الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرفاه المادي والإجتماعي (حلم السيارة) - الجزء الأول

علي ارجدال
باحث في القانون العام والعلوم السياسية

(Arjdal Ali)

2021 / 4 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مسألة الرفاه المادي والإجتماعي تتحكم في الإعلان عن المواقف والآراء. لا يمكن لأحد أن ينسى ريعان شبابه حينما كان يعبر عن سخطه هنا وهنالك، حينما كان ينتقل بين الإيديولوجيات هنا وهنالك، واليوم يركن جانبا، مقتنعا في نفسه، يصفق دون إرادته، جرى الأمر بالنسبة له كبروتوكول إعتيادي، بينما في الماضي كانت تلك اللإحاءات تعج مؤامرات وخطر ويمكن أن تتسبب في عزله إجتماعيا نظرا لطبيعة الجهاز المفاهيمي الذي كان سائدا. اليوم نفسه المترفه اجتماعيا وماديا، المربوط بإلتزامات جعلت منه أعمى وأصم، اللبق، اللين، صاحب الكياسة؛ لا يهتم بأي شيء مما يقع، يجتهد من خلال تجربته وزمانه الذهبيين في ضحد ما لا يروق طريقة تناوله للطعام بالفرشاة، والنبل الجديد الذي أصبح يتصف به، وأنواع العطور التي أصبح يجيد التمييز فيما بينها، وماركات اللباس التي يصبر ليصطاد منها ما يناسب الذوق النبيل للمترفه، وفي الواقع هذا الإنسان إنقلب على كثير من القيم التي كان يرى فيها نوعا من البؤس المصاحب للفقراء. يوم بدأ يحصد بعضا من جهده، بغض النظر عن طريقة حصده، تسللت إلى وجدانه مشاعر خادعة، بدأ يأكل بعنف، يشرب بعنف، يقرأ ويتعلم بعنف، كأنه يسارع الزمن ليخبر القدر أنه هو المخطئ (أي القدر)، وتبلغ مسيرة صديقنا أن أصبح يبدع في نصح الآخرين للتدرج عبر المسالك السهلة، ويبشرهم بأن النتيجة نفسها تلك التي في الرياضيات؛ أي إعمل تجد، لم يعد يعني له صراع الطبقات شيء، كان في ما قبل أشد المدافعين عنه، إعتنق في فترة سادها الصخب قيم الليبرالية وراقه الأمر لأنه أصبح يمتلك منزلا وسيارة، والليبرالية تدافع عن حرية التملك لذلك لن بجد مشكلة في إعتناق فكر جديد يخلصه من صراعه مع الماضي والذي لا يرى فيه إلا نذير شؤم ومعاناة. اليوم، أي الحاضر، يمتلك صديقنا جميع مقومات العيش الكريم، ويوفر بعض النقود لشراء بعض الكتب، والإشتراك في بعض الدوريات العالمية، وتبدوا صوره في مكتبته المنزلية دالة على سخائه في الشراء المعرفي والثقافي، حتى أن صوره التي يشارك يعجب بها مئات من الباحثين عن نموذج وعبرة لهم، ولا سيما أنه يذكر في كل مرة يذكر المتابعين أنه نهض من الركام، ويدعوهم إلى تجنب المسالك الوعرة، والإبتعاد عن المشاكل، والصبر على الظلم، والإعتكاف في سبيل تحقيق الهدف المنشود. وعادة ما تتسلل إلى آفكاره بعض الوساوسيس، تذكره أحيانا بأنه أصبح بلا قيمة وبلا معنى (حديث مع نفسه) وأن مكانه الذي يستحق ليس هذه المكتبة، وهذا المنبر الذي يجتمع فيه الأفراد ويعجبون به ويقدرونه، ويستشيرونه في كل صغيرة وكبيرك. ربما هي لحظة شعور حلم السيارة ، عندما إنفجرت كل مواهبه بعنف وقرر أن يضع سقق أحلامه في إمتلاك سيارة، والسبب أنه كان يصل متأخرا الجامعة، ويتعرق من شدة الحرارة، ويشاهد زميله الذي كان يمر بجانبه حسن المظهر، يمر بسرعة بطيئة أمامه، جميع الفتيات يبصرنه بإبتسامة عريضة، ما إن تجتمع على صديقنا هذه الفصول من القهر حتا يفجرها في مقصف الكلية، طارحا بذلته التي أرهقته أرضاً، يصيح بصوت أجش.. ينتبه له من لا يعرفونه جيدا، ماذا هنالك؟ من هذا؟ يهمس أحدهم في أذن صديقه: لا داعي للفزع إنه فلان سيطلق العنان مجددا لحلقية حول الصراع الطبقي، الطبيعة الثلاثية للنظام، إتحاد رأس المال العالمي وإنتقاله من إتحاد صناعة للإتحاد أبناك... فهدأ صديقه بعد أن إعتقد أن شيء ما على وشك الوقوع. هذه بعض الذكريات التي لا زالت تؤرق تفكيره وتنال عادة من تبريراته لواقع الجديد، وذلك كلما صادف موقفا أكبر منه، أو عجز عن الإنتقال للهدف المقبل بسبب ولوجه مجالا جديد للمنافسة، لايبجلك لمجرد مستواك أو ماضيك أو قيمتك بين الجمهور، وإنما مربع لا يصمد فيه الجميع طويلا. عديدون هم جعلهم الرفاه يعتقدون أن الجميع متساوٍ في الشروط وأن الفرق بسيط، كل شيء. غير أنه يحاول أن يوصل للشباب فكرة مفادها أنهم لا ينخدعوا بشراء سيارته التي بنى عليها حلمه المؤقت، وظل اليوم غارقاً في البحث عن سيارات أفضل. وحلم السيارات هذا لا يقصد به المعنى المادي للسيارة كما هي، وإنما تمثل نفسي وإجتماعي يظهر في أحد الفترات ويصور لصاحبه أن إمتلاك سيارة هو الأفق.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة