الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يرسم الشاعر التونسي القدير جلال باباي بالكلمات..ويختصر المسافات بينه وبين القصيدة

محمد المحسن
كاتب

2021 / 4 / 17
الادب والفن


يزخر النص الأدبي بعناصر لغوية وفكرية وخيالية،تسهم مجتمعةً في تشكيل بنائه الفني والذي يتمخض عن رؤيا شعرية،لذا لابد من البحث فيها جميعاً إذا ما أردنا مقاربة ما تنطوي عليه هذه التجربة.
والقصيدة عمل فني،مادته اللغة توظف فيه على نحو متميز،لذا علينا أن نولي اهتماماً خاصاً للوحدة اللغوية للعمل الشعري،من المعجم اللغوي،والتركيب،والنحو،والتصوير وما إلى ذلك.
وهذا ما سنحاول فعله عبر مقاربة لاحقة مع قصيدة (ثلاثون حكاية من مدينة القلب) للشاعر التونسي القدير جلال باباي والتي يقول فيها:

"ثلاثون حكاية من مدينة القلب "

مللت الكتابة عن "كورونا"
ساحرق رائحتها
بوقود تقواي هذا الشهر
تلك طيور مهاجرة
تحلق تحت سمائنا
ذات غروب أوٌل
ثمٌة وطن جديد
يتوالد مع كلٌ مَغرِب
بؤساء المدينة
ينتظرون هلال الشهر
حتى يستجمعوا
بريد أحلامهم الباقية
لا ينتظرون شفقة الميسورين
هي عناقيد ضوء تنساب
مع آذان الصٌبح
فجر مخاتل
ينبجس بين ليلة تشبه الرماد
وقمر دموي يجري
في مفاصل الطريق وضفاف الطين
يطلع من بين الرماد
ألف زهرة وزهرة،
هي براءة مطر أفريل
تغازل سنابل الربيع القصيرة
في كل حين
تهمس لي أمٌي بصوت
الملائكة
حكايات رمضان
أقرب إلى عناق الروح
كانت تتسارع تلك النبضات
إلى شرفة الوجد،
عبير ناره هذا الشوق كان يلفحني،
مللت الكتابة عن "كورونا"
أتوق للحظة عناق،تطفئ ظمأ الحجرِ،
مريرة جذوة حب وتنهيدة عشق،
يعتري القلب انين
أرغب في اغتراف لمسة.من يديك،
بها الروح تستكين،
تحترق أوهام ويبقى حبك
وحده يقين،
تلبسني جذوة اللقاء
ينتعش الصٌدر الصٌدأ
ويصير الجسد أفيون.

جلال باباي (ذات رمضان2021)
رغم الجدل المستمر حول قصيدة النثر،كصورة من صور الابداع الادبي،فإن تأثيرها المميز في المشهد الثقافي،لا يمكن تجاهله ولا يمكن للشعر إلا ان يكون روح عصره صحيح أن الشعر يتحدث عن نفسه،ولكن،وراء بوحه شخص يكتب في إطار تجربة ما.يريد ان يتواصل عبر ما يقول،مع متلق يقصده.لذا لا يمكن لنا ألا نخلط بين الشاعر وشعره ومقاصده.
وهنا أقول وأرجو أن لا أجانب الصواب:
مشكلة فهم النصوص الادبية أشد تعقيدا مما نعتقد. فالعوائق الخارجية في الفهم،تتمها معوقات داخلية كثيرة،تستحوذ على المبدع ويتورط فيها.ويتسرب الكثير منها الى ملامح نصوصه.ولا تدرك تلك السيرورة الجدلية،إلا من خلال ما يعلن المبدع صراحةً في نصه،او في ثنايا ما يبطن،أو يصمت عن قوله.
نصوص ادبية كثيرة تكتب وتضخ يوميا في المشهد العام للثقافه.بعضها لا أهل له ولا نسب، يتباهى به.قليلها مؤهل للبقاء حيا.
انسيابية هذا النص "ثلاثون حكاية من مدينة القلب " ”لجلال باباي" جذبت إنتباهي مؤخرا. فذهبت إليه متعمدا،برؤية المتبصر ورويَّتِه.
فهو نص أدبي حقيقي،مكثف مشدود الى الواقع،الذي لم يحضر كوقائع مثبتة،بل كتدفق منطقي، يطرح اسئلة مختزلة في ذهن المتلقي،من أجل اعادة قراءة فكرة متوهجة بالمجاز،ذات بعد فني ولغوي عميق،محملة بالشعر المبني على مشاهد موحية منتشلة من الحياة،تجسد درجة عالية من الواقع المعيش ومتوازياته من ألم وأمل.
أديبنا الفذ (جلال باباي) ليس من محترفي الشعر.بل مثقف مسكون بالشعر وهواجسه.وطّد علاقاته بملكاته وقدراته.وتمرّس بأدوات الابداع.وصقل مهاراته فيه.مما مكنه من الموازنة باقتدار،بين الشكل والمضمون فيما يحاول قوله.وهو مؤهل لان يرفع الخاص منه الى مستوى العام.
تتميز هذه المجاهرة،بمعان كبيرة كاشفة،مصاغة في جمل قليلة وكلمات وديعة،وايقاعات مختلطه،تطل على المتلقي وهو اعزل،إلا من رغبته في المتابعة والتأمل،فتفتح له نوافذ على أحزانه وأشواقه.وتضعه في أرجوحة اوجاعه،عله وهو جالس على حوافها أو في فضاءاتها،يستطيع بحذر تفكيكها،والتعالي على تسلطها،وان يضيء ما يلوح من أحلامه في الأفق.
وهنا أضيف:
كم تبدو أبيات هذه القصيدة شبيهة بنا ونحن نعيش تضاريسها المألوفة وباء،مآسي،اشتياق، هذا ما ذهب إليه الشاعر الأمريكي ريتشارد ويلبور الراحل عن دنيانا عام 2017 حينما كتب يقول :" إذا كنت سعيدا فستظل صفحتك أيها الشاعر فارغة،يجب أن يكون هناك بعض الاحتكاك للكلمات للقبض على النار وإلا فستكون القصيدة اشبه برماد خامد لا حرارة فيها "،وكأن كل ما كتبه جلال باباي في قصائده الشعرية التي اطلعت على الكثير منها محض ارتداد لصوت واحد هو الألم والأمل وكذا الوجد والشوق، :"تلبسني جذوة اللقاء /ينتعش الصٌدر الصٌدأ /ويصير الجسد أفيون.."
ختاما أقول:
هذه القصيدة لجلال باباي صفحة من دفتر الحنين الوَجد والقلق،ولوحة فنية تجمع ما بين عناصر اللون والحركة والصوت والصورة التعبيرية،وتتسم بالوحدة العضوية حيث الترابط بين وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي والعاطفة والإحساس الحنيني والشفافية الجميلة، وعزفت أبياتها بموسيقى عذبة وايقاع لحني جميل.
فشكرًا لك صديقنا وشاعرناجلال باباي على روعة النص وجمال اللفظ والتعبير والمحسنات البلاغية ورقي الابداع،وبانتظار المزيد مما يجود به القلم وتتفتق به القريحة والخيال الشعري الخصب،مع خالص التحايا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا