الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معضلة السفر في كتاب -حرية مؤقتة- ناصر عطا الله

رائد الحواري

2021 / 4 / 20
الادب والفن


معضلة السفر في كتاب
"حرية مؤقتة"
ناصر عطا الله
عنوان الكتاب "حرية مؤقتة" يتوافق تماما مع حالة السجن والقمع والبطش التي يعيشوها أهلنا في غزة، فمن يخرج منها هو حر، وبما أن الخروج يتبعه عودة، عودة إلى الأهل، فالحرية إذن مؤقته، سرعان ما تنتهي بالعودة إلى سجن غزة والسجان "الملتحي".
أن نجد كتاب يعيدنا إلى المربع الأول، مربع الملاحقة السياسية وهاجس الخوف والمطاردة الأمنه، وما يتبعها من اعتقال وتعذيب وسجن وقمع وحرمان من أي حقوق يعد مفاجأة، ويصيبنا الدهشة، في كتب "حرية مؤقتة" نجد هذا الأمر، لكن بشكل جديد، فمن خلال رحلة السارد من غزة عبر معبر رفح البري، إلى مصر يحدثنا من خلال اسلوب "تداعي ضمير المخاطب" عن هواجس الخوف وحتى الرعب التي سببها أحد رجال أجهزة الأمن للسارد، فرغم أن الكتاب جاء ليتحدث عن أدب المكان/سيرة مكان، إلا أن "الملتحي" حول الكاتب إلى "شرق متوسط" جديد.
فما فعله الاخوان المسلمين الفلسطينيين في قطاع غزة لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، لأنه جاء من الأخ/الشقيق، ممن يفترض أن يحافظ على حرمة الدم الفلسطيني، لا أن يستبيحه ويسفكه تحت ذراع واهنة: "...تمكن المقتحمون الملثمون من السيطرة على المركز، وتوجه اثنان منهما نحو السيارة، ليرجعا الشاب إلى المقعد الخلفي، وأنت تراقب كغراب مستشر كل التفاصيل، قادة أحدهما السيارة باتجاه مجمعك السكني، وعند حاوة القمامة، مقابل مدرسة كانت مغلقة تم رمي الشاب الذي قتل وتركت جثته أمام مجموعة من القطط الجائعة...فهؤلاء الذين ارتكبوا جريمة قتل أمامك يرفعون شهادة التوحيد، وأول ركن من أركان دينك" ص18و19، من هنا تم ربط المكان/غزة بالسواد والقتامة: " في غزة تردم الأيام ردما، وتطويها ثقيلة، تتركها لما هو قادم عنها" ص70، وهذا التناول السبي يعد تجاوزا لنهج الفلسطيني، فغالبا من يأتي المكان بصورة ناعمة وجميلة، لكن ما شاهدة السارد وعاشه في عزة جعلها قاتمة ومثقلة بالسواد.



طالما كانت المعيقات والصعوبات تقف أمام سفر الفلسطيني وتنقله، فعدم امتلاكه لجواز السفر، وتدخل النظام الرسمي العربي في حركته ومنعه والحد من حركته/حريته، حالت دون أن يتمتع بحرية التنقل، ووقفت عائقا أمامه، وكلنا يعلم قذارة رجال الأمن الرسمي العربي عندما يتعلق الأمر بالطرف الضعيف، وكيف يكونوا ساديين معه، في هذا الكتاب الذي صنف ب "سيرة مكان" نجد الغصة التي حالت دون تمتع السارد برفاهية السفر وجمالية المكان، فكان ضابط الأمن الملتحي يشكل الكابوس/البعبع للسارد: "كل ما فعله ضابط الأمن الملتحي أنه أحيا السجان الداخلي في نفسك، بطلبه منك أن تراجعه أحد مراكز الأمن بعد عودتك إلى غزة" ص21، فرغم أن الكتاب تجاوز المائة صفحة، والرحلة بدأت من غزة، مرورا بسيناء، إلى القاهرة، ثم الفيوم، إلى كفر الشيخ، والعودة إلى القاهرة، ثم الاسكندرية والرجوع إلى القاهرة لتحضير السفر والعودة إلى غزة، نجد هذا الضابط الملتحي في كافة المحطات، حتى أنه في وقت الفرح نحده ينغص على السارد كما نغص على القارئ.
أثناء رحلته إلى الفيوم يأتيه الكابوس: "...فلا تشتت ذهنك باستحضار وجه ضابط المعبر ذاته" ص93، فالأمر لم يقتصر على التذكير والتفكير، بل تدعاه إلى التنغيص: "تفتح على نفسك وجعا جديدا يطاردك منذ أن وجدت اسمك على قائمة الانتظار في معبر رفح عند اجهزة الأمن في غزة، فهذا الإحساس الذي يقبض عليك ليخرجك من سعادتك المؤقتة، دلالة قلق لما بعد ترك مصر، والرجوع لسجنك الكبير" ص99، وهذا يشير إلى أن كلمة الملتحي لم تكن كلمة عادية، بل كلمة فجرت في السارد "السجن/المطاردة الأمنة/ المنع من السفر/القهر الذي عاناه الفلسطيني من الانظمة الرسمية العربية واجهزتها القمعية.
يبقى شبح الضابط الملتحي يطارد السارد أينما حل: "لا تذكر وجه الضابط الكالح، ولا عبوسه المرقع" ص108، في هذا المقطع يناول السادر الضابط بلفاظ قبيحة/"الكالح" وهذه اشارة إلى حجم الضغط الذي يشكله هذا الشخص، "فهو كابوس مخيف يطارد السارد ويجعله مرتبك ومضطرب وغير منسجم مع المكان الجديد جماله: "...ويا ليت الضابط الذي تركته عابسا في نعبر رفح البري يدرك حقيقة الوطن، وعمق الفداء الذي يتحمله المخلصون من اجل الحرية، ليته يبعد شبحه المصلوب عن ظهرك الآن لتعبر عن احترامك للثورة الجزائرية" ص115، فقسوة حضور الضابط جاءت من خلال تكرار ذكره المتواصل والمتعدد، فالسارد يذكره مرتين في صفة واحدة: "وجفلت دون سبب عندما خرجت من ملامحه شبح الضابط الذي تركك على صهوة القلق، تهدأ رياح الطريق ولا يهدأ غابر كلامه معك عن ضرورة مراجعتك لقتادته حال عودتك، ماذا دهاك حتى في لحظة انتعاشك مع لوفود تراك تجفل من غائب ترك سوطه في دمك؟.
... تزيد مخاوفك من ضابط المعبر الذي ينتظرك ليفتش في ذاكرتك عن ما يرهقه" ص118، وهنا نجد ان كلما بدأت الرحلة السارد في التقلص زادت مخاوفة، وإزادة قسوة الكابوس الذي يسببه هذا الملتحي المخيف: "لكن حريتك تكتب عن الأهرامات ناسيا أو متناسيا سطوة العودة لقادمك المقلق" ص123.
يأخذ الملتحي وضع أكثر تطورا في السارد، إلى ما هو أبعد من مجرد قلق/خوف/هاجس/تفكير إلى القرين الملازم: "...الضابط الذي شبحه لا يهدأ، وهو يطاردك في كل مكان تكون فيه، ولو شئت لقلت مثلك أنه تحول إلى قرين ملازم لا يتركك حتى لو دخلت بيت الراحة، فقسماته السمراء وكف يده الضخمة، ونظرات عينيه الحادة، وبروز صدره الواضح، كلها تقول لك ما لا يشبه الكلام، ولكنه يرعبك" ص129.

سنتجاوز عما بقى من حضور لهذا الشبح الملتحي، لنصل إلى العقل الباطن للسارد، وكيف أن الأدب العربي رسخ صورة اجهزة الأمن العربية مقرونه بالرعب والرهبة، فهي الكابوس الذي يلاحق احرار الأمة والمعارضين لما هو رسمي: "... لا، لن يحدث لك كما حدث لرجب، صاحب عبد الرحمن منيف في رواية شرق المتوسط، لماذا تتخيل أن المعتقلات السياسية في القرن الماضي، هي ملهمة السجانين الحالين، وأن الاقبية والأصفاد والمبولات، والممرات النحيفة ومن تحتها مجاري المكاره" ص190، بهذا المقطع سنوقف كابوس الملتحي، علما بأنه استمر حضوره المرعب حتى الصفحة 209.
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا