الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 29

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2021 / 4 / 19
الطب , والعلوم


الكون الواسع والعقول الضيّقة 29
The vast universe and narrow minds 29


الإفتراضيّة والزّمن
نتحدث عن الإفتراضيّة وضروراتها التي لا يمكن أن نستغني عنها في حياتنا العلميّة والعامّة. فلماذا الإفتراضيّة؟ ولماذا نبني عليها؟
في العمل الذي نحن بصدده نعمل على البحث في كلّ المجالات التي تتعلّق بالموضوع الذي يخدمنا في الوصول إلى نتائج جيّدة حول الزّمن واللازمن. نبحث ونسأل ونراسل وننشر، حتّى نجمع المعلومات الصّحيحة والموثّقة بالإضافة إلى الرّأي الذي يتعلّق بعملنا وتفكيرنا وإنسجامنا مع الموضوع (الإنسجام مهمّ في الجانب العلميّ لأنّه واحد من العوامل التي يجب أن تدخل في الحسابات العلميّة، وإنْ شذّ في بعض التصوّرات، فلا إستغناء عنه أبداً. ويدخل معه الإحساس والوجدان وغير ذلك سنتطرّق إليها في حينها!حيث تلعب هذه العوامل دوراً مهمّاً في الكيفيّة والتأثير العام، وبالتّالي تكون النّتيجة غير تلك التي تكون بعد وجودها! هكذا أعتقد).
إنّ الإفتراضيّة علم، ومصطلح واسع في المعنى والتّطبيق، وفي حالة التّطرّق من خلاله إلى ما تريد، يجب أنْ تتسلّح بالتّصور العالي، والذّهن المتفتّح المتوقّد والعلميّة الشّاملة.
لقد عرّفوا الإفتراضيّة على أنّها (حقيقيّة ولكن ليست فعليّة، مثاليّة ولكنّها ليست مجرّدة) والكثير من هؤلاء يؤكّدون على أنّ الإفتراض (يقصد في شرحه ما يتعلّق بالإفتراض بالحاسوب ليس إلّا! لكن أنظر إلى المعاني المناسبة هنا، لترى كيف ينطبق ما نشير إليه على الإفتراضيّة عندنا، في بحثنا هذا!) شيء كما لو كان حقيقيّاً. وهذا ما ينطبق على الجّسيمات التي نشير إليها بالجّسيمات الإفتراضيّة والتي ذكرها فاينمان في مخطّطاته، واشار إليها عدد من الباحثين في هذا المجال. عموما يمكن القول ان الجّسيمات الإفتراضيّة كما نوّهنا إليها على أنّها في طور الإفتراض الذي سيؤدّي إلى الحقيقة (لا تأخذ المعنى من ذلك المتعلّق بالحاسوب، بل خذه في المعنى الذي يتفاعل مع الذّهن في حالتنا). في الإجمال نقول: إنّ الإحتمال يلعب الدّور الكبير في الإفتراض، وفي الإفتراضيّة، وفي الكثير من المميّزات للجّسيمات الإفتراضيّة. ولا يخفى ما لهذه الإفتراضيّة في التّقدير والدّراسة الواقعيّة، وبالعالم الحقيقيّ بشكل عامّ، من تأثير. ففي الواقع الذي نعيشه نتطرّق فيه إلى الإفتراضيّة على أنّها أقرب كثيراً إلى الحقيقة، وهذه من الجماليّات التي تُحسَب لمن يستخدمها بشكلها الصّحيح. والنظريّات التي توضع من قبل أصحابها، لا تخلو من إفتراضٍ ما، أو من ثابت من الثوابت إنْ بحثتَ عنه ستراه واحداً من الإفتراضات المهمّة التي وضِعت على هذا الأساس. تلاحظ ذلك ليس في الفيزياء لوحدها، بل في العديد من العلوم الأخرى. ولكن، أجمل شيء رأيته في الإفتراضيّة، عدا ذلك الذي نتطرّق إليه هناك هو، الإفتراضيّة في دراسات وبرمجيّات الحاسوب. حيث إقتربت هذه الدّراسات كثيراً من الحياة الواقعيّة، ومن السّلوكيّات الحقيقيّة. وفي الفيزياء ترى كيف نتطرّق إلى الإفتراضيّة ونمزجها أحياناً بالواقعيّة بشكلٍ ملحوظ، كما لاحظناها ونلاحظها في مخطّطات فاينمان وفي غيره من المواضيع المهمّة، من الديناميكا الحراريّة في الدّورات المثاليّة والغازات المثاليّة،إلى غير ذلك من الإفتراضات في الذّريّة والإحصائيّة والنوويّة عموماً وغيرها.
عند الحديث عن الجّسيمات الواقعيّة كالالكترونات والبروتونات والنيوترونات، وتلك الجّسيمات الأصغر، مثل الكواركات والنيوترينوات إنّما هي في الحقيقة موجودة بلا شكّ! لكنّ الحديث عن إفتراض لهذه وتلك في معين، ومن معين، أو وجود جسيم يكون بالفعل إفتراضيّاً، غير واقعيّ ولكنّه موجود في ذهن الباحث حينما يترك هذا الجّسيم أثراً أو مكاناً يملأ به فراغاً ما وهكذا. لكنّ الحديث عن الجّسيمات الإفتراضيّة هنا هو حديث واقعيّ وإن لم يكن الجّسيم موجوداً في الواقع. بل ويمكن للباحث أن يفرض جسيماً ما ببعض المميّزات الموجودة في جسيم آخر وليس كلها. ويمكن أن يُفترَض وجود هذه الجّسيمات في زمن ما دون زمن آخر. وهذه الجّسيمات لن تكون بالضّرورة شارحة لبيانات أو تفاعلات لجسيمات فرديّة بشكل مباشر. لكنّ الأهميّة من دراستها بالشّكل الذي تبرز به، هي أنّها مفيدة جدّاً لحساب العديد من النظريّات التي تحتاج إلى تلك الدّراسة ومنها نظريّة الإضطراب. بل يمكن أن نعتبر الجّسيمات الإفتراضيّة هي جسيمات مضادّة أو ضديداً لتلك الجّسيمات الواقعيّة.
نظريّة الإضطراب
Perturbation theory
تعتبر هذه النظريّة من النظريّات المهمّة في دراسة المجال الإفتراضيّ والحقيقيّ حيث تستخدم في الرّياضيّات والفيزياء وعلوم أخرى، وتؤدّي دوراً واضحاً في شرح العلاقات المذكورة بين الإفتراضيّة والواقعيّة. حيث تستخدم الطّرق الرياضيّة المناسبة لإيجاد حلّ تقريبيّ لأي مشكلة في هذا الإطار. بالإعتماد على الحلّ المعياريّ أو الثّابت ليكون مستنَداً لنا في الحلّ التقريبيّ. وهي نظريّة قد أصبحت مقبولة في تلك الدّراسات. وفي الوضع الحالي حول الجّسيمات الإفتراضيّة تستخدم بشكل كبير بسبب الرّغبة في البحث عن الحلّ الدّقيق أو النّتيجة الدّقيقة التي تتعلّق بالجّسيمات المستخدمة. وتستخدم في نظريّة المجال الكموميّ بشكل واسع، حيث يمكن التنبّؤ من خلالها بالبيانات التجريبيّة. وقد إستخدمت في مخطّطات فاينمان حين رسم حالات الجّسيمات الإفتراضيّة وإحتماليّة التّفاعلات التي تحدث لهذه الجّسيمات مع وجود الجّسيمات الواقعيّة أو الفعليّة، فكانت الإحتماليّات قد أوصلت المخطّطات إلى 1000 مخطّط تقريباً. وقد أوجدت لنا عمليّة التّقريب في حسابات التّفاعلات للقوى القويّة والضّعيفة والكهروضعيفة، ويبقى الأمل في الحصول على أفضل نتائج في تقديرات توحيد القوى المذكورة للوصول إلى نتيجة موحّدة. والغاية كذلك في الوصول إلى ايجاد جسيمات جديدة مثل الغلوونات والبوزونات وغيرها. وهناك إمكانيّة للحصول على بوزونات من الأنواع المذكورة أعلاه.
إنّ الإثارات المهمّة التي ترافق العمل مع مخطّطات فاينمان وبالذّات فيما يخصّ الجّسيمات الإفتراضيّة، وما يترتّب عنها من مخطّطات أو من نتائج تقديريّة إنّما هي إلى الآن تثير الكثير من الحديث حول كينونتها، كما أشرنا، وعدم وجود قناعة عند بعض الباحثين يثير الكثير من الضّياع في الجّهد والزّمن. كان ومازال البحث يتركّز عند أهل الفلسفة أكثر مما هو عند أهلنا وأحبابنا الفيزيائيين المتمرّدين (والزّعلانين!). فإدخال الجّسيمات الإفتراضيّة في البحث عبر نظريّة المجال الكمّيّ يكون من الصّعب الحصول على نتائج متكاملة، ليس لأنّها إفتراضيّة، بل لأنّ القناعة بوجودها مازالت متزعزعة، رغم النّجاحات المهمّة التي حصلت عليها النظريّة في هذا المجال عبر الحسابات المناسبة. وخاصّة عندما يكون هناك ما يترتّب على إستنتاجات تتعلق بالجّسيمات الواقعيّة، والتي ترتبط بالفرض المعروف بوجود الجّسيمات الإفتراضيّة. (من الضروري الإشارة إلى أنّ النّيوترينو الذي نحن بصدده لا يعتبر من الجّسيمات الإفتراضيّة بل من الجّسيمات الواقعيّة والحقيقيّة كما أسلفنا في أكثر من مرّة! وهذا مهمّ بالنّسبة لي فيما يتعلّق بالبحث عن الزّمن ذاتيّاً وعن اللازمن ذاتياَّ. والحديث عن الجّسيمات الإفتراضيّة إنّما لترسيخ مفهوم أنّ الإفتراض مهمّ جدّاً في إطار تطوير البحث أو في إطار البحث نفسه فيما يتعلّق بأيّ مسمّى في هذا الجانب، الآن وفي المستقبل).
إنّ العلاقة ما بين الجّسيمات الإفتراضيّة في جانب نظريّة المجال الكمّيّ والجّسيمات الواقعيّة ليست علاقة قسريّة بل علاقة مهمّة فقط للوصول إلى نتائج مهمّة أقرب إلى الواقع آنيّاً أو مستقبلاً.
من المهمّ الإشارة إلى أنّ البوزونات التي تدرّس في نظريّة المجال الكمّيّ والتي يطلق عليها بالبوزونات الوسطيّة وهي بوزونات ثلاثة
Wبوزون
الموجب وكذلك السّالب بالإضافة إلى بوزون
الطّبيعي، أي ذلك الذي يكون بلا شحنة.Z0
تدخل (أي البوزونات) في نظريّة المجال الكمّيّ كبديل عن القوى الأربع التي تتطرّق إليها نظريّة المجال المذكورة. وهذه الجّسيمات هي جسيمات واقعيّة غير إفتراضيّة وتتفاعل مع بعضها تفاعلا مراقَباً من خلال الكشّافات المناسبة. فحين الحديث عن الجّسيمات في نظريّة المجال الكمّيّ يكون واقعيّاً من خلال الباحثين المقتنعين بوجود الواقعيّة لا بوجود الإفتراضيّة! حيث يتمّ التّعامل من خلال المعجّلات من خلال الجّسيمات الواقعيّة كي تكسب طاقاتها الحركيّة المناسبة وتتعجّل إلى المستوى المطلوب وتراقب بدقّة لا أن يُتعامل مع الإفتراضيّة حينما يتمّ التّعجيل أو التّسارع! (بالله عليكم كيف يعقل أن يكون الدّليل من نفس الفعل؟ فهل حراميّة المال العراقيّ من السياسيّين يتركون أثراً على فعلتهم، كيف يكون ذلك؟ خاصّة إذا سألت أحدهم عن السّرقات والفساد يجيب هل هناك دليل على السّرقة والفساد؟ لا طبعا! لأنّ السّرقات إفتراضيّة، ونحن نتجنّى عليهم المساكين!! ويا حاشى الجّسيمات الإفتراضيّة من هذا التشبيه!).
تكمن عبقريّة فاينمان عندما يرفض الكثيرون فكرة الجّسيمات الإفتراضيّة ويقوم صاحبنا بوضعها ووضع تفاعلاتها بشكل رائع ووفق القواعد الرياضيّة المقنعة، ويضع حالة المنظومة في وضعها الأوّليّ مع المنظومة في وضعها النّهائيّ ليثبت التغييرات التي حصلت عند تفاعل الجّسيمات وبضمنها الإفتراضيّة! ويبدأ من خلال وجود إلكترونين كما أشرنا في الحلّقة الماضية. (يمكن أن تطّلع على المخطّطات في العنوان المشار إليه في الحلّقة الماضية 28):
What is the most complex Feynman Diagram? – Quora
حيث جمع فاينمان ما بين الجّسيمات الحقيقيّة وتلك الإفتراضيّة بخطوط تشير الخارجيّة منها إلى الحقيقيّة بينما تشير الداخليّة إلى الإفتراضيّة. وفي كلّ مخطّط تلاحظ الإشارات المهمّة إلى الجّسيمات الإفتراضيّة بشكل أو آخر. حتّى أماكن وجود الجّسيمات الواقعيّة وضعت في أماكن إفتراضيّة كما في زوج الإلكترون ـ البوزترون. من هنا نلاحظ الأهميّة الكبيرة لوجود الإفتراض في مسألة الجّسيمات الإفتراضيّة. وتستخدم في هذه الحالة نظريّة الإضطراب التي أشرنا إليها.
إنّ نظريّة المجال الكموميّ لا تتوقّف على وجود الجّسيمات الحقيقيّة كما قلنا في حلقة سابقة بل هي نشطة في قبول ودراسة الجّسيمات الإفتراضيّة كذلك مع النظريّات التي تتضمّن الإضطراب والإحتماليّة وكذلك لا تخلو من الإحصاءات التقديريّة. وكلّها تصبّ في خانة تقدير الجّسيمات الإفتراضيّة التي أصبحت جزءاً مهمّاً من الواقع العلميّ النظريّ، والبحث بإتّجاه تفسير الكثير من صفات الجّسيمات الواقعيّة من خلال بعض مميّزات الجّسيمات الإفتراضيّة زماناً ومكاناً.
والحديث عن الجّسيمات الإفتراضيّة حديث مهمّ حتّى في جانب الجّدل المتضمّن وجود سحابة فعليّة حول الإلكترون حين التّفاعل، فيمكن تقديرها بوجود جسيمات معيّنة لا يمكن أن نخفيها. وبالتّالي يمكن الدّخول إلى حوارات علميّة لفكّ الكثير من الألغاز لو بحثنا وجود تلك الجّسيمات الإفتراضيّة خاصّة حينما نطبّق قوانين حفظ الزّخم والطّاقة وغيرها.
أريد أن أغمز إلى شيء، هو أنّ الرّبط ما بين وضع الجّسيمات الإفتراضيّة والموت الذي ذكرناه في حلقة سابقة أيضاً له وضعه في تلك الحالة. حيث أنّ الموت الذي يعتبر في وضعه من المخفيّات الكبيرة التي مازالت تحيّر العلماء والفلاسفة وأهل العلم عموماً هو في حقيقة الأمر من الفيزيائيّات المهمّة التي أراها كذلك. كيف؟
الموت والجّسيمات الإفتراضيّة والزّمن
تحدّثت عن الموت في جانب من الجّوانب والآن أقول: إنّ وضع الإفتراض في فهم العالم الداخليّ الذي أطلقتُ عليه بعالم الموت القريب أو البعيد (ويمكن أن نطلق عليه بالسّفر القريب والسّفر البعيد) مهمّ لي ولكلّ باحث كما أعتقد. حيث الزّمن واللازمن يمكن فهمهما من خلال الموت أو السّفر البعيد حيث تطرّقنا في حلقة من الحلقات إلى أنّ الغيب هنا مهمّ حتّى لأؤلئك الذين لا يقتنعون بالغيب ومكنوناته! حيث من خلال السّفر القريب (أي النّوم أو الغفلة أو شرود الذّهن وغيابه من الفعل المطلوب آناً) يمكن إدراك الزّمن، وأطلقنا عليه بالزّمن الدّاخليّ سابقاً، حيث القياس في العالم هذا، لا في عالمنا، حيث السّفر في الأماكن المتباعدة بشكل كبير، لا يمكن أن يصدّقه صاحب ذهن في وضعه اليَقِظ!
في عالم مثل هذا حيث لا ثبات ولا إستقرار، يكون لا إدراك ثابت ولا دراية واضحة لكثير من الأمور بإعتبار أنّ الثّبات ضروريّ، ولو لغرض فهم الموجودات بإعتبار الثّابت معياراً لنا في القياس. فلو إعتبرنا أنّ موت الأشياء (وبضمنها الجّسيمات الحقيقيّة، حيث يمكن الحديث عن موتها ولكن لا يمكن الحديث عن موت الجّسيمات الإفتراضيّة هنا، لسبب وجيه أنّها تقديراً موجودة وحين خَلْقها يمكن الحديث عن إحتماليّة موتها أو إستمرارها أو أيّ شيء آخر) هو إنتقال من حالٍ إلى حال ومن زمن إلى آخر، آخذين بنظر الإعتبار أنّ الزّمن بنوعيه (أو أكثر) مفهوم ذاتاً أو ليس بهذا الوصف. ولكن لو تحدّثت هنا بحجّة الإفتراض عن وجود موت إفتراضيّ لجسيم إفتراضيّ هل ستقتنع بما أقول؟ حيث الموت مجرّداً هو إنتقال من حال إلى حال آخر في الزّمن (الخارجيّ طبعا!كما قلت آنفاً). أعتقد بأنّ وضع المعادلة الرّياضيّة إحْياءٌ زمنيّ يحتاج إلى زمن ما، لوضع الحقيقة لأنّ الإدراك لهذه الأشياء هو وجود في مكان ما و/أو زمان ما. لذلك فكما تحدّثنا عن الجّسيمات الإفتراضيّة في هذا الجّانب سيكون لها موت إفتراضيّ بأسلوب علميّ هو أسلوب الإنتقال من حال إلى آخر أو من زمنه إلى زمن آخر.
إنّ الجّسيمات الإفتراضيّة موجودة لا محالة، ووجودها في الزّمان الخارجيّ ولها زمنها الدّاخليّ كذلك، فحينما يتمّ إنسجامها في تلك المعادلات الرّياضيّة والتّفسيرات وفق الإحتماليّة فلا شكّ بأنّ وجودها أقرب لي، إلى الحقيقة بل هي التي ستحلّ لي لغزاً مهمّا فيما يتعلّق بالزّمن. الزّمن الدّاخليّ لهذه الجّسيمات موجود كذلك في غير هذا العالَم ولكنّنا نستطيع محاكاتها كأيّ شيء مفترَض. يا جماعة! عَقْلُ الإنسان كبير وله من القدرات ما لا يمكن تصوّرها بسهولة. إنّ عقل الإنسان يكون في عالم متعدّد الجّوانب كلّما أكّدت على محاكاته كلّما إقتربت من الحقيقة التي ستحيل لك الجّسيمات الإفتراضيّة، وكلّ مفترَض إلى حقيقة، لم تكن في حسبان من يُنكِر هذا! لكنّ السّؤال هنا: هل هي في الماضي السّحيق أم في المستقبل البعيد أو القريب؟ هنا أقول لك، هي في كليهما! حيث الزّمن الدّاخليّ لها في عنوانه الأوّل وعنوانه الثّاني بِطَي ما له، يحدث الإعجاب والإستغراب حينما يظهر لي. كما لاحظه فاينمان وغيره بأشكالٍ ورسومٍ تصل به إلى أن يضع مخطّطاً يكون حقيقة بعد زمن ما، من الأبحاث والعمل. هذه المَلَكَة العظيمة تكون عند العديد من النّاس المتقدّمين وإن إختلفت المسمّيات، إن كان الإنسان نبيّاً، عبقريّاً، فيلسوفاً أو من يملك القدرة! فقد ذكرت في حلقة سابقة أنّ الزّمن الدّاخليّ تتداخل فيه الأنواع أو التّقسيمات الثّلاثة، والتي تُعرَف بالماضي والحاضر والمستقبل. بسبب عدم وضوح في الكيفيّة الماضويّة أو المستقبليّة، وهذا المستقبل قد أطلقتُ عليه بالمستقبل الهجين! أي ليس بالضّرورة أن يكون له ماضٍ أو حاضر (إلّا في ذهن العباقرة مثل أنشتاين وفاينمان ومن قبلهم (وعندي إيمان بهذا) الأنبياء والصّالحين الذين قد إكتسبوا المَلَكَة هذه بأساليب التجليّات العالية والمتقدّمة ووصلوا لها بإجهادٍ عظيم في التّرويض لهذه النّفس، ولذلك الذّهن الذي يصبح بعدها شفّافاً لا يطيق هذا العالم الضّيّق! بالإضافة إلى ما يتعلّق بصفات النّبوّة عند الأنبياء، كما هي التّفسيرات عند فلاسفة الدّين والفقهاء والمفسّرين لكتاب الله الكريم وللكتب السّماويّة الأخرى، حيث الإعتقاد أنّ الأنبياء بالإضافة إلى ذواتهم الكريمة المتجلّية هناك المدد الإلهيّ الذي جاء وخُلِقَ وهُم في عالمٍ غير هذا العالم! لا تستغرب فالغيب مهمّ حتّى في فيزيائيّتنا الحبيبة!ولا تستغرب (مرّة أخرى) لستُ خَرِفا يا صديقي!
الجّسيمات الإفتراضيّة والنّيوترينو المخفيّ (الذي إفترضتُه موجوداً! ومن حقّي أن أفترض، من هذا المنطلق) تتحرّك في مسافات شفّافة يتطرّق إليها الميكانيك الكموميّ بمصطلحات أخرى وبمفاهيم أراها أقرب إلى ذلك من أيّ شيء آخر.
يقول الفرنسيّ دينيس ديدرو:
(العبقريّ هو الشّخص الذي تتّسم روحه بالرّحابة، والقدرة على إستشفاف مشاعر الآخرين جميعا، يثير كلّ ما في الطّبيعة مشاعره، ولا يحصل البتّة على فكرة، إلّا إن إستحضرت معها شعوراً، كلّ شيءٍ يثيره، وبالتّالي ما من شيءٍ مفقود لديه).
هذا هو الذي يتحدّث عن الجّسيمات الإفتراضيّة هنا ممّا قبل فاينمان إلى ذلك وما بعده! لدينا العديد من العباقرة حينما يتحدّثون عن الحقيقة تلك بلا ضوضاء وبلا تشويش. فهؤلاء يستطيعون حلّ الكثير من معضلاتنا النّفسيّة والعلميّة والفكريّة والفلسفيّة، ولديهم وضوح في الرّؤية إلى درجة ما أعظمها وأجملها! عالمهم لا فرق فيه كبير ما بين الماضي والمستقبل، فعندهم أساليب عالية كي يفهموا بطيّ الزّمن ومعنى الطيّ موجود لا محال. عالمهم مفتوح على عوالم عجيبة ولا تَسَلْني عن بعضهم فإذهب إلى الكتب وإبحث عن صفاتهم وستراهم بقربك وحولك إنْ تحرّكتَ الحركة إيّاها!
حينما يصل بك الرّكب إلى محطّة من المحطّات التي تجعلك مجرّداً من الكتلة التقليديّة ستحسّ بأنّك تطير إلى عالم لا حدود له إلّا في مخيّلة الآخرين. فالجّاذبية نوعان أرضيّة وسماويّة. واحدة تسحبك إلى الأرض والثّانية تسحبك إلى أعلى (وأنت ووزنك الآخر لا الكتلويّ!) حيث لا فرق عندك حينذاك إن إنتقلت من هذا العالم إلى عالم آخر أو بقيت، حيث لا وزنك هو هو، ولا روحك هي هي! لا تستغرب فأنا أتحدّث عن علم يبدأ بالفرضيّة ويمرّ بالمعاناة المناسبة، ثم يتحوّل إلى عالم النظريّة التي تفرض عليك الفرض إيّاه من جسيمات، ومن غيرها، كي تصل إلى الحقيقة أو إلى الفعل الحقّ. تفكّر في هذا وأنت تذهب إلى سريرك طاهرَ الذّهن من تأثيرات أهل الفساد من السياسيّين والدّجّالين الذين يدّعون الدّين والأخلاق وهم أبعد ما يكونوا عنهما وعن غيرهما من المواصفات العالية. عندما تنتقل إلى عالم آخر تذكّر حديثي وستقتنع بأن الفيزياء والفلسفة لا تبتعد عن الغيب وعن العوالم الأخرى.
الموت يا عزيزي إنتقالة إلى عالم آخر يمكن لك أن ترى بعض عوالمه الدّاخليّة وتستفيد مما أطرحه لك لتعرف كيف يكون الزّمن مستقلاً ولا علاقة له بهذه الأشياء وسنطرق أبواباً أخرى مع الرّجوع إلى بعض الفيزيائيّات الحلّوة لأنّني أعرف أنّك تنسجم مع عالم الفيزياء الذي أقدّمه لك في طبق رمضانيّ وأنت وأنا جائعان ماديّاً ولكنّنا ممتلئان روحيّاً!
ولنا عودة إن شاء الله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي جذور النزاع حول الصحراء الغربية ؟ | بي بي سي نيوز عربي


.. حرب الفضاء لم تعد خيالا.. حرب خفية أميركية روسية صينية تهدد




.. سقط بلا أضرار.. العثور على بقايا صاروخ باليستي إيراني في صحر


.. متسلقون يعثرون على بقايا صاروخ إيراني في صحراء جنوب إسرائيل




.. سماء أثينا تتحول للون البرتقالي بسبب الغبار القادم من الصحرا