الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (269) غطاء الشخصية

بشير الوندي

2021 / 4 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (269)
غطاء الشخصية
------------
مدخل
------------
تحدثنا في مبحث سابق عن حاجة الاجهزة الاستخبارية الى متخصصين من خارج الجهاز لاستخباري يعملون في مؤسسات معينة ليكونوا عينها داخل تلك المؤسسات كالمؤسسات المالية والمنظمات الدولية وسواها من المؤسسات التي يحظر على الاجهزة الاستخبارية التجسس عليها (انظر مباحث في الاستخبارات 267 ضابط الامتثال ) , وسنتناول في مبحثنا هذا غطاء الشخصية الاستخبارية وتخفيّها تحت واجهات لعناوين وظيفية مزيفة لتسهيل اندماجها في الوسط الذي تُزرع فيه , وشروط هذا الغطاء واهميته والجوانب الفنية فيه .
------------------------------
الاستخبارات = السرية
------------------------------
لامعنى للعمل الاستخباري السري ان كان عناصره وقوامه الهيكلي مكشوفين (انظر : مباحث في الاستخبارات 81 الغطاء الاستخباري) , فالجهاز الاستخباري هو بالضرورة جهاز مرصود من قبل العدو ومن قبل الفضوليين , ومن ثم لابد ان تكون من اولى خطوات السرية في الجهاز الاستخباري ان يكون عناصر الجهاز سريون لايعلم بهم احد .
وبما ان حياة الانسان – اي انسان – لاتستقيم من دون توصيف وظيفي لعمله سواء كان عمله في القطاع الخاص او العام , فلابد من ان يتماهى معظم عناصر الاجهزة الاستخبارية تحت يافطات وهويات مزيفة وان يتم ذلك بشكل محترف ومخطط له سواء كان رجل الاستخبارات موجود داخل بلده او كان يعمل في المحطات الخارجية ضمن بيئة معادية , ففي اكبر اجهزة الاستخبارات الدولية والاقليمية ينتحل عنصر الاستخبارات شخصية اخرى حتى وان كان بلده مستقرا وآمناً و بلا تهديد , فهو لا يفصح عن عمله ويختفي تحت مسمى اخر.
ان العامل في الاستخبارات الخارجية هو اشد حاجة الى التعايش مع شخصية ضمن بيئة سكناه وحياته الطبيعية ,فكل محطات التجسس للاستخبارات الخارجيه مستتره ضمن السفارات فيطلق على مدير المحطة صفة مستشار سياسي للسفير او قنصل او دبلوماسي , وهي عملية انتحال صفة يتطلبها العمل.
وقد ذكرنا ان الامر يشمل "معظم " عناصر الاجهزة الاستخبارية وليس " كلهم " , لأن هنالك شخصيات استخبارية تكون وجوهها واسمائها مكشوفة ولامجال لإخفائها من قبيل رئيس الجهاز الاستخباري او عناصر الاستخبارات المنوط بهم التواصل مع الاجهزة الاستخبارية الاجنبية او الناطق الاعلامي للجهاز الاستخباري وبعض الشخصيات الاخرى , فهؤلاء لامجال لإخفاء شخصياتهم او تزييف هوياتهم .
-------------------------------
فوائد انتحال الشخصية
-------------------------------
ان انتحال الشخصية هي جريمة يعاقب عليها القانون , لكن الاستخبارات تمتهن هذه "الجريمة" وتقننها وتضع لها دورات ودروس وضوابط ومحددات , فعنصر الاستخبارات يعمل في عمل سري ولابد له من اتقان انتحال شخصية ما ضمن سكناه وعمله واسلوب حياته , وحينها سيكون عنصراً فعالاً متجدداً يستطيع الجهاز الاستخباري الافادة منه في البيئة المناسبة متى تسنح الفرصة , ولابد ان تصدر له كافة الباجات والهويات التعريفية التي يحتاجها وفق الشخصية المتوافقة مع امكاناته , وفي ذلك فوائد كثيرة منها :
1- إبعاد العناصر الاستخبارية عن التهديد وحماية عوائلهم.
2- التعايش مع السرية واتقانها ومزجها بالحياة اليومية , مما يسهل لرجل الاستخبارات الذوبان في المجتمع المحدد له ويمكن الجهاز الاستخباري ان يكلفه بمهام من ضمن اختصاص هويته المزيفة.
3- سهولة الوصول الى المعلومات دون اثارة انتباه الآخرين.
4- تعلم قابلية الاعتماد على النفس لا على الوظيفه والصفة.
5- امكانية الحركة والتنقل والسفر.
6- حماية الجهاز الاستخباري والعمليات السرية.
-------------------------------
التقمص ..المهمة الصعبة
-------------------------------
ان سرية العمل الاستخباري تتطلب من رجل الاستخبارات ان لايكون مرئيا ويكون مؤثراً في ذات الوقت , فهو من جهة يكون متوارياً خلف لافتة بريئة في وسط الاعداء بحيث لايلتفتون اليه , فيحقق امانه ويجمع معلوماته , وفي نفس الوقت فإنَّ المعلومات التي تجمع عن العدو تتحول الى تماهي واندماج فكري تمكِّن الاجهزة الاستخبارية من جمع المعلومات بشكل آمن (انظر : مباحث في الاستخبارات 114 التماهي الاستخباري).
من امثلة انتحال الصفة او المهنة التي يختفي خلفها رجل الاستخبارات بشكل رسمي هي هويات مهندس , محاسب , طبيب , سائق , عامل , ضابط , فنان , طالب , استاذ , إمام مسجد , صناعي , تاجر , مصرفي , مزارع , بيطري , وغيرها , وتنسب له وفق ملكاته , وتؤدي الى تسهيل ذوبانه في المجتمع دون ان يلاحظه احد , لذا يجب ان يبذل جهدا ليكون مقنعا في شخصيته التي يعيشها.
ان عملية التقمص ليست بالعملية السهلة كما يظن البعض , ويكفي ان تتخيل انك رجل استخبارات لكنك متقمص لشخصية محامي , فحينها تحتاج ان تكون ماهراً في اجتياز اختبار اجتماعي لتبدي قدرتك القانونية , او ان تتقمص مهنة طبيب وتتطلب حالة ما في محيطك الى اسعاف طبي عاجل , الاكثر صعوبة حين تكون هويتك بإسم مغاير لم تتعود اذناك على موسيقاه فتراك لاتلتفت حين تنادى به او ان تلتفت بشكل ملفت لو نوديت باسمك الحقيقي , من هنا , يفضل دوماً ان يعيش ضابط الاستخبارات في بيئته حسب اختصاصه الدراسي , من قبيل ان يكون خريج القانون محامي , وخريج التربية الرياضية رياضي , وخريج الحاسبات خبير في الحاسبات , ويجب ان يمتلك كتب في مكتبته تتعلق باختصاصه الذي يعيشه , ليكون الانطباع عنه متسق وطبيعي.
ولابد لعنصر الاستخبارات ان يختفي خلف هويته الاخرى المزيفة ويتعايش مع الشخصية الوهمية داخل بيته وداخل محل سكناه ومع اصدقاءه واقاربه وفي سفره وواجباته وخاصة في مجال العمليات الخاصة وجمع المعلومات والاستخبارات الخارجية , وعليه ان يعيش الشخصية التي يجب ان ينفذها كحال حين يتقمصون الادوار في الافلام والتي احيانا نشعر بهم كأنها حياتهم الشخصية لشدة اتقانهم للدور , حتى ان بعض مشاهير الممثلين يؤخذ عنه انطباع شخصي ويطلبه المخرجون في نمط واحد من افلام الاكشن او الجريمة او الرومانسية (انظر : مباحث في الاستخبارات 82 المحاكاة).
ان على رجل الاستخبارات , الذي يعمل في محطة مستترة , ان يتعايش مع الاستتار بشكل تام , كجزء من الخداع والتضليل التي تعد من مقومات واساسيات العمل ومنها التخفي وانتحال الشخصية والكتمان(انظر : مباحث في الاستخبارات 96 الخداع والتضليل) .
-----------------------
التماهي المناسب
-----------------------
ان الدائرة الفنية في الجهاز الاستخباري هي المسؤولة عن صياغة الشخصية المناسبة لرجل الاستخبارات وفق الواجب الذي يكلف به , فمن ابرز مهام الدائرة الفنية هو تكييف العناصر الاستخبارية بهويات مصطنعة مع الاخذ بنظر الاعتبار البيئة والامن والحماية وتسهيل الحركة والافلات من الرقابة والاندماج في المجتمع , سواء في في بيئة الهدف او العدو او ساحة العمل(انظر مبحث 118 الدائرة الفنية).
ان صناعة هوية زائفة للحماية يجب ان تكون دائمة مستمرة لغرض التأصيل في شخصية العنصر و التعود عليها والتعايش معها ثم التعود على العمل من خلالها , والامر يحتاج لإتقان ودراسة منسجمة مع قدرات رجل الاستخبارات , فلا تدعي انك مدرب خيول وانت لا تمتطي فرساً , او انك مدرب سباحة وانت لا تتقن السباحة .
وتتنبه الدائرة الفنية حتى الى الاسم المثبت على الهوية , فليس كل شخص يصلح ان يكون اسمه يوحنا او سرمد او عليوي , ومن كان اسمه عليوي لايكون اسم والده مقداد !!!!, ولابد من السيطرة الكاملة والمران على رد الفعل تجاه الاسم , فلابد ان يتعود الشخص ان يتفاعل مع اسمه الجديد بشكل طبيعي وبخلاف ذلك قد تتعرض العملية الاستخبارية الى الفشل والمخاطر , فتخيل لو ان شخصاً معروفاً في منطقته بأنه ضابط استخبارات ويكلف بمهمة في محافظة او منطقة اخرى , حينها يكفي ان يشاهده شخص من ابناء محلته لتجعله ينكشف , او انه معروف بصفة رجل استخبارات ويوفد الى الخارج , فيكفي ان يبحثوا في ملفه الشخصي على وسائل التواصل لكشف هويته الحقيقية , ومن هنا لا يسمح للعناصر الاستخبارية بفتح صفحات تواصل بصفتهم العسكرية او الاستخبارية في الدول المتقدمة والاستخبارات الدولية ويعد الامر جريمة.
للأسف , في الدول المتخلفة استخبارياً يكون الضابط مُعتمدٌ على هويته , فلا يبخل في ابراز هويته كموظف في الجهاز الاستخباري لانها تعطيه قوة ومكانة مجتمعية , وحتى اذا اعطوه غطاء سري فإنهم يصدرون له هوية ضابط شرطة اي يجعلوه بارزاً جداً !! , وكذا الحال في الانظمة الشموليه والدكتاتورية حيث لا يتم اخفاء الشخصية الاستخبارية بشكل عام , بل تختفي تحت مسميات عسكرية او شرطوية.
-------------
خلاصة
-------------
في عالم الاستخبارات لاشيء يبدو كما هو ظاهر للعيان , فمقر احدى الدوائر الاستخبارية تجده خلف يافطة "شركة ماوراء البحار لاستيراد وتصدير المعدات الفنية " وعناصر الاستخبارات موظفون لاتبدو عليهم روح المغامرة والمخاطرة و"الآكشن" ويعملون بمهن مملة رتيبة , ورجل الاستخبارات في الشارع يحمل هوية محامي في الدائرة القانونية لوزارة البيئة , وغير ذلك من الواجهات الباهتة , لكنك لاتتصور – والمهم ان لايتصور العدو الذي يسعى لرصدك - ان تلك الشركة قد تكون ادارة خاصة بالتجسس المضاد , وهذا المحامي الوديع قد يكون محللاً استخبارياً يدير مجموعة عملاء في بلد ما .
ان العمل الاستخباري هو عالم الاسرار , ولابد ان لايبرز عناصره عضلاتهم , ولا ان تنتفخ جوانب ستراتهم بمسدس في الشارع , وان يتخفون ويذوبون وسط المجتمعات والبيئات المستهدفة شريطة ان تتوافر فيهم خلفيات ثقافية وعلميه وكاركتر يتناسب مع هويته التي يتخفى خلفها , وهذا الامر هو من اوليات العمل الاستخباري , الله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا