الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الممارسات اللاشرعية في العقار الفلاحي وراء تدهور الأمن الغذائي في الجزائر

علدية عيش

2021 / 4 / 24
الصناعة والزراعة


(لماذا فشل الإستثمار الفلاحي في الجزائر؟ هل الفشل راجع إلى المعوقات القانونية و الإدارية أم راجع للنهب و التلاعب بالعقار؟ قسنطينة نموذجا)

كشفت تقارير عن وجود تجاوزات في العقار الفلاحي تسببت في تراجع قطاع الفلاحة و تدهور الأمن الغذائي في الجزائر التي أصبحت تستورد الحبوب من الخارج بالعملة الصعبة، فأملاك الدولة تعتبر محمية بالدستور، فهي ليست ملك لأي شخص معنوي يمكنه التصرف المطلق فيها فمجرد التصور بأن الأملاك الفلاحبة الخاصة بالدولة قابلة للإكتساب بالتقادم فإن هذا سيؤثر سلبا على الوعاء العقاري للدولة التي وجدت نفسها اليوم مجبرة على انتهاج سياسة فلاحية جديدة تحاول ضبطها وفقا لعقد قانوني جديد، عرف بعقد الإمتياز الفلاحي من أجل الإستثمار في مجال الفلاحة إلا أن هذه السياسة خلقت نوعا من المضاربة بين أوساط المستثمرين من خلال بيع الأراضي الفلاحية جزئيا أو كليا و كذا تغيير النشاط الممارس دون تحقيق مشاريع استثمارية تخدم الصالح العام

سؤال ما فتئ الخبراء في الإقتصاد و المالية و المختصون في القانون العقاري يطرحونه حول من المُخَوَّلُ له بتسيير العقار الفلاحي بعد الوزارة الوصية؟ هل الهيئات المعنية كمديرية الفلاحة أم نقابة الفلاحين المتمثلة في الإتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين؟ أم المحافظة العقارية؟ أم الوالي؟ و ماهو دور هذا الأخير في تفعيل الرقابة على العقار الفلاحي؟، خاصة وأن هناك مسؤولون يعمدون إلى خرق القوانين و يتلاعبون في العقار الفلاحي من خلال إبرام صفقات مشبوهة فيتسببون في عرقلة الإستثمار الفلاحي، ما جعل العقار الفلاحي في الجزائر يواجه معوقات عدّة قانونية كانت أم إدارية إلى جانب نقص الخبرة الفنية التي من خلالها يمكن تحديد نوعية المشروع الإستثماري المقدم، بالإضافة إلى تعدد القوانين و تغييرها في كل تعديل دستوري و تدَخُّل أشخاص لا علاقة لهم بالفلاحة، و قد زادت الرشوة و المحسوبية الوضع تعقيدا، و هذا راجع إلى أن الجزائر من أكثر الدول التي تتسم بسرعة التغيير في قوانينها وعدم تطبيقها تطبيقا ناجعا ، ما يجعل الإصلاحات تفشل بسرعة، لأنه مع كل قانون جديد يتغير نمط تسيير القطاع الفلاحي و تنظيم العقار الفلاحي، فالقطاع الفلاحي كما هو معلوم يلعب دورا حاسما في الأمن الغذائي للشعوب سواء من الناحية الإقتصادية أو الإجتماعية، و في ظل الأزمات الغذائية التي عاشها العالم بسبب عدم استقرار أسعار القمح العالمية، وهذا يطرح كثير من الأسئلة عن السياسة المنتهجة في تسيير قطاع حساس كقطاع الفلاحة في الجزائر، و كيف تحولت فرنسا من مستورد إلى مصدر أيضا للقمح، ليس للجزائر فقط و إنما للسوق العالمية، و لماذا لجأت الجزائر إلى بلد كفرنسا لضمان الأمن الغذائي للجزائريين؟ لدرجة أن سفيرها بالجزائر وصفها بالزبون الأول لقطاع القمح الفرنسي، ثم ماهي الأسباب التي جعلتا تتحول إلى السوق الروسية للحصول على القمح؟، بل تستنجد بها كما قال ملاحظون، بعدما فشلت في الحفاظ على اكتفائها الذاتي من هذه المادة، و احتلت المركز الثالث عالميا في قائمة مستوردي القمح الأوروبي، حسب التقارير، هذا التحول أثار تخوف الجانب الفرنسي من أن تسير العلاقات الفرنسية الجزائرية نحو التذبذب، بعدما بدأت صورتها تتحسن في الآونة الأخيرة إثر استعادة جماجم المقاومين، لأن الإقتصاد سلاحٌ في إدارة الشؤون السياسية، لاسيما قطاع الموارد المائية و قطاع الفلاحة، و بدونهما لا يمكن لأيّ بلد كان تحقيق نهضة اقتصادية ، و لذا تعتمد القوى العظمى على هذين القطاعين، في السيطرة على الأنظمة، و في مقدمتها دول العالم الثالث و تجعل من هذين الموردين ورقة ضغط على الحكومات و الأنظمة.
فإلى جانب المعوقات القانونية أي التغيير المتكرر في النصوص التشريعية تحدثت تقارير عن معوقات سياسية أثرت على القطاع الفلاحي، فمثلا و بتواطؤ مسؤولين إداريين تتدخل أحزاب سياسية في فرض منطقها حيث جعلت العقار الفلاحي أداة تتلاعب بها ايادي الفساد ذلك بإبرام صفقات مشبوهة و التلاعب بالموارد الزراعية، و قد كشفت بعض التقارير عن وجود صفقات مشبوهة تحت غطاء الإستثمار الفلاحي، هي واحدة من السلبيات التي أعاقت تطور الفلاحة في الجزائر، حيث نجد بعض العقارات الفلاحية أنجزت فوقها مشاريع لا علاقة لها بالفلاحة، ليس الحديث عن تحول العقار الفلاحي إلى إسمنت لحل ازمة السكن مثلما حدث في قسنطينة، بل أراضي فلاحية استغلت في مجال صناعي و مشاريع أخرى كإنشاء قاعات الحفلات و تسببت هذه المشاريع في تقلص المساحات الزراعية، حتى لو كانت تابعة للدولة، و هنا يطرح الخبراء في المجال الزراعي إشكالية الملكية الفلاحية لما لها من أهمية باعتبارها واحدة من ركائز الإستقرار الإقتصادي، كما أن أهميتها ( أي الملكية الفلاحية) تكمن في كيفية ضبط سياسة الإستثمار في المجال الفلاحي، و تحديد كيفية تنظيمه عن طريق وضع مخططات و برامج وطنية للتنمية الريفية، تجدر الإشارة أنه في ولاية قسنطينة (كعينة) هناك مستثمرون احتلوا مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية و إن كانت بالطرق القانونية لكن الصفقة تمت عن طريق المحسوبية في وقت لم تمنح أراضي فلاحية لمستثمرين آخرين في المجال الفلاحي وسلمت لأشخاص لا علاقة لهم بالفلاحة، فما هو معروف عنه قانونيا أن كل ما تملكه الدولة و الجماعات المحلية ( الولاية و البلدية) بصفتها شخصية معنوية من أملاك عقارية و منقولة تدخل ضمن الأملاك الوطنية، لا يمكن التلاعب بها، كما أن الأملاك الفلاحية الخاصة بالدولة غير قابلة للإكتساب بالتقادم لأنها تؤثر سلبا على الوعاء العقاري للدولة، لكن بعض المسؤولين المحليين و في غياب الرقابة على الأملاك الوطنية عاثوا فسادا فيها و تصرفوا فيها و كأنها ملكية خاصة.
من هنا بات السؤال يفرض نفسه: أين يقف دور الوالي مثلا في حماية أملاك الدولة من النهب و الإستغلال اللامشروع ، طالما المشرع حدد الهيئات التي تشرف على القطاع الفلاحي سواء كانت ذات طابع مركزي ، وتتمثل أساسا في الوزير الأول، وزير الفلاحة، وزير المالية، وزير الموارد المائية، أو طابع محلي مثل مديرية المصالح الفلاحية التي تعتبر المشرف الأول محليا على قطاع الفلاحة، الغرفة الفلاحية، مديرية أملاك الدولة، إدارة المسح، الديوان الوطني للأراضي الفلاحية ، الإتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين و فروعه المختلفة، لاسيما و هذا الأخير يعتبر هيئة نقابية لها الحق في أن تتدخل في حالة عدم استثمار الأراضي الفلاحية على أساس أن عدم استغلالها في الإستثمار الفلاحي يعد فعلا تعسفيا، وفق المادة 48 من قانون التوجيه العقاري، ماهو متفق عليه فإن أملاك الدولة تعتبر محمية بالدستور، فهي ليست ملك لأي شخص معنوي يمكنه التصرف المطلق فيها لكونها غير قابلة للتصرف، و مجرد التصور بأن الأملاك الفلاحية الخاصة بالدولة قابلة للتصرف فيها أو للإكتساب بالتقادم فإن هذا سيؤثر سلبا على الوعاء العقاري للدولة، أما عن تدخل الوالي فهل دوره يقف عند حدود دراسة ملفات طالبي الإستثمار في المجال الفلاحي و الإستفادة من عقد الإمتياز الفلاحي و كذلك تحديد المحيط الفلاحي بحكم أنه هو من يترأس اللجنة الولائية و ذلك عندما تتجاوز المساحة 10 هكتارات، وفق المادة 23 من المرسوم رقم 18-321 المؤرخ في 23 ديسمبر 2010 و هل للوالي الصلاحية في متابعة مرتكبي جرائم تخريب الأراضي الفلاحية أو تغيير الطابع الفلاحي للأرض الفلاحية ، و قد سبق لوالي قسنطينة الحالي ساسي أحمد عبد الحفيظ و أن صرح في دورة المجلس الشعبي الولائي الأخيرة بأن استغلال الأراضي الفلاحية لا يكون إلا بقرار من مجلس للحكومة، و يستدعي التركيز على وضع الملف لإسترجاع الأراضي الفلاحية التابعة لأملاك الدولة، ذلك في إطار تشكيل لجنة ولائية و توسيعها.

ما بين 15 و 20 % من موارد البترول و الغاز كانت تخصص لإستراد المواد الغذائية

يقول خبراء في القانون العقاري أن الإستثمار في الزراعة يقتضي وجود سوق مسبقا من خلال تطبيق مجموعة من الخطط و البرامج التنموية، و ذلك بهدف تاسيس قاعدة إنتاجية قوية، لكن منذ بداية الإصلاحات الجذرية لفترة التسعينات التي تعرض لها العقار الفلاحي، سعت الجزائر الى تحرير الأسواق، حيث اهتمت بوضع استراتيجيات و مخططات جديدة لإنجاح القطاع الفلاحي و الرفع من انتاجيته، و من ثم تحقيق الأمن الغذائي، الذي يعدّ من أكبر انـشغالات الـدولة الجزائرية التي تـسعى الى مواكـبة الـدول المـتقـدمة من ناحية التطور الإقتصادي ، و الأمن الغدائي تعبير حديث شاع استخدامه مؤخرا و هو يعني توفير الغداء الضروري لحياة الإنسان و تحقيق له الإكتفاء الذاتي من الغذاء، مع مراعاة النمو الديموغرافي الذي له دور كبير في ظهور مشكلة الأمن الغذائي، تذكر تقارير أن الجزائر بعد وفاة الراحب هواري بمدين كانت تستورد ثلثي احتياجاتها من الحبوب و لوحظ أن المحاصيل الزراعية الجزائرية كما هو الشأن في كل البلدان المتوسطية تتوقف على التقلبات المناخية، فقد أنتجت الجزائر مثلا 30 مليون قنطار من القمح في 1976 و 13 مليون في 1977 بينما أنتجت عام 1978 نحو 17 مليون قنطار، كما لوحظ أن الإنتاج الجزائري للحوم قد تدهور و أن الجزائر أصبحت تستورد ثلث احتياجاتها الغذائية و تخصص لهذا الإستيراد ما بين 15 و 20 بالمائة من موارد البترول و الغاز، ما يؤسف له أن الحكومة الجزائرية لا تزال إلى اليوم تعمد على استيرات القمح من الخارج ( من فرنسا و روسيا) لتغطية احتياجات الساكنة، في الوقت الذي تصرح فيه بأن الجزائر في كل موسم فلاحي تحقق مردودا كبيرا من الحبوب الشتوية، فاستيراد الجزائر الحبوب التي تعتبر قوت شعبها من الخارج يؤكد على أنها لا تزال تحت قيود التبعية الإقتصادية للدول الأجنبية بالخصوص فرنسا، كما أن هذا التدهور في القطاع الزراعي راجع إلى غياب التخطيط و العشوائية في التسيير، فقد حدث و أن أقيمت مصانع في مناطق زراعية خصبة، ما جعل إطار الحياة لا يتحسن بصفة عامة.
هدا الوضع ظل مستمرا إلى يومنا هذا، بحيث نجد أراضي فلاحية أقبرت و تغطت بالإسمنت، و أخرى شيدت فوقها قاعات الحفلات دون الحديث عن النهب في العقار الفلاحي و بيع أراضي صالحة للزراعة لمن لا علاقة له بالفلاحة من أجل استغلالها في مشاريع وهمية، و أراضي سلمت لأبناء الفلاحين و أجروها لفلاحين آخرين و الأمثلة كثيرة، كل هذه العوامل كانت سببا في اختلال التوازن بين القطاع الصناعي من جهة و قطاع الزراعة و الإدارة من جهة أخرى، كما كانت سببا في تنقل الإطارات من ميدان إلى آخر دون قاعدة تضبط ذلك، فغياب الرئيس هواري بومدين أنعش آمال الذين كانوا يتربصون للجزائر، و من هذا المنطلق و حسب المختصون في القانون العقاري فقد وجب إعادة النظر في طريقة استغلال العقار الفلاحي و هذا ما نتج عنه إصدار قانون خاص بالتوجيه الفلاحي تحت رقم 20-61 الذي يتضمن وضع اسس جديدة لتسيير العقار الفلاحي وفق نظام استغلال فلاحي جديد متولد عن سلبيات السياسة القديمة و المتمثل في عقد الإمتياز الفلاحي الذي يعتبر نظاما جديدا ، ساهم بكشل كبير في وضع حد لتجاوزات أثبتها الوضع المتدهور للأراض الفلاحية، خاصة أمام التوسع العمراني وتقلص الأراض الفلاحية فكان الخيار انتهاج الشراكة للمستثمر الفلاحي حتى يصل إلى تنفيذ مشروعه الإستثماري في ظل الأزمة المالية .
علجية عيش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا