الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعطني هذا الدواء!

فاطمة ناعوت

2021 / 4 / 25
حقوق الانسان


غدًا "23 أبريل"، سوف يموتُ "شكسبير" العظيم، قبل أن يُطفئ شمعة عيد ميلاده الثاني والخمسين. وغدًا سوف يموتُ "ويليام وردزورث" الشاعر الإنجليزي الجميل، بعد أيام قليلة من احتفاله بعيد ميلاده الثمانين، وكذلك سيموت في الغد "ميجيل دي ثيربانتس" الشاعرُ الإسباني قبل أن يحتفل بعيده التاسع والستين. غدًا يومٌ استثنائي جلل في تاريخ العالم. انكسرت فيه أقلامٌ عظيمة سطرت للبشرية كنوزًا وثرواتٍ وفرائدَ في الأدب والشعر والفنون. لهذا، حينما قررت منظمة اليونسكو الاحتفالَ بالكتاب، اختارت هذا التاريخ (23 أبريل)، لتجعله "اليوم العالمي للكتاب"؛ لكي نتذكّر فيه تلك المعجزة المدهشة: "الكتاب". تفتح الدفتين بيديك، ثم تُلقي بنفسك في خضّم البحر الذي ينفتح أمامك، تغطسُ نحو الأعماق، وتُبحرُ بين الضفتين ما شاء لك الإبحارُ، ثم تخرج من اللجاج شخصًا آخر، وكأنما ملكتَ العالم. الكتابُ هو الآلة السحرية التي تدخلها فقيرًا وتخرج منها ثريًّا، تدخلها غِرًّا؛ لتغادرها حكيمًا.
القراءةُ ليست للتثقيف وبناء المعرفة، ولا حتى للمتعة وحرق الوقت. القراءةُ أبعدُ من هذا وأشدُّ أثرًا. القراءةُ دواءٌ مجاني لأمراض البدن والأعصاب والدماغ والذاكرة. الكتابُ الذي نحتفل بعيده غدًا هو أحد أرقى وأنقى الأمصال التي تحمينا من أمراض العقل. أثبتت الأبحاثُ الطبّية أن مَن يقرأ يوميًّا من العسير أن يضربه مرضُ آلزهايمر، ذاك الوحش الذي يأكل ذاكرة الإنسان ويلتهم تاريخَه حتى لا يعودَ يعرف شيئًا من ماضيه ولا حتى أولاده.
قبل سنوات، نشرت مجلةُ Destination Santé الفرنسية دراسة حول العلاقة الوثقى بين القراءة والصحة العقلية، وأوصت بضرورة أن يُشغِّلَ الإنسانُ عقله ويُمرّن خلاياه الذهنيةَ والعصبيّة باستمرار. لأن تلك خلايا الدماغ ليست إلا عضلاتٍ مثلها مثل أي "عضلة" في الجسم؛ تفقدُ المرونة والقدرة على أداء وظائفها إن رَكنَتْ إلى الكسل والرخاوة، وتنشطُ وتُستحَثُّ قواها إن هي مُرِّنَتْ وأُجهِدَت في العمل والتدريب المستمرين. تمامًا مثلما يُمرّن الرياضيون عضلاتِهم بالركض اليوميّ والإحماء والتريّض الشاق. لذا أكّد الباحثون أن "الدماغ"، شأنُه شأنَ الساقين والذراعين والخِصْر، يحتاجُ إلى تمارينَ دائمة، للنجاة من الخرف المصاحب للشيخوخة. وعلّ هذا هو السبب وراء إطلاق العرب اسم: "رياضيات" على عِلم الجبر والتفاضل والتكامل وحساب المثلثات؛ لأنها "رياضةٌ" للذهن والدماغ، مثلما الرياضةُ للبدن. وهنا نقطةٌ تُحسَبُ لعبقرية اللغة العربية، على اللغات الأخرى التي اشتقّت الاسم من الكلمة الإغريقية máthēma، وتعني "ما تمّ تعلّمه".
وفي دراسة ميدانية حول تداعيات نشاط العقل، أجرى باحثون أمريكان فحوصات على نحو سبعمائة شخصٍ يبلغون من العمر ثمانين عامًا. وجاءتِ النتيجةُ كالتالي: كبارُ السنّ النُشطاء "ذهنًا"، معرضون بنسبة أقلّ كثيرًا للإصابة بمرض آلزهايمر، مقارنةً بأشخاص لم يمارسوا أيَّ نشاط فكريّ طوال أعمارهم. وإذن فقراءةُ كتابٍ أو جريدةٍ من وقتٍ إلى آخر، تحمي الإنسان من أمراض الشيخوخة الذهنية مثل الخَرَف والنسيان والتراجع العقليّ وفقدان المقدرة على التحكم في الوظائف الحيوية. وللوقوف على عادات القراءة ونسبها بين مختلف شعوب العالم، أجرت الأمم المتحدة بعض الأبحاث والإحصاءات التي أكدت، للأسف، أن معدَّلَ ما يقرأه المواطن العربيّ 1/4 صفحة في العام! بينما يقرأ المواطن الأمريكيّ 11 كتابًا في العام. ويقرأ المواطنُ البريطاني 8 كتب سنويًا. أما المواطن الإسرائيليّ فيقرأ أربعةَ كتبٍ "شهريًّا"، أي 48 كتابًا كلّ عام! (هل يذكّركم هذا الرقم بشيء حزين؟!)
كل عام و"الكتاب" في أيادي المصريين رفيقًا، وفي قلوبهم صديقا صدوقًا. وسعيدةٌ للغاية أن يصدر كتابي الجديد "السماءُ كلُّها لي"، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، اليوم تحديدًا، عشية اليوم العالمي للكتاب، الذي أقول لكم فيه: تناولوا هذا الدواء، اقرأوا تصحّوا، اقرأوا لا تهرموا. “الدينُ لله، والوطن لمن يحبُّ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ