الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية العطر بلا عطر

صلاح زنكنه

2021 / 4 / 22
الادب والفن


العطر رواية بوليسية بامتياز .. بدلالة عنوانها الثانوي (قصة قاتل) لكاتبها الألماني باتريك زوسكيند .. ترجمة د. نبيل الحفار .. دار المدى, وقد ترجمت الى أكثر من عشرين لغة وحولت الى فلم شهير حقق أرباحا عالية.
وبصراحة شديدة أن هذه الرواية الشهيرة, التي دوخت القراء والنقاد على حد سواء, هي حسب وجهة نظري الشخصية والمتواضعة جدا, أسخف رواية قرأتها في حياتي .. رغم براعة الروائي فنيا وتقنيا, ورأيّ هذا قد يصدم بلا شك ذائقة العشرات بل المئات من المعجبين البليدين سرديا وثقافيا ومعرفيا, دون أن يكلفوا أنفسهم بسؤال بديهي واحد وهم مسترسلين مع الراوي الماسك بزمام السرد دون فكاك, هل لهذه الأحداث الدراماتيكية السوبرمانية أية صلة بالواقع أو المنطق ؟ الجواب كلا ...
عمد الروائي في كتابة روايته الى الأسلوب الغرائبي العجائبي متخذا من (الراوي العليم) ساردا كلي العلم, كي يسلب لب القراء البلداء ذوي الثقافة السطحية والمغرمين بالقوى الخارقة والمعجبين بالأساطير والخرافات وغرائب الحياة عبر وصف دقيق مسهب وممل, يتخلله الكثير من الفذلكات والهرطقات والأكاذيب والخزعبلات التي لا تنطلي على أي شخص سوي.
جان باتيست غرنوي بطل الرواية المولع بالروائح حد الهوس يقتل 25 فتاة عذراء فاتنة لا لشيء, فقط كي يستخلص من أجسادهن وشعورهن نوعا من العطور, ويفلح في مسعاه لغاية القبض عليه والحكم عليه بالإعدام, وما أن يصعد على منصة الصلب يستخدم عطره الأخاذ الساحر فيصاب الجمهور الغاضب بشبه إغماء متعاطفين معه حتى يصرخ الجلاد بصوت مرتفع: ما هذا إلا ملك صالح, وحين يتأكد المجرم من مفعول عطره, يرش قطرات أخرى عل منديله ويصوبه نحو الجمهور المحتشد, فيهتاجون جنسيا, النساء ينزعن ثيابهن شهوة والرجال يواقعون النساء في حفل باخوسي أيروسي مذهل, شيبا وشبابا, تصوروا عشرة آلاف رجل وامرأة ينغمسون في مضاجعة جماعية في المجتمع الفرنسي المحافظ ابان القرن الثامن عشر وغرنوي يتفرج عليهم بمن فيهم الكهنة والراهبات وكل علية القوم عرايا كما خلقهم الرب حسب وصف الروائي, ثم يطلق سراحه ليذهب الى حال سبيله, ويعدم بدلا عنه دومينيك دروو الذي كان يعمل عنده غرنوي.
وحين يدخل غرنوي باريس يرش بعض القطرات من زجاجة العطر على رأسه قرب مجموعة من الناس المجتمعين (30 شخصا) ليلا حول موقد نار, وما أن شموا رائحة العطر انجذبوا اليه مأخوذين مسحورين فينقضون عليه كالضباع كي ينالوا نسمة من عطره الذي أشعل شهوتهم ونهمهم, ومزقوه اربا اربا الى ثلاثين قطعة, والتهموه وكأنهم أكلة لحوم البشر.
هذا باختزال شديد مضمون الرواية التي تمتد أحداثها من سنة 1738والى سنة 1797 أي 59 عاما هو عمر البطل القاتل غرنوي الذي مات ميتة مفتعلة غير مقنعة اطلاقا كما مات قبله السيد غريمال غرقا بعد سكرة عتيدة, وبالديني العطار الايطالي الذي تهاوى بيته في النهر وانتهى أمره هو وزوجته.
وأخيرا أقول أن الكاتب أي كاتب لا يحترم عقلي (عقل القارئ) لا أستسيغ طروحاته ولا أقتنع بفحوى خطابه, حتى ولو بدعوى الخيال الجامح والفنطازيا والغرائبية وما الى ذلك من المفاهيم الأدبية التي ينطوي تحت ظلالها بعض الأعمال الإبداعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا