الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا أومن بالسحر (3) علاقة السحر بالطب عبر التاريخ

بلحسن سيد علي
كاتب ومفكر

(Bellahsene Sid Ali)

2021 / 4 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في هذه المقالة عزيزي القارئ سنحاول أن نكشف الغطاء على علاقة السحر بالطب وكيف كان العلاج السحري أمر شائع بكثرة في الحضارات القديمة، وكيف عده القدماء علاج طبيعي كمثل علاجنا اليوم بالطب الحديث، وهذا الذي يعزز فكرتنا بأن السحر هو من إنتاج البشر، فكما سنرى من خلال هذه المقالة فإن الطب الأول ما كان إلا الذي نسميه اليوم بالسحر والشعوذة، وما نسميه اليوم بالتداوي بالقرآن أو الطب النبوي هو من قبيل ما كانوا يعدونه طبا، فلسنا الوحيدين في هذا الاعتقاد وإنما هذه النماذج من العلاج هي مغروسة في الوعي البشري منذ القدم، وآن الأوان لكي نترفع عليها ونعطيها حقها التاريخي ونتماشى مع قوانين الطبيعة التي تقتضي التطور ونبذ الخرافة، طبعا كلامنا هذا سيوقع في وهمك بأننا نشكك في عقائد المسلمين ونرمي إلى القذف والغمز في الإسلام من وراء وراء، لكنك ستكتشف أن نيتنا هي تبيين أن مثل هذه الأفكار ليست من عقائد الإسلام الالهي الرباني، وإنما هي أفكار وعقائد بشرية قد التصقت به، وذلك كان صالح لزمان ليس زماننا، وآن الاوان لكي نمضي قدما ونترك مثل هذه الأفكار للتاريخ فقط.
لقد كان الطب والسحر في بلاد الرافدين مقرونا بالآلهة المعبودة في ذلك الزمان، فقد كانت تنسب كافة العلاجات لها، كان الإله إينكي وإبنه الإله اسالوخي من الآلهة المرتبطة بالطقوس الخاصة بطرد الجن والأرواح الشريرة من أجسام المرضى، فالإله إينكي/أيا هو إله الحكمة والحياة، وهو الذي أوجد أعشاب الشفاء وبيده سلطة السحر العليا والمعارف السرية، ومن ألقابه رب التعاويذ (بيل شبتي)، عرفت أيضا الربة كولا (gula) بآلهة الشفاء وقد عرفت بعدة أسماء منها باو، ونينسو ونينتينوكا (nintibuga) وميمي (memi) ونينكارك (ninkarrak)، كما عبدت باسم نينسين أي سيدة أيسن، ومن بعدها كان الإله دامو (damu) الذي عرف بالطبيب الإلهي وهناك الإله المعروف باسم نين أزو ويعني اسمه السيد الطبيب حرفيا، أو السيد العراف بالماء، وكان شعار ابنه نينكيشزيدا العصا الملفوفة بالأفاعي وهي ما تزال تستخدم رمزا لمهنة الطب إلى يومنا هذا.
في مصر القديمة يمكن القول بأن الإله تحوت هو مبدع السحر والطب والجراحة، وهو سيد السحر العظيم الذي اخترع الصيغ السحرية الشافية، والذي علم الآلهة ايزيس العديد من التعاويذ التي أكسبتها لقب الساحرة العظيمة، وقد كان المصريون يدعونها لإعادة صحة المرضى، ومثلت آيزيس بهيئة إمرأة ترضع طفلها وعدت بذلك حامية الأطفال من المرض الذي يحيق بهم، ويمكن أن نلاحظ أن عدد كبير من التعاويذ الخاص بعلاج الأمراض ترتبط بها.
هناك العديد من الآلهة المصرية التي ارتبطت بالسحر والشفاء، فهناك الربة سخمت وأمحنتوب وخوسو في عصر المملكة المصرية الحديثة، ومن بعدهم أمون كبير الآلهة المصرية الذي كان يلقب أحيانا بالطبيب الذي يشفي العيون بغير دواء، أو أمون مفتح العيون، أو الشافي الحول.
في آسيا الصغرى ارتبط الطب السحري بالربة كاتاخزيواري (katahziwari) آلهة التحرر والشفاء، وكان هناك إلها ثانويا يدعى أوليلياسيس (uliliyassis) وكانت وظيفته إزالة العجز وعدم الإنجاب، وفي سوريا ارتبطت الربة عشتار بالولادة، ونعرف أن النساء في القرن الخامس قبل الميلاد كن يقدمن النذور ويعلقن ألواحا على جدران المعبد، يستعطفن بها الألهة عشتار لكي تسهل عليهن الولادة.
في إيران ارتبط الطب السحري بالآلهة الزرادشتية الثانية، ونعرف أن لهذا الإله عدة أسماء واسمه الثامن عشر هو الشافي، وكانت الربة أناهيدا هي أيضا مرتبطة بالطب وقد وصفت بالشافية وهي من آلهات الولادة. وللكنعانيين أيضا آلهة تدعى شعتقة (أي طاردة المرض)، واسمها من الجذر عتق الكنعاني أي عتق وحرر، وفي الديانة المانوية كان ماني وهو أيضا الشافي الذي يملك الدواء المطلق لكل الأمراض، وعلى هذا النحو كان للإغريق والرومان والصينيون والبوذيون وفي الهند وحتى في أعماق إفريقيا آلهتهم الخاصة، ونحن نسرد عليك هذه المعلومات التاريخية عزيزي القارئ لكي نبين لك أن فكرة نسب الطب إلى الإله أو النبي أو العظيم في القوم، هي فكرة قديمة قد ابتكرها البشر حين انعدمت عنده الحلول ولم يكن يملك أدنى التقنيات لمحاربة الأمراض والشرور، فإن نحن فعلنا مثل القدماء ونسبنا الطب للنبي أو الأولياء فلن نكون بدعا منهم بل سنكون أجهل منهم لأننا تركنا تقنيات العصر وركنا لخرافة القدماء، ولسنا وحدنا في هذا الجهل لأن حتى المسيحيين قد ربطوا شخصية السيد المسيح بالعلاج وبقدرته على شفاء كافة المرضى، أما السيدة مريم العذراء فقد حافظت على لقب سيدة الصحة ويؤمن الناس اليوم بالقدرة الشافية لبعض تماثيل مريم، ولم يكتفوا فهذا وحسب بل ابتدعوا ما يعرف بالتميمة التي تكتب عليها آيات من الكتاب المقدس، فتبعناهم نحن كذلك وادعينا أن للقرآن قدرة على الشفاء لمجرد كتابة آية منه وحملها معك أينما حللت، أو لمجرد قراءته أو سمعه يتلى سيحصل الشفاء، وما كان هذا الفعل إلا ضرب من سحر القدماء فكيف لنا أن نزعم بأنه عبادة وقربان لله، وهذا ليس مقتصرا على المسيحية أو الإسلام، فكافة الديانات القائمة على الكتب كانت تستخدم النصوص المقدسة لصنع الأحجية والتمائم التي ترتدي طلبا للحماية والعلاج وحسن الطالع، وقد تبين أن التمائم البابلية المسمارية المنقوشة على الصلصال والتي يعود تاريخها لوقت مبكر من الألفية الأولى قبل الميلاد، كانت دعوات الآلهة "مردوخ وإيراوايزوم" كي تحمي البيوت من الطاعون، وكان أغلبها مستمد من الملحمة الشعرية "إيرا" (آلهة الطاعون والفوضى)، التي يعود تاريخ أول ما تبقى من شذراتها إلى حوالي 700 قبل الميلاد.
أما بالنسبة للمواد التي يتعقد فيها الشفاء من دون دليل علمي أو طبي فإن مرجعها هو أيضا الطب السحري القديم، فقد كان العبريون القدماء يعتقدون أن لبعض النبتات خواص سحرية لعديد من الأمراض، مثل نبات اللفاح الذي اعتقد أنه قادر على شفاء النساء من عقمهن، كما اعتقد الزرادشتيون في إيران بالقدرة السحرية لنبات يدعى الهاوما واتخذوه علاج لعديد من الأمراض، في الهند عد نبات السوما (الهاوما عند الإيرانيين القدماء) عقارا سحريا، اعتقد السلتيون في أوروبا الغربية بأن شراب نبات شجرة الدبق وهي شجرة مقدسة عندهم فيه قوة تحمل الخصب للحيوانات العقيمة فتنجب، واتخذوه دواء لكل أنواع السموم، استخدم المصريون العسل في الطب السحري لأنه في اعتقادهم دواء طاهرا لأنهم جعلوا النحل مخلوق من دموع الإله رع، كما أنهم صنعوا عقارات سحرية مقززة تستخدم في العلاج، استخدمت فيها مواد غريبة كشعر التيس وروث فرس البحر والتمساح، لاسيما العلاج المقدم من أجل التخلص من السحر، وهذه المواد قد تعددت بين المأكولة أو المشروبة، وحتى الأحجار في بلاد الرافدين فكان يعتقد أنها ذات طبيعة سحرية تساعد في الشفاء، فكان لديهم حجر الولادة وحجر الإخصاب وحجر الإجهاض وحجر العقم، ويشير التلمود عن قدرة الأحجار السحرية على الشفاء إذ قرأ المرء عن حجر كان في حوزة ابراهيم وعلقه على عنقه شفى بواسطته كل الأمراض المعروفة، ومن جهتها تؤكد الأناجيل عن دور المياه المقدسة في الشفاء وكذلك العرب القدامى، والزرادشتيون وحتى المصريون القدامى. للعظام أيضا دورها فقد كانت عظام القديسين والتراب المدفون فيه هؤلاء وسيلة شفائية بامتياز، ومن ثم انتقلت إلينا كل تلك الطقوس فعندنا المياه المقدسة والعظام المقدسة وقبور الأولياء، وأخرج لنا الماء المقروء عليه بالقرآن والذي يسمى المرقي، والمواد العجيبة الذي يستعملوها الدجالون سواء في السحر أو في الرقية التي سنتكلم عنها بالتفصيل فيما هو آت، ويمكنك أن تضم لما مضى تلك الأفكار التي تقول بأن النباتات أو الفواكه أو المأكولات المذكورة في القرآن لها قدرة عجيبة على الشفاء، كالعسل والرمان والتين والزيتون، لكن الحقيقة أنها نباتات كجميع النباتات لها فائدتها لكنها لا يمكن استعمالها لجميع الأمراض.
من خلال هذا العرض البسيط يمكننا أن نفهم أن السحر كان استجابة لرغبة البشر في التداوي والشفاء، فأخرجوا تلك المعتقدات التي تبدوا ساذجة لنا في هذا العصر لكن لولاها لما استطاع البشر أن يتوصلوا إلى ما وصلوا إليه من طب حديث، لكن السذاجة الحقيقة هي في أن نترك كل جهود البشر لنركن لمعتقدات الأولين بسم الدين أو باسم السنة أو الطب النبوي، ولنا في هذه الموضوع كلام مفصل فلا تستعجل بنا سيدي القارئ.
المهم من هذه المقالة أن السحر في بداياته لم يكن من أجل إلحاق الضرر بالآخرين وفقط، وإنما كان كذلك للعلاج والبحث عن الشفاء، فتاريخه مربوط بتاريخ الطب بشكل كبير بل وأكثر من ارتباطه بإلحاق الأذى بالآخرين، وما كان السحر الذي تعرفه اليوم إلا تطور لهذا الذي قرأته، وما رأيك ان قلت لك بأنك ستكتشف بأن تطوره قد توقف عند عصر النهضة ومع انفصال العلم الحقيقي عنه، ولهذا أخذ اسمه المعروف بالعلم الزائف، لا تقلق عزيزي القارئ سيأتيك المزيد من التفاصيل في مقالاتنا اللاحقة فانتظرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان