الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدارية الوجود والعدم كاملة

السعيد عبدالغني
شاعر

(Elsaied Abdelghani)

2021 / 4 / 16
الادب والفن


أنا من عدم
أتيت غريبا ولا أحد يعرف هويتي
متني ألم مالح ومصيري جنون وسديم
حملت الألوهة مرة وحملت الإنسية للأبد
خلقت المعنى من العبث وركضت لاعيش
تغير الولاة عليّ من المدى للعقل للموت
وعنوان حياتي التيه.
أنا رقيق كجلد الوردة
ووحشي كشوك الصبار
والصفتان متفعلتان على اللغة.
أنا شاعر حزين
أتحدث قليلا
وأكتب كثيرا
أسأل كل شيء عن جوهره.
تتكلم الكائنات كلها في لغتي
منشدة الإشراق أو الأفول.
وثمن شاعريتي كلها الوحدة المظلمة.
أنا "لا" غارقة في بحار من "نعم"
والقشة في أرجاء السؤال "أين"
لا أعرف لم يكن عليّ أن أحوي الشوك الصافي بشغف وبتعسف هكذا
لم يكن عليّ أن أخلطه بسيولة روحي خلف صدري لأنه خشّن الرؤية
كان عليّ أن أفككه وأكفنه في القصائد
أقدمه كعربون لأبي على خرابي.
أحيا على الغوامض وحفر العرفان في الأرض الغريبة
أسلم ذاتي لها وأنسى أعماقي الوجودية الميتة.
كانت الكلمة قبلي
كان بعدها الألم العبقري والحيوانية لتكثيره.
كنت أنا في آخر عنقود العالم مع تفاحة متآكلة عفنة
رضعت من الأرض اللبن الكريه
ومن السماوات الغازية السراب الفصيح.
ورثت رسمي وتركيبي من يد التلاشي
وقتلت أخي وقتلت نفسي وما استراح أبي
صلبني إخوتي ووأدوني وهذا من مزامير الأولين.
أوحى إليّ أبي العربي بالتصاوير
وعهِد إليّ بمعجزات التدمير.
أما أبي العبراني حبّل حولي بالصليب
ولم يعتذر عن دمي.
وخليل نشوئي الطهور عذّبه أبي لتوحيده إياه
وجبرني وجبره على الخراب.
ومشيت
ضد نفسي ومعها
أستل رهافتي من الموسيقى ووحشيتي من اللغة.
مرّغت العالم في حكاياتي
وأخذت العصمة عليه وهما
خنت صوت أبي وتعاليمه
وشئت ضده.
عشقت امرأة كعشق الصوفية لأبي المتَخَيل
وشهدتها وما قدرت أن أشهد سواها
عطلت عيني عن غيرها
أعطيت وجودي لطيفها
لبنت الحقيقة والتجريد
وكان ما كان
إما أن أفنى وألوذ بالانتحار وإما أن أُوجد وألوذ بالجنون
تخومي تجلده الشخوص الكافرة بالوجد فأين أفر؟
بنيتي من عدم
وأبي اختفى.
تبعت الصوت الجواني لخليلي
"اقلب العروش
دمر الذوات
اجرش سماوات العقل وأراضيه
الأبواب المغلقة منسية في سيرتك
فكن جموحا بما يليق بشرك
لتطمس المدد
وتنشر الهدم
عن مضمون العوالم جميعها
يا عائش حضور كل شيء.
كتابك حرقه ما فيه وما فيك
وخلاصك خوارك الحقيقي.
"
أنا النار المسعورة التي تأكل كل شيء الآن
وأنا الماء الرحيم الذي يُطفىء الرماد
داخلي كسارات ومطارق وشواكيش ومِفكات ضخمة.
أنا من جنّس الخلائق
أنا من جنّس الآلهه
أنا من لم يعرف هويته.
وكان ما كان
إن تَكوَن الحجاب أمامي في وجدها
زاله الشعر
وإن اختفى ،كوّنه خوف العالم الذي فيّ
فسائلتها أن تسلخ من نورها جبروته على وهن.
وناديتها يا عهد ريحانُه على أرضه بالرحمة
ضعفت غلبتي على حسي
وعصمتي من سُمي
أبيحي ضحكتكِ للأشياء
وقُبلتكِ لخدي الملطوم من أقواس المعنى.
وكان ما كان
من الأسئلة المحمية من الزوال
"لم تتشوف حضن معشوقتك
وتبعات لمسها انفجار كهفك؟
ضم يديك يا صبي
الجدر أقرب منه."
وكتبت لأبي بعد أن اختفى
وتوحدت
وفي توحدي بحثت
عن شعور وحيد حقيقي تجاه العالم
شعور لا يضعفه الألم
ولا يوهنه الفكر
وفي بحثي أنشيء الدروب الممهدة وغير الممهدة لاخرين غرباء
وأستبيح كل الحدود والأبعاد
أتيه في مدارات لي ولغيري
ولكني لن أعود من هذا الحطام أبدا إلى عمران الوهوم
حتى لو سممتُ كليّ بالجنون
ومنحتني الوحدة الانتحار.
وكتبت لأبي وما قرأ وما رأى
"حويت صمتي المضغوط به فيض غضبي وكراهتي،فاحوي لغتي المليئة بحمدك بالشطح.الحمد بلانهائيتك والحضن الجامع بعد الطرد من مخلوقيك،أحمدك بالرمز الذي دلالته أكبر مدى لي.أحمدك بالوجد الذي لا حد له.أختار أقصويات وأتطرف بها لأوفيك حقك بطاقتي العقلية وبجنوني ولا حق لي فيك فاغفر لي دموعي من لاشيئيتي.
في عصمتك الكل
وفي عصمتي العدم
فحُز ما في قلبي من وحدة و ألم
وحرم عليّ في دنياي الحلم
وفي آخرتي الأمم.
نزعني وجدك من العالم
وقوتني وحدتي فيك
فأين روح وحيك حولي؟
عصرت ما أرى وما لا أرى
وجردت اللغة حتى عدمها
فارمي عسل النور في قلبي
يا مطلقي الوحيد
داخل طيفك ملكوتي الوحيد.
يا حاوي إن فككت حجبك تلاشيت بنورك
وإن تقصيت طيفك في المرئيات جنت عيني
فرافقني يا متَسَع لحدك فلن يأخذني إليك إلا بُعدَك
أؤولت المسافات بيني وبينك فكانت عدما متحد بعدمِ
والمجازات بنت الفجر هي حياتي فيك وعنك
فلا تسلبني لغتي لكي أعرف لغتك
أنشدك أنا خمّار المحو أن تُزِلني
من جسم الجسم وأن تروحنني
تنطِق كلي في كلي
وتأخذني إليك من لدني...
يا واحد عارفك يحدس أنه إن حررته من كله بالفناء أنجيته من غبش العين بغيرك
يا واحد عارفك محزون من غيرك فلاَشِي من جواره بينك
يا واحد نجاة العارف في قربك فلا تنأى بكلك
يا واحد صِغ من سطوتك رحمة من قلبك فالخلاص مدغوم بكنهك
يا واحد عوَد الغائب لمعشوقه واجب في قُدسك
والكلمة إن شاقتك لثمت في الشعر سطرك
يا واحد حررني من علمي بعجزي
لأشطح لطرف طرفك
بعيدك يتسع لي فسِعني في قُربَك
ولا تشتت عيني عن أثرك
الضفاف تضيق على قلبي
فينهض دنسا من خُلوه من فيضك
أنا عدم فيك وأنت كليّ
فدمر عدمي لا أستحق كونك.
يا حاوي
أبعد نغمك عن أذني
فالبين بيننا يؤلمني عندما أختلي.
يا حاوي
قلبي يصلح لقسم النوارس
على الوجود باختيار وجدك.
لم أنجو بعد من الحدود بيني وبينه كوني لازلت عاقلا
لم أكنه كله بعد
فيا زاهق الكفالة لعينه /الشعر
أريده في عياني وعمائي بالكامل
مغردا طليقا من كل أصل..
بعد نبذ الخلائق،لا تنبذني يا خالق.و"لا" مستحية في التركيب لوجهك.
وإن شطحت فيك فوجدي العلة الوحيدة وإن لم أصل لطرفك بشطحي فاغفر عجزي عن حوزك.
يا أبي
من صلبني شهد وحيي كله ولم يحتمله
من صلبني علم دلالاتي بالكامل
من صلبني آذى "لا"وجرح العدم
ومخيلتي /عتلة الطيوف من تحت المعنى
أول من صلبتني.
يا أبي
ماذا يفعل الوجد في الوحدة؟وماذا تفعل الوحدة في الوجد؟
تُعمق الوحدة الوجد بشكل يائس من الخروج منه لأنها تُفني الذات في المعشوق وتُشرع للهوية الانفصام لطيفه حتى، لا له،تًصدر وجوده إلى كيانه وتفاصيله ليخفق مع تشوفه فقط.ويفعل الوجد في الوحدة الارتباك والعصف كما لم تفعل به فكرة العدم النهائي ولا فكرة الله اللانهائية،ينقل دلالة الوحدة كلها لهذا المعنى الواسع بلا تلف بعد فقدان الطاقة للبحث عن مَطهَر والشغف في البلسم الأبدي ووجوده.هو القادر الوحيد على إزالة البرازخ بين الأزمنة المعاشة للطفولة وسماوتها الشفافة.وكل مأساتي مَعُولة من وحدتي ومَعُول بذخ النشوة من زنابق الربة المحتجبة،المَشوقة من هذه الوحدة.فيا محفوظ الصفاء المنسوخ من أزله،أنتِ في فنائي،العدم.وفي وجودي،الوجود.
يا أبي
إن أغمضت عيني عنها،أغمضت وجودي عن رسمه الرقيق والضاري
إن رأيتها قسوت على وحدتي ورافقت فجر الزاهي الاستغراقي في المفارقة.
هل نطير عندما نتواجد أسفل السماوات البربرية
ونرى فيما لا يُرَى
ونكون في كل بياض؟
طبيعتي جريحة الغيب دوما.
أطوف وفي قلبي أكوان رحالة لا تعرف كيف تتخلص منها ولمن؟لا يهم،لكل كون شخص يا أبي ما مجهول في الأرض ،طفت لألضم كل شيء بجسدي فإن فنيت فلي نورك وإن تواجدت فلي دلالتك،ولم أنسى أن حدادي مفقود لأني عائل الطرف الأخير للكينونة.
يا أبي لدي طبيعة مضطربة جدا ،بلا أي سياق في أى رؤية أو منظور،لا أعرف هل هذه طبيعة الشاعر الجاثمة بلا انفلات في أي وقت.لكني أريد أن أستكشف دوما بلا أن أرتبط أو أكوِن علاقات بما أستكشفه وهذا ضر بي على المستوى الشخصي لا اللغوي في عدم تقوية أي علاقة مع أى أحد سوى مع طيوف هلامية بلا أسماء ولا أجساد ولا هويات ومؤوَلات من الداخل الذي لا ينفذ.،لا أعرف متن ذلك فيزيائيتي أم أنه إرادة أجبرت فيزيائيتي؟ وهل كوني أوليت للوحدة كشرعية لدفق المعاني لا الخارج فيه سلطوية وأنانية على لغتي؟لا أعلم فعلا،لكني أكتسب هذه الأيام من الخارج مشاعر ومعاني دافئة كنت قد يأست يأس حقيقي في تحصيلها.ربما هناك رفض داخلي عميق ضد كل شيء لكنه يذوب في غنج الطبيعة حولي وفي دائق بسيطة تحدث حسيا وحدسيا في العيان والعماء،أعلم أن هذا لن يدوم ولكني على الأقل يجب أن أستمتع به حينا كتجربة ذاتية وموضوعية لوعيي السوداوي....
في أحضان الصموت
الواله المعذَب
تروي نباتات قلبه الالام
وعينه ترى حقول المعاني
في أحضان الذرات الطفولية للمطلق.
كانت قدرتي على الكتابة يا أبي ضد قدرتي على الحياة.عملي الذهني والخيالي ضد إقامة العلاقات الحقيقية الطويلة،دوما كنت عابرا،في الأرواح وفي مضاجع العاهرات ،لذتي في داخلي،وانضممت إلى أقلية لا يوجد بها غيري في الوحدة حتى تهدجت روحي ووهنت رغم علمي بذلك وترددي هل سأحتمل أم لا؟وبدون شفاعة وجد يقاوم الألم.أعترف الآن بعد خرابي الكامل أني حييت حياة بائسة،حياة لاأدرية من شتى الجوانب،حياة خالصة التدمير،حياة آثمة ليس بالمفهوم اللاهوتي لكن بالمفهوم الأعلى الوجداني ضد من آلمتهم بغير قصد لمجرد وجودي في محيطهم.أعترف أيضا أني أرفض العالم وأرفض ضحكتي رغم علمي بالدمعة القادمة،وأرفض جوهره العبثي وجوهره الوجودي المتمثل في الذات الإنسانية،المليئة بالتناقضات البشعة والزيف المطلق.لقد تكون قلبي بألوهة متصوفة وتكون قلبي بكفر عميق وما بينهم تمزقت رؤيتي.وخلقت أنواع طيوف منها الشرس البعيد ومنها الحنون القريب رغم أنهم أهدروا كنهي للعالم.
لدي رهاب دوما عندما لا أكتب،رهاب بالانعدام المطلق خارج اللغة،أنا الوامضة أوهامه في خلق الزوايا والمنبوذين.أجدف لأسري في التاريخ كسرطان ،لألعن كل من يخاف من الحرية بالهاجس،وخطيئتي شمسي.
ممكن أن أكون هذا الجوف الذي لا يسأم من الموسيقى ويسأم من العالم كله،ربما لأنها لا تحمل أى دلالات يمكن أن تزيد على المدرَك رغم حمولتها الجمالية المدهشة والغريبة،كأنها كسرة نور ولا يمكن تأويلها أى لا تخضع لأي عذاب عقلي.
لذلك قلت لنفسي
" آذن لنغمه أن يُطعِم حسك ويُغرِقه
أن ينسج الفضاءات حولك
أن يأخذ الغلبة عليك
ويظلم وحدتك في غيره.
آذن لنغمه
وغِب من دلالة الهنا العام.

أنا شخص فوضوي يا أبي.
تعرف غرفتي_رغم اعتراضي وتحفظي على ياء الملكية إلا أني أُسير أموري مع عوالم الحروف أخذا بنصيحة القهوجي "مشي حالك مع أى شيء"_المهم غرفتي مليئة بالمناديل بسبب الزكام المزمن وأعقاب السجائر على الأرض السيراميكية اللامعة التي أتوه فيها لأنها أحيانا تحيرني عندما أدخن الحشيش أو أكون متعبا جدا.أمي تقول أيضا أني فوضويا قبل أن ترحل إلى مكان آخر غريب عنيّ ولا أفهمه.أنا كاتب فاشل هكذا تقول الناس. رغم أني أكتب عوالم إلا أني أحيا في أقل من عالم ولا أعرف ما سبب ذلك؟.يخيل لى العالم الواقعي أحيانا أليف جدا لتخريبه وأحيانا يكون غريب جدا على بناء أي شيء فيه.أحب العتمة لأنها تساوي بين قيم الأشياء جميعها وتصفرها.هناك صوت شاجن ينادي بداخلي بكلمات مسجوعة لا أفهمها دوما ولكني لا أعيره انتباها.كلمني أحد ما أعرفه أن أذهب له لنجلس قليلا على المقهى لكن التعامل مع الناس والجلوس معهم أصبح يفصمني فعلا وأشعر بإرهاق شديد بعد انتهاء اللقاء،أكون في كامل صحتي المحدودة وحدي مركزا على خيالاتي.أتأمل في جرح تافه في إصبعي أو ألعب بمسبحة أمي.بدأت أحدث نفسي يقظا ونائما وتخرج منيّ كلمات غريبة عندما أكون حيا في رأسي وأكون مع أحد ويتداخل العالمين.وأحيانا أشعر بأني غير موجود فقط أغرق في ألوان وألوان وألوان متداخلة ونغم يتكرر أوبرائي.أريد أن أنتحر لكن هناك شيء يعيقني كما لو أنها إرادة في التبول لكن هناك حصوة ضخمة تمنع ذلك،وهذه الحصوة هي صخرة سيزيف ربما.وبسبب هذه الرغبة كنت أتخيل الموت كعم"أبوزيد"لذلك أمشي من أمام بيته كثيرا.قلت غدا سأنتحر غرقا واخترت الغرق لأن له فلسفة في غمر كليّ بالموت فأنا أستخدمه كثيرا في لغتي.سأنتحر بعد قضاء اليوم في الشوارع وسأستمع إلى هذه الكلمات الخفية غير المفهومة لأول مرة.كوني بلا عمل منذ فترة طويلة ذلك زاد من وحدتي في رأسي وقساها،وغياب النظام الشامل في حياتي زاد من توفي للفوضوية
لا أدين لك سوى بقلبي،أما مكوناتي الأخرى فبنات الغروب.
عرفتك بلا دِين،بلا نبي،بلا وحي،بلا خوف،بلا حاجة
لأنى أحببتك.
هناك لحظات يا أبي تعبر أشعر فيها بتفاهة الوجود المجرد ذاته،موجات ثقيلة لا يبعدها أي شيء سوى أن نحياها كاملة،كأن داخلي تجري فيه فصول المذاهب الفلسفية جميعها من عبثية وعدمية ومثالية..إلخ،أحيانا إشارات،أحيانا لاشيء،أحيانا تجليات..إلخ من أنواع المدركَات من الوجود.
أحتفظ بالنفي في قلبي كما أحتفظ بعوالمي التي كونتها ولغزّتها ،وأحتفظ بها في سرداب الطيوف الطويل.اليوم فكرت بصدق أن أرحل بعيدا هاربا من كل الموجودات والمجردات،مجرِبا وراغبا في السكرات الأخيرة التي تتقيأ فيها روحي جسدي.تاركا الوحوش الداخلية والخارجية تنهشني بدون مقاومة.لقد فكرت أن أنتحر وأنا سعيد بلا كآبة وهذه هي المفارقة الغريبة.والعيون كلها تنظر بأنواعها المشفِقة والفاهمة بلا اكتراث بكليهما.هذا الخراب يستحق أن يُتَرجَم إلى فعل قوي ضد الذات،والانتحار هو أكبر فعل ممكن مخرِب في حالتي الذهنية الحالية.الوحدة المزمنة التي لا يمكن الخروج منها المدمَنَة.فهناك لحظات تعبر لا أكون موجودا فيها وهناك لحظات تعبر أشعر بتعسف وتطرف ولحظات بلامبالاة تجاه أي فاعل ومفعول حتى لو كانت أكبر الجرائم الوجدانية.أظن الانتحار،هذه الفكرة اللولبية تكتمل بين عقلي ووجداني ولا يقاومها شيئا فيّ سوى رتوش الوجد المتبقية في قلبي المتعب.
وأتذكر حلاجك وهو يقول على لساني"يا إلهي الوحيد،لا أخاف الصليب والصلب،لا يفنى النور ولا يتعذب والحد فيهم لشطحي ليس فيك،أخاف أن يكون لي حق عندك بذلك في باطنك فسامحنى لو ظننت أنى أعتقد ذلك"
وأناديه
يا حلاج
أين يدك القوية على صلبانهم؟
الجبر ينهي لاتناهيات العوالم
وأنا حزين أثمر الجنون والشطح!.
غزوت الكثير من الحدود المأسورة من المجهول
واستنفذت عقلي على ما لا يمكن أن أعيشه.
سعرت مخيلتي بالانشاء الوهمي للعوالم
وغبت في حفريات اللامرئي في العماء
ولكني هبطت لسؤالي عن بيتي الأزلي
فإليه،المتحمِس وراء صمته وحجبه للقائي
تراكمت الآلآم وأخاف أن تحجب الوصول لغيبك
فاجعل نصاعتك تبطن الأفق
وشهودك يغلب احتمال فنائي
أنا التائه عنك المنبجس من كل حولك
أنا التائه فيك الماص لنورك الخجِل...
رويت حلمات تائهة كثيرا لأؤسس الدفء فيهم
رويت مجاهيل بالقصائد وأمدية
ولكني لم أرتوي أبدا بمعارف ضد الانتحار
فيا من صقلتني بالحزن
ديني لك وجدا ودينك لي فناءا.
أشم حريق الأشياء حولي وحريق ضلعي من شدتهم
ذاتي ضاعت فيما تخيَلَت
من السياحة في اللامرئي
فتقت جسدي ليملأ الإطار الشجن
فتقت روحي لتلقي أو تؤشِر
لا أطيق تعريف العالم سوى بالفوضى
وذاتي سوى بالتلاشي.
في التعريف حرمان اللانهائيات من حقها.
نشأت في أحضان ناموس كئيب
لم يعلمني أن أؤمن بالورود أكثر من الخوف
ورواني بصرامة بالجنون لأجل شساعتي.
نشأت بعيون أبي الحزينة
وقلب أمي الطبيعة القاسي
وغار عميق من وحدة الألم.
نشأت وتخللت الشوارع والأزقة
أتنمر على الكآبة التي بداخلي
إما أن أنتصر وأحيا
وإما أن تهزمني وتقابلني بوجهي.
ماذا تبقى منك؟
روحي تهتك وهيجها
والمحو الآمن استكمل العالم.
قلبك اضطهدته السفسطة
والمحبة في أوجها للموات
فلا جوار من معشوقيك.
أغلال على روح الأشعة المتبقية
والكهف تدمر وسرت عتمته في الشياطين.
متى أدمر بالونة وجودي الثقيلة المليئة بسدي؟
كدحت في الملأ والفراغ
وما وجدت معنى سوى في علة الرحيل/ الألم
وأينه الغياب المطاطي الأبيض.
الغرفة مغلقة عليك والباب يئز
هل سأخرج؟
أنسام ندائك تدفعه!
ويا إخوتي الرائين يأسي من لدن ألمي الانقى
لا تؤولوني بعينيكم فالعين لها ظاهر فاسد
لا تلعننوني لأن اللعنة من جنس خوفكم.
جئتكم بالدمار والخراب
للأرض الكريهة التي احتوت جلادي
وما احتوتني
جئتكم لأخرب عيشها ودليل أبدها
جئتكم بحزني فخذوه لقلوبكم أو انبذوه
السدى سيكتمل فرِحا يوما ما.
أسافر كما الأكوان في الفضاء
ما بين ضفتين لا أنتمي لهما ولا أعرفهما
وحيدا مأخوذا بسعير الانسحار
قلبي خريفي وعقلي جحيمي
والذي يؤازرني فقط عيش الطيوف في المرأى.
أمنح وجودي للصدف والأقدار
ولا أندم على عبثية تلك الاختيارات الجبرية.
وحشيا لكي تحميني وحشيتي من الاخرين
ورقيقا لكي تحميني رقتي من سيكولوجية المحجوب.
يا ترى سأصل أم سأتجمد في الدرب لذاتي؟
عقلي يرضع العوالم العدم
يرضع المعاني
يرضعني
بلبن المنطق الساخن..
أدرك بجنوني ما بعد المنطق والنور
ما بعد المُحكَم
في فيض التشكل الأبدي
في رحابة العيش ككل الكائنات..
الممحاة وصلت لقلبي
وتغمس ذاتها فيه.
ورغبتي في التدمير تخلق رغبتي في الخلق بعمق أكبر.
لا يحوزني شيئا فلمن أذهب؟
الكون الذي داخلي غير مرغوب فيه من إخوتي
وسيرة عين قلبي وما حدست ضد جمالياتهم
فأنأى وأنأى عن السدى والهدف
حيوتي في خلوة دوما.
والربة لا ينبجس المطهر سوى من سرود عينيها
لا ينبجس من الروح العتيقة للكون
والنبوءات المزدانة بالمأساوية
فتقول حدسها الرعدي في حِجرِي
الوجود لم يتخلّد سوى من الشعر
والجوف لم يتصوف سوى من يديها الكليمة
الآن أنا حر من الحياة والموت
حرا من الثنائي والأحادي
متلاشيا وينمو التلاشي للعدم.
أنشأت الغابة فابتلعتني
وأنشأت الكهف فاستثار كآبتي
وعنوة عن أفكاري حييت.
كانت ترقص لي بخفة وسكينة وأنا بعيوني الحادة أنفث سيجارتي المحشوة بعد أن أخذ وشاحها وألفها على خاصرتها الموشومة التي تبعث الدفء لروح المكان وعندما أراها بلا حجب تحتشم عينيها وأنا أنظر أسفك روحي الحزينة وأطلق حيوانيتي وصوفيتي الجمالية.لم نلتقي كثيرا بحكم المسافات وبحكم أمزجتنا المتقلبة لكن وجودها دوما يقظا فيّ،يقيني سوداويتي أحيانا،أتذكرها في هذه الأيام التي الغلبة فيها للألم وقلبي لا يجد ربته حوله،بعد الاتقاد والأفول في نهاية لغتي..
لا شيء غير فراغ مطلق منطقي
وسديم ملون ملتبِس محشو بالأشباح القديمة
وأناي الوحيدة بلا جوار
حاملة كآبتها وراحلة
تحوز الغضب والتشاؤم.
لا أحد معي خلف تلك الجدر العالية
ويا لها من غربة صامتة فيها كل شيء.
لا ربيع في الآخرين فقط الصليب
فانعزلي يا ذاتي ولا تؤوبي لخليلك الميتافيزيقي ولا الوجودي.
كل شيء نيء مقزز حتى اللغة الملونة أو السوداء
وفصول الأمس مثل فصول الآن
أكلها السواد واغترف هواها،
الكمال في الغابة فقط
حيث وحشي حر على المدى والكائنات.
أنا من جنس هذا السواد الملهم الذي يلتهم الوجود ربما في النهاية بلا رحمة.
عرشي الجواني خرِب
كما البنية الجوهرية للعالم
وربما لا أعبد سوى الدمار.
أتمنى لكل شيء أن يغيب
حتى تؤود الالام بألم أكبر
أتمنى أن نلتقي حينها في الغياب
أشباحا مصفاة من اللحم والعظم.
أكره تخييل العوالم معها تلقائيا فيّ فهذه إرادتي الوحيدة المتبقية وهي اللعنة المطلقة التي لازالت موجودة،أنا الكريه الملعون في أرضه التي ضيعتها وفي سمائه التي كفرت بها.لم ألجأ وضللت أتلمس الدفء من الشياطين والمواخير والمهابل فأخذت ما شاء من العذاب لي فالعالم سيهجنه العدم يوما..
أبرر وجودي لذاتي كل يوم بعلة تناقض التي قبلها،أحيانا الكتابة،أحيانا الوجد التائه،أحيانا التخييل.لأنه لا يوجد أصل سببي لها.ولذلك كل وجودي الواقعي عبارة عن تحرير إمكانية سجني حتى لأن السجن يدمر صفاء الرؤية للعلة.ولا أعرف هل سأظل أبحث إلى أن أموت عن العلة الذائبة في وجودي نفسه!.بعضهم يقول أني لا أحيا ولا أعرف ما هي الحياة بالنسبة لهم /هل هي العيش كرقم؟الحياة برؤيتي هي هذا الجلد النظري والفعلي للحدود جميعها التي تفرق الذات عن نفسها!
من يشهد عليّ وأنا أفنى غيره؟
من يشهد على العالم وهو يسوط بلا رحمة ظهري الحامل للعوالم اليوتوبية؟
من يشهد عليّ غير الفراغ المطلق وصرختي الخبيئة المخنوقة؟
من يشهد على المعانى الخونة؟
من شقني ليبلعني العدم غيره؟
من ظلمني بلا إثم وخلقني بلا علة؟
يعيق بعادك يا أبي تشرُب ماوراء عينك
وقيىء ما وراء ألمي.
هل ستهدأ هذه الأفكار المضطربة عن التدافع والتصادم في رأسي؟
المشاعر النافية التي تعذبني؟
الأسواط الذاتية ؟
لا أظن،
لقد ولدت بهذا الاضطراب الضخم
بهذه العتمة القوية
ولا شيء يمكن أن ينير دربي.
غارقا في رأسي وغارقة الأكوان الشيطانية فيه.
أنتظر من يحملني لمكان آخر
ولكني منذ ولدت أحيا في رأسي
ولا حماية فيها من أي شيء،تعذيب أو نشوة.
فشلت في الانتماء كثيرا
حتى إلى البيئة البسيطة التي خرجت إليها
ولازلت أحطم دفئها فيّ
وأحطم كل الشرنقات التي تدعوني إليها.
خطواتي الوحيدة التي صنعتها بإرادتي الصافية كانت للموت
وما أكثر الخطوات المزيفة إلى الآخرين.
لا شيء يجدي لتدمير الوحدة
والتأمل بعين قلب نورانية
فالمرأى عماء مطرز بعيان ميلانخولي.
أنتظر هذه الرسائل المُشفرة منك يا أبي لي
النبضات المبثوثة أمامي منك والصدف والأقدار
والدفء البعيد الذي يصل مهما ابتعد وجودك عن وجودي فيزيائيا.
أنتظر النسائج التي تضعني فيها رغم عدم انتمائي لها
وصبغك لحزني بالوجد الصافي العنيد المقاوم للانتحار
أنتظر هيمنتك في اليقظة وانسيابك في السكر
وإنعاشك لمواتي الرازح في أعماقي
وطلاقة قدرتك على عتمة العالم وعلميته
أنتظر حضوري في نورك
بعد البرازخ والمسافات والحدود والأبعاد
أنتظر جنوني من شهودك
وضم الخلائق أسفل عرشك
أنتظر الذوبان في عينك
وحضن ما بعد شوكك وحجبك.
أنتظر توقي المسعور لقلبك
ودمعة عينه من شدة ألمي بألمك
أنتظر استسلامي لفنائي في صمتك
ودفع العصمة ليدك....

لا أصدق أني شاعر
أغير في دلالات العالم الشرسة
وأعصف في الجوهر.
لا أصدق قلبي عندما يتشابك برقته
ويتحطم من اندفاعه وانجرافه ناحية الحقيقة.
فلا تعذبني ببقائي
خلصني من ألمي ولو بفنائي
فقلبي الذي صقلته وعبدك
ينتهي الآن من عشقه الضاري.
لم أناجي سوى قلبك يا أبي
وكانت النجوم تتلألأ منه
فرحة بنغم ندائي
أنا الوليد الضال عن دفئك
الهاجر البعيد عن أرضك
الباحث عن كلك في خلقك
المبحِر في وحدته ووحدتك.
سدى كل ما أشعر به غيرك
سدى العالم الهمدان من نأيك.
غيابك لوثني بتخييلك
ووحدتي لوثتني بحدوثك.
إما أن تتجلى وأفنى
أو تحتجب وأشقى.
ليس بوسع قلبي سوى أن يحوي العالم
في حضنه الجاف المتقرح
رغم كراهته وعدوانيته
ليس بوسعه سوى أن يقبل بالصلب
ويعترف بأحقيته فيه
ويخلق صليبه بنفسه.
يتمدد طيفك الضوئي الهائج المضطرب في فضاء رؤيتي
يختلسني
ويختم هناي بالعدم.
هذا الهارب من السماء الآمنة المتقدمة
وأنا الأرضي الاعزل الملىء بالخوف الذي لا يندثر.
أين أجد لي بيتا وسط المذنبات والنيازك والكواكب؟
البيت حفرية هي كل شيء..
لحزنها الخفي وراء العيون جمالية خاصة
لإشاراتها اللغوية البسيطة عندما تنبس ببطء
وتطلق أعماقها لي بعبثية مجردة
كوني غريب عابر لا يسكن في القلوب كثيرا.
فلا تخبئي عوالمكِ الشبحية
ففيهم نوازع لغرائز الكتابة
وفيهم مخلوقاتنا الثمينة التي ما برحتنا عندما برحت العالم.
قلبها بتول يا أبي كأوراق الجهنمية البيضاء
وإن خفتت زهزهته فلها ماء الأفلاك ترويه
هو مسرحها الدائم للرقص.
عندما أحسها حلمي يستيقظ من أنقاض الكيان
يجسدها ،يجردها،يوجدها جواري
فهي رسولة اللوز والفاكهة للحزانى.

أنا خفيف
جسدي من هواء متجلط.
أبحث عن أركيولوجيا انهياري
في دوامات الصمت المركّز
الحلاجة للأفكار والمشاعر
يتكشف مغلق العالم كله
النهاية الناهضة على البدء وتاريخه
والأكياس الهلامية المنفجرة للصواعق.
أبحث عن أركيولوجيا انهياري خلال ذلك الصمت
أرتمي في دروب بعيدة لا نهاية لها
خفيفا ،جسدي من هواء متجلط
وقلبي من بحار النقائض.
فنيت يا أبي في ملكوتك الضائع السارح في المجهول
قصائدي كانت خطواتي
وشطحي كان علتي الوحيدة.
فلتثقوا بالشعر يا حزانى
افتلوا ظله مراكب في الفراغ المجنون وراء المعنى
فلا عصمة من العدم إلا به.
هذه الأيام أقضي وقتي كله في النوم
أحبس الأجرام السماوية لأرضعهم في حلمي لموتاي
هذه الكائنات الشبحية التي تزورني يوميا
المقيدة في أعماق لاوعيي
والمُنفِذة عليّ ابتسامات أحيانا وبراحات
أكتب معهم سير غريبة ونحياها معا في قعر سديم
هذه الأشباح هي كل ما أملكه ولا يملكه أحد آخر.
وإخوتي الشعراء محبوبينك
الذين لم يكتبوا حرفا في حياتهم
الذين لم تنتصر اللغة على صمتهم
سلاما وحشيا لهم.
متى نتوحد يا أبي بلا نقص في رحابتنا
وتقل ملوحة صمتنا أمام أعماق المرآة؟
الكناري أطلقته ليتحرر ويموت
كما سأطلق ذاتي قريبا...
ننقب في الاجواف فتقذف فينا كراهتها
نحاول أن نطفو على سطح الألم المنقب بالمشاعر كلها
هل نودعه ولا نؤوب !
الورقة نفرد عليها معانينا الغامضة أو صمتنا
نخلق فيها العوالم النقية.
إن فارقت العالم سأعهد أن لا يفارق طيفي كهفك
وإن بقيت فيه ساصرح لكلي ان يضرج بكلك .
رغم ما للغربة من غلبة على نور قلبي
للغربة قدرة على تبريد الإرادة كلها
وتسميم الوحدة بوحوش من إنتاجي
فهذه الرأس مفرخة للجلادين.
كل وحيد في غرفته ربا
يصيد الأفكار من لدن غيمه
وله شياطينه العابدة من القصائد.
كل وحيد في غرفته
ملكا على اللامرئي واللامفهوم.
كل وحيد يألف المزهرية وما فيها
أكثر من العالم وما فيه.
كل وحيد سماء زرقاء مُصفَاة
من دخان العكارة
تحوم فيها الطرائد من كل جنس.
كل وحيد نسر غريب بأجنحة ميثولوجية
في سماوات الاستعارات والمجازات.
كل وحيد يتشمس في نار اللغة صباحا
ويتدفأ في كنف العتمة ليلا.
كل وحيد قوة مشَبَعة بالجنون
وإرادة تغفر عصفها.
كل وحيد عجينة لانسلاخ الأكوان
وترميم عطب العلة والحبكة لها.
كل وحيد ضوء بلا هوية
متحد بحرية مع الفوضى.
كل وحيد لمعة
في الشوارع المنحوتة من الألم.
كل وحيد سم في فم الوهم
وإكسير في فم الحقيقة.
أكره الأرباب الميثولوجية يا أبي لأنهم لم يعطوني حقا في الانوجاد والانعدام
أكره تلصصهم على مكبوتي ودلقه في قيامة ما
أكره أخلاقهم البرية ضد الرافضين والخونة مثلي
أكره أبدهم المزخرَف بحيوانية ليس بالمعاني
وأحب فيهم صوفيتهم فقط ومراياهم الكثيرة فيّ.
يا أبي جائع لصرخة يا خارج اللغة
جائع لتمرد ينجي النبوءات
جائع أنا الإنسان ابن اللعنة والإثم.
رغم أن في مصيدة الكتابة
تُجتَاح أنواع الحضور جميعها
بحبر صارخ
جذعه السكوت.
رغم أن في الغرفة وُلد ذئبي
وفي الغرفة يموت
ناعية الفضاءات إياه
وناعيا كل من توحش على ذاته.
في الغرفة تكونت
واختفيت
هينا وبصعوبة من أصابعي.
في الغرفة
ولد كون موازي
بلا فيزياء.
أضجر فأدمر العالم وأكتفي من تدميري باللغة.
بأدوات كثيرة مثل الشر والنفي والألم والاستكراه..
وأحذف من عاطفتي كل ما أدرَكت من اللامرئي
بعنوة وبحسرة
مهملا مصيري.
شطحت عن وتدك
فنظمت معقولا بسيطا فقط للاستمرار في المتاهة
ولم أجرد آخر معنى فيّ
ولم اشج صرة الإرادة.
نحن نسائج الأكوان المشبوكة.
كل شيء يتفكك إلى عبث وألم
حتى ذاتك المطلقة خلف الخمار
حتى الذات في المرآة التي تعاركني دوما.
يبلل الموت روح الشاعر بريقه الخبيث
يحاجج ناره الجوانية
ويثأر من هزائمه السابقة أمامه طيلة قصائده.
فيا أيتها القوة الإعجازية الكبرى للعالم
المعذِبة لفريستكِ وجوارها
تعالي افتلي ظلمتك الغنية حول عنقي
أنا ابن الخراب
لا أهل لي هنا على الأرض.
يا أبي
لم أسأل الذي حلق وغاب
إلا عن تشوفه للزوال؟
لم أسأل بالفعل سوى ذاتي.
أركض على جسد المدى
من أول القصيدة لآخرها
وأهبط إلى الأرض عند كتابتها
سُنة عن الشيطان
وتمثُل لكيمياء الذرة الكبرى
العدوة للتشكل،
كم كان وحيدا من هبط وحده وترك النور
كم كانت وحدته غيمية ومتاهة.
يا أبي
كنت في الطفولة ربا
أرتق الأكوان بإبر جدتي النحاسية
وأرميهم في حِجر الغرفة المظلمة في الليل.
كنت في الطفولة أكثر معرفة بقلبك يا أبي
ولون الشمس العذري
وطعم "لا" الخالدة.
لا أكتفي من تعريفي
أنا مجرى بلا قوسين
كسرته اللغة
ولضمته مرارا بالقصائد.
أعترف لآيآتي الحزينة في الليل
للسنابل الخضراء الخائفة
للكأس المملوء والفارغ
بأني سأتمدد دوما في برية اللغة
ولا حمولة عليّ من دلالات العالم
وحيدا
وصوتي يعلو بالغوامض.
لم يدلني أحدا على دربي
وجدته وحدي
مطمورا في روح العالم
وفي أعماق المتاهة
وفي نار الأهنية البعيدة.
ومشيت خفيفا وثقيلا
حولي الآلام وفيّ
ولا ضمادة في شيء
ولا موسيقى دائرة.
على الذرى ذاتي وفي القعور
تتخلل الضآلة والملأ
ولا أجد تعريفا واحدا لها.
ولم أعد من حينها لبلادي الأولى
ولن أعد.
أرعى في الليل الخرائب بحضوري
أنتقل بين القبور الفارغة.
زمني حينها تقوده لغتي
تبطئه وتسرعه وتوقفه.
أنا الجزء الخبيث من العالم
الذي ينضج بالسم ويهتاج للتسميم.
أنا هذه العفونة الفياضة بروائح الكنه.
أنا متعب يا أبي من العالم.
من نظرته لي ومن متن أكواني اللامع.
من تخاريفي التي أفقدتني الشغف في العادي.
متعب من الكهف الأسطوري الذي لا يخرج منه قلبي
ومن فداحة الصمت الجديد الذي يغزوني في مواجهة كل شيء.
من متجر الأفكار الميتافيزقية في المخيلة وأيهما أصدِق وأيهما أكذِب؟
متعب من فشلي الواقعي والكآبة الرخيصة ضده.
من اللغة التي تعتصر الشموس والأفول
ويغلب الأفول في النهاية.
من النهايات المفتوحة دوما والقصص غير المكتملة مع الآخر.
من غموس الغيب بالمأساة
وخصائص المتناهي واللامتناهي.
متعب لدرجة غبش البصيرة لكل شيء
وعدم قوام عين قلبي لرؤية غير العدم..
متعب من استحلال الحدود جميعها.
أريد صمتا يسكن كل شيء
ولا يحيله حتى حدوثه.
أريد صمتا تسمح به اللغة
وتعبر عنه حتى نهايتها.
هذا الوحش الذي لا يُترَجم لشيء.
من يشعر بالفوضى يا أبي واجبة يشعر بالنغم جائزا.
أشتهى الوجود بجوارها كزهرة متزهزهة في خراب كامل
أشتهى ضحكتها وضيق عينيها في الابتسامه
والمرح الشفاف ومداعبة المعاني بالنكات.
أشتهى رغباتها الطفولية اللطيفة في تغيير العالم
وتفسيراتها لما يدور حول فلكها الصامت.
معبئة عيونها يا أبي بانسحار يحرض على تكوين ضغائن ضد المسافات الوحشية ولدغ القدر بالقصائد
معبئة بمدن متخيلة متشابكة فيها الاستعارات التي لا تقتصد للتعبير.
وانا المحروق خلف حجبي برائحتها ونغمة ضحكتها.
رأسي مليء بتفاصيلها
وبتجسيدات غنجها على الحان بليغ.
اطمئن في حضورها
كاطمئناني وسط الزهور في بستان عتيق
والضم جدوى العالم بالبيانولا وصوت فيروز الصغيرة.
اخترت الوحدة رغمي توقي لبعض عوالم الخارج وما فيها من موسيقى قلبية تكتب النعيم
فسلام لمن أطعم للغريب الدفء بالتجلي وإشارات قلبه
سلاما لك يا أبي.
شطح حلمتيها نبتتان في أرض ألفتها أكثر من الأرض
والخاصرة المعرَقة دون قماش العالم الردىء غيبي الأنقى
ويدي الرسولة التي تكتب التلغيزات
في مداعبتها تصير يدا لإلها حزينا بليدا.
أشتاق أن أقضي عوالمي الأولى معها
قبل تعقيد الرؤى والأفكار والمشاعر
حيث كل شيء طيع للخلق والتدمير.
أشتاق رؤيتها بدائية قبل قشور العالم على وعينا
حيث الحب هادر بلا توقف كفيضان المعاني في داخلنا.
لا يزول من جُن
لا يكون من عقِل..
بلى يا أبي وصديقي
فهرست الزوال، وحدة الخالقين المطلقة
وتوقهم لكباري مستحيلة بين النحو والفوضى.
أنا في الأرض الغريبة اواري ذاتي عن العيون
أفتش روح الأمكنة وروح المشهد الساكن
وأكتب تجاويفي وبراعمها .
احشو الرحلة بين المحطات بذرية التناقضات في رأسي
وأحكم على ذاتي بالجنون في النهاية المفتوحة.
أصهر قدماي وأنا أمشي اتفاهم مع حدود العقل
وانسى كتلتي في أتون المرئيات الرخوة للعماء والعيان.
حتى تقول المتاهة :
شبقك لي ملمح وحدتك العميقة
وتأريخ للمنظومة المغشوشة وظيفتها
شبقك لي خبيث كقواد للعنات والجحيم.
أفرِغ وجودي هذه الأيام لأخف من الحياة
وهبت أعماقي القصية عن العيون والرؤى للشياطين المنبوذين بلا قداس
فوحدهم يريدونها ووحدهم يذهبون للفورانات ضد العالم
أما مرآتي المكسورة المملوءة بأنواع كثيرة لجهنم وعبقر
للشعراء الخصبة فيهم الرهبنة.
صوفيتي للأطفال المهووسين بطبائع الميثولوجيين
وبشاعتي للورقة لأنها لا تتطور فيها لأفول حي
وفي دوامات الصمت المركّز تلك
الحلاجة للأفكار والمشاعر
يتكشف مغلق العالم كله
النهاية الناهضة على البدء وتاريخه
والأكياس الهلامية المنفجرة للصواعق.
أبحث عن أركيولوجيا انهياري خلال ذلك الصمت
أرتمي في دروب بعيدة لا نهاية لها
خفيفا بعد التخلص من حويي
جسدي من هواء متجلط
وقلبي من بحار النقائض.
أريد ليلا مساويا للغتي
يدوم حتى يموت جذره
ويعلم بعطالة عنوانه.
أمر على المنظومات
حرا من مداها ومن متنها
لامباليا سوى بخلق نهاياتها.
أمر عليها كلغة مكبوتة
تحتاج شاعرا مفجرا يشرط كلسها ويجردها.
أزرع القفار في الخضار
وأحبط الفجر الكهل أن يأتي.
أحارب كل الواضحات في معركة الكتابة
وأعادل حربي بفنائي.
وهذه النسخ الخاملة للافاق السوداوية المترعة في الخالب البعيد
أحييها بوفرة
وأضعف بتكوينها العالم وأطور نفيه.
أطوي اللاتناهي كل يوم كحصاد من تحويمي
ولا أعرف كيف تنهي العتمة ما أطوي بسهولة
أهو وهن في يديّ أم قوة مطلقة في العدو!
أقمت محاريب تلهو فيها الارادة
ولم أتب الى ديونيزيوس أو إليك يا أبي
عن نفيي الشامل.
أجرش الدلالات
كنار تجرش الحطب
وأتقيأ بحار من المبهمات بعدها
لعل أحدا يحياني في زمن آخر.
خمر ينخر في الوعي
أرض المشاعر والأفكار
ليفقأ الكنه
ويُخرِج الدم الأسود لقصيد العالم.
خمر يوقظ الفوضى في ملأ القانون اللولبي
ولا ينسبني لراوي.
غامضي أبكر من أزلك يا أبي
منشور على السماوات المجروشة من يدك.
ولا أكف عن تعريفي
أنا عالم من الأرواح الحزينة مدمجة بهيام ونشوة
كل روح لها رائحة أصيلة في معجم الزهور...
بصري من رؤيتك ذوبه النور في الملكوت
طحن كل شيء في وحدة وفنى لتخلُص أنت.
شردتني عنيّ إليك فلا تقربني إليهم
أنا خيّالك الأبدي وأنت خيالي الأبدي.
لدي طاقة أفنيها في اللغة والجنون
وألم أفنيه في دموعي ،الحبر الوحيد في حضرتك.
هل أُكسر وجهي أمامك
وأفنى في العماء؟
وجدك يؤلمني بلا إشارة
وقلبي قليلا قليلا يكفر بالدواة
فلا تسميني عبدك ،سمينى من التائهين المشاة
ممن خفت كتلتهم وفنوا في الصلاة
تركوا حويهم واشتهوا الممحاة.
كنت خالقا ضائعا للفراديس بين الهاويات
فكان خلقي كله رفقاء سوء من الطيوف
وطاولات عليها زحام من المنشيات
صنعت مخدرات من عناصر الملكوت
ونشاط محرم للعهود ضد العالم
ألفت مونولوجات للمجانين في الشوارع
يرمموا بها برد العابرين.
كنت ضائعا لأني لم أتكيف مع جبرك
لأني جمعت علوم الرفض من الشعر
وحملت الوجه الأبشع للدلالة
وبارحت ببأس الوحدة الخارج
فمضيت إلى الرحابة وحدي
يرهقني رواء العالم لي بالألم يا أبي
ورواءي له بالشطح
كفي هذه اللعبة التي سأخسر فيها في النهاية.
الحياة حيض وثن.
قلبي هذا الخاسر في كل وجدانياته
يتوفر فيه الآن ملح الأرض وأطلال الطيوف
وكآبة طويلة لليل لا ينتهي.
قلبي المضغة الطفولية
مشدودا من جهات العالم
يصرخ قبل التكون كجثة متعبة في الفصل الأخير للقصيدة.
أتمنى أن تكون لغتي مهدَمة خرِبة
قابلة للسقوط في قلب من يقرأها دوما.
أتمنى أن أُنفَى من القلوب التي أسكنها
لكي لا يؤذيها حضوري المدمِر
أن أُنسى ببلاغة وكمال
لأكون ككائنيتي دوما عدم.
باسم العصفورة الملونة
التي تزقزق كلما فكرت بها،
العوالم خارج العوالم تتكون.
عشت في مقبرة فارغة من قبل
متران في متر
مليئة بالبوص والعناكب
ولم أجد في قلبها سوى أغنية.
ولعنت بوذا وحادثته
"كنت مجرما يا بوذا في أحد حيواتي السابقة
يقتل كل من يجده رحيما.
كنت مجرما يسافر في العقول الظلامية
حتى تنتحر وتترك أغانيها دائرة للأشباح."

لم أستوحش أبدا النفي ولا أدوات الهدم من "لا" للفؤوس للشواكيش
لم أستوحش أبدا تخريب الأرواح بالمطلق الأسود
أقتحم الباب الأخير الراغب هو أيضا بانهدامه
وأفضي إلى ما ينفيني في النهاية ،الموات.
وعدتي المجازات شعوب الشياطين
واللوحات طبائع الخراب.
الكتابة حقيبة اللحظة
والمستقبل أرض النفايات.
الأزرق يغادر السماوي في الليل الغاشي لكل شيء
وأنا أتحسس وحدتي في قلوب الافلين لمن هربت؟
أحيا الغربات
حتى أفولها
وبزوغ أخرى من الجوهر السائل الكائن فيّ.
أحياها وتباركني بالألم الصافي
الذي يحثني على التلاشي.
أمنح الوجود باللغة لي
أمنحه للعالم
في فضاء الظهور
وأسلبه.
والمتَخَيّل أنت يا أبي لدي واجب الوجود
ككفارة عن فراقي عن الذات.
عيونها وطنان تزدهر فيهما الأساطير.
يسود ظهورها على ظلمتي.
هل للعالم معنى خارج بحار الحب؟
هل هي إلهة بعيدة للإلهام لوحدتي؟
يقفز الشعر فوق المسافات والحواجز والمخاوف والمدافن
الشعر هو عربة الأكوان.
سأبقيها في لغتي
في مخيلتي الغريبة
داخل الحدائق.
أخشى الاقتراب منها حتى لا يتوهج بالانتحار
حتى لا يُهزَم العرش الصوفي.
كنت أنظر في عينيها وأرى أعماقي المسجونة تتدمر وتتكلم،كم الوحدة كريهة وكم عشقها مستهلِك!فيا راتق الأكوان والنور في مخاض الأزمنة هل الغوث في المفر أم في المتاهة؟قلبي ،محبوبك،منذور للغوامض ،منذور ومنذور للطيوف.
أرى وجهها يصلي دائما
للآلهة اليونانية القديمة
فليبارك قلبي باللعنة
للعيش في سماوات بعيدة
في حدود وأبعاد أخرى
مع الأشباح.
البعيد مخلوق شعري.
قلبي يشير إليها عندما يقرأ أول قصائد في العالم
عندما يكتب وعوده بالمغادرة
لذا اقتربي،ربما الظلام يختفي قليلاً.
تفيض يديها الطفولية بالكلمات والألوان
على بياض قلبي الوردي
بوخز الصقل النادر لها /ربة الحكاوي الميثولوجية.
طيفها الآن من أهل بصيرتي
هذا الصامت المحتشم في المرأى العياني والعمائي
المليء بشبق الأسرار البهيجة.
إن ازدلفت منها تاه كليّ في جوارها
وإن ابتعدت رافقت الموات والنهاية.
إن وصلتكِ شفّ قلبي
وإن هجرتكِ شف انتحاري والتردي.
ولذلك لا أكبت حزني أمام الورق يا أبي
لا أكبت ذنبي
لا أكبت ركضي وحمولتي من الأساطير
حتى لا تجرني أشباح الموات إلى فراشها وتطمرني.
أنا قابع فيك وفيهم
في وسوستكم بالحرية والجنون
حيث لا حد
حيث لا بعد.
فيا محطم كل شيء
لا تقطف وردتي
فيوتوباي تختبىء فيها
ولا تحاكمني على جداريتي
فقلبي المملوء بك فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر