الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات نمط الإنتاج بالدول التابعة - سوس بالمغرب نموذجا

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2021 / 4 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


عرفت التكوينات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البشرية عبر تاريخها الطويل تطورا متواترا نتيجة ما عرفته القوى المنتجة من تطور انعكس على علاقات الإنتاج وبالتالي على حياة الشعوب، مما يؤثر على ثقافاتها ولغاتها عبر تفاعل الأنشطة العملية والمعرفية التي تم عبرها تحديد هويات الشعوب في ظل صراع دائم بين الطبقات المسيطرة والطبقات التي تتعرض للاستغلال، ويعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط مركز الحضارات القديمة وضمنها الحضارة الأمازيغية التي اصطدمت بطغيان الإميراطورية الرومانية بعد هجومها على شعوب المغرب/تونس، الجزائر، مراكش، خلال القرن الثالث قبل الميلاد في أزيد من قرن من الحروب اللصوصية صمد خلالها الأمازيغ أمام الآلة العسكرية للإمبراطورية الرومانية وبالتالي أمام جميع التدخلات الأجنبية التي استهدفت استغلال الأمازيغ والخيرات الطبيعية وضرب الهوية الأمازيغية، وأبدع الأمازيغ في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر تطور القوى المنتجة التي ترتكز إلى نمط الإنتاج الجماعي الذي افرز علاقات إنتاج جماعية تطورت عبر عشرات القرون وساهمت بشكل كبير في تطور اللغة والثقافة الأمازيغية عبر التفاعل الحضاري مع الشعوب التي احتك بها الأمازيغ، وبنوا دولا عظمى : المرابطون والموحدون و المرينيون والسعديون.

لقد كان لسقوط آخر الدول التي بناها الأمازيغ بالمغرب في القرن 17 أثر كبير في سقوط مدينة تارودانت/حاضرة سوس في صراع دائم مع السلطة المركزية منذ ذلك التاريخ التي اتسم بإخماد الثورات التي أشعلها الأمازيع، والتي استمرت لأزيد من نصف قرن من شن الحروب على الأمازيغ من طرف الدولة المركزية بمكناس وعرفت تارودانت/حاضرة سوس استقلالا نسبيا في المراحل الأولى من صراعها ضد السلطة المركزية، وفي مراحل لاحقة عرفت عدم الاستقرار الدائم لتشبثها بإعادة بناء الدولة السعدية نتيجة الحرب الدائمة ضدها، ونشأ نزاع كبير بين علماء سوس المتشبثين بالدولة السعدية وعلماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس، وتعتبر تارودانت/حاضرة سوس من أهم الحواضر الأوائل التي ساهمت في تطور التكوينات الاقتصادية والاجتماعية خلال المراحل التاريخية التي شهدها المغرب، وذلك نظرا لكونها مركز كل الدول التي بناها الأمازيغ انطلاقا من جنوب المغرب باعتبارها مركزا هاما من مراكز الطرق التجارية، ولا غرابة أن تلعب دورا هاما في مرحلة مقاومة الاستعمار المباشر في بداية القرن 20، عبر المشاركة في ثورة أحمد الهيبة و احتضانه في 1912 و 1913 بعد هزيمة جيوشه بمراكش في طريقه إلى فاس، ولم يتم إخضاع المدينة إلا بعد بناء تحالف الإقطاع و الاستعمار ضد مقاومة الفلاحين الفقراء، وتم فصل المدينة عن البوادي وبالتالي فصل سوس العاليا/ منطقة تالوين بالأطلس الصغير و تفنوت بالأطلس الكبير شرق المدينة عن سوس السفلى/سهل سوس والشمال الغربي من الأطلس الكبير والجنوب الغربي من الأطلس الصغير وتوزيغ النفوذ بسوس بين الكلاوي بتالوين والكندافي بتيزنيت.

وتعد منطقة تارودانت أكبر المناطق بسهل سوس حيث تغطي ثلثي مساحة السهل و تتمركز جل تجمعاتها السكنية على ضفتي وادي سوس وعلى ضفاف روافده المتعددة بالسهل والجبال، وتشكل المناطق الجبلية للأطلس الصغير و الكبير و السهول المجاورة لهما مركزا هاما للتجمعات السكنية للقبائل الأمازيغية خاصة قبائل إسكتان و أونزين وإمديدن وزاكمزن وأسكاون وتيفنوت وإوزيون وأوناين و تفتكولت و تيزي نتاست وتالكجونت وإمنتاكن وإد عبد الله و إغرم و أيت سمك و أيت وكاز … وتتشكل بعض القبائل بالسهل من القبائل العربية خاصة في أولاد تايمة وأولاد برحيل، ويسود بسوس نمط الإنتاج الفلاحي الذي ترتكز عليه الحركة الاجتماعية خاصة الأراضي السقوية التي تتمركز في المناطق القريبة من الوادي وروافده العيون بالجبال على الأراضي البورية في السهل والمناطق الصالحة للزراعة بالجبال، ويشكل النشاط الرعوي إلى جانب الزراعة الدعامة الثانية للاقتصاد بالجبال والسهل إذ تشكل تربية المواشي نشاطا حيويا موازيا للزراعة، وتعتبر الغابات موردا هاما خاصة شجرة الأركان والزيتون واللوز والجوز والعرعار توفره الغابات مجالا للصيد لما يحتويه الجبال والسهل من جميع أصناف الوحش والطير التي لم يتم القضاء عليها إلا بعد دخول الاستعمار المباشر، وكان قادة القبائل يمارسون هواية الصيد وكان قائد قبائل تالوين محند أو عبد الله من نهاية القرن 19 إلى 1915 يملك 60 كلب صيد، ويضم وادي سوس وروافده المتدفقة طول السنة ثروة سمكية هائلة التي تم القضاء عنها بعد دخول اٌستعمار المباشر والاستغلال المكثف للمياه الجوفية بالمضخات الكهربائية.

التشكيلة الاجتماعية بسوس قبل الاستعمار المباشر

فبل سيطرة الاستعمار المباشر على السلطة المركزية بالمغرب كانت تشكل القبيلة/الحكم الذاتي للأرستقراطية للإقطاعية العنصر الأساس في حياة الفرد و الجماعة بسوس لكونها المحدد الأساس للهوية الفردية و الجماعية التي بدونها لا يمكن للفرد أن يحيى حياة طبيعية، وتعرف جل القبائل صراعات سياسية أثناء النزاعات القبلية خاصة حول الحدود و المناطق الرعوية و الأراضي الجماعية ، التي تعرف في أغلب الأحيان حروبا دائمة خاصة في مواسم المحاصيل الزراعية، كما تعرف القبائل فيما بينها تضامنا خاصة عندما يكون العدو مشتركا و قد تطور هذا التضامن إلى مستوى بناء تحالفات ويتجلى ذلك في حلفي "تاحكات" و"تاكوزولت" ، اللذان يمثلا ن شبه حزبين متصارعين حول السلطة السياسية بسوس في القرن19، وتتم السيطرة على السلطة السياسية من طرف القبيلة القوية على قاعدة مفادها أن القبيلة القوية تخضع لها جميع القبائل المتصارعة، التي تكن لها الولاء وذلك بإنشاء سلطة مركزية تتجمع حولها القبائل لتشكل قوة يمثلها قائد القبيلة "أمغار"، والتي تطورت إلى حد بناء دول أمازيغية عظمى وامتداداتها كالمرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين، التي شكلت فيها مدينة تارودانت/حاضرة سوس يوما عاصمة لكونها أهم مراكز الطرق التجارية الهامة بين الشمال والجنوب .

و تعتبر الزوايا/أرستقراطية النبلاء في مرحلة متقدمة من المدنية بسوس القوة الثانية بعد القبائل/الأرستقراطية الإقطاعية التي عملت على تأسيسها وتمويلها، بهدف نشر العلم والمعرفة/البنية الفوقية التي تكون خاضعة للسلطة السياسية لزعيم القبائل، وكان لزاوية ابن يعقوب وامتداداتها بتالوين وأولوز أثر كبير على حركة الأرستقراطية الإقطاعية بسوس، وخير دليل على سلطة القبيلة على الزاوية هو ما قام به الشيخ محند أو عبد الله في نهاية القرن 19 عندما استولى على السلطة المركزية بتالوين بعد إخضاع جميع القبائل، حيث قام بفرض ضريبة بقيمة 20% على أراضي زاوية تكركوست وطرد شيوخها وعين أحد أعوانه شيخا جديدا عليها، واستمر الحال كذلك حتى خلعه الكلاوي واستولى على قلعة تالوين وضمها إلى مثلث ورزازات مراكش تالوين في 1915 في الوقت الذي استولى فيه الكندافي على تزنيت، واكتمل نحالف الاستعمار والإقطاع الذي مهد الطريق للاستعمار المباشر لسوس.

و تشكل المدارس العتيقة/الأداة الأيديولوجية الموازية للزوايا مركزا هاما للثقافة و المعرفة بعد تأسيس أول مدرسة بسوس في القرن الخامس الهجري ، و لعب العلماء الأمازيغ دورا هاما في نشر الثقافة العربية الإسلامية و غنائها و طبعها بالثقافة الأمازيغية ، و تألقوا في عدة مجالات علمية و تشريعية و ما وصلوا إلى في مستوى حقوق المرأة خير دليل على ذلك ، و كانت القبائل توليها اهتماما خاصا لما لها من دور في حسم السلطة السياسية، ولعبت المدارس العتيقة دورا هاما في التوثيق من خلال نشر التعليم وتحرير العقود و المعاهدات و كتابة التاريخ، وتعتبر المعاهدات بين القبائل و رسوم الملكية الفردية والجماعية خير دليل على تقدم مجال التوثيق بسوس الذي سعى الاستعمار المباشر إلى القضاء عليه بسن قوانين تضمن الملكية الرأسمالية للأراضي، وتشكل المكتبات المنتشرة على طول الجبال والسهل والمحتوية على جميع أصناف الكتب في شتى المجالات دعامة أساسية للحركة المعرفية بسوس، وتعتبر مكتبة تكركوست أهم هذه المكتبات و التي تمت سرقة كتبها في فجر الاستقلال الشكلي وعبر العلامة المختار السوسي عن قلقه و خوفه من مآل محتوياتها بعد زيارته للمدرسة العتيق بتكركوست.

وتشكل الملكية الجماعية للأراضي /البور بالجبال و السهل التي تسيطر عليها القبائل/الأرستقراطية الإقطاعية أهم الموارد بسوس والتي عمل الاستعمار المباشر على تفكيكها وتحويلها إلى ملكية فردية رأسمالية، ويتم وضع الحدود لها و إطلاق الأسماء عليها وإضفاء الشرعية القانونية عليها بالوثائق المكتوبة و المتوفرة إلى حد الساعة لدى الجماعات السلالية ، ويعتبر العمل التضامني" تيويزي " سواء أثناء الحرث أو الحصاد أو جمع المحاصيل الزراعية و تخزينها بمجمعات تسمى "إكودار" أو الرعي الركيزة الأساسية للحياة للأمازيغ.

وتشمل الملكية العائلية/الفردية الخاصة لبعض الأراضي السقوية والمواشي و المساكن والورشات الحرفية الشكل الثاني للملكية بسوس، والتي تستمد شرعيتها من كتابة العقود كثقافة متقدمة بالجبال والسهل حيث كتابة المعاهدات بين القبائل ورسوم الأراضي الجماعية والعائلية/الفردية، والتي لعبت دورا أساسيا في رسم الحدود بين ملكيات العائلات/الفردية مما يحدد العلاقات بين الأفراد ويحد من حدة الصراعات بينهم.

وتأتي أراضي الوقف في الدرجة الثالثة والتي يتم منحها للزوايا والمدارس العتيقة من طرف القبائل لتأمين مواردها الاقتصادية لبناء البعد الأيديولوجي بتطوير الحركة المعرفية، وذلك بدعم نشر العلم والمعرفة وتحولت بعض هذه الأراضي إلى ملكية خاصة لشيوخ الزوايا وجلها إلى ملكية وزارة الأوقاف.

و إلى جانب الأرض تشكل المياه مصدر النزاعات بين القبائل/الأرستقراطية الإقطاعية لما لها من دور في الزراعة السقوية وروي المواشي والماء الصالح للشرب واستعمالاته المتعددة، وتشكل العيون التي يتم تسميتها وتثبيت ملكيتها بالوثائق المكتوبة موردا أساسيا لتطور الحركة الاجتماعية بسوس لما يحتويه حوض سوس والجبال المجاورة له من ثروات مائية هائلة، وتبلغ حقينة الحوض أكثر من 50 مليار متر مكعب 20% قائلة للاستغلال بفضل روافده من جبل سيروا 3330م وتوبقال 4165م والتي يتم تدميرها بالمضخات بعد احتلالها من طرف الاستعمار المباشر.

وتعتبر الحرف المورد الثالث بعد الزراعة والرعي حيث يشكل الحرفيون الذين يملكون ورشاتهم الخاصة طبقة هامة بسوس خاصة بعد اكتشاف المعادن و البارود، لما لها من دور في الصناعة المدنية والعسكرية التي تشكل الركيزة الأساسية في الحركة الاجتماعية بسوس، وتعتبر معلمة دار البارود بتارودانت/حاضرة سوس خير شاهد على نشاط صناعة الأسلحة منذ عهد المرينيين، وكان لصناعة زيوت الزيتون التي كانت مصدرا للطاقة والسكر القابلة للتجارة دور أساسي في ظهور الأنوية الأولى للطبقة العاملة، إلا أن نمط الإنتاج الإقطاع و الحكم الذاتي للأرستقراطية الإقطاعية في صراعها مع أرستقراطية النبلاء بالمدن والمعتمد على استغلال الفلاحين الفقراء حال دون تطور القوة المنتجة بسوس، وبعد سقوط الدولة السعدية التي تأسست بتارودانت/حاضرة سوس ودخول القبائل في صراع دائم مع السلطة المركزية بمكناس وظهور طبقة الجيوش الإقطاعية قد ساهم بشكل كبير في عدم تطور العمالة الحرفية إلى طبقة عاملة.

ويشكل الأمازيغ الغالبية العظمى من السكان بسوس يليهم العرب فالأفارقة واليهود، ويختلف الموقع الاجتماعي للفرد حسب موقعه في هرم السلطة السياسية داخل القبيلة أو درجة الملكية الخاصة أو الحرفة أو الثقافة أو العرق أو النفوذ في القبيلة، وكان لطغيان قادة القبائل و حاجتهم إلى الدعم المالي لبسط سلطتهم أثر كبير على ظهور الإقطاع والفوارق الطبقية و الاجتماعية، خاصة بعد السيطرة على بعض الأراضي الجماعية واكتشاف المعادن واستغلالها وسك العملة، ولعب اكتشاف البارود دورا هاما في تحول حياة القبائل خاصة بعد غزو السودان واستعباد الأفارقة لخدمة الأرض وسلطة الإقطاع وشيوع تجارة العبيد، إلا أن الصراعات بين القبائل غالبا ما تكون الحاسم في فصل هذا القائد أو ذاك وتنصيب الزعيم، كما أن الزوايا والمدارس العتيقة بما تملكه من قوة العلم والثقافة/الأيديولوجية تلعب دورا أساسيا في الحد من سلطة قادة القبائل، وساهمت سيطرة شيوخ الزوايا على بعض أراضي الوقف في نشر الإقطاع بعد تحويل ممتلكات الزوايا إلى ملكية خاصة يتصرف فيها الشيوخ وأحفادهم.

التشكيلة الاجتماعية بسوس خلال الاستعمار المباشر

إن سيطرة القبيلة/الأرستقراطية الإقطاعية والملكية الجماعية للأراضي هي السائدة بسوس قبل الاستعمار المباشر الذي تحالف مع القائدين الكلاوي الذي سيطر على قلعة تالوين وأخضع قبائلها بعد القضاء على الشيخ محند أعبد الله، والكندافي الذي سيطر على تزنيت بعد القضاء على ثورة أحمد الهيبة وتنصيب مجموعة من القياد على طول حوض سوس لإخضاع باقي القبائل، وفتح الطريق أمام سيطرة الاستعمار المباشر على سهل سوس والقضاء على الملكية الجماعية للأراضي وتركيز الملكية الخاصة الرأسمالية للأراضي بسوس، واستطاع الاستعمار المباشر السيطرة على حوض سوس حيث تخلى عن المناطق الجبلية وبعض الأراضي في السهل لقياد الإقطاع واستولى على الأراضي الخصبة بالحوض، ولبسط سيطرته على المنطقة أنشأ الطريق الرئيسية رقم 10 بين أكادير وورزازات والتي تقسم السهل إلى شطرين أساسيين، الأول بالمنطقة الجنوبية للوادي غرب تارودانت/حاضرة سوس حيث توجد منطقتي أولاد تايمة وسبت الكردان، اللتان أقام بهما المشاريع الاستثمارية الرأسمالية الأولى الخاصة بالحوامض والبواك، والثانية بشمال الوادي بمنطقة أيت إيعزا وأولاد برحيل وأولوز شرق تارودانت/حاضر سوس، التي لم يتم الاهتمام بها من طرف المستعمر وهي عبارة عن أراضي الجموع في أغلبها و التي توجد تحت سيطرة القائدين الإقطاعيين حيدة أميس بأولاد برحيل والضرضوري بأولوز.

وبدأ المستعمر في السيطرة على أراضي الفلاحين الفقراء بمنطقتي سبت الكردان وأولاد تايمة وتحويل الملكية الجماعية للأراضي إلى ملكية فردية رأسمالية، أقام عليها المعمرون الضيعات ومعامل التلفيف، وبالتالي تحويل الفلاحين الفقراء إلى عمال زراعيين يتم استغلالهم وخاصة المرأة العاملة، وذلك قصد تصدير الحوامض والبواكر في اتجاه الأسواق الأوربية، وتم بناء معمل فريماسوس لإنتاج المواد الأساسية في تصنيع المشروبات الغازية والكحولية وبذلك نشأت طبقة عاملة كعنصر جديد بالمنطقة بالمعامل والضيعات.
وبالموازاة إلى هذه المؤسسات الإنتاجية عمل المستعمر على إنشاء مركزين إداريين أساسيين هما مركز أولاد تايمة وسبت الكردان لإقامة سلطته الإدارية والسياسية، أولا من أجل بسطة سيطرته وبلورة مفهوم الضبط الاجتماعي للتحكم في الموارد الاقتصادية، وثانيا من أجل مراقبة المؤسسات الفلاحية والصناعية التي أقامها على أراضي الفلاحين الفقراء لضمان تدفق المال على الرأسمال المركزي، ولخلق إجماع حول مشروعه الاستعماري أقام أوراشا لبناء الإدارة الاستعمارية وما تحتاجه من مرافق موازية بهذين المركزين، مما ساهم في بروز حركة اجتماعية بعد خلق فرص للشغل وبالتالي ظهور طبقة عاملة تقيم في التجمعات السكنية الجديدة بالمركزين، وتتشكل هذه الطبقة من العمال في مجال التعمير والعمال الزراعيين وخاصة المرأة والطفل والتجار والحرفيين.

وعمل المستعمر على إقامة أسواق تجارية جديدة لترويج المنتوج الفلاحي بالضيعات التي أقامها والذي يكون غير قابل للتصدير إما بعدم الحاجة إليه أو نظرا لسوء جودته، وبذلك نشأت حركة تجارية خاصة بأولاد تايمة التي ما زالت تتوفر إلى يومنا هذا على سوق لتجارة الخضر والفواكه له شأن كبير بسوس، كما عمل الاستعمار المباشر على دعم البرجوازية التجارية بمنح امتيازات لبعض أعوان الإقطاع بالترخيص لهم بما يسمى "البون" لتجارة بعض المواد الأساسية كالسكر والشاي والقهوة والدخان والبنزين والكحول .

وهكذا تم إنشاء مركزين أساسية في الجهة الغربية الجنوبية لمدينة تارودانت/حاضرة سوس التي عمل الاستعمار المباشر على تهميشها وذلك بتحويل مركز سلطتها إلى أكادير، أولا لتوفرها على ميناء يستعمل لتصدير المنتوجات الفلاحية بالضيعات والمعامل بأولاد تايمة و سبت الكردان، وثانيا لإمكانية خلق مراكز صناعية ومالية خدمة للرأسمال المركزي، وأصبحت تارودانت/حاضرة سوس في المركز الثاني بعد هذين المركزين من حيث الأهمية الاقتصادية وبالتالي أصبحت تابعة لإدارة الاستعمار بأكادير.

وفي باقي مناطق تارودانت تم إنشاء مراكز أقل شأنا من الناحية الاقتصادية وأكثر أهمية من حيث الضبط الاجتماعي، وهي أولاد برحيل وتفتكولت وأولوز وتالوين وإيغرم، هذه المراكز التي عرفت ازدواجية السلطة بين الاستعمار والإقطاع وخاصة بتالوين، حيث تم بسط سلطة الكلاوي بعد فصلها عن تارودانت/حاضرة سوس وإلحاقها بسلطة الكلاوي والاستعمار بورزازات ومراكش بعد شق الطريقين بين آكادير ورزازات وتارودانت ومراكش، وأصبحت أولوز والمناطق التابعة له تحت سيطرة القائد الإقطاعي الضرضوري وأولاد برحيل حيث بسط سيطرة القائد الإقطاعي حيدة أميس تابعة لتارودانت/حاضرة سوس.

وتحولت تارودانت/حاضرة سوس إلى مدينة معزولة تراوح مكانها داخل سورها تراجع ذكرياتها التاريخية ولم يبق أمامها إلا الانزواء والزهد بين مساجدها وأضرحتها المتعددة والتشبث بتراثها التاريخي والحضاري ،ونشطت الحركة الحرفية والتجارية البسيطة واستغلال الأراضي الفلاحية بالجنان المجاورة للمدينة و معاصر الزيتون و العرائس داخل المدينة دون أن ترقى إلى مستوى تثوير القوى المنتجة و ظهور طبقة عاملة منظمة ، دون أن ننسى الاهتمام بالثقافة العربية في المدارس العتيقة إلى جانب الثقافات الشعبية وعلى رأسها الدقة الرودانية والملحون.

وتعرف المآثر التاريخية بالمدينة تهميشا ملحوظا بل تفويتا غريبا حيث تم تفويت دار البارود بما تمثله من معلمة تاريخية هائلة وما فيها من جنان وتحويل معلمة تاريخية أخرى بالقصبة إلى فندق، ويعرف سورها إهمالا خطيرا مما عرض بعض أطرافه للسقوط وتشويه البعض الآخر بالبناء العشوائي والتي يتم اليوم ترميمه، وتبقى العائلات الرودانية العريقة ذات الأصول الأمازيغية والتي تم استعرابها تعيش على أمجاد تاريخ تارودانت/حاضرة سوس في ظل حصار تحالف الاستعمار والإقطاع، وتحولت المدينة إلى مرتع للطبقة العاملة الزراعية الرخيصة خاصة المرأة والطفل.

وكان للنشاط الفلاحي بالضيعات والصناعي بالمعامل أثر كبير على بروز الطبقة العاملة الفلاحية بأولاد تايمة والكردان وأولاد برحيل وأولوز، مما فتح المجال أمام مزيد من استغلال هذه الطبقة بعد توسيع مجال استغلال الأراضي و حاجة المعمرين للعمالة الرخيصة، فوفد على المنطقة جماهير العمال والعاملات من هوامش المدن المغربية للبحث عن العمل مما فتح المجال أمام الباطرونا للتملص من تطبيق قوانين الشغل الفرنسية، ذلك عبر انتشار العمل الموسمي والمؤقت الذي يزكيه ظهير 1936 التي يمنع العمال المغاربة ممارسة الحق في الانتماء النقابي، وظهير 1938 الذي يجرم الانتماء النقابي بالنسبة إلى الطبقة العاملة المغربية، وهكذا تم تكبيل أيدي العمال و العاملات الزراعيين من طرف الاستعمار المباشر لتسخير الطبقة العاملة للرأسمال المركزي وبالتالي منعها من التنظيم، وتعرض الفلاحون الفقراء إلى استغلال بشع من طرف الاستعمار المباشر خاصة بعد مصادرة أراضيهم عبر وضع قوانين لتسهيل الاستيلاء عليها خاصة قوانين التحفيظ والمياه والغابات التي تستهدف شرعنة احتلال الأراضي الجماعية، من خلال ضرب شرعية الوثائق التاريخية التي يمتلكها الفلاحون الفقراء سعيا وراء ذلك إلى طمس تاريخ سوس العريق وتفريغه من مضمونه الثقافي والتشريعي وبالتالي نشر ثقافة المستعمر بقوة القوانين المجحفة، وذلك من طبيعة النظام الرأسمالي باعتباره نظاما تناحريا لا يسود إلا على أنقاض الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء، كيف لا والرأسمالية الإمبريالية هي التي ركزت نمط الإنتاج الرأسمالي بسوس.

ولم تسلم شجرة أركان باعتبارها من الخصوصيات المحلية بسوس من الاستغلال البشع للرأسمال الذي يقوده الاستعمار المباشر بسوس، حيث تم القضاء على غابات أركان بحوض سوس من أجل إقامة الضيعات والمعامل، دون اعتبار مكانة هذه الشجرة التي تثمل إرثا ثقافيا يجب احترامه بل حمايته وتوفير ظروف نموه الطبيعي، إنها مفارقة كبيرة بين بلاد عصر الأنوار والمفاهيم البورجوازية الرنانة التي بشرت يوما بالحرية والديمقراطية والعدالة والرخاء، وقاد اليوطي حفيد نابليون تلك الحرب الشرسة على الفلاحين الفقراء من أجل الاستيلاء على أراضيهم ، والقضاء على 200 ألف هكتار من شجرة أركان دون اعتبار مكانتها البيئية و الثقافية والتاريخية، هذه الشجرة التي تعمر أزيد من قرنين وتقاوم الجفاف وتحافظ على الفرشة المائية وتمنح الحياة بموادها الطبيعية.

التشكيلة الاجتماعية بسوس خلال الاستقلال الشكلي

بعد سقوط جبل سغرو سنة 1934 ساد هدوء نسبي في سهل سوس ذلك الهدوء الذي يسود بعد عاصفة هوجاء والذي يسبق عاصفة أهوج، تلك هي راحة المحارب /الفلاح الفقير الذي هب في فجر الاستعمار المباشر للمقاومة كعادته لكن شراسة المستعمر كانت أقوى، ولم يزل المستعمر يبسط نفوذه بالسهل حتى اندلعت شرارة المقاومة من جديد ليلتحم تنظيم الفلاحين الفقراء/جيش التحرير، الذي كان من بين قياداته أبناء سوس/مجموعة شيخ العرب وعمر دهكون، وتنظيم الطبقة العاملة/المقاومة الفعلية بالمدن وعلى رأسهم أبناء سوس إبراهيم الروداني، وكان لتحالف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء أثر كبير في هزم الاستعمار في مرحلة تاريخية عرف فيها المغرب جدلية السياسي والنقابي في ظل دعم حركة التحرير الوطنية.

لم يستطع النظام القائم بالمغرب قبل الاستعمار المباشر بسط سيطرته على سوس التي تشكل فيها مدينة تارودانت/حاضرة سوس مركز المقاومة الدائمة، انطلاقا من الصراع الدائم بين الدولة السعدية والدولة العلوية، الشيء الذي جعل المدينة خارج السيطرة المباشرة للدولة المركزية التي لم تستطع إخضاع المدينة إلا بعد تحالف الإقطاع والاستعمار، ورأينا كيف تم حصارها وتهميشها بعد سيطرة الاستعمار المباشر على السهل والجبال بتعاون مع الإقطاع و تحويل مدينة أكادير إلى مركز للإدارة الاستعمارية بسوس، وسنرى كيف عرفت المدينة تهميشا مكثفا بعد الاستقلال الشكلي بجعلها مقاطعة تابعة لآكادير بعد فصل تالوين عنها بورزازات .

إن استمرار السياسة التبعية للاستعمار المباشر من طرف النظام القائم بالمغرب خلال مرحلة الاستقلال الشكلي قد حول تارودانت/حاضرة سوس إلى مرتع للطبقة العاملة الزراعية، وخاصة المرأة التي دفعها الفقر إلى ولوج سوق الشغل بالضيعات الفلاحية ومعامل التلفيف، التي ورثها الإقطاع و الكومبرادور عن الاستعمار المباشر والتي أقامها الملاكون العقاريون الكبار بسوس، وهكذا نشأت بالمدينة طبقة عاملة زراعية تتكون أساسا من المرأة المنحدرة من الإحياء الشعبية بالمدية والدواوير الفقيرة بسوس ومن النساء المنحدرات من الأحياء الشعبية المهمشة بالمدن المغربية كمراكش والصويرة وآسفي وقلعة السراغنة والدار البيضاء وورزازات ... اللواتي يقمن بالأحياء الشعبية بتارودانت وأولاد تايمة وأولاد برحيل والكردان وأيت إيعزا والدواوير الفقيرة بأحمر و الخنافيف و الكفيفات و أخيرا في أولوز ، و اللواتي يكدحن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في ظروف تنعدم فيها أبسط قوانين الشغل رغم ما تلحقه من حيف بالعاملات والعمال بالمجال الزراعيين ، حيث انعدام تطبيق الحد الأدنى للأجور والتسجيل بصندوق الضمان الاجتماعي وبطاقة الشغل والتأمين والتعويضات العائلية و جل العاملات موسميات أو مياومات .

وكان للعقلية ما قبل الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار الذين خلفوا الرأسماليين المعمرين بالضيعات والمعامل أثر كبير في ضرب الحقوق المكتسبة للطبقة العاملة، بعد النضال المرير من أجل كسر قيود الاستعمار المباشر التي حرمتهم من الحقوق النقابية التي تم تحقيقها بعد تأسيس فروع الإتحاد المغربي للشغل من طرف المناضلين العماليين بسوس، الذين انتزعوا الحق في التنظيم النقابي أولا ثم الدفاع عن الحقوق العمالية ثانيا، والانخراط في النضال السياسي ثالثا عبر مقاومة الاستعمار المباشر وتأسيس الاتحاد المغربي للشغل والانفصال عن حزب الاستقلال وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كان لذلك أثر كبير في إدماج تارودانت/حاضرة سوس من جديد في الصراع السياسي منذ فجر الاستقلال الشكلي.

إلا أن ذلك لم يطل طويلا حيث بدأ حصار المدينة بعد زلزال أكادير وتصفية جيش التحرير الذي يشكل فيه مناضلو تارودانت العمود الفقري خاصة في مجموعة شيخ العرب وعمر دهكون، وكان للقمع الشرس للنظام القائم منذ مقاطعة الاستفتاء في 1962 والتصويت لصالح المعارضة في انتخابات 1963 مرورا بحركة مجموعة شيخ العرب في سنة 1964 وانتفاضة في 1965 وحركة مارس 1973 التي قادها عمر دهكون أثر كبير بروز الاتجاه الراديكالي المعارض السائد بسوس بصفة عامة وبتارودانت/حضرة سوس بصفة خاصة، مما عرضها للتهميش المكثف من طرف النظام القائم.

وتشكلت مجموعة من الظواهر السلبية بالمدينة التي تم إخضاعها بقوة القمع والتي حولتها إلى مرتع للفساد الإداري والمالي، من خلال أسلوب السلطة القمعي الذي يسعى إلى إدلال الأمازيغ من أجل الوصول إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية بسوس، لفسح المجال أمام الإقطاع و الكومبرادور لمزيد من الاستغلال المكثف الفلاحين الفقراء وللطبقة العاملة وخاصة المرأة، وفي 18 دجنبر 1981 تم إحداث إقليم تارودانت الذي يضم من جديد تالوين والمناطق التابعة لها مع إبقاء قطاع الفلاحة بتالوين تابعا لورزازات، وبعد ثلاثة عقود من التهميش بعد بسط السيطرة المباشرة عبر سلطة العمالة بتارودانت للسهر على الضبط الاجتماعي المباشر عبر أعوان السلطة لفسح المجال أمام الملاكين العقاريين الكبار للسيطرة على خيرات حوض سوس.

وأصبحت الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء هدفا لتبييض ما تم نهبه من المال و الملك العام و ما تم ترويجه في المخدرات والكحول والسلع المهربة، وكانت قضية "الحاج ثابت" و"البولونجي" في بداية التسعينات من القرن 20 خير دليل على ذلك، لما لهما من علاقة بالمسؤولين بالعمالة وبعض رؤساء الجماعات وذوي النفوذ بالدولة، ونشأت طبقة بورجوازية كومبرادورية تستمد قوتها من الإقطاع والنفوذ بالبرلمان والجماعات المحلية بدعم من السلطة المركزية للنظام القائم، وتم ابتلاع الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء وتدمير الفرشة المائية وغابات أركان بالسهل و نهب المال العام والملك العام، عبر استغلال النفوذ بالجماعات المحلية وإنشاء السدود خاصة سدي أولوز والمختار السوسي على حساب ممتلكات الفلاحين الفقراء وتفقير الشرائح العريضة من الجماهير الشعبية بسوس.

وتحولت تارودانت/حاضرة سوس إلى مرتع للفساد بجميع أشكاله لطمس دورها التاريخي والحضاري والثقافي وتخريب معالمها التاريخية وتشجيع البناء العشوائي على حساب العرائس والجنان داخل السور، وأصبحت عبارة عن تجمعات سكنية عشوائية استفاد منها المضاربون العقاريون و تعيشه الأحياء الشعبية القديمة تهميشا مضاعفا جعل جل بناياتها مهددة بالسقوط، ونشأت بالأحياء الشعبية ظواهر اجتماعية خطيرة تتمثل أساسا في الدعارة والأطفال المتخلى عنهم و ترويج المخدرات والكحول المصنعة محليا واستغلال الأطفال في الورشات الحرفية خارج قوانين الشغل، كما بدأت ظاهرة السياحة الجنسية التي تستهدف الأطفال الذكور والإناث من طرف الأجانب الذين يمتلكون الرياضات القديمة بعد تحويلها إلى مآوي لاستقبال رواد السياحة الجنسية.

وكان لسياسة التهميش الممنهج التي نهجها النظام القائم بتارودانت/حاضرة سوس أثر كبير في فسح المجال أمام التهميش المكثف للبوادي، وخاصة بالجبال التي يسكنها الإمازيغ بالأطلس الصغير والكبير حيث انعدام التجهيزات الأساسية من كهرباء وماء صالح للشرب ومستشفيات ومدارس، فبالرغم من تأسيس أنوية المدارس منذ بداية الخمسينات بالمراكز التي أسسها الاستعمار المباشر إلا أن الأمية قد انتشرت بشكل فظيع خاصة في صفوف النساء، وذلك راجع إلى السياسة التعليمية الطبقية التي تجاهلت الخصوصيات المحلية بسوس والمرتكزة أساسا على الأمازيغية، وعرف الحق في الصحة انتهاكا خطيرا حيث انعدام التغطية الصحية خاصة بالبوادي التي تهدد الموت فيها حياة الطفل و المرأة، أما بالنسبة للماء الصالح للشرب فباستثناء بحض المراكز التي أقامها الاستعمار المباشر فإن جل البوادي تكون محرومة من هذه المادة الحيوية خاصة في جبال الأطلس الصغير، أما الكهرباء فعلى الرغم من بداية ما يسمى ببرنامج كهربة القرى منذ بداية التسعينات من القرن 20 فأن جل البوادي لم تصلها الخطوط الوطنية و يتم تنفيذ ما يسمى بالبرنامج الخاص، والذي يستهدف استنزاف إمكانيات الفلاحين الفقراء بتحميلهم ما لا طاقة لهم به، بعد تملص الجماعات المحلية مستحقات الربط بالخطوط الوطنية في مناطق مثل منطقة سدي أولوز والمختار السوسي الذي يعرف حركة الفلاحين الفقراء ضد 30 سنة من سياسة التهميش.

أمام السياسة الطبقية بسوس نمت حركة اجتماعية احتجاجية بجل البوادي بتارودانت وكان لتأسيس الجمعيات الاجتماعية للنهوض بالتنمية بالدواوير المهمشة بعد تملص النظام القائم من مسؤولياته دور هام في تنامي هذه الحركة، وكان لضخامة الحاجيات المطروحة على جدول أعمال هذه الجمعيات أثر كبير في تحويل مسارها، فبعد عجزها عن تحقيق أهدافها أصبحت في موقع المطالبة بالحقوق التي غالبا ما يكون رؤساء الجماعات والسلطات المحلية هم المسؤولون المباشرون عن معاناتهم، وكان لتجربة الفلاحين الفقراء بسدي أولوز والمختار السوسي دور هام في إبراز التناقضات الطبقية بين رؤساء الجماعات و السلطات بتارودانت وبين الفلاحين الفقراء بسوس، هذه التناقضات التي بدأت تكتسي طابعا دوليا بعد التضامن الذي حظي به ملف الفلاحين الفقراء بسوس من طرف النقابات بفرنسا و إسبانيا و بعض الجمعيات الحقوقية و المناضلين الديمقراطيين والثوريين، وكان للمطالب الأساسية المطروحة و التي تهم جميع الفلاحين الفقراء بسوس ثقل كبير في أهمية الملف، وهي بالأساس الحق في الأرض والماء وأركان وتنمية الثقافة واللغة الأمازيغية.

تفكيك الملكية الجماعية للأراضي وتمركز الرأسمال في الزراعة بسوس

في منصف الثمانينات من القرن 20 تم تركيز مشروعه الاستثماري الرأسمالي التبعي بسوس على مستوى الإنتاج الفلاحي الذي يعتبر امتدادا لمشروع الاستعمار المباشر، وذلك بالشروع في بناء سد أولوز من أجل الاستمرار المكثف في استغلال أراضي الفلاحين الفقراء بسوس التي تم الشروع في احتلالها منذ الأربعينات من القرن 20، عندما أقدم الاستعمار المباشر على تقسيم سهل سوس وتوزيع بعض أراضي الفلاحين الفقراء على المعمرين من أجل الاستثمار الرأسمالي، في اتجاه تحويل ملكيتها الجماعية إلى الملكية الفردية الرأسمالية من أجل إنتاج البواكر والحوامض في اتجاه تصديرها إلى الأسواق الغربية، ومنذ ذلك الحين استمر استغلال هذه الأراضي بشكل مكثف حتى أصبحت مع ذلك الفرشة المائية بمنطقة سبت الكردان ناضبة الشيء الذي يصعب معه الحصول على المياه الجوفية، فكان لا بد من البحث عن حلول لتدفق المياه على المشاريع الرأسمالية للملاكين العقاريين الكبار مغاربة وأجانب، من أجل تدفق المال على الرأسمال المركزي بتصدير المزيد من المنتوجات الفلاحية على حساب عرق ودم الفلاحين الفقراء والعمال و العاملات الزراعيين، وكان لا بد من بناء سد أولوز بأوزيوة الذي تم الشروع فيه في منتصف الثمانينات من القرن الماضي التي صادفت غليان سنوات القمع الأسود، وليس من الغريب أن يقوم النظام القائم بجميع الترتيبات التي تخول له حق احتلال أراضي الفلاحين الفقراء واستغلالها، عبر ما خلف له الاستعمار المباشر من قوانين وضعها لتلك الغاية وعلى رأسها القانون المشؤوم لسنة 1916 الخاص بما يسمى التحفيظ وقانون نزع الملكية، الذي عمل المستعمر على وضعه من أجل ضمان الشرعية القانونية لاحتلال أراضي الفلاحين الفقراء الأمازيغ بسوس، وضرب الملكية الجماعية و نمط الإنتاج الجماعي للأراضي وتركيز الملكية الفردية ونمط الإنتاج الرأسمالي وضرب الشرعية التاريخية لرسوم الملكية التي أنجزها علماء سوس منذ التاريخ الطويل لبناء الحركة الاجتماعية والمعرفية الأمازيغية بتارودانت/حاضرة سوس، والتي أفرزت منظومة ثقافية عريقة في التاريخ التي استمدت أصولها من الحضارة الأمازيغية في تفاعل مستمر مع باقي الحضارات التي احتك بها الأمازيغ و خاصة العربية، وتأسيس منظومة قانونية لضبط حقوق استغلال الأراضي و الملكية الجماعية التي تؤسس للعلاقات الاجتماعية المرتكزة على التضامن والتعاون، ولعبت منطقة راس الواد/سوس العليا دورا هاما في بناء الحضارة بسوس عبر الحركة الاجتماعية والمعرفية للأمازيغ، وتعتبر أوزيوة مدخلا إلى باقي المناطق الجبلية الممتدة إلى واحة درعة والتي أنجبت علماء كبار على رأسهم العلامة أحمد أوزيو الذين وضعوا التشريعات والقوانين التي تحمي الملكية الجماعية للأرض.

فكان لا بد من ضرب هذه الثقافة التي أصبحت واقعا عنيدا أمام الاستعمار المباشر من أجل الوصول إلى الخيرات التي تزخر بها الجبال و السهل، وكان لا بد من وضع قوانين الاستعمار المباشر لفسح المجال أمام المعمرين لاحتلال الأراضي الجماعية، فتم وضع قانون التحفيظ المشؤوم الذي وضعت له مؤسسة قائمة بذاتها والتي كانت لمدة طويلة من الزمان تابعة لوزارة الفلاحة وذلك من أجل احتلال أراضي الفلاحين الفقراء، هذه المؤسسة التي أصبحت اليوم وكالة من أجل الاستمرار في احتلال هذه الأراضي واستباحة استغلالها، ولا غرابة أن تعمل هذه الوكالة طيلة سنة 2005 من أجل تحفيظ الأراضي الجماعية التي تم تفويتها للملاكين العقاريين الكبار والتي احتلوها في زمن سنوات القمع الأسود، فكان لا بد على النظام القائم أن يكمل المشروع الاستعماري وذلك بشرعنة احتلال هذه الأراضي بتحرير وثائق رسمية محفظة للمعمرين الجدد مغاربة وأجانب، وذلك من أجل الدخول في المرحلة الثالثة وهي الاستعداد لتفويت هذه الأراضي مرة أخرى للمعمرين القادمين من جديد من جميع بقاع الأرض تحت ذريعة الاستثمار وتحرير التجارة.

فكان آخر مشوار لاحتلال سهل سوس هو احتلال الأراضي القريبة من سد أولوز من طرف الملاكين العقاريين الكبار ابتداء من بداية الألفية الثالثة و أصبح من المفروض الشروع في المرحلة الثالثة من الاحتلال ألا وهي احتلال الجبال بما تضمه من ثروات غابوية وطاقة متجددة، فكان لا بد على النظام القائم من ابتداع قانون جديد قديم و هو ما يسمى الملك الغابوي عبر محاولة تحديد المناطق الغابوية في أفق تحفيظها لشرعنة احتلالها من أجل تفويتها للمعمرين الجدد القادمين من جديد من الغرب، ذلك ما يعيشه الفلاحون الفقراء بأوزيوة الذين واجهوا هذا المخطط الذي تم الشروع فيه بعد الانتهاء من أشغال بناء سد أولوز في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

يقول أحد الفلاحين الفقراء المناضل حسن إد عبد الله في هذا الصدد: "لقد سلبوا منا كل شيء ورثناه أبا عن جد في واحة مدخل راس الواد بأوزيوة، كنا نسكن بلدتنا " تسدرمت" ـ التي تعني باللغة الأمازيغية "الباب" بمعنى "مدخل" وهي في الحقيقة مدخل إلى واحتي أوزيوة وتفنونت، التي تعتبر امتدادا للروافد الأساسية لوادي سوس النابعة من جبل سروا و جبل توبقال ، الكاتب ـ ونملك منزلا جميلا في سفح جبل على الواحة مبني بالحجر والإسمنت ومسقف بالحديد، مكون من طابقين يحتوي على 12 غرفة ومطبخ وحمام وزريبة ويجاوره منزل قديم ورثناه أبا عن جد مبني بالطوب انتهت الأشغال بمنزلنا الجديد في سنة 1985، والذي بنيناه بعرق جبيننا أنا وأخي الذي يعمل بفرنسا منذ الستينات من القرن 20، وفي هذه السنة شرع في إحصاء ممتلكاتنا من أجل تهجيرنا، كنت أرفض التخلي عن هذا المنزل وكانت الجرافة تقف أمام الباب بعد هدم جميع المنازل ب "تسدرمت" وكنت أطالب بإجراء خبرة لتحديد قيمته الحقيقية، والتي تمت من طرف المحكمة الابتدائية بتارودانت لكن دون جدوى حيث لم نتسلم ما يسمى بالتعويضات عن المباني قبل تهجيرنا، فكانت الكارثة عندما تسلمت مبلغ 30 ألف درهم كتعويض عن المنزل الذي بنيناه أنا وأخي العامل المهاجر بفرنسا بما قدره 300 ألف درهم، وكانت هذه بداية المحنة".

إنها محنة حقيقية حيث تعرفت على حسن الفلاح الفقير منذ بداية التسعينات من القرن الماضي وكان شغله الشاغل هو كيفية استرجاع ما ضاع منه من ممتلكات، وكان حديثه لا يخلو من الكلام عن المنزل الذي فقده وعن ممتلكاته ب"تسدرمت" والأرض و الزيتون وأركان، وما كان أمامه إلا التشبث بما تبقى له من أراضي البور ب"تسراس" قريبا من السد، التي يتوفر على رسوم ملكيتها و التي استهدفها النظام القائم عبر محاولة تحويلها إلى ملك غابوي، فما كان أمامه إلا الوقوف في وجه أعوان المياه والغابات الذين حاولوا غرس أشجار الكليبتوس بأراضيه.

ويضيف حسن قائلا : " لقد وضعت جميع تعرضاتي بالمحافظة العقارية و مؤسسة المياه و الغابات بتارودانت حول ما يسمى بالملك الغابوي دون جواب يذكر"، عمل جبار قام به هذا الفلاح الفقير البسيط في شكله وحاله وحياته وهو ينخره المرض ويعيش على عرق جبين والدته التي تكدح من أجل توفير لترين اثنين من زيت أركان كل أسبوع لإعالة أسرته، لكن إصراره قوي من أجل كتابة التاريخ و للتاريخ فقط كما يقول : "عبرة للأجيال القادمة من أجل الأرض و للأرض ، لقد واجهت أعوان المياه و الغابات بعدما عملت على قلع كل الشتائل التي غرسوها في أراضينا وحطمت كل الحدود التي وضعوها من أجل محاصرتنا في منزلنا الجديد".

ويواصل قائلا : " كان ذلك بداية تأسيس جماعة تسراس كآخر جماعة أسسها الفلاحون الفقراء بسوس العليا/ راس الواد حيث خطط النظام القائم لجعل المنطقة ملكا غابويا مجردا من البشر، وكان لهذا التأسيس في بداية التسعينات من القرن الماضي أثر كبير في فضح هذا المخطط بعد وصول أحد أعوان الإقطاع إلى رئاسة هذه الجماعة والذي كشف عن أوراقه في سنة 2001 عندما حاول تحفيظ ما تبقى من أراضي الفلاحين الفقراء المهجرين من سد أولوز، معتمدا في ذلك على رسم استمرار أنجزه بتعاون مع أحد المسؤولين السابقين بعمالة تارودانت والذي له يد طويلة في الخروقات بسد أولوز والذي يملك بجوار أراضي الفلاحين الفقراء بالسد بقعة أرضية تبلغ 20 هكتارا، وكان لجمعية إفغلن التي تم تأسيسها في أبريل 1997 دور هام في تنظيم الفلاحين الفقراء الذين هبوا للتصدي لتحفيظ أراضيهم من طرف الرئيس القديم لجماعة تسراس، ومن أجل تقوية التنظيم تم تأسيس نقابة الفلاحي أولوز في سنة 2001 للتصدي لمخطط السطو على هذه الأراضي".

ذلك هو حديث قليل عن محنة كبيرة يعانيها الفلاحون الفقراء بأوزيوة بعد تقسيم الجماعة وخصم المنطقة السفلى منها عن المنطقة العليا، وبالتالي فصل نضالات الفلاحين الفقراء بسد أولوز عن نضالات رفاقهم بسد المختار السوسي، وكان لا بد من توحيد هذه النضالات مع تجديد مكتب جمعية إفغلن ونقابة فلاحي أولوز في 2006 وتنظيم المسيرة الحمراء يوم 07 ماي 2006، وعملت السلطات بتارودانت كعادتها بتقديم خمسة من نشطاء جمعيات الفلاحين الفقراء للمحاكمة والحكم عليهم بأربعة أشهر سجنا موقوفة التنفيذ وغرامة قدرها 2500 درهم والتي تم تخفيضها إلى شهرين موقوفة التنفيذ باستئنافية آكادير، ومازالت مجموعة من الملفات تروج ضد هؤلاء المناضلين بابتدائية تارودانت على رأسها ملف رقم 1245/08 وملف 1348/08 والبقية تأتي، ليبدأ مشوار جديد من النضال المشترك من أجل الحقوق المشروعة وحماية الملك و المال العام من الهذر منذ أزيد من 30 سنة مضت من استغلال الفلاحين الفقراء بأوزيوة من طرف الإقطاع.

وأوزيوة باعتبارها مدخل "راس الواد" الذي يمتد إلى حدود واحة درعة من بين المناطق التي لعبت دورا هاما في بناء الحضارة بسوس، وبالتالي بناء الدول الإمازيغية التي شكلت فيها تارودانت/حاضرة سوس عاصمة هبر الحركة الاجتماعية والمعرفية للأمازيغ بسوس، انطلاقا من التكامل بين الأطلس والحوض الذي يشكل عاملا أساسيا في البناء الحضاري بسوس بما تمثله الجبال في الجيوستراتيجية السياسية و العسكرية الضرورية في المقاومة للدفاع عن نمط الإنتاج الجماعي الذي تمثل فيه الأرض والماء عصب الأساس الاقتصادي للحركة الاجتماعية/البنية التحية الضرورية لبناء الحركة المعرفية/البنية الفوقية التي يشكل فيها الحوض المجال الحيوي للأساس الاقتصادي بسوس، الأرض التي تمثل أحد أركان مفهوم الدولة التي لا بد لها من حدود جغرافية و موارد اقتصادية التي لن تتوفر إلا بالأرض، فكان للتكامل بين السهل والجبال أثر كبير في بناء الحضارة الأمازيغية بسوس في تناغم دائم وجدلية متواترة عبر التاريخ الطويل للحركة الاجتماعية والمعرفية للأمازيغ بسوس.

فأصبحت أرض سوس محط جذب لكل الغزاة الطامعين في الاستيلاء عليها في صراع دائم مع الأمازيغ المدافعين عنها، ولا غرابة أن يستمر هذا الصراع إلى يومنا هذا لكونها العامل الأساسي في كل تنمية اقتصادية وحركة اجتماعية، هي تغري المعمرين والمعمرين الجد على السواء بما توفره من امكانيات اقتصادية هائلة، وإلا فكيف يأتي الاستعمار المباشر ويخطط لشق حوض سوس و تقسيمه إلى شطرين، باختراقه منذ أواخر الثلاثينات من القرن الماضي بواسطة الطريق الرئيسية رقم 32 من أكادير إلى ورزازات والتي تسمى اليوم رقم 10، مرورا براس الواد الذي يمتد إلى حدود درعة التي تمثل فيه ورزازات القاعدة الخلفية التي لا بد من اختراقها لما تحتويه أراضيها من معادن من بوزار بإزناكن مرورا بإميني إلى بوكافر بأيت عطا ليتكامل استغلال الأرض بسطحها وباطنها، من أجل كسر شوكة سوس وبتحالف بين الاستعمار المباشر والإقطاع تم فصل راس الواد عن حوض سوس.
و خلال مرحلة الإستقلال الشكلي استمر النظام القائم على نهج نفس السياسة الاستعمارية خاصة في مجال استغلال الأرض، وذلك بجعل منطقة راس الواد/سوس العليا تابعة إداريا إلى تارودانت و فلاحيا إلى ورزازات فعاش الفلاحون الفقراء بأوزيوة ازدواجية التلاعب بمصالحهم بين وزارة الداخلية بتارودانت و وزارة الفلاحة بورزازت، كيف لا و بناء سدين عظيمين بأرض أوزيوة و على أراضي الفلاحين الفقراء قد أحدث الازدواجية المركبة في التعاطي مع قضايا الأرض بالمنطقة ، فكان لا بد من إحداث شرخ ثالث عند إحداث ما يسمى بوكالة الماء بسوس ماسة مقرها بأكادير، فكان تقسيم الأرض اليوم ثلاثيا بين ورزازات و تارودانت و أكادير، ما يعيشه الفلاحون الفقراء بسافلة سد المختار السوسي خير دليل على ذلك حيث يتم استهداف ما تبقى لهم من الأراضي بالجفاف المطبق، من أجل أن تنعم ضيعات الملاكين العقاريين الكبار بالمياه الوافرة دون حسيب ولا رقيب، في الوقت الذي يحرم فيه الفلاحون الفقراء بأوزيوة من الحق في الماء الذين حرموا من حمل محراثهم الخشبي مشيا وراء دوابهم في اتجاه أراضيهم الخصبة المستهدفة بالجفاف المصطنع بعد بناء السد، ولم يرفع عنهم الحيف نسبيا إلا بعد المسيرة الحمراء ليوم 07 مايو 2006.

قد يسأل سائل لماذا هذا الحيف ؟ و الجواب حسب الفلاحين الفقراء :" لكون المنطقة مستهدفة بتجريدها من البشر بعد بناء حوضين اصطناعيين بسدي أولوز و المختار السوسي"، اللذان خطط لهما الإستعمار المباشر لجعل المناطق المحيطة بهما غابات قابلة للإستثمار الرأسمالي ، فلا غرابة من محاولة النظام القائم احتلال الثروات الغابوية للفلاحين الفقراء التي ورثوها أبا عن جد ، و التي رعوها عبر التاريخ الطويل للأمازيغ بأوزيوة ، و قد رأينا كيف حاول النظام القائم فرض ما يسمى بالملك الغابوي محاولا تهجير السكان الأصليين من أجل الإستيلاء على أراضيهم البورية التي يمتلكون رسوم ملكيتها منذ قرون ، و رأينا كيف استعمل قانون التحفيظ المشؤوم الذي وضعه المستعمر سنة 1916 من أجل خلق ما يسميه بالملك الغابوي .

يقول أحد الفلاحين الفقراء في هذا الصدد:"لا يوجد بأوزيوة ما يسمى بالملك الغابوي فمن يدعي غير ذلك عليه أن يطلعنا عن عدد الأشجار التي غرسها في أوزيوة ؟ وفي أية أرض تركها له أجداده ؟ إننا نملك رسوم الملكية لكل شبر في المنطقة، وإذا كان النظام يملك قوة السلطة لفرض الواقع الذي يرغب فيه فإننا نملك قوة الصبر العنيد أمام المعاناة كما علمنا أجدادنا ، لقد زوروا كل شيء في هذه البلاد و لا يمكن لنا أن نصمت أكثر من اللازم، وضعوا قانون ما يسمى بنزع الملكية لاحتلال أراضينا لبناء سد المختار السوسي ولم يكفيهم ذلك و اليوم يفرضون علينا الجفاف المصطنع، ويعتقدون أنه من السهل عليهم إخضاعنا بقوة الضغط و التخويف والترهيب، تصوروا كيف حاولوا توزيعنا بين أربعة جهات، بتارودانت مع وزارة الداخلية لضرب حقنا في الحرية، وبورزازات مع وزارة الفلاحة لضرب حقنا في الأرض، وبأكادير مع وكالة الماء بسوس ماسة لضرب حقنا في الماء، وبالرباط مع وزارة التجهيز لضرب حقنا في التعويضات عن أملاكنا المصادرة".

ويضيف قائلا: "منذ سنة 2000 هناك بعض الفلاحين الفقراء المهجرون قسرا الذين لم يتسلموا إلى حد الساعة تعويضاتهم عن ممتلكاتهم بسد المختار السوسي، ناهيك عن التسويف والحيف و فرض الرشاوى على الفلاحين الفقراء الذين ينتقلون من أوزيوة إلى الرباط على بعد 700 كلم لتسليم حوالة بقيمة 1000 درهم، لا يمكن تصور معاناة المهجرين قسرا وأنا لا أتصور كيف سمح النظام القائم لنفسه أن يتكلم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوقت الذي يتخلى حتى عن مسؤولياته البسيطة، تصوروا منذ انتهاء الأشغال بالسد في سنة 2000 تم فرض الجفاف علينا بدعوى أن وزارة الفلاحة بورزازات لم تقم بإنجاز الدراسة للمنطقة لتحديد مقدار المياه الذي يجب أن نستفيد منه، هذا ما تدعيه وكالة الماء بأكادير التي تفرض علينا جفافا مصطنعا ذهب جراءه في سنة 2003 أزيد من 2000 شجرة زيتون، إن الفلاحين الفقراء بسد المختار السوسي عازمون على مواصلة النضال من أجل حقوقهم و المحاكمات الصورية لا تخيفنا، فإذا نظمنا في 07 ماي 2006 المسيرة الحمراء ضد الفساد الإداري وتعرضنا للقمع، فإن الفلاحين الفقراء مستقبلا سيخرجون في مسيرة لا حدود لها تاركين المنطقة بحثا عمن يحتضننا وهذا ليس بالكلام العفوي واللامسؤول ".


و يعاني الفلاحون الفقراء بأوزيوة بعد نزع ملكية أراضيهم التي بني عليها سدا أولوز والمختار السوسي خاصة الذين هاجروا أوزيوة للإستقرار بأولوز، وتحولت حياتهم من ملاكين فقراء إلى عبيد بضيعات الملاكين العقاريين الكبار.

تقول العاملة الزراعية كبيرة :" كنا في دوارنا بأوزيوة نعيش في هناء و اطمئنان رغم حياتنا البسيطة كفلاحات فقيرات مرتبطات بالأرض التي تركها لنا أجدادنا، وبدأت محنتنا عند سماعنا أن الدولة ستبني سد أولوز على أراضينا و لا نعلم وقتها مآل مصيرنا في المستقبل، وكانت صدمتنا الأولى عندما داهمت الجرافات ممتلكاتنا التي لم نقطف حتى منتوجها خلال تلك السنة و لم يبق أمامنا إلا مغادرة منازلنا بعد تهديدنا بهدمها بل هناك من تم هدم زريبته على مواشيه التي فرت عبر الجبال عبرة لمن يرفض المغادرة، ونحن اليوم نعيش في تجمعاتنا السكنية المهمشة بأولوز بعد شراء الأرض التي بنينا عليها منازلنا الجديدة، وفقدنا علاقتنا الطبيعية بالأرض و علاقاتنا الاجتماعية مع جيراننا وأصدقائنا في الدوار الذي ولدنا فيه و نشأنا في أحضانه ، لقد تحولت حياتنا و فقدت المرأة الفلاحة الفقيرة عملها المرتبط بالأرض رغم أننا لا نملك أرصدة مالية بالبنوك إلا أن حياة البادية المتسمة بالتعاون والتضامن تجلعنا مطمئنات، وتحولنا إلى عاملات زراعيات نتعرض للاستغلال والقهر بضيعات الملاكين العقاريين الكبار بأولوز، فكان علينا أن نستيقظ في الساعة 05 صباحا لتهييء ما نقتات به في الاستراحة زوالا بعد عمل شاق من الساعة 06 و30 دقيقة إلى 12 زوالا والذي يستمر بعد تناول الغذاء من الساعة 13 إلى الساعة 17 و نرجع مساء إلى دوارنا، تنقلنا الشاحنة كالمواشي من دوارنا الجديد بأولوز في اتجاه الضيعة و على كل عاملة زراعية أن تملأ 25 صندوقا"كوربا" من الليمون في اليوم مقابل 50 درهما، على العاملة الزراعية أن تتسلق شجرة الليمون بواسطة سلم حاملة كيسا ومقصا وتقطف الليمون بكل عناية و تضعه في الصندوق"الكوربا" حتى يمتلأ وتحمله إلى الشاحنة إلى حين ملء 25 صندوقا، إنه عمل شاق وجل الفلاحات الفقيرات اللواتي لا يملكن قوة عضلية ضرورية لهذا العمل تراجعن و فضلن البقاء بالمنزل بدل الأعمال الشاقة بالضيعات، كل هذا التعب بدون أجر يصون كرامتنا حيث تعمل العاملة الزراعية 15 يوما دون أجر لإرغامنا على الاستمرار في العمل حيث علينا الانتظار شهرا من العمل للحصول على مستحقات أسبوعين فقط ، ليس لدينا بديل غير الصبر أمام استغلالنا بدون حقوق تذكر و حتى صندوق الضمان الاجتماعي الذي قالوا أنهم صرحوا به لم نتوصل إلى حد الساعة بالوثائق التي تثبت ذلك، والعاملات الزراعيات اللواتي صرحوا بهن تم حجز وثائقهن بالجماعة من طرف أحد الموظفين لا نعلم لماذا؟ ونحن اليوم في شهر يونيو واشتغلنا لمدة 45 يوما بدون أجر و قالوا لنا أن صاحب الضيعة قد اشترى 200 هكتار بتازمورت بتارودانت وعلينا الانتظار".

و ما زال يعاني الفلاحون الفقراء بأولوز من سيطرة بقايا الإقطاع الذي يسيطر على الأرض والماء بدعم من الكومبرادور بسوس، فبعد بناء سد أولوز في نهاية الثمانينات من القرن 20 نضب عدد من العيون بسافلة السد إلا ثلاثة منها دائمة الجريان عبر تسربات السد ومن بين هذه العيون الحية عين ساقية تفرزازت التي تغطي أراضي 12 دوارا أهمها زاوية سي القرشي وتركانت وتيملت وتزمورت القريبة من مركز أولوز.

يقول أحد الفلاحين الصغار بأولوز:"بدأت معاناة الفلاحين الفقراء بعد بناء السد خاصة و أن ساقية تبومهاوت المجاورة لساقية تفرزازت قد نضبت بعد حجز المياه بسد أولوز، وللخروج من ورطته عمل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي على تأسيس جمعية مستخدمي المياه للإغراض الزراعية بأولوز من أجل تدبير الأزمة، وقد تم تأسيسها سنة 2001 في جو من الرعب الممارس ضد الفلاحين الصغار والفقراء بساقية تفرزازت الرافضين لهذه الجمعية و طوقت القوات المساعدة مقر الجماعة لمنع أي تعبير عن الرفض و قمع كل محاولة انتفاضة، فكان لتأسيس الجمعية قسرا واستيلاء الإقطاع عليها أثر كبير في حرمان مجموعة من الفلاحين الصغار والفقراء من الاستفادة من مياه الري، الشيء الذي دفع بعض الفلاحين الصغار إلى اللجوء إلى العدالة من أجل إنصافهم وبقي باقي الفلاحين العاجزين عن الدفاع عن حقوقهم أمام القضاء ينتظرون ما ستؤول إليه هذه القضية، و كانت السنوات الأولى لتأسيس الجمعية طبيعية بالنسبة لفلاحي ساقية تفرزازات رغم المستحقات المفروضة عليهم و المتجلية في 15 درهما للساعة من الماء الصالح للري، مع العلم أن ثلاثة سواقي توفر 8 صبيبات كل يوم على مدار السنة دون انقطاع و دون مصاريف تذكر حيث العيون كلها على حساب تسربات سد أولوز بمعنى أزيد من 2500 درهم يوميا أي ما يناهز 100 مليون سنتيم كل سنة".

و يضيف قائلا :"منذ خمس سنوات وفلاحو ساقية تفرزازت يعانون من الحيف الممارس ضدهم نتيجة مواقفهم السياسية بعدما عمل رئيس الجمعية على معاقبتهم عن مواقفهم منذ انتخابات 2003، وذلك بحرمانهم من مياه السقي التي يعمل على تحويلها إلى ساقية تبومهاوت لصالح بعض أعوانه الذين يدعمونه بالمجلس القروي، ووصلت معاناة فلاحي تفرزازت مداها خلال الموسم الفلاحي 2007/2008 عندما منعهم الرئيس من الحق الطبيعي في الماء الصالحة للري فارضا عليهم جفافا مصطنعا جعل أراضيهم قاحلة، وذهبت محاصيلهم الزراعية هذه السنة أدراج الرياح ولم ينعموا بحبة قمح و لا حبة زيتون و أشرفت أشجار الزيتون على الموت المحقق و لم يبق أمامهم إلا الانتفاضة ضد بقايا الإقطاع، فالتحقوا بنقابة فلاحي أولوز في مارس 2008 بعدما استنفدوا كل محاولات التفاوض مع الرئيس بواسطة السلطات بأولوز العاجزة أمام قوة الإقطاع، وتحت ضغط النقابة فتح الحوار مع السلطات بتارودانت بحضور ممثلي وزارة الفلاحة و التجهيز ووكالة الماء بسوس ماسة لأزيد من 8 أشهر دون أن نتوصل إلى حل يذكر، وخلال هذه السنة صدر حكم ضد الجمعية لصالح بعض الفلاحين المتضررين والذي بلغ 120 مليون سنتيم وتم تنفيذه و حجز جميع ممتلكات الجمعية بما ذلك حسابها البنكي الذي بلغ 4 ملايين سنتيم، وفي ظل المشاكل العويصة التي تعانيها منها الجمعية والتي تعبر عن إفلاسها قام الرئيس بعقد الجمع العام التجديدي يوم 22 يونيو 2008 لإطفاء الشرعية على الخروقات التي طالت الجمعية، وقامت السلطات بتزكية هذه الخروقات بإعطاء الجمعية وصل الإيداع القانوني".

ويضيف الفلاح:" لقد نظمت نقابة فلاحي أولوز عدة احتجاجات ضد رئيس الجمعية كان أولها الوقفة الاحتجاجية أمام قيادة أولوز في 09 أبريل 2008 واليوم التضامني مع فلاحي تفرزازت يوم 18 ماي 2008 الذي حضره مراسلو الجرائد و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والأحزاب السياسية وتم الإطلاع على معاناة الفلاحين بساقية تفرزازات والوقفة الاحتجاجية الثانية أمام مقر الجماعة في حين انعقاد الجمع العام التجديدي يوم 22 ماي 2008 بعد إعلان انسحاب فلاحي تفرزازت من الجمعية، ورغم ما شاب الجمع العام من خروقات خاصة إغراقه بمجموعة من معاوني الرئبس الذين لا علاقة لهم بالفلاحة من قريب أو من بعيد والتقرير المالي المغشوش بفائض بلغ 4 ملايين سنتيم ؟ مع العلم أن مداخيل الجمعية طيلة 8 سنوات تفوق 700 مليون سنتيم دون أن تكون لها مصاريف تذكر إلا بناء معصرة الزيتون ب 40 مليون حسب التقرير المالي ومستحقات أجر 4 مستخدمين مكلفين بتوزيع المياه حسب أهواء الرئيس الذي يتحكم في كل شيء داخل الجمعية و الجماعة وأراضي أولوز، رغم كل هذه الخروقات وتحذير النقابة للسلطات قامت هذه الأخيرة بمنح وصل الإيداع التجديدي للرئيس لتزكية شرعية خروقاته، وقام فلاحو تفرزازات بتأسيس جمعية تفرزازت للماء الصالح للري بعد إعلام السلطات والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي ومندوبية التجهيز ووكالة الماء بسوس ماسة الذين قاطعوا الاجتماع وتم منع جمعيتهم وصل الإيداع القانوني من طرف السلطات المحلية".

ونرى كيف تحولت الأرض والماء بسوس إلى مصدر لمعاناة الفلاحين الفقراء والعمال والعاملات الزراعيين في صراع دائم مع بقايا الإقطاع والملاكين العقاريين الكبار، ومن أجل الحق في الأرض يتنامى الصراع الطبقي في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية بتمركز الرأسمال في الزراعة، ويبقى التنظيم الأداة الكفيلة بقيادة هذا الصراع فكان لا بد من توسيع مفهوم التنظيم ليشمل كونية النضال بفتح مجالات التضامن بين التنظيمات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

يقول فلاح آخر :"ذلك ما قمنا به خلال ثلاثة أشهر من الصراع لإبراز ملف الفلاحين الفقراء على المستوى الدولي، والذي تشكل فيه الأرض الركن الأول من بين أركانه الأربعة وهي الحق في الأرض والماء وأركان والأمازيغية، مما أزعج النظام القائم الذي أصدر أحكامه القاسية ضد مناضلي نقابة فلاحي أولوز".

وتبخرت أحلام المناضلين المقاومين في صفوف المقاومة و جيش التحرير إبان مرحلة مقاومة الاستعمار المباشر الذين وضعوا أمام أعينهم استرجاع الأراضي التي استولى عليها تحالف الاستعمار المباشر وبقايا الإقطاع، فضربوا بالحديد والنار مقرات هذا التحالف وضربوا على أيدي كل أعوانه في السهل والجبال بسوس، إلا أن تصفية جيش التحرير في نهاية الخمسينات من القرن الماضي و تمييع مفهوم المقاومة بعد إحداث مندوبية المقاومة، وتفريغها من محتواها النضالي والتنكر للشهداء وتعويمها بإدماج أعوان تحالف الاستعمار المباشر والإقطاع في لوائح المقاومين، قد أحبط مشروع المقاومين وأعضاء جيش التحرير في استرجاع هذه الأراضي إلى أصحابها الشرعيين /الفلاحون الفقراء بسوس.

فأصبح بذلك أحفاد الإقطاع بالبوادي وأرستقراطية النبلاء بالمدن في مراكز السلطة كاستمرارية تاريخية لمشروع الاستعمار المباشر الذي يهدف إلى احتلال هذه الأراضي ، و بالتالي منحهم الشرعية القانونية باستعمال مواقعهم في السلطة من أجل مزيد من ابتلاع أراضي الفلاحين الفقراء بسوس، كما احتفظ شيوخ الزوايا بمواقعهم و الذين استولوا على بعض أراضي الوقف التي منحتها قبائل الأمازيغ لدعم المدارس العتيقة، أما فيما يخص أراضي الفلاحين الفقراء التي استولى عليها الاستعمار المباشر بسوس و التي أسس عليها المعمرون مشاريعهم الرأسمالية ، فقد تم تحويل بعض مشاريعها إلى مؤسسات صوديا التي أفلست نتيجة الفساد الإداري والتي سيتم تفويتها فيما بعد للملاكين العقاريين الكبار والمعمرين القادمين من جديد في إطار الاستثمار الرأسمالي، وتم تركيز مفهوم الإقطاع من جديد في بنية النظام القائم لإرساء أسس مشروعه الذي يرتكز إلى استبعاد الفلاحين الفقراء بسوس، الذين هبوا لمقاومة الإستعمار المباشر و حلفائه الإقطاعيين، وسقط مشروع المقاومة وجيش التحرير الذي يهدف إلى بناء دولة وطنية ديمقراطية شعبية تكون فيها الأرض للفلاحين الفقراء، واستكمل النظام القائم بنيته بإدماج هذه الطبقات في منظومة سلطته و التي تأسست على قاعدة خدمة الرأسمالية الإمبريالية، وذلك بتقوية الإقطاع وعصرنته بإدماج أبنائه في أسلاك السلطة بدعم الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار بامتلاك مزيد من أراضي الفلاحين الفقراء بسوس، وذلك بالاستيلاء على أراضي الجموع وتحويلها إلى ضيعات البواكر والحوامض في اتجاه التصدير إلى الأسواق الأروبية، وظهرت طبقة الملاكين العقاريين الكبار بسوس على حساب ابتلاع أراضي الفلاحين الفقراء الذين تم تحويلهم إلى عمال وعاملات زراعيين، يتم استغلالهم بالضيعات ومعامل التلفيف في ظروف شبيهة بالإقطاع تنعدم فيه شروط العيش الكريم في ظل قوانين رجعية.

وإلى جانب ابتلاع أراضي الجموع التي كانت في ملكية الفلاحين الفقراء فإن الفلاحين الصغار الذين يملكون ضيعاتهم الفلاحية ذات المساحات الصغيرة، أصبحوا يفقدون أراضيهم بعد حجز المياه بحقينتي سد أولوز وسد المختار السوسي ونضبت العيون بالحوض، ويتم ابتلاع أراضيهم من طرف الملاكين العقاريين الكبار الذين يستغلون الفرشة المائية بشكل مفرط بواسطة المضخات الكهربائية، مما يساهم بشكل كبير في هبوط مستوى المياه الجوفية، الشيء الذي يمنع الفلاحين الصغار من الحصول على مياه الري بوسائلهم التقليدية في ظل غياب دعم النظام القائم لهم، مما وضعهم في موقع الإفلاس و دفعهم إلى بيع أراضيهم للملاكين العقاريين الكبار بأبخس الأثمان، وتحول الفلاحون الصغار إلى فلاحين فقراء و بالتالي يتحول أبناؤهم في أحسن الظروف إلى عمال وعاملات زراعيين، كما يتم طرد الفلاحين الصغار بالتعاونيات الفلاحية /المشاريع الفلاحية الملغومة من الأراضي التي منحت لهم من أجل استغلالها لتوفير بذور القمح لشركة سوناكوس و الحليب لتعاونية كوباك فيما بعد، وذلك لعجزهم عن أداء ديون القرض الفلاحي وفواتير مياه الري في الوقت الذي يتملص الملاكون العقاريون الكبار من أداء ما عليهم من ديون، مستعينين في ذلك بمراكزهم في الحكومة والبرلمان.

يقول أحد الفلاحين الصغار:"إن طرد 10 عائلات من تعاونية أمل النجاح من أصل 60 عائلة خير دليل على تهييء أراضي الفلاحين الصغار بالمشاريع الفلاحية التي استغلوها أزيد من 25 سنة للتفويت بالضغط عليهم بديون القرض الفلاحي وجمعيات السقي".

وظهرت طبقة العمال والعاملات الزراعيين بسوس في ظل الهجوم على أراضي الفلاحين الفقراء من طرف تحالف الإقطاع والكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار بدعم من النظام القائم، الذي عمل على سن جميع القوانين ضد الفلاحين الفقراء من أجل ضرب الشرعية التاريخية لوثائق ملكية أراضيهم بالسهل والجبال بسوس، فقام بتحفيظ ما يسمى بالأراضي المخزنية والأوقاف واستغلالها لدعم سلطته، ومنح الشرعية القانونية لامتلاك أراضي الجموع من طرف الملاكين العقاريين الكبار الذين استولوا عليها منذ بداية الاستقلال الشكلي، وذلك بسن قوانين تعطيهم الحق في الملكية في سنة 2005 وتم تحفيظها لصالحهم من أجل فتح المجال أمامهم لتفويتها للمعمرين القادمين من جديد بدعوى الاستثمار الرأسمالي، وبواسطة رؤساء الجماعات المحلية وممثلي الجماعات السلالية يتم تفويت ما يبقى من أراضي الفلاحين الفقراء قرب سد أولوز، واستهداف أراضي الغابات الشاسعة بجبال الأطلس والمجاورة للسدود الخمسة التي بنيت على حساب أراضي الفلاحين الفقراء خاصة سدي أولوز والمختار السوسي.



معاناة الرحل بعد تقنين المراعي

يعيش الرحل أوضاعا مزرية التي زادت تفاقما مع ظروف الجفاف والجائحة وقمعهم الممنهج من طرف السلطات : منعهم من الترحال بحثا عن الكلأ والماء، ونتيجة لهذه الظروف القاسية التي عاشوها طيلة سنتي 2019 و2020 تم تنظيم لقائهم الوطني التاريخي من طرف نقابتنا في 12 شتنبر 2019 بمدينة تنغير، تم فيه مناقشة القانون 113.13 الذي يعتبرونه متناقضا مع جميع المواثيق والعهود الدولية خاصة الحق في البيئة والتنمية، الذي تنص عليه توصيات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والمتعلقة بالبرامج التنموية بالأرياف وخاصة منها حق السكان في حيازة الأرض، باعتباره أساس كل برنامج تنموية تروم الدولة تنفيذها بالأرياف.

وكان لما طالهم من منع وقمع يوميا خلال سنتين متتاليتين باسم تطبيق قانون 113.13 اللاشرعي واللادستوري، أثر كبير في حياتهم ماديا ومعنويا، مما خلق لدى عائلاتهم حالات نفسية مضطربة عميقة خاصة النساء والأطفال، الذين تطالهم الممارسات القمعية لأجهزة السلطات والدرك، بمناطق جبلية خلاء معزولة عن العالم في غياب الآباء الرحل التائهين عبر الأسواق بحثا عن مشترين لمواشيهم وبأثمان بخسة، مع العلم أنهم محرومون من الحقوق الأساسية : الحق في الصحة، التعليم، السكن، مما فتقدون الحق في الأمان والحياة والحرية، حيث تتعرض النساء والأطفال للعنف واجتثاث قطعانهم وتعريضها للإتلاف والسرقة، مما كبدهم خسائر مادية فادحة جراء نفوق مواشيهم بعد تعريضها لافتراس الكلاب الضالة بالجبال.

كما أنهم محرومون من دعم الدولة رغم تهليل وزير الفلاحة بتوزيها ملايين الأطنان من الشعير المدعم عبر الإعلام، لكن واقعهم في الحقيقة محرومون من هذا الدعم الطي يشترونه من أموالهم وبأثمان عالية بالأسواق من طرف التجار المضاربين، مما يستنزف ما تبقى لهم من أموال حصلوا عليها عبر بيع مواشيهم بأثمان بخسة للتجار المضاربين بالأسواق الأسبوعية، حتى أصبحوا يقتاتون على امتصاص عرقهم ودمائهم من طرف الملاكين العقاريين الكبار المتمتعين بدعم الدولة وبكل سخاء، دعم خيالي يصل فقط في دعم معامل التلفيف من 12 مليار سنتم إلى 17 مليار سنتم دون احتساب التوزيع وبسخاء لأراضي الجماعية عليهم، والتي أقاموا عليها ضيعاتهم الفلاحية وتزويدها بالكهرباء ومياه الري دون أداء مستحقاتهم المالية.

وكان الرحل ينتقلون بكل حرية بين جهات المغرب بحثا عن الكلأ لقطعانهم إلا أن السياسات الفلاحية الطبقية وصلت أراضي الرعي، بعد تحفيظ الملك الغابوية من طرف المياه والغابات وتحفيظ أراضي الجموع التي تتحكم فيها وزارة الداخلية، جاء الدور على حقوق الرحل بعد سن قانون 113,13 الذي يفرض قيودا على الترحال بفرض الترخيص للتنقل إلى المراعي، وإحداث محميات لتفويتها للملاكين العقاريين الكبار الذي أسسوا تعاونيات المواشي خاصة الإبل بدعم من وزارة الفلاحة، ليتم محاصرة الرحل الفقراء أبناء الجنوب والجنوب الشرقي الذين ورثوا مهنة الترحال أبا عن جد رغم أن مناطقهم

بعد سنة من تأسيس اللجنة الوطنية للرحل التي واكبتها معانات مريرة تم تنظيم وقفتين احتجاجيتين من طرف ممثلي الرحل بجميع مناطق المغرب، يوم الأربعاء 28 أكتوبر 2020 بأكادبر أمام ولاية سوس ماسة والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بسوس ماسة، وتم تنظيم اجتماعهم بمقر الاتحاد المغربي للشغل بأكادير تم فيه دراسة أوضاعهم المزرية، وضع برنامج نضالي تصعيدي لانتزاع حقوقهم المشروعة وتجديد لجنهم الوطنية لقيادة هذا البرنامج، الذي يتمركز حول المطالب التالية :

1 ـ مطالبة وزارتي الداخلية والفلاحة بإحصاء الخسائر المادية للرحل منذ 20 مارس 2020 إلى الآن و تعويضات المتضررين في أقرب الآجال، مع العلم أن اللجنة الوطنية تعمل على تكوين ملف لهذه الخسائر تدافع عنه بجميع الأشكال النضالية المشروعة.
2 ـ فك الحصار عن الرحل بجميع المناطق المحاصرين فيها وتحميل الوزارتين كافة الخسائر التي ستترتب عن منعهم من التنقل إلى مناطق الداخلة والعيون اللتين يتوفر فيها الكلأ.
3 ـ توقيف التعامل بالترخيص من باقي الجهات إلى منطقتي الداخلة والعيون ومناطق أخرى يتوفر فيها الكلأ، من أجل إنقاذ القطعان من النفوق جراء محاصرتها بمناطق ينعدم فيها الكلاء والماء وأخرى بدأ فيها موسم الزراعة.
4 ـ تمكينهم من الدعم خاصة الشعير وتوفير الدواء والمياه ومراقبة السوق لحمايتهم من التجار المضاربين.
5 ـ إلغاء بنود القانون 113.13 التي تحرمهم من حقوقهم الطبيعية والتاريخية وخاصة حقهم في حيازة الأرض، باعتبارهم مستثمرين صغار وإلغاء إقامة المحميات على الأراضي الرعوية وتفويتها للملاكين العقاريين الكبار.

وتجذر الإشارة إلى أن هذه النقاط الخمس هي استعجالية وأساسية في رفع الحصار عنهم قبل متم أكتوبر 2020، وبالتالي فتح الحوار مع لجنتهم الوطنية حول الملف المطلبي الشامل الذي ستضع النقابة الفلاحية لدى الجهات المعنية.

وللدفاع عن هذه المطالب الاستعجالية وضعت لجنتهم الوطنية برنامجا نضاليا يبتدئ في فاتح نونبر 2020 كآخر آجال لحماية مواشيهم من النفوق، يتخذ أشكالا نضالية تصعيدية تتحمل هاتان الوزارتان عواقبه الوخيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا