الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصور العقل الغربي-حداثيا-؟/4

عبدالامير الركابي

2021 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في كتابي "ارضوتوبيا العراق وانقلاب التاريخ"(1) الصادر عام 2008 وعلى الغلاف الخارجي جاء العنوان الفرعي التالي: "من الابراهيميه الى ظهور المهدي ... كيف يرد التاريخ العراقي على التحدي الأمريكي ؟" ومن يومها والى اللحظة ونحن نخوض وسط عالم من المغامرة الفكرية الكبرى،الساعية للتطابق مع المكان التي هي منه، لاشك في كونها من النوع الطامح للانقلابية الكونيه الفاصلة، مع مايترتب على مثل هذا الطموح من تبعاتـ من الطبيعي ان تكون هائلة، وفي منتهى وابعد مايمكن تخيله من الخطورة والاستعصاء الواجب قياسه، على قدر، ووفقا لحجم المكرس والمتراكم الضد المعيق، الذي هو طويل جدا عمرا، حتى صار بغاية التماس مع البداهة، لحد اعتباره وكانه هو الطبيعي.
وكما كان الحال مع التحدي المقابل الفلسفي الاغريقي الأحادي الأعلى، مقابل النبوي اللاارضوي الازدواجي، يشهد العالم والبشرية اليوم فصلا هو الأخير والنهائي من اشكال المواجهة بين اوربا الحداثية المعروفة بعقلانيتها، والتي تعود لتكرر طبعة جديدة أخرى، ارقى، من طبعات الفلسفة الاغريقية، ومن ثم الإمبراطورية الرومانيه، وبين النبوية الالهامية الابراهيميه، وصولا لشكل تجليها الراهن الثاني مابعد الحدسي الالهامي، حيث "الحدسية العليّة"، غير المطالب بتبرير ذاته بعد كل ماكان له وتكرس باسمه في التاريخ، وفي اتصاله بالحقيقية الاعتقادية البشرية، الاكثر ديمومة وانتشارا على مستوى المعمورة، ومن هذا الباب فان مايجب التنوية به بما يوافق اللحظة ونوع المنجز المقصود، رفض مايؤول الى شبهة التواضع الكاذب، خصوصا اذا بلغ مستويات تدخل الامر مجال المداهنه على حساب الحقيقة، ومن ذلك كمثال نكران او التقليل من قيمة اكتشاف من نوع"ديالكتيك الصيرورة المجتمعية البشري التحوليّة"، مقابل مايراه البعض من اكتشاف ماركس لديالكيتك الطبيعة، مطبقا على حركة المجتمعات عبر"ماديته التاريخيه".
والعقل الخرافي لايمكنه ان يعي "العلم" الا بعد تحويله لخرافة، مايجعل من المجدي السؤال: من الأكثر اقترابا من العلم، نظرية "محمد"(2) قبل الف واربعمائة سنه، في مجتمع صحراوي لايعرف العمل اليدوي، ولا الطبقات، ويمارس بدله الاحتراب واقتصاد الغزو، ويقع في كعب منطقة كانت محتلة من امبراطوريتين، ومع ذلك تتمكن الابراهيمية الاحترابيه بطبعتها الختامية الأخيرة، ان تسقط الامبراطوريتين، و تفتح الشرق الواصل للصين، وتلحقة الى الابد بالابراهيميه، كما تصل غربا الى حدود اوربا، وتسهم في بعث كيانيه امبراطورية، ظلت منارة عالميه لمدة خمسه قرون، وهل يكفي كل المنجز الخارق والاعجازي المذكور، والمستمر اثرا ظاهرا وبقايا، وان متازمة، الى اليوم، ان يكون "علما"، ام ان نظرية ماركس التي لم تعش سوى لاكثر بقليل من نصف قرن، وفي عالم يفترض انه بغاية وقمة التقدم العلمي والمراحلي التاريخي الطبقي، هي الأقرب بالفعل لما يسمى "علما"، وصلة بديالكتيك الطبيعة، هذا اذا لم ناخذ مجهود الرجل/ الاله المسيحي، وقراءته التي اخترقت الإمبراطورية الرومانيه، وماتزال باقية في قلب اوربا وجزء كبير من العالم، وقبلهما ابوالاثنين و"ماركسهم" إبراهيم وتاسيساته.
لايستطيع ماركس اكتشاف "ديالكتيك الطبيعة" مطبقا على المجتمعيات وصيرورتها التاريخيه، لانه محكوم لسقف تعبيري احادي، تابيدي مغلق، يرى المجتمعية ازلية وظاهرة بلا نهاية، وينظر للكائن الانسايوان باعتباره "الانسان"، نافيا الازدواجين: المجتمعي العام، والبشري الفردي، كشرطين تحوليين بنيويين، الأول بماهو نمط لاارضوي غير قابل للتجسد ارضويا، وآخراحادي ارضوي، والكياني الفردي بما هو عنصرين متمايزين، (عقل/ جسد) في جسد واحد، مآلهما الافتراق واستقلال العقل وتحرره من ربقة وهيمنه الجسدوية الارضوية، فديالكتيك الطبيعة والمجتمعية، تحولي ازدواجي هو اخر ماتصله العلوم، واعلاها ونهايتها، لن ينبثق الا في ارض الازدواج، تحت طائلة وقوة ضغط الأحادية العليا الاخير، وفي ارض الرافدين التي ستنطق أخيرا على لسان احد أبنائها حصرا في اخر الزمان.
ان مواجهة ضفتي المتوسط هي مواجهة دينامية تبادلية شمولية، مجتمعية كوكبية فاصلة ومتصلة، بين الأحادية باعلى اشكالها وارفعها ديناميه ضمن صنفها ونمطها، وبين عالم الانشطار العمودي المجتمعي الازدواجي، وهو تفاعل خاضع لاشتراطات وعمل اليات وتبادلية محكومة الى دورات تاريخيه كبرى، المسار الراهن منها ممتد من سقوط بغداد 1258 الى اللحظة الحاليّه، وهو مسار صعود اوربي احادي اعلى، ومن نوع الذروة التي لامجال للذهاب لمابعدها، وماينتهي بتجلي الازدواج الابراهيمي العلي الحدسي التحولي، ابان ساعة تحققه المؤجل، بعد النبوي الالهامي المنتهي منذ اخر النبوات الجزيرية المحمدية، وما اتصل بها وترتب على متبقياتها"الانتظارية".
في الزمن الانتظاري من نهاية الفعالية النبوية امبراطوريا، قبل قرابة الف عام الى اليوم، يظل العقل في عالم ومجال الازدواج التحولي محكوما الى قوة حضور ماقد سلف، حتى وان انتهى فعله، لانه التعبير المطابق لطبيعة المكان ونتاجه، والمهدوية الختامية التي تنبيء بانتهاء الزمن النبوي، لاتكون ولا تتشكل بناء عليه الا نبويا، ووفق سياقات ومفعول التفكر المتصل بالنبوة في وقتها، ف "المهدي" بحسب الرواية النبوية: شخص بعينه، ومن سلالة آل محمد، وهو يخرج بالسيف مثل محمد، والدافع إزالة الجور الذي يكون قد ملا الأرض، لكي يملاها عدلا، فما كان للاعقال المتاح يومها ان يعي الانتظارية خارج اطار النبوة، فضلا عن ايكال واحالة المهمة المؤجلة التحوليّة العظمى، خارج المنظور النبوي، مايدل على كونه نوع اعقال مؤقت، مناسب لزمن اللاتحقق وتعذره، وقد انتهت صلاحيته وصار بانتظار مابعده.
هذا يعني ان ماقد ورد في العنوان المنوه عنه في أعلاه في غلاف كتابنا وقت صدوره، لم يكن "مهدويا نبويا"، أي انه ليس من نوع كل اشكال متبقيات النبوية ابان زمن الانحطاط بين دورتين، ومنها وعلى راسها، السلفية منذ "ابن تيميه"، اللاحق كظاهرة على سقوط بغداد، و ممثل طلب النبوة المستحيل وقت انقضاء زمانها، بما هو اسلام زمن الانحطاط بين طورين. فالمهدوية، او انتهاء الزمان، ومعه توقف الانتظارية، مشروط بانتهاء النبوية ومتبقياتها، وسطوة زمنها وتفكراتها المتاتيه من اثر الماضي، مع اعتلال الحاضر الانتقالي، الناجم عن تأخر تبلوراته النطقية، أوعدم اكتمالها.
ليس المهدي من زمن محمد، ولا سلالته، ولا مفاهيمه وموقعه في الحياة والتاريخ، وصولا الى الوجود بعامة، وهو لاعلاقة له بمايقال عن امتلائها جورا، بل بانتهائها وانقضاء امد صلاحيتها، وهو بلا شك ليس شخصا او اماما يحمل الرقم 12 ضمن سلسله ختمت به، واختفى في السرداب في سامراء ليظل حيا ( مثل التحولية الحية المؤجلة غير المماط اللثام عنها ) ليظهر يوما كما صور في حينه، ابان زمن السيوف والرماح، وهو يحمل سيفا يخوض به معارك تنخسف ابانها الأرض باعدائه. وهو بلا شك ليس نبيا، فالنبوة انتهت في وقتها، وبعد ان أدت مقتضاها الواجب والمطلوب منها، وهو والحالة هذه لا وحي يوحي له، ولاجبريل، حتى وان تكشفت امامه خفايا قد تكون غير متيسر لغيره رؤيتها، بالشكل الذي يراها هو به، وبالحجم اللازم لجعل مقولته مكتمله، وهو عارف علّي، لايفتقر لحضور الحدسيه مافوق العليّة المباشرة، أي الموهبة والعبقرية، وهو من حيث الانتماء لشكل من التعبيرية، "ابراهيمي"مطابق لخاصيات المجال التحولي الازدواجي الذي هو منه، ونتاجه، او هو "إبراهيم" المنبعث علّيا ناطقا وتحققيا، بعد إبراهيم المجسد لما هو ليس بارضوي، ابان زمن غلبه الأحادية الارضوية،وتعذر النطقية التحولية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صادر عن / دار الانتشار العربي ـ بيروت.
(2) من اسفه مايقرا أحياناـ تلك البلاهات التي تصر على اظهار كون "محمد" لم يتلق وحيا، وانه غير صادق حين يدعي تلقىه كلمة من السماء، وكأن ادعائه هذا في حينه ومكانه الذي صدر ضمنه، لايدخل باب العبقرية و"العلم" الصادق قيا سا للمتحقق واقعا على الأرض، وانطباقا اعجازيا على الاشتراطات الملموسة، أو كأن مثل هذا الجانب لايدخل ضمن ضرورات لحظته "الصادقة" تاريخا وضرورة قياسا الى المتحقق الاعجازي الجبار الذي غير العالم، وحقق مالم يسبق لاي كان ان حقق مايشابهه، وظل راسخا، فقلب حياة ومعتقد أمم وشعوب لاتحصى، هذا، والذين يتجراون على مثل هذا النوع من التفاهات الغبية، يتمتعون بكل مايجعل منهم في وضع افضل على كل الصعد من وضع العبقري البدوي، مطوع السيف للكلمه، مع ان هذا النفر من "الصادقين" لايرون حتى بالمجهر، في حال قورنوا بخاتم الابراهيميه وابنها عبقري الجزيرة العربية الامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س