الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شأة حركة فتح

علي ابو زايد
كاتب وباحث

(Dr Ali Abozid)

2021 / 4 / 15
القضية الفلسطينية


نشأة حركة فتح
بعد نكبة عام 1948 التي حلّت بالشعب الفلسطيني، وتشرده من مدنه وقراه الى مناطق وتجمعات فلسطينية أخرى وخارج وطنهم الى بلدان عربية مجاورة، أملاً في العودة لبيوتهم بعد انتهاء الحرب. إلا أن الأمور لم تسير حسب طموحات هذا الشعب، واستقر معظمهم في اماكن ترحالهم. اثناء انتشار اللاجئين المنكوبين في بقاع عدة، بدأت تتشكل مجموعات فدائية لمقارعة دولة اسرائيل بعد تأسيسها وتأكيد بقائها مكان الفلسطينيين المشردين واستولت على املاكهم، هذه المجموعات بتنوع افكار مَن تضمهم في صفوفها، حاولت مراراً العودة لوطنهم لمقارعة المستوطنين اليهود الذين اسسوا دولتهم على ارض الفلسطينيين وبغطاء دولي وتواطؤ عربي. ومن ضمن هذه المجموعات جيل الثأر وأبطال العودة ومجموعات الحزام الأسود وغيرها.
ولدى الخذلان الذي وقع به الشعب الفلسطيني من أخوته العرب، بدأت تتكون من المجموعات الفدائية التي تشكلت بينهم في مناطق لجوئهم وأصبحت بين الحين والآخر تقضّ مضجع اليهود، وتقلق وضعهم، في وضع كان به المشردين الفلسطينيين في شتاتهم بحالة مزرية، وفي وضع أمل أن يعودوا لديارهم. إلا أن أصابع الاستعمار الحاكمة في الدول المجاورة اخذت تتحيّن الفرص للحد من نشاط المجموعات الفدائية هذه وبدأت وبالتنسيق مع البريطانيين واللوبي الصهيوني التفكير لضبط ومراقبة نشاط العمل الفدائي، مع صِغَر تأثيره، فكانت بداياته قيام القنصل البريطاني في الكويت باستدعاء ياسر عرفات الذي كان يعمل في الكويت بالتجارة ويمتلك محالٍ تجارية، وبصفته سابقاً رئيس اتحاد طلبة فلسطين بجامعة القاهرة قبل تخرجه منها، والطلب منه تشكيل منظمة مع مجموعة من معارفه، بهدف تجميع تلك المجموعات الفدائية تحت اطار موحّد لضبط حركتهم ونشاطاتهم.
وضمن الحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بعد الحرب، ظهر أنه "لم يكن لدى غالبية الفلسطينيين أية ثقة في الأنظمة العربية بعد حرب عام 1948، وكانوا يعتبرون أن هذه الأنظمة كانت تسعى للسيطرة على القرار الفلسطيني، وأنه لا بد من اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم من أجل استعادة حقوقهم، وهذا السبب كان من أهم الأسباب التي أدت إلى نشوء حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، إذ كان الإيمان بأن الحكومات العربية تسعى متعمدة للقضاء على الهوية الفلسطينية، يحتل حيزاً مركزياً في تفكير حركة فتح( ). هذه الحركة التي أنشأت حسبما أوردنا سابقاً، مع العلم أنه كانت هناك مجموعات كامتداد للفصائل والاحزاب والحركات التي كانت في فلسطين ما قبل النكبة، والتي انتشرت وتشردت كما حال الشعب الفلسطيني. وهذه الاحزاب والحركات بدأت كذلك بتجميع شتاتها كلٌ في أماكن تواجده سواء في مناطق ما أسمي بالضفة الغربية ومنطقة قطاع غزة وفي الاردن وباقي العواصم العربية التي لجأ اليها الشعب الفلسطيني.
وما قبل التأسيس والاعلان عن حركة فتح، فقد تم تأسيس منظمة التحريرالفلسطينية في عام 1964 م، وكانت هذه المرحلة بداية نشوء لنظام سياسي فلسطيني، ومن أهم المُعضِلات التي كانت أمام هذه المرحلة هي عملية التحررالوطني والديمقراطية في مؤسسات المنظمة، إذ كانت بداية المشاركة الفلسطينية في تكوين نظام سياسي له قيادة ومؤسسات ورئيس للجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطيني والقضاء الثوري ومؤسسات أخرى منها القوات المسلحة، حيث كانت تمثل الفلسطينيين عامة في الداخل والخارج والاتحادات الشعبية آنذاك( ). وهذا التأسيس للمنظمة لم يكن من وازع فلسطيني بل امتداد لفكر الانظمة العربية حينها، ويؤكد ذلك طبيعة بنود الميثاق الوطني الفلسطيني الذي اصبح الاساس والبرنامج للمنظمة، وهذا الميثاق كان يمثل في محتواه افكار وطموحات تلك الانظمة بتناقضاتها وفرضت على الفلسطينيين لتصبح عبء كبير ومهام كبيرة ستعيق تطور النضال الوطني الفلسطيني لاحقاً بسبب تعدد اتجاهاتها وافكارها وسقفها العالي بالنسبة للفلسطينيين ونحو طموحهم وقدراتهم للتحرر والعودة.
وبخصوص المؤسسات المنضوية تحت راية المنظمة، "كان من المفروض أن تتم انتخابات داخلية في هذه التنظيمات، ولكن بسبب تعذر إجرائها، غالباً ما كانت تتم بالتوافق، والطريقة نفسها كانت تتم بالنسبة لممثلي النقابات والاتحادات الشعبية في المجلس الوطني، واستمر العمل بذلك حتى عام 1969 وأصبح المجلس الوطني يمثل السلطة التشريعية والرقابية للشعب الفلسطيني على سلطته التنفيذية، وأصبح كيان)م.ت.ف( الجديد يتمتع بسمعة وقدرة لتمثيل الشعب الفلسطيني ولعب دور المركز السياسي الموجه والممثل لنضال وتطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه( ).
ونظراً للسياسة العربية العليا وتوجهاتها تجاه حركة فتح والمنظمة، فرضت توجهاتها بخصوص التمويل والدعم لهذه المؤسسات بشروط غير معلنة بل بتوجيه مباشر لتغليب حركة فتح على باقي التجمعات السياسية وترسيخها سلطة على المال والدعم العسكري لتقع باقي القوى والمؤسسات فريسة لها وللتمويل المشروط الموجه ولتستطيع تلك الانظمة السيطرة على تطورها وتحركاتها، فأصبح بإمكان حركة فتح "السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني استنادًا إلى برنامجها الوطني والسياسي وكونها الفصيل الأكبر، إضافة إلى امتلاكها موارد مالية، وبذلك أصبحت الفصيل المقرر والمسيطر، وقد قامت المنظمة بالإقرار بشرعية التعددية السياسية والاستقلال في القرارات التنظيمية والفكرية والمالية، إلا أن مسألة الديمقراطية بقيت محصورة لاعتبارات عديدة، وانحصرت التعددية فيما عرف بنظام الحصة( ).
تم إعتبار تأسيس حركة فتح في اليوم الأول من كانون الثاني من العام 1965، وهواليوم الذي نفذ فيه فدائيوها أول عملية عسكرية ضد اسرائيل واعتُبِرَ تاريخاً لانطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة. عرف الكثير من مؤسسي حركة فتح، وعلى رأسهم ياسرعرفات، بأنهم كانوا قريبين من حركة الإخوان المسلمين. كما كان بعض المؤسسين ومن رجالات الصف الأول من الحركة ممن كانت لهم علاقات مع تنظيمات قومية ويسارية، حيث اشتهر فاروق القدومي –على سبيل المثال -بقربه من حركة القوميين العرب قبل انضمامه إلى الحلقة الأولى من مؤسسي فتح.
نشأت وبدأت الحركة كما اسلفنا بفكرة بسيطة وبعد توسعها وانتشارها بين صفوف الفلسطينيين اعترتها الكثير من التناقضات بسبب تعدد المنابع الفكرية لقياداتها، لكنها برغم ذلك أعتبرت "كحركة تحرر وطني شهد العالم العديد مثلها في دول العالم الثالث، وإذا نظرنا إليها من العمق نجد أنها فكرة تهدف إلى ما يشبه المستحيل، ليس فقط لطبيعة العدو الذي يحتل الأرض وقوته وتشعب وامتداد علاقاته الخارجية، بل لواقع العالم العربي الذي يفترض أن يشكل حاضنة للشعب الفلسطيني، هذا الواقع لم يكن يرغب أو يرحب بالوافد الجديد - حركة فتح. حركة فتح بدأت بفكرة لعدة أشخاص ثم فكرة وفكر لتنظيم ثم مشروع وطني متكامل، وتم إقرار الريادية لحركة فتح من غالبية الشعب الفلسطيني(1).
في عام 1948 حلّت بالشعب الفلسطيني النكبة وتشتت الشعب على أرض وطنه وكذلك في الدول المجاورة، وانعكس ذلك على حركته الوطنية، فتشتت كما الشعب، و"نتج عن هذه الهزيمة انحلال كافة هذه الحركات، وشتات عدد كبير من الشعب الفلسطيني في البلدان العربية المجاورة وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن الشعب الفلسطيني سرعان ما لملم جراحه وعمل على بعث حركة التحرر الوطنية في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، مستفيدا من التصاعد المستمر في المشاركة الفلسطينية في الحياة السياسية في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان ومصر وبقية البلدان العربية، هذه المشاركة أدت إلى ظهور خلايا العمل الفدائي مثل أبطال العودة وجيل الثأر وغيرهما من منظمات سياسية تم دمجها معاً عند تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني–حركة فتح-(2).
وفي العام 1956 ومع العدوان الثلاثي على مصر وباحتلال قطاع غزة ، أدى ذلك الى بداية جديدة لصورة المعركة مع اسرائيل، "هذه الصورة جديدة في مضامينها وانقلابية في أفكارها، وأساسها جماهير الشعب الفلسطيني والتي يجب أن تجمعها وحدة وطنية عريضة تمهد لثورة شعبية مسلحة، وهذه الصورة تحدثت عنها إحدى الوثائق الصادرة عن حركة فتح من خلال مجلة فلسطيننا وفي عددها الأول الصادرفي تشرين الأول / أكتوبر1995، حيث أن حركة فتح تحدثت بشكل لا لبس فيه عن دورالشعب الفلسطيني في النضال من أجل التحرير والعودة، في نفس الوقت طالبت حركة فتح دعمها كطليعة طامحة لتمثيل الشعب الفلسطيني والتعبيرعن آماله( ).
_______
1) عماد مصباح محمد مخيمر: ممارسة السلطة والفعل الثوري- دراسة مقارنة (حركة فتح وحركة حماس)، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة الأزهر- غزة، ص35، 2013
2) صايغ، يزيد: الحركة الوطنية الفلسطينية (1929-1993)، رحلة الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1996، ص65
وحسب المعلومات بأن ياسر عرفات كان احد قيادات الاخوان المسلمين، وبأن هناك قيادات اخرى كانت تنتمي لهذه الحركة وانضمت لصفوف حركة فتح، "ولكن المبادرة بإنشاء هذه الحركة لم تكن بقرار من قيادة الإخوان المسلمين، فقد قام خليل الوزير بتقديم تصور إلى زعيم الإخوان في قطاع غزة هاني بسيسو يقضي بإنشاء تنظيم لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره، ويركز على تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح، ولكن قيادة الإخوان لم تستجب لهذا التصور، وأهملته نتيجة لسياسة الحذرالأمني والتركيز على التربية حفاظاً على الجماعة من ملاحقة النظام في زمن جمال عبدالناصر لها، ولكن عدداً من الإخوان ممن اقتنعوا بتصور خليل الوزير من أمثال سعيد المزيّن وغالب الوزير، قاموا بالدعوة للانضمام للحركة( ).
وحسب السجلات التاريخية التي تتحدث عن بدايات فكرة تأسيس حركة مثل حركة فتح، حيث كانت تجربة "جبهة المقاومة الشعبية" والعلاقة التي جمعت الإخوان المسلمين مع الناصريين فيما عرف بكتيبة الفدائيين خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، "حيث ظهرت قيادات مثل خليل الوزير وصلاح خلف وياسر عرفات وتم تشكيل النواة الأولى لحركة فتح وتم الإعلان الرسمي عن انطلاقتها في 1965/1/1 من خلال العملية العسكرية التي أدت إلى تفجير نفق عيلبون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام1948 "( ). اضافة لما ذكر ففي فترة ما بعد النكبة ظهرت حركات ثورية من بينها جيل الثأر وأبطال العودة ومجموعات الحزام الأسود كان من البارزين من قياداتها كل من مصطفى الأسمر ومحمود أبو بكر وأبو علي إياد. لكن عندما اشتد الضغط والعداء ضد العصابات الصهيونية اليهودية تدخل القنصل البريطاني آنذاك في الكويت وطلب من ياسر عرفات حيث كان يعمل كرجل اعمال في الكويت، بأن يعمل على تجميع تلك المجموعات لتشكيل تنظيم يوحدهم وكان الهدف من ذلك مراقبة عمل الجميع وتخفيف الضغط على العصابات اليهودية وليبقوا تحت الرقابة في حركتهم ونشاطهم!.
إن تشكيل حركة فتح شكّل حلقة جديدة في حياة ومسيرة الشعب الفلسطيني، في ظل محاولات فرض الوصاية من قبل الانظمة العربية على القضية الفلسطينية، "تجسد ذلك في إنشاء منظمة التحرير عام 1964 بقرار رسمي عربي في إطارالمحاولة لفرض السيطرة والهيمنة على القضية الفلسطينية، برزت حركة فتح لتعبرعن شخصية فلسطينية بملامح وطنية مستقلة، وتشكل بروز المشروع الوطني الفلسطيني في شكله المعاصر، وبفكر يخالف التيار القومي السائد القائل بأن الوحدة هي سبيل التحرير، حيث أكدت حركة فتح أن التحرير هو طريق الوحدة. وكان التفكير في إنشاء حركة فتح مرتبطاً بأزمة الخيارات داخل التيار الإسلامي الفلسطيني، وخصوصا الإخوان المسلمين في مرحلة المدّ القومي الناصري، إذ بدأت خلايا فتح الأولى في التكوّن، واعية للمفاهيم التي حملتها جبهة التحرير الوطني الجزائرية المتمثلة في الالتقاء نحو هدف وليس حول مفاهيم أيديولوجية، ودعت حركة فتح إلى ضرورة التقاء الفلسطينيين حول أهدافهم الوطنية في التحرير والعودة، بغض النظر عن الخلفيات الفكرية والأيديولوجية، كما ودعت أيضا إلى البدء بالكفاح المسلح كطريق لإنهاض الوضع العربي وتحقيق وحدته لا العكس مخالفة بذلك القرار الرسمي العربي( ).
لكن وعقب حرب حزيران 1967 شكل الدور الذي لعبته منظمة التحرير في استنهاض جمهورها الفلسطيني بسبب استمرارية المخاطر التي تُضاف الى الشعب الفلسطيني، وعملت مع باقي الفصائل لأجل ترسيخ ارتباط عضوي ما بين شتات الشعب الفلسطيني والداخل الفلسطيني، "علاوة على أن النواة الصدامية لمنظمة التحرير الفلسطينية داخل الوطن المحتل والمتمثلة بحركة فتح، كانت جاهزة للقيام بمهمات تفجير عفوي وتحديد أهداف مرحلية وتأكيد على الأهداف التاريخية، كما تم تجسيد هذا المفهوم في انتفاضتي الحجارة 1987 والأقصى 2000 حيث لعبت منظمة التحرير دوراً في الحفاظ على ديناميكية الانتفاضة وتطويرها ودفعها باتجاه تحقيق الأماني المنشودة(2).
4/1 موقف الحركات والأحزاب العربية في تلك الفترة من الحركة
إن ظهور حركة فتح أدى الى بروز المحاور والتناقضات الداخلية الفلسطينية خاصة بأن هناك جذور للحركة الشيوعية في فلسطين برغم تشتتها، إلا أنها اختلفت بتوجهاتها ونضالاتها مع بروز حركة فتح التي كانت تحمل تناقضاتها بداخلها منذ تكوينها، وكذلك "تناقضت طروحات حركة فتح الداعية إلى الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتركيزها على البعد الفلسطيني بقوة، مع المعتقدات القومية لكل من حركة القوميين العرب وحزب البعث، حيث اعتبرت حركة القوميين العرب حركة فتح أنها تحمل تهديدًا مباشرا لعبد الناصر، وبلَغت أعضاءها أن فتح حركة مشبوهة مرتبطة بحلف) السنتو(، الذي يهدف إلى توريط عبدالناصر في معركة هو غير مستعداً لها، الأمر الذي سيؤدي إلى هزيمته( )*. واعتبرت الحركة القومية، أن فتح تحمل فكراً قُطريًا، يتعارض ويتناقض مع طروحاتها، وكان لذلك أثرٌ واضح في تكوين فكر خاص لدى حركة فتح استناداً للرعاية الخفيّة العربية لأهداف تشكيل ومبررات وجود هذه الحركة، أدى إلى إعطائها شخصية مستقلة، ميَّزتها عن معظم الحركات العربية التي كانت فاعلة في تلك الفترة. حيث أن حركة القوميين العرب كانت تنادي بضرورة الوحدة العربية كطريق وحيد لتحرير فلسطين. وعندما جاءت فتح، تبنَّت فكرة أن تحرير فلسطين هي طريق الوحدة العربية.
5/1 حركة "فتح" والنظام السياسي الفلسطيني وصنع القرارالفلسطيني
عند ظهور حركة فتح منذ البدايات، كان من أولويات شعاراتها مبدأ "العنف الثوري" حيث اخذت بعين الاعتبار التنوّع المنتمي لصفوفها، فقد ارتكزت مبادئها على أن العنف الثوري هو السبيل الوحيد لتحرير الوطن وهذا العنف يجب أن تُمارسه الجماهيرالشعبية وهدف هذا العنف هو تصفية الهوية الصهيونية بجميع أشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية ويجب أن يبقى العمل الثوري الفلسطيني غيرمُرتبط برقابة أحزاب ودول أيّ كانت، برغم تنويهنا بأن مبرر وجودها كان مرتبطاً بسياسات انظمة عربية عليا، حيث أعلنت بأنها ستحمل مبدأ قرار فلسطيني مستقل بعيداً عن التجاذبات العربية والاقليمية. بهذا فإن الثورة ستكون فلسطينية في الأصل وعربية في تطورها.
إن هزيمة عام 1967 برغم تراكم أنها مأساة جديدة للشعب الفلسطيني تراكمت قبل أن تُنسى آلام النكبة، جعلت من الكلّ الفلسطيني بخاصة فصائله واحزابه الانتباه الى ضرورة إعادة النظر بكل السياسات وبأن خصوصية قضيتهم اصبحت من الأولويات، وهذا عبّرت عنه حركة فتح برغم أنها حركة مستجدة على ساحة النضال الفلسطيني، فأكدت على موقفها الرافض لأنصاف الحلول ومختلف التسويات، و"قد زاد من تصميم فصائل الحركة على إحباط ومُقاومة أي حل سياسي للصراع، وذلك على اعتبار أنّ مثل هذا الحل السياسي سيعني تصفية الكفاح المسلح ومنع الشعب الفلسطيني من الاستمرار في كفاحه حتى يُحرّر كامل التراب الفلسطيني. وكان المنطق الذي استندت إليه حركة "فتح" من أجل تزكية موقفها الرافض لمختلف الحلول السلمية هو أنّ هذه الحلول ستُحطم آمال الشعب الفلسطيني في تحريركامل فلسطين، فالحلول السلمية تتجاهل أنّ القضية هي قضية تحريرالأرض كلها وليست إزالة آثارالعدوان، وتتجاهل كذلك الثورة الفلسطينية كان ذلك ما عبّر عنه الرئيس ياسرعرفات الناطق الرسمي باسم الحركة عبرإذاعة صوت العاصفة( ).
وبناء على أهداف وطموحات الأنظمة التي دعمت تأسيس هذه الحركة، فقد بدأت حركة فتح التخطيط والعمل على استهداف التغلغل لمنظمة التحرير لأجل الهيمنة عليها، وتصبح رأس النضال والتمثيل للشعب الفلسطيني. وقد ابتدأت ذلك ما بعد هزيمة عام 1967 باستثمار تأثير الهزيمة على النُظُم العربية الداعمة أصلاً للمنظمة واستغلال التأثيرات الداخلية الحاصلة على المنظمة، "فبدأت بدفع عناصر من حركة "فتح" داخل اللجان المختلفة، ثمّ عملت على تحريك اللجان نفسها بهدف إظهار ضعف القيادة. وعلى الرغم من أنّ "فتح" لم تكُن التنظيم الوحيد المقاتل على الساحة الفلسطينية، لكنها كانت أسبقها وأكثرها تنظيماً، وكان لها معارك مشهودة كمعركة الكرامة في آذار من العام 1968 وأكسبها ذلك شرعية من خلال الكفاح المسلح الذي تميّزت به مقارنةً بغيرها، وأصبحت حركة "فتح" منذ ذلك العام التنظيم الأهم في منظمة التحرير، واستحوذت على القسم الأكبر من عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة( ).
إن التخطيط والتوجيه والرعاية العليا من الجهات التي تسببت في تأسيس الحركة، أدى الى سيطرة فتح على كافة المؤسسات الأساسية للمنظمة – لاحقاً السلطة - مثل الاذاعة والتلفزيون ودائرة الاحصاء والرقابة العامة وسلطة النقد وكان الأهم هو السيطرة على أجهزة الأمن والشرطة، "بحيث يتشكّل مُعظم كادرها من "فتح"، وخصوصاً من نشيطي الانتفاضة والعائدين من جيش التحرير . كما وتُسيطر حركة "فتح" على الأجهزة التنفيذية والتشريعية وعلى تعيين القضاة، وهي تسيطر على المجلس الوطني الفلسطيني سيطرة تامة، وتجسّد ذلك في الدورة 21 والدورة الاستثنائية لتعديل الميثاق الوطني في نيسان من العام1996 بعد أن تولّى أحد الأعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح رئاسة المجلس خلفاً للشيخ عبد الحميد السائح)شخصية مُستقلة (، وزيادة عضوية المجلس الكلي إلى 730 عضواً مُعظمهم من حركة "فتح" . إضافة إلى كل ذلك فحركة "فتح" تُسيطر بشكل تام على عملية التفاوض مع دولة الاستعمارالاستيطاني الإسرائيلي ولجانها المتعددة وتتولى إدارة العلاقات الفلسطينية مع الدول العربية والأجنبية والمؤسسات الإقليمية والدولية. ويتمتع رئيس السلطة الفلسطينية بصلاحيات واسعة تتعلّق بالتعيينات في أجهزة السلطة، ومن ضمنها الجهار القضائي، ويقوم أيضاً بتعيين كادر الوزارات) من منصب مدير فما فوق (ومسؤولي المؤسسات والهيئات العامة والأجهزة الأمنية المتعدّدة، إضافة إلى تأليفها للحكومة( ).
وبهذا فقد عملت السلطة وعلى رأسها حركة فتح في احتواء وتهميش معظم التنظيمات والحركات السياسية الفلسطينية والمؤسسات الاجتماعية، وبناء على نهجها بأخذ هذا الدّور فقد "عملت على إضعاف بُنى وهياكل مؤسسات عديدة. وعلى الرغم من ذلك، يُمكن الجزم بأنّ التنظيمات السياسية والاجتماعية لا زالت تُشكّل عنصراً هامّا في مكونات المجتمع الفلسطيني بحيث أّنها تستطيع لعب دور رئيسي في رسم خارطة النظام السياسي، ويُمكن التدليل على ذلك من خلال قطاع المنظمات غير الحكومية، حيث يعمل في فلسطين أكثر من 1100 مؤسسة اجتماعية مرخّصة من قِبَل وزارة الداخلية بموجب قانون الجمعيات، وظّفت881 منها في العام 2000 ما يزيد على 10300 موظف متفرّغ، وأنفقت في العام نفسه حوالي 113 مليون دولار( ).
إن الاستئثار الحاصل من قبل حركة فتح في الاشراف على التمويل والحصار المالي للمؤسسات والقوى السياسية فقد تبوأت وسيطرت على " أغلبية مقاعد المجلس الوطني وتسلُم قيادة الحركة لرئاسة المنظمة، كانت "فتح" منذ التحاق الفصائل بالمنظمة في العام 1968 بمثابة السلطة الحاكمة، ومارست القوى الأخرى جدلاً دور المعارضة، وكان النمط الشائع هو خروج قوى المعارضة من المنظمة، وخاصة في المواقف الخلافية الكُبرى، وكان يتم اتهام قيادة "فتح"، التي تقود المنظمة، بالسلطوية والاستحواذ بصناعة القرار خارج الأطرالمؤسسية الفلسطينية، وطليعتها ميثاق المنظمة ذاته أو مُقرّرات المجالس الوطنية المتوالية . وكان لهذا النهج، كما يُشير البعض، تداعياته السلبية على الأداء الديمقراطي داخل المنظمة، حيث أنّ خروج القوى المعارضة يُخلي الساحة لمن تتّهمهم بالسلطوية وعدم صيانة الأهداف الوطنية( ). وبرغم وجود معارضة فلسطينية سواء داخل المنظمة او السلطة، إلا أن دور المعارضة ضعيف وهش جداً بسبب سياسة الخنق المالي الذي تمارسه فتح بقيادتها للمنظمة والسلطة وسيطرتها على التمويل والصندوق القومي الفلسطيني مشروط التمويل، حيث أضحى "يقف وراء عملية صُنع القرار الفلسطيني قوى ضغط أقل اتساعا وتعدّداً من القوى المؤثرة مقارنة بموقف دولة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، فمنذ انطلاقة حركة التحريرالوطني الفلسطيني "فتح" ودخولها في منظمة التحرير الفلسطينية وترؤس ياسرعرفات للجنتها التنفيذية، فإنّ مركز القرار في صُنعه وإنضاجه متمحور في قلب حركة "فتح" التي شكّلت منذ تلك اللحظة مؤثرالإنضاج الكلي في صُنع القرار الفلسطيني( ). وعملت فتح بكل الامتيازات التي تمتلكها على منع اتساع تأثير قوى المعارضة في مؤسسات السلطة والمنظمة وعملت جاهدة على تحطيم أو شرذمة اي قوة سياسية تعمل على الحدّ من سيطرة حركة فتح على مفاصل القرار الفلسطيني.
وبالعودة الى الصلاحيات فإن سيطرة فتح على المؤسسات الأساسية للشعب الفلسطيني أدى الى تلاعبها في الدساتير والقوانين وتثبيت ما يسمح لها من صلاحيات، فاعتمدت قوانين "تمنح اللجنة التنفيذية مسؤولية الاشراف الفعلي على سير المفاوضات في ظل رقابة المجلس الوطني . وقد شهد دور اللجنة التنفيذية الإشرافي تدهوراً ملموساً منذ العام 1993، سواء كان ذلك في عهد الرئيس ياسر عرفات أو الرئيس محمود عباس. كما كان لانتقال اللجنة التنفيذية من تونس إلى فلسطين في العام 1994 أثر بالغ في سيرالمفاوضات، حيث منح دولة الاستعمارالاستيطاني الإسرائيلي أدوات ضغط شخصية مباشرة على أعضاء اللجنة التنفيذية، بمن فيهم رئيسها، ووضعوا قيوداً على حُريتهم في التنقّل من مكان لآخر، وقامت السلطات الإسرائيلية بممارسة التحذير والعقاب على مواقف أو تحركات مُحتملة أو فعلية لهم. كما واختفى الدور الرقابي للمجلس الوطني على اللجنة التنفيذية، ولم يعد للمجلس منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، يُمثّل القوى السياسية الفلسطينية كافة . وبذا، فمع ضعف دوراللجنة التنفيذية وغياب دور المجلس الوطني وغياب المجلس التشريعي، إنحصرالقرار التفاوضي بشكل أكبر من قبل في شخص رئيس اللجنة التنفيذية، ويتم مُمارسة الضغوط الخارجية المكثفة عليه، وخاصة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية( ).
أما حول استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، فقد نَوّّه عضو اللجنة المركزي لحركة فتح محمود العالول(2) بقوله: "نحن رفضنا أن يتم احتواء قرارنا، ودافعنا عن ذلك بالسلاح، حتى نبقى مُلكاً للشعب الفلسطيني. في القضايا الجوهرية لا يمكن لأحد إملاء رأيه أو يدفعنا لإتخاذ موقف لا نريده. بينما الآخرين فالمسألة لها علاقة بالمال والدعم، أحياناً قطر اليوم وغداً إيران الى غير ذلك. أما بخصوص بناء المشروع الوطني على الثوابت الوطنية، فإن الثوابت هي أساسية نناضل لأجلها. لا مخرج إلا بالنضال لأجل هذه الاهداف. نؤمن بتحقيقها يوماً ما، لأن الصراع تاريخي مع الاحتلال."
وإنّ أحد أهم مظاهر الخلل داخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تتعلّق في آلية صُنع القرار واتخاذه، وبالتالي فإنّ ذلك يتيح المجال للشك في الكثير من المواقف والقرارات المتعلّقة في الشأن الفلسطيني على أكثر من صعيد، فاتسمت هذه القرارات إلى حد بعيد بالتفرُّد وفرض رؤية مُحدّدة انعكست بشكل سلبي على مسيرة المنظمة وعلى مُجمل حياة الشعب الفلسطيني وقد أشار إلى هذا الأمر الدكتور جورج حبش، الأمين العام السابق للجبهة الشعبية، واعتبر بأنّ قيادة الرئيس ياسر عرفات اتسمت بالفردية، بحيث لم يكُن الموضوع يتعلّق بتحالف طبقات أو قوى على أساس علمي وواضح، وبالتالي دمّرت القيادة الفردية كل شيء يتعلّق بالثورة الفلسطينية ومنجزاتها.
خاتمة
أحدث انخراط حركة فتح عبر منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام) منذ مباحثات مدريد والاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية 1995-1993) ) تحولا هاما في البنية الفكرية والخطاب السياسي لحركة فتح ومواقفها من الصراع مع إسرائيل بمستوياته المختلفة؛ حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح بقرارات الأمم المتحدة 194 و 242 و 338 ونبذت مبدأ العنف، واعترفت بحق إسرائيل في الوجود دون ضمانات باعترافي اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة في حدود عام 1967 حسب التفاهمات بين الطرفين، في حين بقيت مبادئ الحركة وأهدافها المنصوص عليها في النظام الأساسي للحركة المتبناة منذ نشأة حركة فتح عام1965 والداعية إلى تصفية الكيان الصهيوني وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، واعتبارالكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كما هي دون تغييرأي حبراً على ورق.!
وتشيراستطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بين أعضاء حركة فتح وكوادرها إلى رغبة عالية بإجراء تعديلات على مواد النظام الأساسي المتعلقة بالمبادئ والأهداف والأسلوب، حيث أيده % 74 من أعضاء ومناصري حركة فتح الذين شاركوا في الانتخابات الداخلية" البرايمرز " لاختيار مرشحي الحركة في الانتخابات التشريعية بينما عارض التعديل %24 وأيد إجراء التعديل %64 من كوادر وقيادات حركة فتح الذين شاركوا في مؤتمرات الأقاليم التي جرت في الضفة الغربية العام 2007 فيما عارضه %.33.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير