الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق الخان والاستاذ شامار

احمد الحمد المندلاوي

2021 / 4 / 21
حقوق الانسان


# في السنة الثالثة من الحرب لا تزال لمندلي المدينة الحدودية حصتها في نشرات أخبار الحرب اليومية ..
غير أنها رغم هجرة أبنائها واكتفاؤهم بسماع أخبارها من تلك النشرات ...لم تكن تبدو كمدن الحرب ...مدينة أشباح او خراب او دمار ..
ما تزال مباني المدينة باقية على الشارع الرئيسي رغم وجود اكياس الرمل على الرصيف ...ومع الفجر يمكنك كسابق الايام قبل الحرب ان تشم رائحة العشب المبلل بالندى من البساتين القريبة مع نسائم الصباح ...
فهي كانت كأميرات الشرق لا تشيخ او تعجز ...بل في أية لحظة تستعيد عافيتها وتضع زينتها ...لكنها كانت الحرب ...
في تلك الصبيحة من حزيران لم تكن صفارات الإنذار هي التي تعلن توقف القصف بل صوت الفخاتي على شجرة الكالبتوس العالية امام بناية الاورزدلي تلك الشجرة كانت في السابق محطة انتظار لرواد الاورزدلي او محطة التقاء الأصدقاء ...
في الايام القليلة الماضية كان بائع شواء في هذا المكان يبيع الشواء لزبائنه من العسكر لكنه رحل كما الآخرين ولم يبقَ احد في المدينة يبيع الطعام ...
المخازن الفارغة خلف الفندق المجاور كانت مكانا ملائما للاختباء كانت أكثر تحصنا من البيوت الطينية للمدينة ...
احد الرجال القلائل الباقين في المدينة اتخذ احد المخازن ملجأ وسكنا ..لم يرحل عن المدينة ربما لم يجد احداً يرحل معه او يرحل اليه ...
او انه لمرضه وتقدمه في السن ؛ كان شارد الذهن لم يصدق ما الذي يجري ..كيف تبدو مندلي هكذا من دون أبنائها
خرج من مخبأه الى الشارع ..
المدينة تبدو هادئة هذا الصباح ربما تعب المحاربون فصوت المدافع كانت تدوي طوال الليل؛ولا صوت الآن سوى صوت الفخاتي في حزيران مندلي ..فللفخاتي في مندلي موسم عشق وغزل وغناء لكنها الحرب ...
خرج مع صوت الفخاتي الى الشارع ..هاجس النجاة من الموت اختفى، انّــه جائع الآن...قدماه المثقلتان أخذتاه لمكانه المفضل في المدينة ...الى السوق الكبير ...لم تكن طرق مجهولة يسلكها لأول مرة ؛بل هي طرق يحفظها عن ظهر القلب مع أسماء أصحاب الدكاكين في جانبي السوق وخطوط وجههم ونبرات صوتهم ...
في سوق مندلي الكبير ببضع خطوات يمكنك ان تنتقل لعوالم مختلفة من محلات الفواكه والخضار الى محلات الحبوب ثم سوق الاقمشة والملابس والى المقاهي ومطاعم الكباب .
انه سوق مندلي وفي نهايته الخان القديم ..القدمان المثقلتان تخفان مع خفقات القلب كلما اقترب من الخان القديم ...ربما استبدل ثقل قدميه في تلك اللحظة في السير الى الخان بخفة الحنين والشوق لايام قوته ...
لم يبقَ من الخان سوى ساحة ترابية؛ تم هدم الخان قبل الحرب ..لكنه كان مكانه المفضل ..
مازال يشم رائحة الماضي من تراب الخان وكأنه يعيد اليه طقوس الماضي ...مع اشخاص شاركوه الحياة في ذلك المكان كان قد بدأ عمله منذ صباه في الخان ..في شبابه كان يعمل مع أقرانه في حمل البضائع واكياس الحبوب على الظهر من الخان الى المحلات ...الخان بقى مهجورا في السنين الأخيرة ..
سيارات الحمل صارت بديلاً عن الحمير والبغال لنقل البضائع الى المدينة وما عاد يستخدم الخان؛استمر في عمله في السوق وعلاوي الحبوب، فالسوق لم يكن له مكان للعمل فقط بل ملاذا من المطر في الشتاء والحر في الصيف ومكان نزهة ومرح ومأدبة طعام مفتوحة طول النهار...
في ساعات الظهيرة كان يعود الى الخان يقضي قيلولته بعد العمل في احد غرف الخان وعند المساء يعود لبيته في أقصى المدينة ؛إنه الآن خائر القوى في ساحة الخان ..بين الانقاض .
دكان بائع الشاي جوار الخان كان مكانه المفضل لتناول الإفطار ...الشاي مع الروبة والخبز الحار ،لم يبقَ منه سوى الجدار .
خطواته الثقيلة قادته لمطعم الكباب وذكرياته مع الرجال الثلاثة في المطعم ..كانوا يعطونه كل مرة رغيفا اضافياً عند تناول الغذاء انهم غير موجودين الان ..
لقد رحلوا جميعا والمطعم مقفل كباقي السوق ...لم يبقَ احد في المدينة ليهتم بوجعه وحزنه وجوعه ...يكاد يموت من الألم والحزن قبل ان يموت بشظايا القنابل ...قدماه المتعبتان تقودانه الى وسط السوق يجثو على ركبتيه بل لربما جثت روحه قبل جسده في وسط السوق ...
انها لحظة الانكسار والضعف والألم والتيه والعزاء ...
في ركن السوق لمح صفيحة فارغة كانت للرجل الذي يجلب الماء من النهر ويرش ارض السوق ..لكنه رحل هو الآخر ..
راودته الفكرة في جلب الماء ؛حمل الصفيحة ولحظات من الأمل في ان يعود الجميع الى السوق لو رش الماء ،يعود بائع الشاي او صاحب المطعم او بقية اصحاب المحلات ...
مازال يملك قلب فتى عاشق يعشق مندلي وسوق مندلي ..
لكن كل ذلك الحلم تلاشى مع صوت أول إطلاقة مدفع؛رجع الى ملجأه..ينتظر الجميع ان يعودوا ...لكن الحرب استمرت ..وطال الانتظار !!....
--------------------------
رحم الله كل أصحاب المحلات والمقاهي والمطاعم وكل الكسبة في سوق مندلي الراحلين
تحية لكل ابناء مندلي شكرا لكل من يقرأ هذه الاوراق المندلاوية
لكل من مر من هنا لكم مني السلام
جاسم محمد شامار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال