الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التاريخ لا يكتبه المنتصرون
هشام جمال داوود
2021 / 4 / 26مواضيع وابحاث سياسية
كتب التاريخ وخاصة عن الفترة المتعلقة بتاريخ العراق الحديث، فيها ما يعزز المقولة الخاطئة التي كثيراً ما يتم ترديدها بين الناس على ان التاريخ محرفاً أو مزوراً.
وهذه الجملة هي حمالة أوجه، اذ تحمل الخطأ والصواب لمن يقرأ تاريخ تلك الفترة، فعلى سبيل المثال لو اخذنا فترة منتصف القرن العشرين.
وليكن الموضوع عن ثورة الرابع عشر من تموز وسيرة الزعيم عبد الكريم قاسم.
إذ نجد أن عدداً ليس بالقليل من الكتب التي تناولت هذا الموضوع، والتي تراوحت بين التأييد والتهجم مما يدفع بالقارئ ان يتمسك ويقتنع أكثر بأن التاريخ مزوراً، أو كتبه المنتصرون.
لكن هذا الكلام لا يعترف به الأشخاص الأكاديميون ولا يرددوه اطلاقاً، لأن الملاحقة الاكاديمية تكشف النقاب وتضع النقاط على الحروف، وتوضح الخفي والمبهم.
فعلى سبيل المثال، عن سيرة الزعيم، هناك من كتب بتجرد عال، وبمنتهى الموضوعية وبدقة متناهية، والتزم جانب الحياد كونه يعرف بأنه امام مسؤولية تاريخية، ومن بينهم:
حسين جميل/ وهو نائب في البرلمان الملكي لثلاث دورات وأيضا وزير في العهد الملكي اذ شغل منصب وزير العدل، وبعد ثورة ١٤ تموز شغل منصب وزير الارشاد في اول حكومة جمهورية بعد الثورة، على الرغم من ان استقالته من منصبه كانت مبكرة جداً، لكن ما اريد الإشارة اليه هو ان هذا الرجل لم يحرم من شيء او لنقل لم يكن حالماً بمنصب معين وحرم من الحصول عليه، لذلك عندما يكتب ستكون كتابته من ضمير حي وبقلم خالٍ تماماً من الأحقاد، ورسخ جهده وقلمه لقول الحقيقة.
محمد حديد/ تماما مثل حسين جميل، فهو أيضا نائب في البرلمان الملكي لثلاث دورات ومن ثم أصبح وزيراً للتموين في فترة العهد الملكي، وفي حكومة الزعيم أصبح وزيراً فيها للمالية ثم للصناعة لغاية عام ١٩٦٠.
وكلاهما سياسيان في الحزب الوطني الديمقراطي، وكما اشرت فقد اخذ الاثنان حقائب وزارية ولم يشعر كلاهما بالغبن او ان حقاً معيناً قد سلب منهما، لذلك كانت مذكراتهم تصدح بالحقيقة.
وهناك كاتب كما نقول (تملأ قلبه الحسرات)، لذلك تراه يكتب تحت تأثير المخدر العاطفي مبتعداً بذلك عن شواطئ الحقيقة وكل ما يمت لها بصلة.
وصبحي عبد الحميد هو خير مثال على هذا النوع من الكُتاب الذين كتبوا عن فترة معينة ولكن كتاباتهم لم تكن منصفة وإن كان من بين الذين عاصروها، فهو واحداً من بين أعضاء تنظيم الضباط الاحرار، والكثير من المعارضين لفترة حكم الزعيم يعتبروا مذكراته مرجعاً مهماً وخصوصاً القوميين والبعثيين وأنصار عارف.
غير ان احداً منهم لم يكلف نفسه إلا (القلة القليلة) للبحث عن الأسباب التي جعلت من صبحي عبد الحميد ان يكون في مثل هذا التوجه المعادي للزعيم.
هذا الشخص كان برتبة رائد في ١٤ تموز، وكما اشرت كان عضواً في تنظيم الضباط الأحرار الذين قرروا الإطاحة بالنظام الملكي، وعلى الرغم من انه لم يكن موجوداً في بغداد صبيحة الثورة وانما في الأردن، ولكن كانت أحلامه ان يكون مكانه هنا او هناك في المناصب المهمة بعد نجاح الثورة.
ولنعود لألقاء نظرة على تلك الفترة من جديد، فالطابور من الأسماء والشخصيات التي لها نفس المطالب وتراودها نفس الاحلام طويل جداً، والاسماء متنوعة ما بين شيوعي وقومي وثالث من حزب الاستقلال ورابع من الحزب الوطني الديمقراطي، إضافة للقوميين والبعثيين.
فأي المناصب التي ستبقى شاغرة ليمنحها الزعيم وحكومته لضابط صغير برتبة رائد وإن كان من الأركان وولا ميزة له سوى أنه كان عضواً في تنظيم الضباط الاحرار؟ وخارج العراق صبيحة الثورة؟
ومن الأمثلة التي تدينه وتثبت صحة ما ذهبنا اليه هو اشتراكه بعد عام واحد من عمر حكومة الزعيم والتحاقه بحركة الشواف في الموصل، والتي تم اعتقاله فيها ومن ثم أطلق سراحه بعفو من الزعيم عبد الكريم.
وبهذا يكون قد ازداد موقفه المعادي وكرهه الشخصي للزعيم وحكومته فعاد مرة اخرى واشترك بتنظيم الضباط الاحرار الجديد والذي كان هدفه الوحيد هو الإطاحة بحكم الزعيم.
وبعد كل هذه الاحداث كتب مذكراته التي لم تكن منصفة وانما تميل لأعداء الزعيم وثورة ١٤ تموز.
وهنا يكون لزاماً علينا ان نطرح سؤالاً واحداً ونكتفي به، هل ان الرائد آنذاك صبحي عبد الحميد كان سيبقى على موقفه المعادي للزعيم لو تم منحه منصب معاوناً لرئيس اركان الجيش بعد الثورة؟ وهل سيلتحق بالتنظيم المعادي؟
وهناك نوع ثالث وهو الكاتب المتملق الذي يكتب لغرض واحد وهو إرضاء سيده خصوصاً إذا ما كان سيده طاغية ودموي.
وأحد هؤلاء الكُتاب هو احمد فوزي الذي كتب سيرة فيصل الثاني وسيرة عبد الكريم قاسم.
فجعل من الأول واتباعه وكأنهم ملائكة والثاني واتباعه شياطين، تملقاً منه لسيده صدام والتقرب منه ونيل رضاه.
التاريخ وإن كتبه المنتصر فمن المستحيل ان يكون محط ثقة ان لم يتضمن الحقائق وإن طال الأمد، خصوصاً إذا ما كان المنتصر مجرماً دموياً، فعلى سبيل المثال هل يتمكن المجرمين الذين نفذوا جريمة العصر (مجزرة سبايكر) ان يكتبوا ضد الضحايا الذين تم نحرهم غدراً وتكون هذه الكتابة مصدراً تاريخياً موثوقاً به؟
ختاماً، فإن التاريخ لا يكتبه المنتصرون انما يحرفه الحاقدون، ومن ثم يفشلوا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأدميرال ميغويز: قدراتنا الدفاعية تسمح بالتصدي للأسلحة التي
.. صدامات بين الشرطة وإسرائيليين عند معبر كرم أبو سالم
.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية ليلية تستهدف مناطق في مدينة ر
.. احتجاجات حرب غزة تقاطع حفل تبرعات للرئيس بايدن
.. ضربات إسرائيلية على مدينة حلب تسفر عن مقتل 38 شخصا من بينهم