الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ يومين رفضت تركيا إدراج جماعة الإخوان المسلمين تحت قائمة الإرهاب، والبعض قد يفسر ذلك بالعلاقة الوطيدة بين الاثنين وبالتالي فلا معنى لخصومة مدفوعة من طرف ثالث، لكني أرى الأمر من زاوية مختلفة..

إن تركيا لا تصنف الإخوان جماعة إرهابية، لكنها تصنف حزب العمال الكردستاني إرهابيا، بينما مصر تصنف الإخوان إرهابية لكنها لا تصنف حزب العمال إرهابيا، والسبب كما هو واضح أن الشرط الأساسي للدول في تصنيف الأحزاب والجماعات بهذا الوصف المستحدث هو أن تصبح تلك الجماعة خطرا على الأمن العام، أو تفعل أفعالا مهددة لحياة المدنيين ومؤسسات الدولة، وبما أن الإخوان لا تهدد تركيا فالطبيعي أن لا تصنف إرهابية في أنقرة..لكنها تهدد مصر فالطبيعي أن لتصنف إرهابية في القاهرة..

يحدث الآن جدلا مماثلا بشأن عكوف الولايات المتحدة عن تصنيف الإخوان إرهابية لهذا السبب، فالقوانين الأمريكية تضع شروطا أكثر سعة لوصف الجماعات والأحزاب بالإرهاب هي كما يلي:

أولا: أن تهدد تلك الجماعة أمن ومصالح الولايات المتحدة..

ثانيا: أن تقتل المدنيين دون تمييز، وهذا مناط الوصف الأساسي بالإرهاب أن يصبح الشخص أو الجهة خطرا على المدنيين، ومن هذا المنطلق وصفوا حزب الله وحماس بالإرهاب برغم عدم تهديدهم لمصالح أمريكا، وفي ذات الوقت رفضوا إدراج قادة إسرائيل إرهابيين رغم قتلهم المدنيين مما يجعل هذا الشرط مفرغا من معناه ويوظف بشكل سياسي لا قانوني أو أخلاقي.

ثالثا: أن تكون المنظمة والجماعة أجنبية غير أمريكية..وهذا تفريق واضح للمشرع الأمريكي بين الخلاف الديمقراطي السياسي الداخلي وبين مفهوم الأمن القومي والأجانب، مما يعني أنه لو كان هناك إخوانا مجنسين بالجنسية الأمريكية فلن يتصفوا بالإرهاب ما داموا يعملون وفقا للقانون الأمريكي المحلي الذي يسمح لهم بتكوين ائتلاف وجماعة تنافس سياسيا على أسس ديمقراطية بغض النظر عن احتمالية الفوز من عدمه ، لأن النظام الانتخابي الأمريكي كان ولا يزال أوليغارشيا وليس ديمقراطيا بالمطلق، أي أنه يسمح بالمنافسة السياسية لكنه لا يسمح بالمنافسة تلك على أساس قوي فتدخل معركة الإنتخابات ضعيفا وهزيمتك مؤكدة لصالح الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي.

الإشكالية الكبرى التي تواجه الدول التي تصنف الإخوان إرهابية (مصر والسعودية وسوريا والإمارات وروسيا) كمثال، أن تصنيف العنف الذي مارسته الجماعة ضد دولهم له تصنيف آخر عند الغرب الديمقراطي الذي يرى أنه ما دام التنظيم الإخواني قد مارس السياسة ودخل الانتخابات ولم تصدر من قياداته أوامر صريحة بالعنف فلا يجوز وصف التنظيم بالإرهابي، ومن هذا المنطلق ترى أوروبا وأمريكا جماعة الإخوان، لكن الدول الخمسة المذكورة قدمت شهادات ووثائق مؤكدة على أن قيادات الإخوان أنفسهم حرضوا على العنف سواء من أمام الكاميرات والشاشات أو في كتبهم وخطبهم على المنابر، وكذلك يقدمون شهادات ووثائق مؤكدة على أن الجماعة الإخوانية هي أم جماعات الإرهاب الشهيرة (داعش والقاعدة) ومن رحمها خرج البغدادي والظواهري كنموذج..

لكن العقل الغربي يفكر بطريقة مختلفة، ويبدو أنه لا يهتم كثيرا بالمرجعيات الفكرية والمنهجية الحاكمة للجماعات، بل يهتم أكثر بالنتائج التي يرى من خلالها أن داعش والقاعدة هي جماعات مختلفة عن الإخوان عمليا، وأنه حتى لو كان هناك رباطا عضويا وفكريا بينهم لكن التطبيق العملي الإخواني ما دام منفصلا فهو حجة على داعش والقاعدة ، وبالتالي وفقا للبراجماتية الأمريكية وعقلية السياسي الأوروبي يمكن توظيف الإخوان ضد هذه الجماعات والرد عليها كما يوظف السعوديون آل الشيخ والوهابية في الرد على الإخوان أيضا ونزع صلاحياتهم الدينية..

أما الدول التي تعتبر الإخوان إرهابية فلديها حجج أقوى قد تقنع الغرب، فمثلا لدى الغرب أن الجناج العسكري لحماس وهو كتائب عز الدين القسام إرهابي، وهذا الجناج فرع للإخوان المسلمين بفلسطين، لكن الغرب يرد فورا أن ذلك ليس دليلا لأن أفرعا أخرى للإخوان في لبنان والخليج وتونس والمغرب – كمثال – ليس لديها أجنحة عسكرية وليست في مواجهة مع الدولة ولا يشكلون خطرا على المدنيين، وهكذا فالجدلية ستظل قائم ونشطة بين الطرفين

وشخصيا أؤمن كمفكر مصري الجنسية أنه من حق مصر تصنيف الإخوان إرهابية ما دامت تشكل خطرا على المدنيين أولا ومؤسسات الدولة ثانيا، وأن وثائق وشهادات العنف الإخواني مؤكدة وثابتة تاريخيا ضد القطر المصري منذ الأربعينات، وبإمكان أي قاضي أن يحكم بوصف الإخوان إرهابية بأبسط وأقل الأدلة – على كثرتها – لكن في نفس الوقت لا ألزم حكومات ودولا كالمغرب وتونس أن يفكروا ويعاملوا الإخوان لديهم كما نعاملهم في مصر، ما دامت معايير الأمن القومي مستوفية ولم يتغير سلوك الإخوان للعنف هناك ومن ثم تهديد الدولة أو مرجعيتها المدنية، ووفقا للتفكير البراجماتي يمكن استثمار ذلك على الطريقة الأوروبية في الرد على جماعات جهادية أخرى كداعش والقاعدة والتكفير والهجرة وغيرها بالأسلوب الإسلامي.

وهناك رأي يدعم هذه الحجة أن إخوان تونس – كنموذج – قد لا يكونوا صالحين أو مؤمنين بالدولة الحديثة، لكنهم في ذات الوقت يحفظون تونس من تحولها لأفغانستان أخرى إذا سيطر عليها الفكر السلفي الوهابي المحض..على ما يبدو – حسب وجهة نظر هؤلاء – أن ثمة فارق كبير بين أيدلوجية مفكري الإخوان وبين مفكري الوهابية الجهادية، وأن هذا الصراع الأيدلوجي بينهم يساهم في تشكيل بعض التصورات الدينية عن الحكم أكثر استنارة ومدنية من النموذج الأفغاني الذي يبدو أن تكوينه الأول لم يكن فيه ذلك الصراع متفشيا بل سيطرة تامة للجهاد الوهابي وإن شارك فيه إخوان بصفتهم مجاهدين عرب ومسلمين متطوعين، لا كمفكرين يتصارعون حول الحقيقة الدينية داخل المذهب السني.

لكن هذا الراي يظل فقيرا إذا ما ظهر إليه عنف قيادات ومفكري الإخوان في سوريا وتحريضهم الرسمي والعلني على الجهاد..خصوصا وأن أدلة هذا العنف كثيرة سواء من مؤتمر استاد القاهرة سنة 2013 أو من على منصة رابعة العدوية في نفس العام، إضافة لما يحدث على الفضائيات والبرامج الدينية، وهنا يكون الغرب متناقضا حين يعتمد على الإخوان والجماعات للحرب ضد بشار الأسد ولتدمير الجيش السوري ثم يصنفهم إرهابيا بناء على هذا الاعتماد، وهم – أي الإخوان – ما فعلوا ذلك إلا ترضية للغرب واستجابة لدعواتهم ليس إلا، ومن هذا المنطلق أفهم كيف أن الغرب لا يصنف الإخوان إرهابية بناء على عنفهم في سوريا وقتلهم للأقليات الدينية..فهم من اعتمدوا عليهم بالأساس، ويكشف عن عورة من عورات المجتمع الغربي ونفاقه في دعم الأصوليين والمتشددين ثم الاستغاثة منهم إذا ما هددوا أوروبا.

وفي الحقيقة تحدثت مع البعض حول هذا الأمر فقال أحدهم: كلامك صحيح بالفعل ودعوات الإخوان وقياداتهم للعنف مؤكدة هذا العام بالذات – سنة 2013 – لكن ذلك لم يفرز عن جماعات عنف سوى حركتي (حسم ولواء الثورة) الذين خرجوا من رحم اعتصام رابعة بالفعل، لكن بقية التنظيم لم ينخرط في هذه الحركات، فقلت: أن عدم انخراط البقية في هذين التنظيمين يعود بالأساس إلى ضعفهم..فلو تسنى لهم الانخراط سيفعلوا..ولما لا وبعض عناصر الإخوان انضموا بالفعل لما هو أكبر وأوضح كولاية سيناء التي بايعت داعش والخليفة البغدادي، فما دام هناك عنفا وتحريضا عليه قد ثبت بشكل مؤكد في مؤتمر استاد القاهرة واعتصام رابعة..فهو حجة دامغة ودليل ثابت على إرهاب الجماعة وتبنيها العنف ضد الآخرين..

هنا أشرح وأحلل وجهات نظر قد أختلف معها بالتأكيد لكني لست ممن يعترضون وينقدون دون تجاوز واستيعاب، وأؤمن أنه ولكي أرد على الخصوم يجب الوصول لتصوراتهم الذهنية أولا وتخيل ما يروه في عقولهم عن الأشياء، وهذه ميزة لا تتاح للأغلبية كما أعتقد..نظرا لأن قدرات التفكير الفلسفي العميق مع القدرة على اختراق عقول الخصم وتصور ما يراه أدبيا هي قدرات غير متاحة لضعفاء الخيال والذهن والحس الأدبي، لذا فأنا أطالب دائما أن يكون المفكر أديبا ولديه خيال واسع وانفتاح دون حدود لكي يملك القدرة على مناقشة الآراء المختلفة بموضوعية.

جانب مهم في قصة تصنيف الجماعات إرهابية وهو أنه لو كان قرار التصنيف ينتج عنه خطرا على المدنيين فهو باطل حتى لو كانت الجماعة مستوفية لشروط التصنيف، بمعنى لو كانت الجماعة إرهابية وتم إعتبارها كذلك بالفعل لكن قرار التصنيف أنتج ضررا بالمدنيين فيعاد النظر فيه، وهذا النموذج حدث مع جماعة الحوثي في اليمن، التي يؤمن الأمريكيون بأنها إرهابية لكن إدارة بايدن رفضت ذلك كون القرار سيؤدي لحصار تام ومنع الأغذية عن الشعب اليمني، فلولا أن الحوثي يسيطر على محافظات الشمال اليمنية والساحل الغربي وتحكمه في موانئ كبرى لما تراجع بايدن عن قرار ترامب، مما يعني أنه لو نجحت قوات هادي بهزيمة الحوثي وإخراجه من صنعاء والحديدة سيتم تصنيف الحوثي إرهابيا في القانون الأمريكي، وبالتالي يصبح أي منتم لهذا التنظيم / الجماعة مخالف للقانون ويستوجب المسائلة والعقاب.

هذا بعيدا عن معايير وأحداث حرب اليمن، لأن شروط التصنيف الأمريكي للإرهاب تنطبق أيضا على خصوم الحوثي كالمجلس الانتقالي وحزب الإصلاح وقوات هادي، فهؤلاء يقتلون المدنيين مثلما يقتل الحوثي مدنيين، وكافة المنخرطين في حرب اليمن – بمن فيهم التحالف العربي – متورط في قتل المدنيين وفقا لشهادات الأمم المتحدة، وبالتالي فقرار تصنيف الحوثي على هذا البند مفردا سيعاني من اللامنطقية ويصبح حجة على أمريكا نفسها توجه ضدها في المحافل الدولية مثلما يستغل ذلك خصوم الولايات المتحدة ضعف منطقها في فلسطين، فكلما أرادوا أن يدينوا المقاومة ضد إسرائيل واجههم الخصوم بجرائم إسرائيل ضد المدنيين، وأنه لا عبرة لازدواجية المعايير هذه في الشريعة الدولية، وكل من يتبنى هذه الازدواجية ويعمل من خلالها يضعف سياسيا ويعطي لخصومه أوراق ضده بالمجان.

أختم بأن هذه الجدلية مصدرها غض الطرف تماما عن التراث الديني والمنهجية التي كوّنت الجماعات، فنقد هذا التراث يوضح بجلاء أن المذهب والفكر الذي صنع الإرهاب محصّن تماما في بعض الدول الإسلامية مما يسمح بخروج جماعات إرهابية كل فترة على النسق الإخواني، ومن أمثلة ذلك أن هذا التراث يدعو بوضوح لتشكيل دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الغائبة وتكفير الآخرين واستحلال دمائه وأمواله بالفتوحات والغزوات، والنظر للغير دائما باحتقار وكراهية نابعة من معتقدات راسخة في المجتمع كالولاء والبراء والفرقة الناجية ..وغيرها، بالتالي فقصة تصنيف الجماعات بالإرهاب يجب أن تنتبه لهذه المرجعية الفكرية لكونها السبب الرئيسي في تشكيل عقلية الإرهابي، وسلاح خطير في يد الكهنة ورجل الدين في السيطرة على العوام.

مما يعني أن مشكلة الإرهاب في المجتمع المسلم أصيلة ومرتبطة بعقيدته الدينية أصلا، وما دام النقد غائبا لتلك المرجعية وتنزيهها من العنف وتقييد وإنكار كل ما يدعو للكراهية سيظل الشريان المغذي للجماعات قائما، ومصدر العنف الوجداني نشطا..ومثلما رأينا الآن مئات الجماعات التكفيرية والعنف ربما سنرى من هو أكثر توحشا في المستقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه من الطائفية والتكفير وخلط الدين بالدولة، خصوصا وأن جماعات المستقبل ستكون قد اكتسبت خبرة التجارب وتصبح أكثر حذرا مما يعني أنها سوف تكون أكثر عمقا وأنفذ سهما وأسرع اختراقا للدولة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جعل اهلها شيعا
ابراهيم الثلجي ( 2021 / 4 / 25 - 11:12 )
نشاطات بعض الجماعات الدينية لها طابع وفعل انقسامي ضار بوحدة وسلامة المجتمع مثلها مثل الطبقات الحاكمة ذات الطابع الاستحواذي على باقي افراد المجتمع
لذلك في خضم المنافسة على الملك او على المال العام والذي هو في انظمة العالم الثالث يسمى المال السايب والصراع هذا بين فئة تدعي الاحقية به بصفتها استمرار لثورة تربعت على الحكم بانقلاب عسكري وفئة تروج لنفسها القداسة والاكثر حرصا على مصالح الشعب باسم الدين وتزكية الذات
اما تعبير ارهاب بالمفهوم الحالي فلا ينطبق على الحركات السلمية بالرغم من ان ضرر الخوارج اكبر واشد من الصدامات العسكرية التي تكون نتاجا للخروج على الحكم المستقر بغض النظر ان كيف مسك وانما ضرورات هذا الصراع انقسام الشعب الى شيع
فرعون ذكر سياسته ومسيرته الرب العظيم ليس لجمال عيونه او قوة سواعده انما لسبقه في انشاء تشكيلة الحكم والسلطة واساليبها
فهو سلبياته انه جعل الناس شيعا ليتفرد بهم غير مهتم بالنتيجة المدمرة انسانيا ليكون الملهم العقائدي لنظام الفتوات والعوالم فيما بعد
المجتمع المصري هو مسلم فما الغاية من بروز مجموعة من الحركات الاسلامية الا تقسيم وحدة المجتمع واضعافه
فهنا الخطر

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س