الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار أولية حول أهمية الحقيقة الدينية والحقيقة الإنسانية

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2021 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


-------------------------------------------------
ان يقول أحد ما أن الحقيقة الدينية أهم من الحقيقة الانسانية، فهذه - في تقديري - دلالة واضحة، ليس على سوء فهم وإدقاع معرفة فحسب ، بل هي دلالة حقيقية ، على فهم مُتعصب خفي، أو جهل متوارٍ ، ضال عن معنى كلا الحقيقتين معاً.
و حسب اعتقادي البسيط ، فإن هذا القول المرسل على عواهنه ، إنما يشي عن عاقلية وثوقية ، تؤمن يقيناً ، بأن الحقيقة الدينية في كل مناحي البسيطة هي واحدة ، و أن تلك الحقائق قد امتحت سيرورتها عبر العصور من نسغ معين أو جاءت من مصدر واحد وانها مازالت صحيحة حتى الآن ..
في تقديري يعتبر هذا الاعتقاد القاصر - بحد ذاته - مصيبة اقصائية خطيرة ، ليس اسوأ منها، سوى رزية الاعتقاد المطلق ، بأن الحقيقة الدينية المقدسة او العقيدة الماورائية التي يؤمن بها المرء يقيناً خالصاً، هي الحق الوحيد و الأوحد ، دونَ عن معتقدات العالمين ..
و تلك - لعمري - مصيبة أخطر و أكبر من سابقتها.. لأنها بمثابة دعوة لعقيدة إقصائية بغيضة ، تقوم في جوهرها ، إما على نبذ الآخر ورفضه ، أو ترويضه ليدخل في حظيرة حقائقها المزعومة ، و غالباً ما يكون مؤداها العنف والغلبة ، وسبيلها الإرهاب الفكري لعديد الافهام الإنسانية الأخرى لامحالة .
المعنى بكلمات أخرى : إن القول ان القيم والحقائق الدينية هي اهم واسمى من القيم والحقائق الانسانية ، هو قول قديم ، أثبتت تجارب التاريخ المريرة بطلانه، وهو في زعمي قول خاطئ تماماً، وحكم مغالط ، يبتغي حال الجمود والثبات للفكر، ويعتمد مبدأ السكون للحقيقة والواقع ، وهذا لا يستقيم بتاتاً مع حجج العقل الموضوعي ، وبراهينه القاطعة في إثبات ناموس التغير الأزلي للوجود، وقانون الصيرورة فيه ، ولا يتفق البتة مع خطى المنطق العلمي السليم والمعاصر ..
و قد اثبت لنا مسار تطور الوعي الانساني – بالفعل- خطأه منذ أمد بعيد .. ليس أقله منع العبودية بتاتا وتجريمها انسانياً ، في حين كانت – إلى أمد غير بعيد - مباحة اجتماعيا وثقافيا بل ومنصوص عليها دينيا ..
ثم لا يخفى على الفهم الحصيف ، ان هذا القول بالذات ، مؤسس على مغالطة منطقية شائعة ، و مسلمات ايمانية لا عقلية خطرة المآرب ، كما ذكرنا سابقاً ـ لكونه مؤسس على افتراض معرفي ، متهافت الاصول والتمحيص مفاده :
ان ما يأتي من المُطلق ( الماورائي - الميتافيزيائي ) غير المحدود بزمان او مكان ، هو صحيح دائما وابدا بالضرورة ..
وما يأتي من النسبي ( الوعي الإنساني - الفهم الكائن في الواقع الفيزيائي ) المحدود بزمان ومكان، هو خطأ مبرم او ذو حق أني، مؤقت على ابعد تقدير .
والحقيقة أن هذا الفهم الرث ، إنما يصدر عن ذهن إيماني وثوقي متأخر جداً ، الذهن الذي مازال يستند الى فكر "ما قبل الحداثة " وتطور العلوم ، حين كان الفهم الانساني طفولي ساذج و بدائي المدارك ، يعتاش على اساطير الاولين ، ويؤمن بخرافات الأقدمين ، أو تصوراتهم المتراكمة وأضاليلهم المتوارثة عبر الاجيال .
فهم ماض ، يعود إلى حين كان فيه الإنسان، يؤمن بأنه مركز الوجود والكون ، وأن أحلامه تتحكم بها أرواح عليا وقوى خفية ، وأن أسلافه انحدروا دفعة واحدة من قطعة طين أو بقعة سفينة ، وان غاية وجوده واضحة ، و ..و الخ .
فهم بالٍ ، ينتمي إلى حين كان الفهم فيه ، يُعقلن أحداث الطبيعة ، كسقوط النيازك مثلاً ، و يرفع خطوبها الغريبة الى السماء، بتصور بديع وخيال وقاد وهج ، ثم يتنزّلها بعدئذ بنصوص منسوبة، وطلاسم مرهوبة، ذات لغة مفتوحة الدلالات غامضة الإجابات، بغية تحصينها من النقد أو الانتقاد ، وتشجيع الخشية عليها من أية شذرة عقلية تكشف تهافتها ، أو جرأة أية مساءلة رفض أو شك، تُبرز هشاشة أسسها .
قصارى القول :
ان التمسك بهذا القول – الحقيقة الدينية أسمى من الحقيقة الإنسانية - يعبر بالضرورة عن نمط من التفكير الخطر ، الذي يحمل في ثناياه هفوات معرفية في عدة مناحي :
المنحى الاول : الايمان المطلق بعجز الانسان على مواجهة الطبيعة .
والمنحى الثاني : الأيمان التام بقصور العقل الانساني عن الاجابات عن الاسئلة المصيرية او الغائية والكلية .
والمنحى الثالث : التشكيك المستمر في مقدرات ذلك العقل على الفهم والاحاطة وحل مشكلاته دون مساعدة خارجية ماورائية ..
والمنحى الرابع : الاعتقاد بان منظومة الرأي القديمة، و العقائد المتوارثة المقدسة ، هي ذات أحقية مطلقة و أبدية ، وذلك لإعجاز فهمها التام من قبل الأكثرية ، و للقدم الذي يتمتع بها وجودها ...
وبالتالي الحقيقة الدينية- في تقدير القائلين بها- هي اهم واسمى وأقدس من كل حقوق الانسان والحريات الأساسية النسبية المتغيرة، بل و من أية حقيقة من الحقائق العلمية والانسانية التي وصل اليها الفكر أو سيتوصل إليها الوعي الانساني القديم والحديث والمعاصر لاحقاً ...
و لعل هذا الاعتقاد بالذات ، هو اولى المنابت الفكرية للإرهاب الداعشي ..
وظلام التدهور العقلي الذي مازلنا نكابده ..
للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف