسلام و الإيمان؟
ب‌- هل الإسلام مرتبةٌ واحدة يلتقي جميعُ المسلمين عليها، أم أنّ للإسلام مراتب متعددة، تقع الإمامة – التي هي هبةٌ إلهية، وفقاً للشيعة - في أعلى مرتبة منه؟
ت‌- لماذا كان النبيّ محمد "ص" مليئاً بالعزم و الثبات على مهمة نشر الإسلام في الأرض؟ و لماذا تحدّثَ في سنواتِ عمرهِ الأخيرة عن غروب الإسلام و عن إمكان زواله من ذوات المسلمين؟ و هل هناك من أساس قرآني يسوّغ للنبيّ الحديث عن أفول الدين الذي أفنى سنواته مجاهداً في نشره؟
ث‌- ما هي " الولاية" و هل يمكن النظر إليها بوصفها النظام الإسلامي الجديد بعد رحيل الرسول "ص" عن العالم؟ و هل هناك من أساس قراني يسوّغ لمثل هذا التصوّر، بوصفه الأسلوب الإلهي لإقامة الدين في الأرض؟
ج‌- هل يمكنُ للإنسان أنْ يرثَ عِلمَ أبيه كما يرث خصائصه البيولوجية؟ و هل يمكنُ القولُ بوحدة أنفس الأئمة، أو بوراثة كلِّ إمام لعِلم أبيه؟
ح‌- ما هي الإمامة؟ و هل يمكن النظر إليها بوصفها منزلة علْميّة رفيعة يهبها الله لمن يشاء من عباده المخلصين استحقاقاً لسَعْيه في ذاته تعالى، كما يشهد القرآن بذلك لنبيّ الله إبراهيم؟
أحسبُ أنّ في هذا الكتاب إجاباتٍ كافية لكلّ تلك الأسئلة.
"و الله وليُّ التوفيق"

29/3/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلتنا: مقتل شخص في غارة استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأسود ج


.. مشاهد جديدة من مكان الغارة التي استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأ




.. صحفي إسرائيلي يدعو إلى مذبحة في غزة بسبب استمتاع سكانها على


.. هجوم واسع لحزب الله على قاعدة عين زيتيم بالجليل وصفارات الإن




.. شمس الكويتية تسب سياسيي العراق بسبب إشاعة زواجها من أحدهم