الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يعد الاقتصاد العراقي من الاقتصادات المتخلفة على الرغم من غناه بالثروات الطبيعية الكبيرة ؟

عادل عبد الزهرة شبيب

2021 / 4 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في مجال الاقتصاد على الرغم من امتلاك العراق لثروات طبيعية كبيرة غير موجودة في بلدان اخرى الا ان اقتصاده يعد من الاقتصادات المتخلفة. ففي مجال الصناعة سبق للعراق ان امتلك صناعات جيدة كانت مقبولة لدى المستهلك العراقي , الا ان الحروب التي خاضها العراق والحصار الدولي المفروض عليه في تسعينات القرن الماضي وانخفاض اسعار البترول عالميا ادت الى تراجع صناعته الاستخراجية والتحويلية , ولم تأخذ القطاعات السلعية ومساهماتها في الناتج المحلي المسار الطبيعي في النمو ,اذ ارتبطت تلك المساهمة بالظروف التي كان العراق يعيشها خلال الفترة 1973 – 2003 . وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 تعرض الهيكل الاقتصادي للعراق الى التدمير والخراب . واعتمد الحاكم المدني في العراق (بول بريمر) سياسة الباب المفتوح في العراق محاولا تغيير النظام الاقتصادي في العراق القائم على المركزية في التخطيط الى اقتصاد السوق . ولم توضع الخطط لتطوير المنشآت الصناعية او اقامة صناعات جديدة. وادت سياسة الباب المفتوح الى اغراق السوق العراقية بالسلع من شتى دول العالم وحتى من مناشئ غير معروفة دون مراعاة حماية الانتاج المحلي او المستهلك العراقي وادت هذه السياسة بعد 2003 من قبل الحكومات المتعاقبة الى بلوغ الصناعات التحويلية رمقها الأخير وما صاحبها من الانخفاض بسعر النفط الخام في الربع الأخير من عام 2014 اضافة الى استفحال الفساد الاداري والمالي في الوزارات العراقية كافة. وبدأ العراق يخسر ملاكاته الماهرة في الحروب او الهجرة او المضايقة , اضافة الى خسارة اصحاب رؤوس الأموال من القطاع الخاص الذين فضلوا استثمار اموالهم في الدول المجاورة الأكثر امانا من العراق . وكان لتدهور الأوضاع الأمنية في العراق بعد 2003 والنزاعات الطائفية منعت أي جهود لإنشاء مؤسسات جديدة او صناعات اخرى .
ان عدم دعم المنتج المحلي من قبل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 ادى الى تدهور الصناعة العراقية. وبات العراقيون يستهلكون كل ما هو مستورد بعد اختفاء المنتجات العراقية وباتت اسواق العراق مكتظة بالمنتجات الأجنبية حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين العراق والصين 21 مليار دولار في عام 2018 , كما تبوأ العراق المكانة الاولى في استيراد السلع الايرانية في عام 2018 بقيمة 11 مليار دولار قيمة السلع والطاقة المستوردة من ايران والتي تطمح لزيادتها ’ كما تطمح تركيا ايضا الى رفع حجم التجارة مع العراق الى 20 مليار دولار. وحسب الجهاز المركزي للإحصاء في العراق فقد بلغ اجمالي الاستيرادات السلعية غير النفطية لعام 2016 ما يقارب 50 مليار دولار , وساهم ما قام به الحاكم الأمريكي المحتل من تخفيض الرسوم الجمركية عن جميع السلع المستوردة الى 5% في تدهور الصناعة العراقية. كما ان اغلبية من تبؤوا السلطة في العراق يعملون في التجارة والاستيراد وليس من مصلحتهم نمو القطاع الانتاجي في البلاد . وعلى الرغم من تشريع قوانين في عام 2010 خاصة بالتعرفة الجمركية وحماية المستهلك والتنافسية ومنع الاغراق السلعي ’ الا انها غير مفعلة وان جميع البضائع المستوردة لا تخضع للسيطرة النوعية , كما ساهم الفساد المالي والاداري في تدمير القطاع الصناعي في البلاد. وليس من مصلحة الدول المجاورة للعراق وحلفائهم في الداخل عودة العراق للإنتاج الصناعي كونه سوقا استهلاكيا كبيرا ونهما , وان غياب الحماية الحكومية للمنتجات المحلية ادى الى غلق آلاف المصانع الحكومية والخاصة .
نستنتج من ذلك ان الحكومات المتعاقبة في العراق منذ 2003 والى اليوم لم تدعم المشاريع الصناعية ذات المكون التكنولوجي العالي والمتطلبات التمويلية الكبيرة وذات الأهمية الاستراتيجية, ولم تدعم المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة والمنشآت الصناعية الحكومية, ولم تسع لإعادة تأهيلها واصلاحها اداريا واقتصاديا , كما لم تشجع استغلال الخامات المعدنية وانعاش الصناعات التحويلية , ولم تحقق تنمية متوازنة بين القطاع الصناعي ومختلف القطاعات الانتاجية والخدمية الاخرى خصوصا القطاع الزراعي, ولم تهتم ايضا بصغار المنتجين من كسبة وحرفيين واصحاب الورش الصناعية الصغيرة . ولم تدعم الحكومات المتعاقبة القطاع الخاص الوطني وتوفير البنى التحتية لتطويره , ولم تسع لدعم المصرف الصناعي وتعزيز رأسماله وتشجيع تأسيس الصناديق والمصارف الاستثمارية المتخصصة في تمويل المشاريع الصناعية , ولم تعتمد اساليب التخطيط الصناعي المكاني والاقليمي . كما لم تحافظ على الكوادر والمهارات العلمية والتقنية واجتذاب الكوادر التي غادرت العراق والاستفادة منها في عملية التنمية .
لقد ساعدت سياسة الحكومات المتعاقبة منذ 2003 الى وأد صناعتنا الوطنية وهذا احد انجازات المحاصصة الطائفية.
اما في مجال الزراعة فعلى الرغم من العوائد المالية الكبيرة التي يحصل عليها العراق من جراء بيع النفط الخام , الا ان هذه الأموال لم ترصد لإصلاح واستغلال الأراضي الزراعية حتى المملوكة للدولة .ويحذر خبراء اقتصاديون من ان العراق بات ومنذ سنوات لا يزرع سوى ربع المساحة الصالحة للزراعة من اراضيه , اذ ان معدل المساحات الصالحة للزراعة في العراق يبلغ 40 مليون دونم بينما يزرع منها فقط 10 مليون دونم. وبسبب المشاكل الكثيرة التي تواجهها الزراعة في العراق فقد ازدادت الهجرة من الريف الى المدن نتيجة تدني الخدمات التعليمية والصحية في الريف ومشاكل الزراعة. وبفعل هذه العوامل فقد ارتفعت الواردات الزراعية حتى اصبح العراق يستورد سلة غذائه من الخارج, وادت سياسة اغراق السوق المحلية بالمنتجات الزراعية المستوردة من دول الجوار الى موت الزراعة المحلية لعدم قدرتها على المنافسة وادى ذلك الى تراجع الزراعة بشكل كبير في ظل تقدم الصحراء نحو المناطق الزراعية وتزايد عمليات تجريف البساتين وتحويلها الى مشاريع سكنية, كما ادى سوء التخطيط الى تراجع الزراعة في البلاد ويصاحب ذلك مشاكل نقص مياه الري والكهرباء حيث لا يمكن ايصال المياه لكثير من المناطق .
لقد شهدت المنتجات الزراعية الوطنية تراجعا كبيرا في الأسواق العراقية اذ تحولت الأسواق من منافذ لبيع المنتج الزراعي المحلي الى منافذ لبيع المنتجات الزراعية المستوردة وخاصة من ايران وتركيا واضطر الكثير من المزارعين الى بيع اراضيهم في ظل غياب الدعم الحكومي للقطاع الزراعي .
لم تسع الحكومات العراقية بعد 2003 والى اليوم الى تطوير الانتاج الزراعي كما ونوعا وتمكين الفلاحين من استخدام المكننة المتطورة والبذور المحسنة الجيدة والاسمدة العضوية والكيمياوية والمبيدات وغيرها , اضافة الى استخدام الأساليب العلمية الحديثة في الزراعة والري . كما لم تعالج مشكلة هجرة الفلاحين وآثارها وتحفيز الفلاحين للعودة الى اراضيهم وتعويض من تضرر منهم وتقديم المنح والقروض لهم , مع تفعيل دور الجمعيات الفلاحية والتعاونية القائمة وتوفير التمويل بشروط ميسرة للفلاحين وتطوير المبادرة الزراعية الحكومية وزيادة المبالغ المخصصة لها .وبعد ان كان العراق يحتل المرتبة الاولى في العالم في انتاج وتصدير التمور اصبح اليوم يستورد التمور من ايران ودول الخليج العربي مما يشير الى وجود تقصير كبير لدى الجهات المسؤولة في تخلف القطاع الزراعي والى الاهمال والتهميش الذي تعرض له هذا القطاع الحيوي, لذلك بقي العراق يستورد سلة غذائه من ايران وتركيا وغيرهما .
ليست الصناعة والزراعة وحدها من تراجعت بل شمل التراجع ايضا قطاع استخراج المعادن حيث يمتلك العراق ثروة معدنية هائلة موزعة في جميع محافظات العراق الا انها مع الأسف الشديد لم تستثمر بعد ولم يتم الاستفادة من كامل طاقتها. ويمكن للمعادن في العراق ان تكون موردا رئيسيا بعد نضوب النفط العراقي. يحتوي العراق على عشرات انواع المعادن وبكميات كبيرة وهناك مساحات شاسعة لم يجري مسحها والتنقيب عن المعادن فيها , ويوجد في العراق معادن نادرة الا ان نحو 80% من المعادن في العراق غير مستثمرة كالذهب والزئبق واليورانيوم والنحاس والعديد غيرها . وتحوي محافظة ميسان مكامن كبيرة لمادة الزئبق الأحمر لكنها اليوم عرضة للسرقة والتهريب للخارج من قبل مافيات منظمة على حساب اقتصاد البلد. ويمكن للثروة المعدنية في العراق لو تم استثمارها بالشكل الصحيح ان تضيف عوائد مالية كبيرة لموازنة الدولة الى جانب العوائد النفطية , غير انها مهملة .
اما قطاع السياحة في العراق فهو الاخر لم يسلم من التخلف والتراجع . وتعتبر السياحة احد روافد الاقتصاد العراقي المهمة حيث تتوفر مقومات السياحة من بيئة واثار ومراقد دينية وانهار وشلالات واهوار ومواقع جبلية, لكن العراق لم يستغلها سياحيا حيث سوء الادارة والتخطيط والفساد. كما يمكن لقطاع السياحة في العراق ان يدر موردا ماليا كبيرا لو احسن التخطيط له . وماتزال البنى التحتية للسياحة في العراق ضعيفة في الوقت الراهن وغير صالحة لاستيعاب اعداد كبيرة من السياح اضافة الى وجود تقصير واضح في الجانب الاعلامي الترويجي والدعائي لمناطقنا السياحية والذي يفترض ان تقوم به السفارات والقنصليات العراقية في الخارج الى جانب دور هيئة السياحة ووزارة الثقافة. كما انه لا يوجد حتى الان مستثمرون قادرون على تطوير البنى التحتية السياحية, ولم تهتم الحكومات العراقية بعد 2003 بتربية وتأهيل الكوادر السياحية وتطوير معاهد الفندقة والسياحة .
اما بخصوص القطاع التجاري في العراق فهو ايضا يعاني من تردي جانب الصادرات حيث يقتصر على تصدير النفط الخام فقط دون القطاعات الاخرى مقابل زيادة جانب الاستيرادات السلعية الاستهلاكية. بل ومن المعيب على الحكومات العراقية ان بلدا نفطيا مهما كالعراق يستورد المنتجات النفطية والطاقة من دول الجوار, فأي تخلف هذا؟ لقد تحول العراق الى بلد يستورد كل شيء ولا يصدر شيئا عدا النفط الخام حتى دون ان يكلف نفسه بتصنيعه وتحويله الى منتجات نفطية يمكن ان تباع في الأسواق العالمية بأسعار اعلى من سعر برميل النفط الخام . ومنذ 2003 والى اليوم بقي الاقتصاد العراقي اقتصادا وحيد الجانب يعتمد كليا على تصدير النفط الخام واهمال القطاعات الاقتصادية الاخرى. كما يتميز الميزان التجاري العراقي بأنه ميزان سلبي ترتفع فيه نسبة الواردات على الصادرات ويشير الى مدى تبعية العراق للخارج. ويعد العراق حسب الاقتصاديين من الدول الأكثر انكشافا في العالم كونه يعتمد على القطاع النفطي في تجارته الخارجية وان اكثر من 90 % من ايراداته من النقد الاجنبي تأتي من الصادرات النفطية . ويرون ان اقتصاد دولة اذا تجاوزت نسبة استيراداتها من الناتج المحلي الاجمالي 20% يعد اقتصادا مكشوفا. من هذا يتضح ان السياسة التجارية في العراق تعاني من تخبط شديد وغياب للرؤية الواضحة وبروز ظاهرة الاغراق السلعي داخل السوق المحلية مع بقاء قطاعاتنا الاقتصادية غير النفطية متخلفة تكنولوجيا وتقنيا اضافة الى تفشي الفساد المالي والاداري في معظم القطاعات الاقتصادية والمنافذ الحدودية.
لقد ادت سياسة الحكومات المتعاقبة بعد 2003 الى اغتيال العراق واغتيال اقتصاده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص