الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهايات الإسلام السياسي في تونس

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2021 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


من أعظم الآيات وأقربها إلى قلبي: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تُخاطبني في الذين ظلموا إنهم مُغرقون"

الخوانجية من الناحية السياسية، كلّ مسيرتهم أخطاء في التقدير. وخوض لِمعارك عبثية وصدامات لا مبرر لها. والمشكل لا يتعلّمون. فراشد الغنوشي اليوم لا ينتبه لتعاطي العالم شرقا وغربا مع إخوان ليبيا. ولا يتذكر القرارات المتهوِّرة التي اتخذها الإسلاميون منذ اغتيال النقراشي. في حين أنّ السياسي الحصيف هو الذي يقدر موازين القوى ويقرأها جيّدًا قبل أن يتخذ قرار المواجهة. فالسياسة تحتاج الى قراءة وعمق واطلاع على التجارب وقوّة الحدس، وهذا غير متوفّر لدى قيادات دعويّة تحتقر المعرفة والعقل، وتميل إلى التّجييش وتكرار الخرافات لمخاطبة الغرائز. فحتى التّراث الاسلامي وتاريخ الفتوحات، تعاملوا معه كجملة من الخوارق والمعجزات، بحيث لم يُعقلنوا التاريخ، وبذلك لم يستفيدوا منه. فلكي نستفيد من الإسلام الأوّل، ومن النّبي صلى الله عليه وسلّم، لابد من قراءة سيرته قراءة سياسية عقلانية، لا قراءة قَدَريّة ربّانية محسومة النتائج، فننزع للنبيّ دوره وذكاءه وواقعيته ... حينئذٍ، حين نقرأ سيرة النبي بعقولنا سنكتشف دقّة تقديره للموقف وإبداعه في أشكال الممارسة السياسية ضمن الشروط الخاصة لكل مواجهة، وحسب موازين القوى التي تحكمها. ومتى يجب خوض المعارك. وكيف أنّ الوحي نفسه نزل لمعالجة تعقيدات الواقع. ولم يكن مجرّدا ولا مطلقا. فهاهو يخاطب الرّسول: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لهم كُفُّوا أَيْدِيَكُم وَأَقِيمُوا الصّلاة وَآتُوا الزَّكاة فَلمّا كُتِبَ عليهِم القِتالُ ...(لاحظ "فلمّا كُتب عليهم اللتال) يعني لمّا حان الوقت المناسب. لأنّ دقة اختيار الوقت، ودقة حساب إمكانيات العدوّ هي المحدّدة في النّصر والهزيمة. ولا توجد أوهام في القرآن ولا فيه دفع للنبي الى المهالك على أساس وعد بالنصر خارج نطاق الممكن. بالعكس، يعطيه أحوال الامبراطوريتين الرومانية والفارسية المتصارعتين وهما بصدد الانهيار، ويدعوه للتقدم: "غُلِبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلِبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ..."
في هذه الايات عرض لميزان القوى الدولي. يقول له هنالك امبراطوريتان عالميتان خاضتا حربين خلال عشرة سنوات. وهما الان منهكتان. وبالتأكيد لا يريدان للدعوة المحمدية أن تتقدم. ولكن شروط التقدم موجودة، فإلى الأمام. وهكذا ما كان على النبي إلا أن يدفع الجدار الآيل للتّداعي بيديه، حتى ينفتح الطريق. ولولا تلك الظروف المحيطة، ما كان للإسلام أن ينتشر بتلك السرعة على امتداد عشرات الاف الكلومترات.

من الناحية العلمية والمعرفية، جماعات الإسلام السياسي، ومنها حركة النهضة تتحيّل على أتباعها بنشر خرافات وأساطير، لا علاقة لها بدقة الفهم. ولذلك انهزم الإسلاميون في كل مكان. لم يفهموا الفارق المهول بين الدولة التقليدية والدولة الحديثة. فلم يدركوا أنه من باب المستحيل أن يستمرّوا في الحكم دون الاستجابة لاحتياجات الناس المادية، ودون احترام احتياجاتهم المعنوية وحميمياتهم الحياتية الخاصة. وأن هذه الأمور هي جوهر مواريث الدولة الحديثة، وهي بالتالي مبرّر تحرّك المجتمع العميق ضدّ الإسلام السياسي لإسقاطه مهما كان الثمن.

من الجهة الأخلاقية، انتهازيون إلى درجة العماء. ومستعدون لبيع أيّ شيء من أجل الكراسي. ولذلك سرعان ما يسقطون في الهاوية من باب الطّمع. أنظروا في مصر على سبيل المثال، الجيش لم ينصر الرّئيس مبارك، ليس لأنه جيش وطني ديمقراطي. بل ببساطة لأن المؤسسة العسكرية تملك 40% من اقتصاد مصر. وكانت رافضة لموضوع توريث جمال مبارك، خشية انتقال الحكم إلى المدنيين. وضمن هذه الرّؤية، قَبِلَ الجيش برحيل مبارك شرط المحافظة على الدّولة. هذه الحقيقة لم يفهمها الإسلاميون، فتصرّفوا بغباء مُدهش، إذ استقووا بالمؤسسة العسكرية على باقي القوى الليبيرالية واليسارية، ممّا مكّن الجيش من استخدامهم كإسفنجة تمتصّ رقاع الغيظ في الميادين، وبعد عزلهم تمامًا عن بقية القوى السياسية، استغل خروج السعب ضدّهم واستولى على السلطة من جديد.

وحتى من الناحية الجهادية، عندهم بعض الآيات يغشّون بها شبابهم. منها مثلا: "إِن تَنصُروا اللَّه يَنصُركم وَيُثَبِّت أَقدامَكم".
نعم الآية عظيمة. ولكن ليس في كل الأحوال وبشكل مطلق. أولا لأن حركة النهضة ليست من صحابة النبي. وثانيا المسألة فيها شروط. بدليل أنه في نفس السورة يقول "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين". وشرط الصبر والاستعداد والتصميم والاقتناع بعدالة القضية، يدخل في صميم تقدير موازين القوى أيضا..
بحيث حيثما ولّيت وجهك بحثًا عن بقعة ضوء في تجربة الخوانجية، لا ترى إلّا المآسي والهزائم والتخلّف والحرائق والمآتم والقواعد الأجنبية. ومهما ناور راشد الغنوشي، ومهما هبّ له الطّامعون لِنجدته، فإنّ إزاحتهم من السلطة باتت أمرًا مقضيًّا، وكما قال ربّي: "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون".

نحن نعلم أنّ حركة النّهضة سقطت مضمونيًّا منذ مدّة. أمّا سقوطها الرّسمي فسيبدأ بمجرّد إلقاء القبض على المدعو "راشد الخياري"، وتقديمه للعدالة بتُهم خطيرة وردت في برقية الجلب التي أصدرها السيد قاضي التحقيق الأول لدى المحكمة العسكرية مثل: الإساءة للجيش ومحاولة المسّ من معنوياته، والتّخابر مع دولة أجنبية ... أعني أنّ مرحلة السقوط الفعلي بدأت بهذه الحادثة التي تزامنت صُدفة مع زيارة الرّئيس للشقيقة مصر.

والحقيقة أنّ راشد الصّغير مجرّد ضحيّة من ضحايا راشد الكبير. فالغنوشي وجماعته هم الذين جعلوا الأحداث تتسارع والحبل يدور بشدّة حول رقبة الإسلام السياسي منذ 27 فيفري الفائت، حين التجؤوا إلى الشارع، الأمر الذي عقّد الأزمة السياسية وعجّل بساعة المواجهة، وأوصل إلى غاية بطاقة الجلب.

لقد كان واضحا -كما علّقنا على ذلك في حينه- أن مسيرة 27 فيفري هي آلية من آليات العنف السياسى باعتباره جزء رئيسي في عقيدة جماعة الإخوان بكل فروعها على المستوى العربى والإسلامي. ولقد سبق والتجأ إخوان مصر إلى الشارع إبّان حكم مرسي، وقبل سقوطهم بمدة قليلة.
مسيرة 27 فيفري أيضا كانت حلقة ضمن مسار الضغط على رئيس الدولة وإضعافه وتخويفه وتهميشه والاستحواذ على صلاحياته، والتحكم في الحكومة لضمان وِحدانية قرار التصرّف في العدالة والأمن، هناك في هذين المؤسّستين، حيث تُكشف الجرائم، ويُلاحقُ المجرمون. وكذلك التصرّف في القنوات الخارجية ضمانًا للاستمرار في السلطة. ولكي يتمكن راشد الغنوشي من وضع يده على أعصاب الدولة الرئيسية، استخدم ثغرات الدستور وثغرات النظام السياسي.
إذن هذا هو السبب الحقيقي للأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد. وليس صحيحا أن الخلاف جاري بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فهذا الأخير يتمّ استعمال غيظه من الرّئيس واستخدام هشاشته وقلّة خبرته وضعفه القيمي لضرب رئيس الجمهورية لا أكثر ولا أقلّ. بمعنى أن جوهر المشكل هو سعي راشد الغنوشي للحكم من خلال رئاسة البرلمان، وإقدامه على محاولة رهن تونس لسياسة المحاور الإقليمية، خدمة لأجندات وولاءات مقابل تلقّيه دعم تلك القوى الخارجية بما يُمكّنه من الاستقواء على الدّاخل. ولما كان رئيس الجمهورية رافضا لهذا النزوع الاستحواذي على الدولة من قبل راشد الغنوشي، انتهى الحال إلى شلل غير مسبوق في أجهزة الدولة، وإلى تعطيل مسارات اشتغالها، والأخطر هو تعفين العلاقة بين مؤسسات الحكم. وبطبيعة الحال انعكست هذه الأحوال مجتمعة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية أصلا، فتفاقمت الأزمة في كل الاتجاهات والأبعاد.

ليكن واضحًا للجميع أنّ مصيبة الإسلام السياسي وعاهته التكوينية الأولى، هي الاعتماد على الأجنبي لإخضاع أهل البلد. يعني بيع رأس البلد مقابل شراء كرسي السلطة. وللأسف هذه قضيّة جينيّة نبتت مع جماعة الإخوان منذ ؤلادتها بدعم انجليزي واسع كما هو معروف.

لقد كانت مسيرة حركة النهضة يوم 27 فيفري 2021 نوعا من العنف السياسى العلني الموجّه ضد الرئيس قيس سعيد في المقام الأول، وضد الساحة الوطنية برمتها، مفادُها "إننا على استعداد للعنف. وحتى الشعب الذي لم يعطِ حركة النهضة الأغلبية سنُعاقبه. وعلى القوى الدولية أن تدرك أن النهضة هي الطرف الوحيد الذي يجب التعامل معه".
يعني كانت مسيرة لإرهاب الناس وإرهاب المؤسسات، عكس ما يُقال من كونها "مسيرة الدفاع عن المؤسسات". ومن الخطأ الظن بأن حركة النهضة أقل جمودا من جماعة مصر، وأكثر وعيًا وإدراكًا بأن تونس رافضة للتشدّد الديني منذ دستور عهد الأمان. وعلى عكس تلك التوقعات، نجح راشد الغنوشي منذ صعوده للبرلمان في دفع حركته للسير على درب الإخوان في مصر. ونحن نشاهد بشكل مأساوي تكرار نفس الممارسات ونفس خطاب الإنكار والتنكّر والتّعالي والتهديد والوعيد، بدأ بتلك المظاهرة التي تُشبه إلى حدّ كبير مظاهرات الشريعة والشرعية التي جرت خلال حكم محمد مرسى، وُصولًا إلى دفع الخياري للهجوم على رئيس الدولة وانتهاك مسؤولياته الدستورية والعسكرية. وهذا ما يُفسر بطاقة الجلب التي أصدرها القاضي العسكري. ومن هنا فصاعدا، ستدخل تونس مرحلة فرز خطيرة، لا ندري كم ستدوم، ولكنها الأزمة التي ستُنهي حكم النهضة.

في المقابل أمس قرأت أرقامًا مُرعبة وردت في تقرير صندوق النقد الدولي حول تونس الصادر منذ يومين. البلاد في الهاوية بكل مقاييس التضخم والمديونية وعجز الميزان التجاري وتضاعف المديونية وانعدام الاستثمار وغلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائة وتوسع رقعة الفقر...

هذه هي حصيلة تجربة حكم النهضة، وصحيح تونس ليست بلد انقلابات عسكرية. وسيناريو مصر لن يتكرر عندنا لاعتبارات عديدة يطول شرحها. ولكنها بلد الانقلابات الشعبية. وعلى كلّ حال، لا يمكن للأوضاع الحالية أن تستمرّ. ونهاية حكم جماعة تونس باتت قضية أمن وطني وأمن غذائي، وقضية إيتيك واحترام للحياة وللذّوق العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية