الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من علوم الإمام أبي العزائم | 32 | حِكَم الصيام

عدنان إبراهيم

2021 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحكمة الأولى : وتشمل حكمة صحية، وحكمة اجتماعية، وحكمة شرعية.

1- حكمة الصيام الصحية :
معلوم أن المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأن أكثر الأمراض سببه المعدة، ولذلك فإن الطبيب يأمر المريض بترك الأكل والشرب في كل الأمراض، والخلاق العظيم أرحم بخلقه وذمن أنفسهم، ومن رحمته بهم أمرهم بترك الأكل والشراب وملامسة النساء نهارا في رمضان، لتقوى المعدة وتصح الجوارح ويتوفر الدم، رحمة بهم وعناية منه سبحانه، وقبل منهم هذا العمل عبادة له سبحانه ووعدهم عليه بالنعيم المقيم، فسبحان من أمرنا بما هو خير - لنا وهو الغني عنا وعن أعمالنا- وأثابنا عليه بالجنة، وعبد يكرمه مولاه فيأمره بما هو صحة وعافية وخير، ثم يتفضل فيعطيه الجنة جزاء للعبد على ما هو نفع له، والعبد اللئيم يظلم نفسه فيخالف ربه فيقع في بلايا الأمراض في الدنيا وشديد العذاب يوم القيامة، أسأله سبحانه أن يعلمنا حكمة العبادة ويعيننا عليها حتى نسعد في الدنيا والآخرة.
بينت حكمة الصيام الصحية ليعلم الصائم أنه إنما يصوم لصحته وعافيته ولأن كل عضو من أعضاء الجسم يستريح عند النوم إلا المعدة والقلب فجعل الله الصيام راحة للقلب وراحة للمعدة لأن الصائم لا يحتاج إلى حركة تجهد المعدة للهضم, ولا يتولد دم غليظ من كثرة الأكل يتعب القلب.

2- حكمة الصيام الاجتماعية :
معلوم أن الإنسان لا يمكنه أن يقوم بنفسه بجميع لوازمها كالحيوانات التي لا يحتاج فرد من أنواعها إلى مساعدة غيره في جميع لوازمه، فالإنسان الواحد يحتاج إلى كثير من الأناسى والحيوانات والآلات البخارية والكهربائية في نيل ما لابد له منه قال سبحانه (وتعاونوا على البر والتقوى...) إذا تقرر ذلك فالصيام يكسب قلب الأغنياء رحمة بالفقراء، وقلب الرؤساء عطفا على العمال، وقلب الملوك شفقة بالرعية فيصبح المجتمع كما قال سبحانه وتعالى:(رحماء بينهم)، وغني لم يذق ألم الجوع والعطش كيف يرحم الفقراء؟ ورئيس لم يحس بفقد مشتهياته خضوعا لسلطان الشريعة كيف يحسن إلى من ولاهم عمله؟! وملك لا يجاهد نفسه بالصيام كيف يعدل في رعيته ويمنح الأمة الحرية والمساواة؟.
فالصيام هو العمل الذي يزكي النفس ويهذبها، ويجعل الإنسان يحس بأنه عبد مقهور لقهار قادر وعابد لمعبود قوى، لا فرق بين الغني والفقير عنده والملك والمملوك لديه. فإذا نحن تركنا الصيام انقلبت النفس الإنسانية فصارت نفسا إبليسية أو وحشية، فأفسدت المجتمع بقدر ما تطيقة من تنفيذ أغراضها لنيل شهواتها. فالمسلم تارك الصيام شر على الأمة، شر على الوطن، شر على أسرته وعلى نفسه.
وأمة ترى مسلما يفطر رمضان ولا تقوم في وجهه مشنعة عليه ليرتدع، فتحت على نفسها أبواب غضب الله تعالى، لأن المفطر في رمضان دون عذر شرعي أغضب ربه سبحانه بمخالفة أمره ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)بترك التشبه به- ورجل يغضب ربه كيف يرضي والديه أو قومه؟ ولعل الذين بحوا حناجرهم بقولهم يحيا الوطن وهم يحاربون الشريعة ويعقون الوالدين ويقطعون الأرحام- ظهرت لهم نتيجة أعمالهم بتسليط الأعداء عليهم، ولو عملوا بأوامر دينهم وبوصايا نبيهم لجمعهم سبحانه على الحق، وأعزهم وأذل أعداءهم... قال سبحانه (وما النصر إلا من عند الله)
فالصيام عمل يكسب الصائم رحمة وعزة واستجابة للدعاء، وبذلك يسعد المجتمع وتتحد الكلمة, وتصبح الأمة كالأسرة يكون رئيسها والدا عطوفا رحيما واثقا ببنيه, وتكون الأمة أبناء بررة واثقين بوالدهم, وتلك النتائج مقدماتها القيام بأحكام الشرع الحنيف.

3- حكمة الصيام الشرعية :
معلوم شرعا أن الإنسان هو المخلوق الوسط بين عالم الأرواح المجردة وعالم الحيوان، وهو خليفة ربه في الأرض منحه ما به يسخر كل الأنواع التي تحيط به فهى مخلوقة له، لا فرق بين ما في السموات من الأفلاك والأملاك والجنة وغيرها، وما في الأرض من الجمادات والنبات والمعادن والحيوانات، وما في الأجواء من الهواء والأمطار والسحب.. فالإنسان في الحقيقة ونفس الأمر له كل شيء، لأنه سبحانه خلق الأشياء وهو غني عنها، ومن نظر بعقله في العالم أعلاه وأسفله يظهر له أنه خلق لنفع الإنسان، وبقدر ما يناله الإنسان من العلم تكون له القدرة على تسخير جميع الكائنات، فقد يبلغ الإنسان بعقله أن يقهر كل شيء لينتفع به، وقد يبلغ بتزكية نفسه مقاما تخدمه الملائكة، ولو علم الإنسان نفسه علما مؤيدا بنور الكشف لتضاءلت في عينه أكمل مراتب الدنيا، واضمحل في نظره كل خير فيها وفر بهمة لنيل كماله الروحاني ليفوز بالخير الحقيقي في جوار الأطهار حيث البقاء في مسرات الحياة، وصفاء العيشة، آنسه روحه بما يجانسها من عالم الطهر، وعقله بما يشاكله من جمال الآيات، وجسمه بما يطيب به من ملذات ومسرات، من غير شوب عناء أو جهاد ولا كدر انقطاع وزوال.
الصيام: اقتضته حكمة إيجاد الإنسان ممتعا بكل الحقائق، ومعلوم أن شكر النعمة متعين على كل منعم عليه, فعرض الله تعالى الصيام لنشكره سبحانه على نعمته علينا بتسخيره ما في السموات لنا من الأفلاك والأملاك والآيات والأسرار، وتسخير السحاب وتصريف الرياح، ولما كانت الملائكة التي سخرها الله لنا أرواحا مجردة لا تأكل ولا تشرب ولا تلامس النساء، تقوم لنا بما لا غنى لنا عنه، وكذلك الأفلاك، لزمنا أن نتقرب إلى الله المنعم المتفضل علينا بترك الأكل والشرب عبادة له سبحانه، فإننا نشكره على تسخير ملائكته وأفلاكه لنا وهي أول حكمة من حكم الصيام.

الحكمة الثانية: أن الصائم يتحقق أنه عبد مملوك لله بطبعه، إذا أمره بترك ضرورياته لأن العبد لا يتصرف ولا في نفسه إلا بأمر سيده وفى ذلك من السعادة للعبد التي من أجلها رضوان سيده عنه، وإسباغ إحسانه عليه، مما لا يمكن للأرواح أن تشهده وهي في عالم الأشباح.

الحكمة الثالثة: أن الصائم أشبه الملائكة، فتكون لروحه ملكوتية تقتبس فيها نفسه قبسا نورانيا ملكوتيا تجمل به العقل والحس والجسم، فيلحظ الصائم أنوارا من الحكمة العلية وأسرارا من الآيات المنبلجة في نفسه وفى الآفاق، فيميل بكليته إلى الفضائل التي تجعله قريبا من ربه، متخلقا بأخلاقه، متصفا بصفاته من الرحمة والعطف والحنان، والإحسان والعلم والعرفان, مسارعا إلى نيل كماله الروحاني، لينفع نفسه وأهل عصره بما يناله من هذا الخير.

الحكمة الرابعة: أن الصائم يشعر من نفسه أنه تشبه بأفضل الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام، فيكون له من الفرح والبهجة وعلو الهمة ما يجعله يكره المعاصي ويتباعد عن ضرر الخلق، ويحسن إلى من أساء إليه وبذلك يعيش عزيزا في الدنيا آنسا بمعية الأخيار يوم القيامة.

الحكمة الخامسة: هي أن الصائم بإمساكه عن لوازم الحيوانية، يقل نومه وينشط لعمارة الأوقات بالعبادة وتحصيل العلم، وتلاوة القرآن، وتزهد نفسه في شهوات الحيوانات، وملاذ البشرية ومقتضيات الابليسية، حتى يكون في نومه مشاهدا لما تقتبسه روحه من العالم الأعلى، وفى يقظته مراقبا ربه، وبذلك تنكشف له غيوب بما يرد على قلبه من الروح لصفائها وراحتها من عناء تدبير الجسم الشهواني، فيكون الجسم مجانسا للروح، وفى هذا المقام يكون الإنسان أفضل من الملائكة، لأنه مجاهد، والملائكة مفطورون على الخير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. (1)


دعاء اليوم الرابع
ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث فأغثني، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إلـه إلا أنت بيدك ملكوت كل شيء وأنت على كل شيء قديرٌ، أسألك ياإلـهي أن تعرفني نفسي معرفة تجعلني متحققا بكمال الاضطرار لجنابك العلي، والفقر إليك سبحانك، مشاهدا مننك- سبحانك وتعاليت- علي في كل لحظاتي وأنفاسي وحركاتي وسكناتي، وفضلك العظيم الذي تفضلت به علي في نفسي وأعنتني به في آفاقي، حتى أكون دائم الذكر والشكر لحضرتك العلية بتوفيقك ومعونتك سبحانك.
إلـهي إلـهي، هب لي يقينا حقا تنبلج لي به أنوارك، وتظهر لي به آياتك سبحانك في سمواتك وأرضك، حتى أنظر ما في السموات وما في الأرض من أسرار حكمتك، وعجائب قدرتك، فأكون ربانيا.
إلـهي إلـهي، أسألك أن تشرح بنعماك صدري، وتيسر ياإلـهي بإحسانك أمري، وتهب لي ما يعينني على عمل ما تحب من البر والصلة وتحقيق رجاء الراجين ومساعدة المعوزين.
إلـهي إلـهي، إني عبدٌ كبرت سني، وضعفت قوتي، وتحققت عيلتي، وكثرت عائلتي، فتولني ياولي المؤمنين بسابغ نعمائك، وجميل آلائك، وسريع إجابتك، ولطيف إغاثتك، وواسع رحمتك، حتى تكون ياإلـهي أقرب إلي من نفسي التي بين جنبي، واجعل فضلك العظيم معينا لي على كمال حبي لحضرتك، وشكري لنعماك، وذكري لك ياقريب يامجيب.
إلـهي إلـهي إلـهي، إن أعدى عدوي نفسي التي بين جنبي، فطهرها ياإلـهي وزكها من لقسها، وأعذني بوجهك الكريم من شرها.
إلـهي إلـهي، أعذني ياحفيظ ياسلام بجمالك من جلالك، وبرضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك.
إلـهي إلـهي إلـهي، إني لا حول لي ولا قوة على دفع شرور أعدائي، وأنت الدافع القوي فادفعهم عني ياإلـهي بما شئت وكيف شئت، إنك على ما تشاء قديرٌ، وأكرمني ياإلـهي بآيات إكرامك التي أكرمت بها صفوة عبادك المكرمين.
إلـهي إلـهي إلـهي، أعذني ياهادي ياموفق يافتاح ياعليم من المعصية وأسبابها، ومن البدع المضلة وموجباتها، ومن الفتن التي كقطع الليل المظلم ومن الوقوع فيها.
إلـهي إلـهي إلـهي، إني أعوذ بوجهك الكريم من فتنة تعمي ومن كل بلاء، ياحفيظ ياسلام حصني بحصونك، وآوني إليك، واكنفني بحرزك، واجعلني بأعينك، وأرح بدني من كل عناء، وفرغ قلبي من كل شغل يشغلني عنك حتى أفرغ بكلي لحضرتك العلية.
إلـهي إلـهي إلـهي، اصحبني في سفري وفي حضري، وحلي وترحالي، وأشهدني الجمال حيث كنت، وأسمعني الخير حيث كنت، حتى لا أرى في ديني ونفسي وأهلي وإخواني وأولادي ودينهم ودنياهم إلا خيرا وجمالا، أستغفرك ياإلـهي من خطاياي وكبائري، ظاهرها وباطنها، خطئها وعمدها، وأتوب إليك فاقبل توبتي، وأقل عثرتي، وأذهب حزني، وكن لي، لا إلـه إلا أنت الشافي فاشفني واشف مرضى المسلمين يارب العالمين، شفاء لا يغادر سقما، أنت مغيث من استغاث، وعائذ من استعاذ، وملاذ من لاذ، فيسر لي ولإخواني جميعا كل خير إنك مجيب الدعاء.
(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك نجي المؤمنين) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . (2)

__________________________________________
(1) صيام أهل المدينة المنورة الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
(2) أدعية الغفران في شهر القرآن للإمام أبي العزائم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 12345


.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo