الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زينة مصطفى سليم : مخلوقات الرسام السحرية

فاروق سلوم

2021 / 4 / 25
الادب والفن


ازعم ان الأبداع اغتراب . الرحيل الدائم هو قانون الرؤية المختلفة عن العادي في تلك القطيعة او تلك العزلة. ذلك التقاطع الدائم مع المرئي ، مع القائم والمكرّس كحقيقة نهائية في مجتمع خامل ، مستسلم وعقل مستلب !!.
اننا نميّز غرابة مخلوقات المبدع في كلمة او ضربة ريشة او قوس لون ، انه دائما يسكن ارضا اخرى ويعاشر مخلوقات مختلفة ويحلم في فسحة سحرية حتى تبدو رؤياه ضربا من التجريد الدائم الذي لايروى ولايفسّر .
عند الرسامة العراقية المغتربة زينة مصطفى سليم ، ثمة مالانبلغه بحواسنا التي نألفها . فهي تبتكرنا في كل اعادة خلق على خامة لوحتها . مخلوقاتها مرت بمراحل مختلفة من رؤية وجودنا . عدسات نظرها الى مخلوقاتها السحرية مثل نمط من الخدر والتنمّل والسحر، لذلك ترى تلك المخلوقات في اشكال غرائبية ، وفي لغة جسد مختلفة. في انزياحات غرائبية وفي اعادة ترجمة لتلك اللغة الداخلية المبهمة التي تعكس سيكولوجيا مخلوقاتها على خاماتها المتعددة ؛ ورق ، كانفاس، خشب وربما خامات اخرى جربتها في دراسات وورشات فنية عربية ودولية حضرتها ، او في ارتجالات الرسام في اسهامات متنوعة و في معارضها الشخصية او اسهاماتها المتعددة كما في سيرتها .
الشخصيات التي ترسمها تبدو ككشف سيكولوجي لمخلوقات حية مرسومة بحبر القراءة البصرية التي تستبطن وتستبصر وتبلغ مالانراه . انها مخلوقات جريحة في عالم صاخب جائر وغير منصف . مخلوقات تتداعى وتروي مالانسمعه ، لذلك تكسر الرسامة زينة مصطفى سليم سواد الحبر العميق بشطحة لونية مغامرة او مقترح ملون يضيء تلك اللحظة النفسية لتلك المخلوقات التي روضتها ومنحتها ذلك الفضاء المتعدد .
تبدو الرسامة كأنها تستنطق مخلوقاتها ليهمسوا شيئا لاندركه . صحيح ان شخصيات زينة سليم مستلة من تجاربها المختلفة في الأستقراء ، والنظر عبرعدسة التلاشي والتجريد خاصتها ، لكنها لاتحيل الى تجاربنا مع مخلوقاتنا او مع من نعاشر بل انها تعرضنا الى تلك الأستثناءات البشرية الداخلية التي تكشفها تخطيطاتها او ريشتها او كيمياء تقنياتها اللونية وتلك هي الخصوصية الفردية المكرسة للرسامة.
ذلك التنوع الذي احكي عنه في لوحات وتخطيطات زينة سليم ليس صنيعة نظرها المباشر ، بل هو الكشف السري الذي تعرضه ، وهو ما تراه داخل تلك الكتلة الأنسانية الغامضة والهشة التي كشفتها ، في نفس الوقت .
انها تعرض لنا جماليات الكشف الداخلي البسيط دون تزويق او اقنعة او زخرف . لكني استطيع ان اؤكد ان مانبلغه من جماليات تلك المخلوقات يفوق مايمكن ان نراه مباشرة ، انها جماليات الحس والأدراك الذي يمنحنا اياه التشكيل في مبنى الفن وهدفه غير المعلن كما فعلت الرسامة في حركة شخصياتها.
النقد اليوم لايحكي عن الحدود التعليمية او التحليل المدرسي للعمل الفني ، انها مهمة تركت لقاعات الدرس ومحاضراتها ، بل انه يذهب الى هدف مغاير يعنى بالأنعكاس النفسي الذي يخلقه العمل الفني.
ان كل انعكاس مختلف عند اي مشاهد للوحة او للعمل الفني هو هوية مختلفة يخلقها فينا العمل الفني ذاته . لقد انشغلت الرسامة بحريتها وبوعيها لما تفعلهُ على سطح خامتها ، وكأنها تحرر اشكالها من انطباعاتنا لتبلغ مدركات الرسام وهو يستل غموض الأعماق ولكن عبر تجريدات نصل من خلالها جوهر العمل الفني مُدركا ومتخيلا وليس مجسدا او مباشرا.
تابعت مرحلتين مختلفتين من مراحل تلك المخلوقات التي اعتنت بكشفها الرسامة ، ففي الفترة الأولى مابعد التسعينات التي تلت دراسة الرسامة وهجرتها الى خارج العراق ، كانت شخصياتها تأخذ شكل مخلوقات كونية هابطة من مجرات واكوان بعيدة على بيئة ارضية تخلقها الرسامة لترضي ادراكها المدرسي وحرفتها التدريبية التي نقلتها من منطقة البورتريت الى منطقة التجريد وبناء ابعاد اللوحة.
كانت تلك المرحلة مفعمة بغزارة لونية وحرص على اعطاء المشهد تفصيله البانورامي ومنظوره وابعاده التشكيلية مع لمسة تجريدية موحية .
وتكونت المرحلة اللاحقة اثر تلك المرحلة الأولى ، بفعل اصرار الرسامة على تكريس اسلوبيتها اليوم حتى لتبدو وكأنها حفريات بصرية داخل غموض الشخصيات ووجدانها وتحولاتها ، وكأن الرسامة تروي يومياتها في العمل والحياة وسط ايقاع مكتض بالمخلوقات المغرّبة ، وبالأصوات والتنوع والقلق الفصيح .ان موسيقى العمل الفني عند الرسامة مستلة من الموسيقى اليومية لحياة اغترابها وتجاربها ومشاهداتها وللقراءات والبحث اليومي الذي تعيشه ببصيرة الرسم ورؤيته . انني طوال الوقت الذي اقرأ فيه تجربة الرسامة زينة سليم احاول ان استذكر جيل الرسامين الذين نشأت بينهم وهاجرت ضمن هجراتهم ، اؤلئك الذين كونتهم ضغوط الحروب والفضاعة وكل ماهو استثنائي في الحياة من القسوة والقدرية .
اعرف تماما ان الرسامة في تجربتها التشكيلية ، تتجرد تماما من كل ميل للاعلان عن تجربتها ، فهي دائما تكرر ان هنالك عشرات الأسماء وربما المئات من الرسامين العراقيين ممن يستحقون الكثير من الضوء والقراءة والدرس ، ولذلك تريد هذه القراءة ان تلوّح بأن فسحة الدراسة للتجارب العراقية الشابة لمن هم داخل العراق وخارجه انما تشكل كشفا مهما لحقيقة المشهد التشكيلي العراقي الجديد الذي تكون اثر ظروف من الصراعات الداخلية والخارجية والهجرات والأغترابات مايجعل من تلك التجارب نماذج مغايرة في اساليبها وتقنياتها ونظرتها للرسم .
في اعمالها الأخيرة ، تستعير الرسامة زينة سليم كيانات مجاورة لتختطف شخصياتها بكل التداعيات والأقاويل التي تفصح عنها اللوحة ، و تقودنا الى استنطاق تلك الشخصيات وكأنها تستنطقنا نحن بكل الخيبات والكآبات والأحباطات الغريبة في هذا الزمن الصعب.
انها كرسامة تعلمنا من خلال الأجواء التي توحي بها مشاهد شخصياتها ورسومها وتخطيطاتها بأن العالم الذي نعيشه ليس ثابتا بل هو جدلية متحولة من التغييرات والمفاجآت والهويات المتعددة التي تنعكس على تلك المخلوقات وعلينا بصفتنا متلقين لكل هذا العصف الكاشف لما يحصل من تحولات نفسية في تلك الشخصيات ، وفينا ايضا ، مهما بلغت درجة ابتعادنا عن اللحظة التشكيلية تلك .
يبدو دائما المزاج الذي تشتغل به الرسامة ، هو مزاج من الحساسية الفارقة انها تعيش العالم بوعي، ليس كمتلقية بل كبصيرة كاشفة ، حتى لتبدو لوحاتها كحفريات في بنية الشخصية المعاصرة التي تعاني كل ضغوط الزمن وتداعياته واشكالاته ورغبته في الهروب كطريقة وحيدة للبقاء .
ان شخصيات زينة سليم السحرية تبدو لنا كنماذج مخلّصة لنا من الوهم والأنكار ، عبر الأعتراف بدل الخرس ، وعبر الأحتجاج بدل الرضوخ ، وعبر الأفصاح الحي بدلا من كل تغييب لطاقة العقل وقوة التعبير حتى لو كان صراخا.
اللافت في تجربة زينة سليم التشكيلية تقشفها اللوني المقصود ، وتقنيتها المتجذرة في التجربة الى درجة انها تستل مكوناتها من خامة اللوحة بألوانها المحدودة لتضعها امامنا ، كتفاصيل كاشفة لفكرتها التعبيرية .
انها لاتلزمنا بزمن لنعيش تعبيريتها تلك بل تشير الى افق مفتوح لكل لوحة لتعطي دلالاتها واثرها ودورتها الزمنية . نحن مع تجربة زينة سليم امام رسامة مكرسة تمنحنا مشاهد جدلية كاشفة لحياة سرية ، بمميزات بصرية وتشكيلية تفصح بلغة مكثفة وغموض اقل .
الفنانة زينة مصطفى سليم ال مظفر ولدت في البصرة ١٩٧٣ ونشأت في بغداد
.. بدأت دراسة الفن بعمر الخامسة عشر على مدى تسع سنوات حصلت فيهم على دبلوم في الفن التشكيلي فرع الرسم ١٩٩٥… وبكلوريوس في الفن التشكيلي فرع الرسم بتقدير عالي عام ١٩٩٩. خلال دراستها الأكاديمية
أقامت ثلاث معارض شخصية (١٩٩٣اُسلوب واقعي أكاديمي قاعة معهد الفنون بغداد) (١٩٩٥معرض كاريكاتيرتعبيري جامعة بغداد) (١٩٩٩حوار الطبيعة على قاعة مركز الفنون
) غادرت العراق ١٩٩٩ و استمرت مشاركاتها ونشاطاتها الفنية ومعارض مشتركة بعد انتقالها لعمان ومن ثم كندا سنة ٢٠٠١ الذي أقامت فيه ثلاث معارض شخصية (سيدات الفصول ٢٠١١ مونتريال) (حب عبر المسافات الطويلة ٢٠١٦ تورنتو) (المظلة ٢٠١٧)... شاركت في الكثير من المعارض المشتركة والمهرجانات و ورش فنية في كثير من الدول و المدن المهمة كنيويورك، مونتريال ،تورنتو، إسطنبول، دبي، القاهرة، الاسكندرية، عمان، مسقط، المغرب، وبغداد... عملت في تدريس الرسم و نظمت بعض الورش الفنية في مدارس أهلية وكورسات رسم لاعمار مختلفة .. اختير تصميمها في مسابقة فنية أقامتها بلدية اوتاوا ٢٠١١ لينفذ على معدن في شارع بانك في اوتاوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة