الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخاتمة - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991

دلشاد خدر

2021 / 4 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات





الجزء التاسع والأخير

في تلك الأيام العصيبة التي مررنا بها استطعنا أن نشكل مجاميع مسلحة في المدينة. الأغلبية منهم كانوا من أنصار الحزب (الپێشمەرگه) من الذين بعد عمليات الأنفال المشؤومة كانوا قد سلموا أنفسهم الى النظام لكنهم لم ينقطعوا عن الحزب. بعض من هؤلاء كانوا أصلاً من مسلحي النظام وهم أصدقاء لحزبنا.
وبالرغم من أن النظام قد أعلن منع التجوال يوم 10 آذار في مدينة أربيل إلا أن الناس في المدينة وخصوصاً في الأحياء والأزقة الشعبية بشكل عام كانوا غير مكترثين لهذا القرار.. وخرجوا للشوارع دون أن يعيروا أهمية ما لوجود النظام بالمرة..
كانوا يستمعون الى إذاعة الثورة بالعلن التي كانت تذيع الأخبار لحظة بلحظة.. مثل أخبار عن هجوم الجماهير على معاقل وأجهزة النظام داخل المدن. في ذلك اليوم ونحن في المستشفى العسكري توجهنا أنا وكاك فرهاد حسن الى منزلهم ونحن جالسون هناك سمعنا من إذاعة الثورة خبر تحرير مدينة شقلاوة.

بعد الظهر وفي مدينة أربيل.. كسر الغالبية العظمى من الناس.. حاجز الخوف وكسروا أيضاً قرار منع التجول.. بدأوا يخرجون من بيوتهم أفواجاً. في ذلك المساء وأنا مع الرفيق سرود قمنا بزيارة الرفاق في منطقة شورش.. أخبرناهم بأنه غداً سوف يكون يوم تحرير مدينة أربيل.
هناك الكثيرون منهم سبق وأن أبلغوا بنفس الخبر. الأغلبية من الرفاق كانوا على علم بهذا الأمر بأننا من بعد تحرير مدينة أربيل سوف نجعل من بناية نقابة العمال مقراً رئيسياً لنا. وإذا لم يستطع الشعب تحرير المدينة، بسبب الخوف والرهبة التي عششت في عقول الناس من جراء الإرهاب والقمع.. سنواصل العمل لإرسال رسالة للاستعداد للخلاص في الأيام القادمة..
وهذا ما حدث.. تمكنا من أن كسر حاجز الخوف والتردد في نفوس الناس.. وفي نفس الوقت أوصلنا رسالة واضحة إليهم.. مفادها أن في المدينة قوى مسلحة وحيّة فاعلة موجودة تابعة للتنظيمات السياسية المناهضة للنظام داخل المدينة.. ومؤكد عند الحاجة سوف يكونون مستعدين لقيادتهم والدفاع عنهم عند الضرورة وفقاً لمتطلبات الموقف والمتغيرات في موازين القوى.
وفي نفس الوقت كانت هذه رسالة واضحة وعلنية للسلطة ورموزها وأزلامها ومرتزقتها.. بأنهم في هذه المدينة دون شك سيواجهون قوة منظمة مسلحة مستعدة عند الحاجة لحسم الموقف ومواجهتهم ومطاردتهم، وهدم قواعدهم ومقراتهم على رؤوسهم.
إن فاعلية هذه المواقف الجريئة شكلت انعطافه مهمة رفعت من معنويات الجماهير المنتفضة ومدتهم بالعزيمة والاندفاع.. وهذا كان العامل الجوهري للإصرار والتحدي بالرغم من الوجود الكثيف للقوات الأمنية وقوات الفيلق الخامس والمنظومة الشمالية ومجموعة من الأجهزة الأمنية ومئات من المفارز الخاصة.. إلا أن كل هذه لم تستطع أن تصمد أمام غضب الجماهير المنتفضة.. وفي خلال ساعات معدودة استطاعت الجماهير الغاضبة أن تحسم المر وتحرر المدينة بالكامل. من أي مشهد من مشاهد حضور السلطة والنظام القمعي الذي انهارت مؤسساته وانسحبت من المدينة في لمح البصر..

انتفاضة 6 آذار1991.. هي محطة بارزة في نضال الشيوعين في مدينة أربيل.. وبفضلها استعادت الجماهير ثقتها بنفسها.. وبقدرتها على مواجهة النظام البعثي.. والجزء الأكبر منها يرجع الى شجاعة الشيوعين وتأثيرهم على محيطهم قبل وقوع الانتفاضة العظيمة بأيام.
الآن يجب على الحزب الشيوعي أن يسأل نفسه!
ـ أين هو الآن؟
ـ وأين أصبح دوره؟
ـ وأين يقف الشيوعيون.. في خضم هذه التوازنات والأحداث المتسارعة التي يمر بها إقليم كوردستان ومدينة أربيل بشكل خاص باعتبارها عاصمة للإقليم..
منذ مدة نسمع هنا وهناك بأن أشخاص وعناصر من داخل الحزب.. ولأجل الحفاظ على مصالحهم الخاصة ولحصولهم المبطن على الامتيازات الشخصية.. أوصلوا الحزب الى قاب قوسين.. والى حالة من الشرذمة والتشتت والتراجع عن اداه دوره في الدفاع عن مصالح الكادحين ومواجهة الفساد في كردستان..
لحد أصبح أعضاء الحزب يعانون من اوضاع نفسية ويشعرون بالخجل واللا انتماء.. واستهداف المناضلين الحقيقيين وابعادهم.. بهدف عزل المخلصين منهم.. لكيلا يتمكنوا من إبراز امكانياتهم الفكرية والنضالية..
وتقليص قاعدتهم الجماهيرية وتقليل فاعليتهم بين الجماهير.. وهذا بحد ذاته شكل اخفاق وانكسار وانحصار للقيم الثورية والانسانية التي غرسها الحزب في نفوس أعضائه ومؤازريه طيلة أعوام نضاله جيلا بعد جيل..
والآن أوصلته هذه القيادة المهيمنة عليه منذ سنوات الى مستويات أدنى من العزلة الجماهيرية والانزواء خلف المكاتب البيروقراطية العاجزة عن استيعاب متطلبات المرحلة وإعادة بناء الحزب لينهض بدوره الفاعل في التغيير وشلت قدراته ولم تقدم أي انجاز حقيقي كما لم تطرح اية برامج او خطط عملية لمعالجة أوضاعه وانتشاله من المأزق الذي قادته اليه وربطت مصيره بمصير الفئات الانتهازية في سلطة وحكومة الإقليم الفاسدة لليوم.
هذا الحزب.. حزبنا الشيوعي.. الذي كان يحكى عنه بأنه خالق الملاحم الثورية والأساطير التي سطعها الالاف من مناضلين فيه وكوكبة من شهداءه الابرار على مر الأجيال.. وحين يسمع الجيل الجديد عن تلك الملاحم يصاب بالاندهاش وتصعقه الصدمة.. ويكاد لا يصدق شيئاً مما قيل ويقال عن نضاله ومآثره الخالدة..
ذلك الحزب الذي كان له تأثير كبير وعميق ودور فاعل في تغيير الأحداث!
الآن وبأسف نفتقد لهذا الدور.
الآن نجد العديد من أعضاء الحزب والقدماء منهم خاصة يشيرون لتلك الأحداث ويتحدثون عنها بخجل واضح كأنها ليست من ماضي نضالهم المشرف الذي يرفع الرؤوس.
سلاماً لأولئك الشجعان أولئك الذين واجهوا جبروت نظام صدام بصدور عارية مفتوحة.. كما واجهوا نيران مرتزقة النظام الفاشي دون خوف.. وكانوا دوماً في الخطوط الأمامية عند المحن.. حين كان شعبهم بحاجة إليهم..
كانوا هناك في تلك الساحات والشوارع والأزقة المنتفضة من أجل الحرية والكرامة الإنسانية..

وشكراً لجميع الأخوة والأخوات الذين ساهموا عن طريق تعليقاتهم القيمة وإضافاتهم من إثراء محتوى كتابتي المتواضعة هذه.
أتمنى أن تكون هذه الكتابة البسيطة دافعاً وعاملاً محفزاً للأخرين من رفاقنا.. لكي يتمكنوا كل من جانبهم أن يضيفوا ولو بشيء بسيط مما رأيته وعايشه في أيام الانتفاضة.. انتفاضة 6 آذارفي أربيل..
وهذه الاسطر ما هي الا فقط لإبراز الحقائق وتوصيلها بصدق للأجيال القادمة.. لكي لايرى الناس الحزب الشيوعي بأعين الحاضر.. ويطلعوا على ماض ليس بعيد وتاريخ مشرق كما كان.
أنا من طرفي وبعد أن شجعت وحفزت من قبل مجموعة من الرفاق.. بدأت بكتابة هذه الذكريات.. وفي هذه السطور القليلة المتواضعة.. حاولت أن أشير الى مشاهداتي ودور كل مناضل في تلك المرحلة، وما عشناه في الواقع على الأرض..
وما مر من تجارب في خضم تلك الأحداث بسرعة البرق.. التي تكاد ان تكون الآن في طي النسيان. لهذا أتمنى أنْ لا أكون سبباً لأوجاع قلوب رفاقي وأحبتي وسبباً لخدش مشاعر أحد منهم.. كما لا أكون سبباً لإهمال أو نسيان أحد منهم لأني اكتب معتمدا على الذاكرة.. وأعتذر من النقصان والزيادة غير المبررة فيما سجلته من تجربة عن تلك الأيام الخالدة.
الآن وبعد قراءتي الجادة لجميع التعليقات التي جاءتني من رفاقنا وأصدقائنا أصبحت على يقين وأقول بالمطلق بأن جميع التحضيرات والاستعدادات والاجتماعات التي تمت في 2 آذار في منزل الرفيق صلاح مه زن استثمرت بشكل جيد وأثمرت وأنتجت انتفاضة 6 آذار التي بسببها استعادت الجماهير فيها ثقتها بنفسها وبقدرتها على المواجهة وتمكنت من تغيير موازين القوى لصالح الشعب.. ثم فسح المجال وتعبيد الطريق للانتفاضة المجيدة الشاملة.. في 10 آذار حاملة معها بشائر لبزوغ فجر الحرية والتحرر والإستقلال الموعود..

يا لها من حرية واستقلال ...!!
إن هذه المذكراتْ قَد تَم نَشرها لأول مَرة في صَفحات شَبكة التواصل الإجتماعي لكاتبها ( هاورێ دلشاد) باللغة الكوردية.. وتسعة أجزاء تحكي قصة المناضلين الشيوعيين وأصدقاء الحزب الشيوعي والأشخاص الذين ساهموا وعبدوا الطريق وقاموا بالتحضير والتهيئة لإشعال الشرارة الأولى للانتفاضة الاولى المجيدة في 6 آذار 1991.. لجص نبض قدرات السلطة البعثية وأجهزتها القمعية وكانت اختباراً ساهم بشكل مباشر في تغيير النتيجة وقلب من الموازين لصالح الشعب في الانتفاضة الكبرى يوم 11 آذار 1991.
هذه اليوميات سجلت من قبل احد قادة الانتفاضة ـ دلشاد خضر
تُرجِمَت الى العَربية من قبل ـ شيروان عبد الله شمديني ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة