الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قناة السويس والظهور الثاني للبدائل

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لقدد تسبب جنوح السفينة التايوانية في 24 أذار عام 2021 واغلاقها قناة السويس إلى تطورات عالمية جديدة يأتي في طليعتها الخطر المحيق بالقناة كمورد دخل جيد لمصر . هناك من اهتم بتعويم السفينة وهناك من اهتم بالبدائل عن القناة .

لقد أحيا حادث القناة أحلاما كثيرا لدى العديد من الدول الاقليمية والدولية التي تنظر بعين الحسد لاحتكار مصر سيطرتها على الممر المائي الدولي. وقد كانت أولى نظريات البدائل التي طفت على السطح البدائل التالية :

قناة بن غوريون :

يهدف المشروع إلى ربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عبر خليج العقبة إلى البحر الأبيض المتوسط مرورابصحراء النقب. بدأت فكرة حفر قناة مقابل قناة السويس في عام 1963. وقد أوصت بذلك مذكرة قدمها لورانس ليفرمور باتريوت لاب في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تم اقتراح المذكرة كرد فعل علىقرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس عام 1956.

واقترحت المذكرة أنه ولضمان انسياب الملاحة في البحر الأحمر يجب فتح قناة بديلة في خليج العقبة. وسيتم حفرها في صحراء النقب التي وُصفت بأنها منطقة فارغة يمكن حفرها بالقنابل النووية . و توقف المشروع بسبب الإشعاع الذي يمكن أن تسببه القنابل النووية و بسبب المعارضة التي سيواجهها المشروع من الدول العربية وعلى رأسها الرئيس عبد الناصر.

اليوم ، غيرت التحالفات السياسية وجه المنطقة ، خاصة بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع اسرائيل من عدة دول عربية و الأجواء السياسية متوافقة وسانحة . ومن ثم ، فإن المداولات الجادة للمشروع خصوصا بعد جنوح الناقلة ايفر غفن وانتشار فرضية أن الجنوح حادث لعودة المحادثات حول إيجاد بديل لقناة السويس.

في الحقيقة ، لدى إسرائيل الكثير من المشاريع للسيطرة على الممرات المائية العالمية منها قناة وصل البحر الميت بالبحر المتوسط ، ومشروع إنشاء الدود على بوابة البحر الأحمر الجنوبية والشمالية لتوليد الطاقة الكهربائية ومشروع قناة تصل إيلات في خليج العقبة بعسقلان على البحر المتوسط .

لا تسعى إسرائيل ابدا لتوقيع اتفاقيات السلام ، وإنما تسعى جاهدة لتوقيع تفاهمات واتفاقيات اقتصادية مع دول معينة تدخل في دائرة الاهتمام الإسرائيلي على المدى البعيد . ومن يراجع سجل اتفاقيات السلام والمحاولات الأمريكية فقناع إسرائيل بالتوقيع على تلك الاتفاقيات يدرك جليا معنى هذه الفرضية . لم توقع إسرائيل أي اتفاقية من دون مقابل مادي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة . وقد يبرر ذلك الأسباب الكامنة وراء توقيع إسرائيل التطبيع مع مصر ودبي وقطر والأردن والسودان وأريتريا والمغرب. إن هذه الاتفاقيات تمكن إسرائيل من التسلل إلى طرق المياه في الخليج العربي والبحر الأحمر ومضيق جبل طارق. الحقيقة المؤكدة هي أن قناة بن غوريون ستحقق دخلا منقطع النظر لإسرائيل في حال رأت النور. أما مبررات تنفيذ القناة فقد يكون في طليعتها:

أولاً ، إسرائيل والولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى المشروع للتعويض عن الانكماش الاقتصادي الحاد بسبب جائحة فيروس كورونا والظروف غيرالمستقرة. تم توقيع المعاهدات بين إسرائيل والدول العربية لضمان استقرار إسرائيل السياسي والاقتصادي، والحفاظ على قبولها المجتمعي و تواجدها في المنطقة.

وثانيًا ، المشروع مدفوع بالحاجة إلى كبح صعود القوة الاقتصادية للصين ، وإيقاف مشروعها الجاري المعروف باسم "طريق واحد ، حزام واحد". يهدف المشروع الصيني إلى بناء خط قطار يبدأ من مقاطعات الصين في الغرب باتجاه غرب آسيا ويؤمن مسارات مائية حول العالم. إنه مشروع استثماري بمليارات الدولارات. على سبيل المثال ، قبل جائحة كورونا ، استضافت عدة جهات في لبنان السفير الصيني ، الذي أوضح لهم فوائد المشروع الذي سيوظف عشرات الآلاف من العمال والموظفين والمتخصصين على طول خط القطار ، والذي سيستخدم بشكل أساسي في النقل. البضائع بين الصين وأوروبا. و الولايات المتحدة تحاول إعاقة طريق التجارة الصينية من خلال إنشاء طريق بديل للمنافسة معه. وبالتالي، فإن تداخل هذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي مع الانضمام إلى عدة اتفاقيات تسوية ومسودات اتفاقيات تطبيع . على سبيل المثال ، انضمت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة إلى منتدى غاز شرق المتوسط كمراقبين. ويبدأ العمل باتفاقية التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة اعتبارًا من يوم الاثنين 29 آذار 2021 م، والتي تهدف على الأرجح إلى إيجاد مكان بديل للقوات الأمريكية خارج العراق وسورية.

ثالثًا ، الاستعدادات جارية لتنفيذ مشروع المشرق الجديد الذي يمتد من العراق إلى الأردن إلى فلسطين عبر شبه الجزيرة العربية حتى صحراء سيناء. يهدف المشروع إلى إنشاء طريق تجاري جديد لا يمر عبر سورية ولبنان ، بل يمر عبر أراضي المشرق الجديد الممتدة من الخليج العربي جنوبا إلى البحر الأبيض المتوسط شمالا ، وتمر عبره خطوط أنابيب نفط وغاز جديدة. من العراق إلى الأردن ، والتي ستحل محل خط النفط القديم

قد يفقد مشروع المشرق الجديد الأهمية الجيوستراتيجية لسورية بالنسبة للأمريكيين كأحد أهم خطوط التجارة العالمية والتاريخية بين الشمال والجنوب عبر التاريخ. لكن المشروع فقد زخمه في هذه المرحلة بسبب سعي إسرائيل للانضمام إليه ، مما أجبر الحكومة العراقية على التوقف عن العمل فيه.

وقد تم الكشف عن سرية مذكرة مشروع القناة عام 1994. وكانت تنتظر في الأدراج شروطًا جديدة لإحيائها. يبدو أن جنوح السفينة في قناة السويس كان اللحظة المثاليةلإحياء المشروع . وقد تزامن الجنوح بشكل غريب مع توقيع شراكة استراتيجية شاملة مدتها 25 عامًا بين إيران والصين., تدل الأحداث الجارية على أن الحاجة إلى تغيير التحالفات أصبحت حتمية في المنطقة. وهذا ما يفسر الضغط الاقتصادي الشديد غير المسبوق على سورية ولبنان واستمرار تراجع سعر الليرة في هاتين الدولتين. وكان الأمريكيون يأملون أن يفرضوا من خلال العقوبات شروطا للمصالحة مع "إسرائيل" ، وفرض ترسيم الحدود بين الحدود الفلسطينية واللبنانية لمصلحة إسرائيل ، ومنع حزب الله وحلفائه من المشاركة في الحكومة المقبلة. وفي النهاية ، سيكون للولايات المتحدة اليد العليا لمنع الطريق الصيني من الوصول إلى وجهته النهائية إلى البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك ، تم الكشف عن أسباب تصعيد لهجة بايدن تجاه الصين وسورية بمجرد توقيع إيران والصين على وثيقة التعاون. كما تم كشف البروتوكول عن الخيارات الخفية التي تحدث عنها السيد حسن نصرالله في خطابه يوم 18 أذار 2021.

قد تغير التطورات في المنطقة مسار الأزمة السورية. ولن يحقق مشروع "حزام واحد وطريق واحد" نجاحه الحقيقي إلا بوصله إلى المرافئ السورية واللبنانية كمنافسين حقيقيين لمينائي حيفا وعسقلان في فلسطين المحتلة . يعاني مشروع الحزام والطريق من ثلاث مشكلات حقيقية في الهند وأفغانستان وسورية فالهند حتى الآن تعين المشروع والتواجد الأمريكي المستمر في أفغانستان يؤخره والحرب المستمرة في سورية تجعله غير مكتمل . ويبد أن الانسحاب الأمريكي من سورية باتجاه الأردن قاب قوسين أو أدنى ، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة عن تعرض جنودها لهجوم كهرومغناطيسي.

قد يستغرق بناء القناة عدة سنوات ومن المقرر البدء بالتنفيذ في أيار عام 2021 م ، وفي حال رأى المشروع النور سيكون بتقنية عالية أكثر من القناة وسيتسبب في انخفاض عائدات مصر من إيرادات القناة إلى حد كبير .

البديل الثاني خط الشحن الروسي الإيراني نحو جنوب شرق أسيا:

عرض السفير الإيراني في روسياكاظم جلالي على القيادة الروسية اقتراحا لتنشيط خط الشحن الذي يمر عبر إيران كبديل مناسب عن قناة السويس . وقد جرت المحادثات الروسية الإيرانية في أعقاب جنوح السفينة إيفرغفن في قناة السويس.
وقد طلب السفير الإيراني في موسكو تسريع تنشيط حرم الممر الروسي عبر إيران من الشمال نحو الجنوب عقب تعليق المرور في قناة السويس.
يساعد خط الشحن الإيراني الروسي في تنشيط حركة التجارة الدولية بين موسكو ودول جنوب شرق أسيا عبر إيران ويعتقد أطراف المشروع أنه بديل مناسب وأقصر من المرور عبر قناة السويس وبالتالي تقليص الزمن وتكاليف الشحن وأكثر أمانا من الممر البحري.

البديل الثالث الخط البحري الروسي في الشمال:

ترى روسيا في الخط البحري الشمالي بديلا مناسبا عن قناة السويس وتؤكد أنها تستطيع تنظيم رحلات بحرية من الصين واليابان وكوريا عبر هذا الخط بعد ذوبان الثلوج والكتل الجليدية في المحيط المتجمد الشمالي نتيجة ارتفاع درجة حرارة على الأرض. وتعتقد موسكو أن المسار الشمالي أفضل من قناة السويس لأسباب عديدة منها: اختصار الوقت وتأمين الحماية الروسية الكاملة والتكلفة أقل . هناك مشكلات دولية قائمة حاليا بين الولايات المتحدة وروسيا حول أحقية روسيا امتلاك الطريق البحري الشمالي وهناك جدل قانوني دولي حول عمق المياه الروسية الخالصة وفق القانون الدولي .

خط الحديد الاماراتي الإسرائيلي عبر نيوم وإيلات إلى البحر الأبيض المتوسط.

وقد خرجت فكرة الخط الحديدي الذي يربط الإمارات العربية المتحدة مع سواحل فلسطين المحتلة عقب اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية وقد اتهمت الإمارات بتدبير حادث قناة السويس لكن لا يوجد دليل على تورط طرف ما حتى الآن في تدبير الحادث . يهدف الخط الحديدي الإماراتي الإسرائيلي إلى بناء خط سكك حديد وسريع عبر الصحراء لاختصار الوقت وتقليل التكلفة في النقل بين الخليج العربي وساحل البحر المتوسط في فلسطين المحلة مرورا بمدينتي نيوم التي تقام حاليا في الزاوية الشمالية الغربية للسعودية وايلات في خليج العقبة وصولا إلى مياه البحر الأبيض المتوسط .

قد يكون الخط مكلفا في المدى المنظور فالخبران يشيرون إلى أن الخط يحتاج إلى أعمال مدنية قد تصل نحو 250 كم بالإضافة إلى حفر الأنفاق في الجبال والجسور فوق الأودية وقد يبلغ حجم الاستثمار فيه حوالي 100 مليار دولار كحد أقصى .

بالتأكيد هذه المشاريع البديلة ليست حلما وليست مأخوذة من كتب اليوتوبيا وقبل شق قناة السويس ، كانت أي طريق بديلة صعبة المنال ونوعا من الأحلام ولكنها تحققت خلال فترة وجيزة . اليوم نحن نعيش طفرة العلوم الكمية على نطاق واسع ولا شيء مستحيل الحدوث. إنه عالم الممكن لا عالم المحال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س