الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا النقد نجيب محفوظ: احترام المنجز والمتلقي

شكيب كاظم

2021 / 4 / 19
الادب والفن


يظل المبدع، الذي يحترم منجزه وتأريخه وكذلك قارِئَه، يبحث عن الجيد والأجود، لذا حجب الكثير منهم ما ظنوه ضعيفاً، لا يرقى إلى مستوى ما كتبوه ونشروه، لأنَّ الكمال بله الكمال المطلق حصة الخالق واجب الوجود، لذا زخر التراث العربي الإسلامي، بمقولات ظلت مضيئة، ينشدها الساري في ليل الكتابة البهيم، ومضة، أو التماعة تدله في تلك المفازة، مفازة البحث والإبداع والكتابة، فلقد أكثرنا الاستشهاد بمقولة القاضي الفاضل، وهناك من ينسبها للعماد الأصفهاني: ((إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه، إلا قال في غده، لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زيْدَ كذا لكان يستحسن، ولو قُدِّمَ هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبَرْ، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر)) وقد سبقه أو سبقهما القاضي عبد القاهر الجرجاني (ت . 471هـ) في كتابه الرائع (دلائل الإعجاز) الذي قرأه وعلق عليه العلامة محمود محمد شاكر إلى القول في هذا الباب : ((إنك لَتُتْعِبُ في الشيء نفسَك وتكد فيه فكرك، وتجهد فيه جهدك حتى إذا قلتَ قد قتلتهُ علماً، وأحكمته فهماً كنتَ كالذي لا يزال يتراءى له فيه شِبْهة، يعرض فيه شك، وإنّك لتنظر في البيت دهراً طويلاً وتفسره؛ ولا ترى أنَّ فيه شيئاً لم تعلمه، ثم يبدو لك فيه أمر خفي لم تكن قد علمته)) تراجع ص423 من كتاب (دلائل الإعجاز)، نقلاً عن ص352 من كتاب (التناص. دراسة في الخطاب النقدي العربي) للدكتور سعد إبراهيم عبد المجيد - رحمه الله- عُني بنشره وتصحيحه الأستاذ الدكتور شجاع مسلم العاني، وصدرت طبعته الأولى عن دار الفراهيدي للنشر والتوزيع سنة 2010. وإذا كان بعض المبدعين، يصرّون على نشر البدايات، وإن كانت ضعيفة متعللين بأنَّ هذا المكتوب، جزء من جهد الكاتب وإرثه، ولا يجوز بَت الصلة به وقطعها، مثلما فعل الدكتور سهيل إدريس، صاحب مجلة (الآداب) ودار الآداب للنشر (1925 – الثلاثاء 19/من شباط/2008) فقد تولى عام 2000، إعادة نشر مجموعاته القصصية الأولى (أشواق – 1947) و(نيران وثلوج – 1948) و(كلهن نساء – 1949) على الرغم من كونها تعاني ضعفاً، فإنَّ هناك من المبدعين، من حجب هذه البدايات، مثلما فعل الروائي الكبير الدكتور عبد الرحمن منيف (المتوفى يوم السبت 24/ من كانون الثاني/ 2004) فقد حَجَبَ روايته الأولى (أم النذور) لكن – كما يبدو لي – أن ورثته نشروها بحثاً عن مالٍ ونَشَبْ، وقد قرأتها عند نشرها، فوجدتها ضعيفة، لا تكاد ترقى إلى ما كتبه الرائع عبد الرحمن منيف في سنواته اللاحقة، حتى أولى رواياته المنشورة (الأشجار واغتيال مرزوق) الصادرة عام 1974، وقد قرأتها في حينها، فكانت عملاً رائعاً وجّه الأنظار، قراءً ونقاداً نحو هذا الصوت الروائي الباهر، أقول كتبت عن رواية (أم النذور) حديثاً نقدياً، نشرته جريدة (الزمان) بالطبعة الدولية الصادرة في لندن، في ضمن ملحقها الثقافي الموسوم بـ(ألف ياء) يوم السبت 8/9/2007، حمل عنوان (حين يسيء الورثةُ لذكرى مورثهم).
نجيب محفوظ (11/12/1911 – 30/ من أب / 2006) الباحث عن ما يبقى في الذاكرة، كتب نهاية العقد السبعيني من القرن العشرين، ثلاث روايات هي: (أفراح القبة) و (ليالي ألف ليلة) و(ما وراء العشق)، لكنه لم يكن راضياً عن روايته الأخيرة، كما يصرح بذلك للروائي والكاتب المصري جمال الغيطاني، ففي حين نشر (أفراح القبة) سنة 1981، نشر في السنة التالية روايته (ليالي ألف ليلة)، وإذا كان نجيب محفوظ، كما يصرح في المقابلات المُجراة معه، لا يعود إلى قراءة ما يكتبه، بل يواصل الكتابة في عمله الروائي، لأنه يدير الحوادث في ذهنه، وتظل الرواية تشغله وتحيا معه، حتى إذا ما أكملها أعاد قراءتها، ومرة ثانية بعد الفراغ من تبييضها. عقله الباطن، وحدسه الفني وحسه، ما كانوا راضين عن عمله (ما وراء العشق) حتى إذا قرأه بعد الفراغ من كتابته، تجسد له هذا الحس والحدس، فقرر حذف الفصلين الأوّل والثالث، وأبقى على الثاني؛ واسطة العِقْد، ليُجري فيه يد التشذيب والتهذيب ليُصَيِّرَها قصةً قصيرة أسماها (أهل الهوى) ونشرها في مجموعته القصصية الموسومة (رأيت فيما يرى النائم) الصادرة طبعتها الأولى سنة 1982، ولقد قرأت فصولاً من رواية (ما وراء العشق)، نشرها الناقد والكاتب والروائي المصري حسين عيد في كتابه (رواية مجهولة وتجربة فريدة) الصادرة طبعته الأولى عن الدار المصرية اللبنانية في شهر شوال/1422 – 2002، فكانت حقاً بادية الضعف، ولا تكاد ترقى إلى إبداعات محفوظ، ولقد استغربت أن يشغل الناقد حسين عيد نفسَه الذي قرأت روايته (المشروع) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1987، قرأتها في 9/9/1991، فكانت مدججة بالشعارات والهتاف والأدلجة، استغربت أنْ يشغل نفسه والقراء، بقراءة رواية لم تنشر ودراستها، ويعقد مقارنة نقدية بحثية بين الرواية بشكلها الخام، الذي لم يُرْضِ محفوظ، والشكل الذي آلت إليه؛ قصةً قصيرة نشرها في مجموعته (رأيت فيما يرى النائم) ويظلّ على مدى مئة وثلاثين صفحة، يقارن ويناقش، مما يدفعني للتساؤل عن جدوى هذه الدراسات أحادية الجانب، كون الرواية المدروسة لم تنشر، وإنْ نَشَرَ جزءاً مخطوطاً بقلم مؤلفها، وبحرف صغير تصعب قراءته، لكن هذا النشر المجزوء، لا يكاد يحل المعضلة التي يجد القارئ نفسه فيها، كونه لم يقرأ العمل، كي يواصل قراءة الكتاب الذي ألفه الناقد عيد، ويكوِّن رأيه المتأتي من فعل القراءة، وأرى أن الناقد عيد قد كتب ما كتب لدواعي الصداقة، وأنه كان منساقاً في ذلك لتنفيذ الطلب الذي تقدم به محفوظ إليه، وحرصَ على نقله مصوَّراً على وجه الغلاف الأخير للكتاب، إذ جاء فيه (الأستاذ حسين عيد. تحية لجهودك المستمرة في دراسة أعمالي، وأمنيتي بعد طبعها أن يتاح لي الاطلاع عليها بفضل بعض الأصدقاء الذي يقرأون لي. نجيب محفوظ 1/11/2001).
عمل حسين عيد هذا، يذكرني بما كانت تقوم به إحدى الهيئات الثقافية العراقية سنوات الحصار، ولعلها دار الشؤون الثقافية العامة، إذ إنَّها بسبب تحطيم الحصار لكل ما هو جميل في العراق، وعجزها عن مواصلة طبع ما يرد إليها من مخطوط، فإنَّها كلّفت بعضهم بقراءة بعض هذا المخطوط، ولا سيّما الأطاريح والرسائل الجامعية، وكتابة تعريف بها، أو نقد أو عرض لها، ولقد كنت أستغرب وأنا أقرأ، من هذا الجهد المضاع، بسبب عدم توفر ركن رئيس وأساسي فيه، وهو الطبع والنشر، ولأن القارئ لا يستطيع المقارنة والمناقشة والمداولة. الأمر الذي يجعلني أكرر التساؤل عن جدوى هذه الكتابة وفائدتها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر