الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين النخب والجماهير اتهامات متبادلة وأدوار مفقودة

أميمة الشريف
(Omima Elsherief)

2021 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في أوقات الأزمات يكثر الحديث عن النخبة أو النخب التي ينبغي لها العمل على تحقيق غايات معينة، وأهداف مجتمعية، تحقق مصالح جموع الجماهيير، ومن الطبيعي أن لهذه النخب رؤيتها ومواقفها وانتماءاتها التي تشكل عقائدها الفكرية، وتعمل من خلال تلك الرؤى على تحقيق ما تراه الأنسب أو الفضل للمجتمع من وجهة نظرتلك النخب ومعتقداتها.
وبين مؤيد ومعارض لممفهوم النخبة، ووفقا للأيدلوجيا الحاكمة لفريق دون غيره، يزداد الجدل الذي تقف جموع الجماهيرعلى مسافة منه، قد لايعنيها في هذا الموضوع من قريب أو بعيد سوى تحقيق مصالحها وما تطمح إليه من أهداف تمثل تلبية احتياجاتهم الضرورية ، ومن هنا يبرز دور القيادات الجماهيرية القادرة على الالتحام بالناس، والتعبير عن مصالحهم ، ويتضح أيضا كيف ولماذا أيضا تتم اختيارات الناس، وتلك حقيقة فرضتها ظروف بيئية واجتماعية شديدة التأثير تجعل الإنسان العادي لا يعنيه ما يشغل بال الكثير منا والمسطر في الكتب والنظريات، لكنه يهتم بتحقيق أهداف تتناسب مع هرم الاحتياجات الإنسانية، والتي تضمن له العيش بكرامة، في مجتمع حر، يتقاسم العيش فيه على قدم المساواة، وبعدالة تامة مع جميع أفراد المجتمع.
ورغم أن كل إنسان يسعى جاهدا لتحقيق تلك الأهداف، والمطالبة بحقوقه بما يرسم خارطة الطريق للنخبة وهو عبر عنه كارل ماركس بوعي الطبقة العاملة ، ويتناسب مع المقولة الشهيرة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بأن الشعب هو القائد والمعلم.
بالرغم من الدور الذي يجب أن تقوم به الجماهير من توسيع لمشاركتها السياسية، ونضالها المستمر من أجل الحصول عل العيش الكريم، فإنه لا بديل عن وجود نخبة تستطيع بما لديها من وعي أكثر، وفهم أعمق، وإدراك لأهداف المجتمع ومشكلاته، وتنظيمات، وأيدلوجيات، وقدرة على تشكيل وعي الجماهير، وتمثيلهم في ذلك فإن مكان هؤلاء لابد أن يكون سابقا في المسافات الأمامية بخطوات عن الجماهير.
ذلك ليس مجرد كلام للتنظير، ولا استعراض لفهم الأدوار، لكنه تفرضه دراسة حالة مجتمعاتنا، التي اختلطت فيها الأوراق، وتنازل الكثير من الفئات الاجتماعية عن أغلب احتياجاته، لعدم قدرته على توفيرها أو المطالبة بها، كما تقاعست النخب عن القيام بدورها، وأصبح المجتمع في حالة من الميوعة أثمرت عن وجود هشاشة وأمراض اجتماعية لدى كل ذي غرض، يدفع فاتورتها جموع الجماهير في كثير من الأحيان، أو أغلبها ، وفي بعض الأحيان تأتي النتيجة في صورة حالة من السبات العميق، الذي راحت فيها تلك الجموع غيرعامدة، لكن مدفوعة إليها نظرا لما تعانيه من صراعات يومية، في محاولات مضنية لتلبية اجتياجات يوم بيوم، تلك الحالة التي يعنيها ويقصدها أصحاب المصالح في بقاء الأمر عند هذا الحد، أو ربما أكثر سوءا، لينشغل الناس عن الفكير فيما يعكر صفو تلك الطبقة من أصحاب المصالح، والمتمثلة في الحكام والمقربين منهم، وربما انسحبت الجماهير وانزوت نتيجة لفقدان ثقتها في النخب أيضا، لعدم قدرتهم على القيام بما يحقق طموح جموع الناس.
قد تخبو الجماهير ويخفت أو يختفي صوتها، لكنها صاحبة المصالح الحقيقية والأكثر معاناة في المعادلة والأولى بالمطالبة، والتقدم لنيل المطالب، وهو الأمر الذي يفسر كيف كان انفجار جموع الجماهير الثائرة والتي لم تعول على أحد، بل تقدمت الخطى، وسبقت جميع النخب في ثورة يناير العظيمة، والذي ربما كان له أثر في استعادة النخب رغبتها في القيام بدورها الريادي فيما بعد.
إن ما حدث بعد يناير من تراجعات، وقمع، وانهيار للحلم أثر بالسلب على الجميع، لكن التأثير الأكبر كان على الجماهير الأكثر معاناة دوما، والذي كان حري بالنخب أن تستعيد مكانتها لقيادة تلك الجموع والتأثير فيهم والشد من أزرهم واستنهاضهم لاستكمال المسير، ونظر لأن المجتمع أصبح في حالة من اللخبطة والميوعة وانهيار القيم وخلق فئة جديدة من البشر التي يقال عنها "لا يعجبها العجب"، فقد بات التخوين والتشكيك لأي من شخوص النخب والصاق التهم بهم في حال قيامهم بأي محاولة للتصدي للمهام المفترض أن يقومون بها أو للدور الطليعي والقيادي الطبيعي لهم، فهذا يوصف بأنه خائن، وذاك انتهازي، وهذا مشتاق، وآخرون لا يصلحون، ولم يقدم لنا أي ممن ألصقوا التهم أسانيد ادعاءاتهم، وأسباب وحجج تبرر رفضهم، وفي الوقت نفسه فإن الجديد هو غير معروف، والمرأة خارج المعادلة والتصنيف، والشاب ليس لديه خبرة، ولا يقدر، دون أن يوضع على أي محكات عملية، في حين أن التجربة العملية الغير بعيدة زمنيا ولا مكانيا تشير إلى أن بعد قيام ثورة يوليو مثلا تم الاستعانة بأعضاء وكوادر الوزارة السابقة ممن لديهم الخبرة العملية في إدارة البلاد، وفي حالتنا بعد ثورة يناير، كان من الممكن أن تتم الاستعانة بكل من تم الحكم عليهم بأنهم لا يصلحون أو بأي من جميع التهم المذكورة ونتاج التصنيفات الحادة التي أطلقت كما لو كانت أحكام قطعية،كان يمكن الاستعانة بمن يقدم رؤية، ويرى في نفسه القدرة على الإسهام في تقديم حلول ولعب دور نحو تحقيق الأهداف المنشودة، خاصة من لم يتم تورطه في قضايا فساد، أو من لم يتوافر دليل قاطع يؤكد خيانته أو عمالته حقا، مع تشكيل فرق من المستشارين اللذين تكون لهم صلاحيات التوجيه والتقييم وتقديم المشورة لكن آفة مجتمعنا التخوين والإقصاء
على الجانب المقابل، نرى بعص من يحسبون من النخب المثقفة في محاولة منهم لدرأ المسئولية، أو لطمس حقيقة أنهم أصبحوا "قليلوا الحيلة"، وهذا أيضا مفهوم نظرا لما تمر به البلاد من سعار القمع، وتكدس السجون بأصحاب الرأي والموقف، الذين لا يملكون الا الكلمة، فنلتمس جميعا العذر لمن لا يستطيع القيام بدوره في هذا المناخ غير المسبوق، ونحترم قدرات كل منا الفردية، فالبعض منا يقدر والبعض لا يستطيع، وهو إحساس إنساني يحب أن يقابل منا بكل الاحترام والتقدير، غير أننا نرى بعض مثقفينا من يضع نفسه في منصب القاضي، يحاكم الجماهير، ويحنق عليهم، ويتهمهم بالتخاذل، ويمعن آخرين في غيهم ويتمنون لجموع الشعب والجماهير المزيد من المعاناة لأنهم لا يستحقون غيرها نتيجة تخاذلهم، ونسي هؤلاء أنه ربما تكون الجماهير قد تخاذلت حقا، ولكن أين كانت نخبهم؟؟؟ ألا يقع على تلك النخب مسئولية عدم القيام بدورها النخبوي تجاه توعية الجماهير، وتحفيزهم، وتوجيههم، وقيادتهم نحو تحقيق أهدافهم، والاضطلاع بدور هو بالأساس المنوط بتلك "النخب" بدلا من إلقاء اللوم على الجماهير ووصهم بالتخاذل والتقاعس تارة وبالغباء تارة أخرى؟؟؟!
إن ما حدث ويحدث يوكد أننا أمام إما نخب غير واعية بحقيقة دورها، وغير متفهمة لاحتياجات وظروف جماهيرها، ومن ثم فهي المدانة في هذا والملومة فيه، أو أنها نخب انتهازية تطمح لتحقيق مصالح شخصية فإن لم تجد سبيلا لذلك توارت عن الأنظار وتخلت عن مهامها، أو أننا لم يكن لدينا نخب من الأساس ولكن مجرد حناجر بحت واستنفذت طاقتها وانتهى الأمر، وهذا لا يعني أنني أعني الجميع وإنما الأغلب فأنا أعتمد على فهم قارئ سطوري الذي يعلم أني لا أقصد تعميم لكن توصيف الظاهرة في معظمها.
هذا لايعني أني أبرر للجماهير تخاذلها، وأتفهم بعض الغضب من النخب تجاه ذلك الموقف المتقاعس، لكن في حدود اللوم أو العتب الرقيق المسموح، مع تحمل النخب لكامل مسئولياتها عن تقصيرها تجاه جموع الشعب الذي يفترض أنهم يحملون همومه وأعباؤه ويسعون معه لتحقيق ما يطمح إليه، و يحقق له الرفاه الاجتماعي وفقا لرؤيتهم ومعتقداتهم الأيدلوجية، وإلا فلماذا تطلب النخبة ثقة الشعب إن لم تبذل جهدا حقيقيا في القيام بدورها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا