الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدهشة في مجموعة -ماذا لو- سمير الشريف

رائد الحواري

2021 / 4 / 21
الادب والفن


الدهشة في مجموعة
"ماذا لو"
سمير الشريف
تعرفت على مجموعة من كتاب قصة القصيرة جدا في الأردن، منهم "هاني أبو نعيم، محمد عارف مشيه، هارون الصبيحي، وسمير الشريف" ولكلا منهم له خائصه وطريقته في طريقة تقديم القصة، اعتقد أن جمالية هذه النوع من القصص يكمن في الدهشة التي يُحدثها في القارئ، فرغم حجم القصة متواضع، إلا أن أثرها كبير، ومن هنا تأتي جمالية، كلمات قليلة لكنها مؤثرة.
قبل الدخول إلى المجموعة ننوه إلى أن هذه المجموعة تتناول أكثر من موضوع وفكرة، فهي لا تخضع لموضوع بعينه، فنجد منها من يتناول الهم الوطني والقومي، والواقع اجتماعي وديني وسياسي، كما أن شكل التقديم متعدد، منها ما جاء بطريقة ساخرة، ومنها الرمزي، ومنها الواقعي، ومنها من جاء من خلال الفانتازيا، سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في مجموعة "ماذا لو" محاولين تبيان شيء من جمالية قصة الومضة.
"موضة
بعد انتهاء المؤتمر الوطني، عرجت زوجة الرئيس على باريس، لإلقاء نظرة على آخر صرعات الموضة" ص9، رغم أن الحدث واقعي، إلا أنه يأخذنا إلى رمزية الفاسد، كما أن المفارقة بين المؤتمر الوطني وصرعات الموضة تأخذنا إلى السخرية، وهنا تكمن أهمية القصة، تعدد المناهج التي تُحمل عليها، والتي يمكن أن يلتجئ إليها القارئ، فالحدث يبدو عادي، لكنه معبأ بالأشكال الأدبية.
"الصورة
الشهيد الذي سجن في إطار مقابل الباب الرئيس، طعنه الملل، نزل معتمدا على ساقة المصابة، بل خرقة، وصعد، يمسح الغبار عن أطراف الصورة" ص19، الفانتازيا واضحة في القصة، لكن الجميل في القصة، هو حركة الشهيد، فهو مصاب بقدمه، بمعنى أنه ثقيل الحركة، ومع هذا قام بعدت حركات، نزل، بلل، صعد، ي/مسح، واللافت في الحركة أنها ابقت الشهيد مرتفعا بعد أن صعد، كما أنها أبقته (نظيفا) بعد أن مسح أطراف الصورة، وهذا يأخذنا إلى الرمزية، فهل الغبار العالق بأطراف الصورة هو الانتهازي والوصولي؟.
"مزمزر
قلق ليلة الاقتراع، لم ينم، عبثت به الحيرة، رتب أقمعته على الطاولة واحتار أي الوجوه يلبس في صباح يوم التصويت" ص33، رغم أن الفكرة واضحية، إلا أن طريقة تقديمها جميلة، فقد بدأت القصة بفعل ينسب إلى المهمومين، البسطاء، أصحاب الضمير الحي: "قلق، لم ينم" لكنها تفاجئنا عندما وجدنا صاحب الفعل يرتدي الاقنعة، وله أكثر من وجه، وكأن القصة لا تريدنا أن لا نأخذ بالبدايات فقط، بل نكمل إلى النهاية، حتى نحكم بصورة صحيحة على الحدث/الشخص/الفكرة.
"هل؟
أمام الشماعة التي تؤجلين عليها أمنياتك وتعلقين ما تبقى منك، وقفت بخشوع، تنهدت قبل أن تزفري بحرقة.
ـ هل خلقت لأنحني أم أنحني لأعيش؟
وظل الجواب معلقا." ص38، دائما عندما يأتي النص الأدبي متعلق بالمرأة، فهو يزداد إثارة، وبما أن القصة تتحدث عنها، فقد كان وقع القصة كبير على القارئ، كما أن السؤال جاء ليصدم القارئ ويحيره، فإي جواب سيكون موجعا ومؤلما، كما أن استخدام القاص اسلوب تداعي ضمير المخاطب زاد من أثارة المتلقي وجعله ينحاز للمرأة ويشعر بوجعها.
"غياب
وضع آخر ضربة لفرشاته، جلس ينتظر الغائب الذي عبر اللوحة بحثا عن وطن" ص41، من جمالية القصة أنها تتحدث عن لوحة، وهذا يريح القارئ ويشعره بإحساس ناعم، كما أن التداخل أفعال الماضي: "وضع، جلس" المتعلقة بالرسام/الفنان، وبين الفعل المضارع "ينظر" ثم وجود فعل ماضي "عبر" المتعلق بطل اللوحة جعل القصة متداخلة ومتشابكة وترفع من تفكير القارئ ليتوقف عندها متأملا بجمال القصة، فبدا وكأنه أمام لوحة فنية وعليه أن يتأملها جيدا لمعرفة ما أرده الفنان، وأيضا ليصل إلى تركيبة الجمال الكامن فيها، وهنا تماثل وقع القصة مع أثر اللوحة.
"أوراق
توقع الكثير، لم يجد في الزنزانة غير رطوبة وآهات، وبقايا أمنيات لنزيل سابق حلم أن يعود لأطفاله معافى" ص45، جمالية الأدب تكمن في تقديم فكرة قاسية بشكل/بلغة/بطريقة ناعمة، وأن تقدم وحشية النظام الرسمي العربي بهذا الشكل الناعم، لهو ذروة الابداع، فرغم أن الصورة حزينة ومؤلمة، إلا أنها قدمت بصورة هادئة، بعيدا عن الصخب والعنف، وهذا يمتع القارئ وفي الوقت ذاته تصله رسالة القصة.
"بدل بنزين
اكتشف المعتصمون أن الذي تبرع بإيصال مطالبهم، يتكلم من هاتف مغلق، وأنه لم يغادر سيارته الفارهة التي أحاطوا بها، وطالبهم أن يكتبوا المطالب بخط مقروء ويرفقوها بمبلغ متواضع بدل بنزين" ص49، هناك أكثر من مفارقة في هذه القصة، فهناك من "تبرع" وفي ذات الوقت طالبهم بمبلغ" كما أن "سيارته فارهة" تشير إلى مكانته الاجتماعية/الاقتصادية العالية والتي تتناقض مع وضع المطالبين/المحتجين، وهذا ما يعمق المسافة بين المطالبين ومن يمثلهم، من سيوصل مطالبهم، بمعنى أن المقدمة متناقضة وغير منتظمة فبالتأكيد ستكون الخاتمة فاشلة وبامتياز.
"مضمضة
عاد من مركز إيواء المسنين، مطمئنا على والده، خلع الكمامة والنظارة السوداء، اتل بدار الإفتاء:
ـ هل يفطر من دخل جوفه الماء وهو يتمضمض للصلاة" ص65، أيضا نجد في هذه القصة تركيز القاص على المسافة الهائلة بين سلوك بطل القصة تجاه الأب، وموقفه من مبطلات الصيام، فهو يظهر مسالم وتقي في بداية القصة: "عاد من مركز إيواء المسنين" حتى أنه ذكر بشكل طيب وهادي ومتزن: "مطمئنا على والده" لكن بعد أن خلع القناع: "الكمامة والنظارة السوداء" واتصاله كشف حقيقته الزائفة، وبان على حقيقته، كشخص منافق، جاهل، مقلد، شكلي، يتمسك بالشكل ويترك الجوهر المضمون.
"عسس
الأم التي انتزع العسس وحيدها بوعد أن سيغيب ساعة استجواب، أغمضت عينيها وهي تحلم أن يحمل نعشها في سفرها الأخير" ص87، البعد الزمني بين "انتزاع وحيدها" وبين احتضارها هو اللافت في القصة والمثير، فالقاص تناول حجم الظلم الواقع على الإنسان العربي والقهر، بسطرين فقط، فبدا من خلال حجم القصة وعدد كلماتها المتواضع، أنه لا يريد أن يثقل على القارئ بالحديث عن آلام المعتقل وأمه، ختار هذا الشكل بحيث يوصل الفكرة وبأقل الأضرار النفسة.

"حسرة
تنفس الدرج الكهربائي المتحرك بعد انقطاع الكهرباء وهمس:
ـ كلهم يصلون أهدافهم، إلى متى أظل مطية أحذية العابرين" ص79، الجميل في فكرة القصية أنها قدمت من خلف الستار، من خلال أنسنة الجماد، وهذا يأخذنا إلى كل من يعمل في (تلميع/وصول) الآخرين، فالتساؤل الذي ابداه المصعد جاء بعد أن توقف عن العمل، بعد أن توقفت الطاقة/التغذية التي تمده، بمعنى أن مراجعته لنفسه جاءت في وقت استطاع أن يفكر بحرية، بعيدا عن (الضجيج، ووقع الأحذية) وضغط الحياة، فاكتشف أنه مجرد وسيلة لا قيمة لها بعد أن يُوصل/يأخذ الأخرين حاجتهم منه.
"ملل
مل الراعي متابعة أغنامه، على أطراف الصحو مال لظل شجرة، تسربت بعض الخراف، أوعز لكلابه تولي شؤون القطيع" ص112، رمزية النظام الرسمي العربي حاضرة في القصة، والجميل فيها استخدام القاص لألفاظ متماثلة شكليا "ملل، مل، مال" وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى تماثل الأنظمة/الجهات/الأشخاص/الحكومات في تعاملها مع المواطن، فحتى (الكلب) يقوم بدور النظام.
"فسادستان
العبيد في مزرعة فسادستان يلهجون بصوت واحد:
"ربنا أخرنا من هذه القرية الظالم أهلها" ص 123، العنوان "فسادستان" يمثل الاشارة إلى كثرة الفساد والمفسدين، وعندما تم تكراره في العنوان ومتن القصة أكد على تفشيه وكثرة اتباعه، وعندما استعان بآية قرآنية أراد بها التأكيد تفاقم الوضع، وبما أن الآخرين "عبيد في مزرعة"، وهم لا يقدرون على الحرية، فجاء التغيير/الخلاص من خلال الله، من الخارج وليس ممن هو بشري.
المجموعة من منشورات دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا


.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية




.. -صباح العربية- يلتقي نجوم الفيلم السعودي -شباب البومب- في عر


.. فنان يرسم صورة مذيعة -صباح العربية- بالفراولة




.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان